الجمعة، أكتوبر 02، 2009

للحظة إعتقدت أننا توقفنا نهائياً عن التدخين

راسم عبيدات

توضيحاً للعنوان فإن مصطلح الكف عن التدخين او التوقف عنه، نطلقه على أسماء الوفيات في الصفحة ما قبل الأخيرة في جريدة القدس،بالقول أن هؤلاء الأشخاص تركوا أو توقفوا عن التدخين إلى الأبد،وفي طريقنا اليومي من القدس الى مكان عملنا في جمعية الشبان المسيحية – بيت ساحور،أنا وزميلي السائق محمد أبو صوي،ورحلة العذاب اليومية على الحواجز العسكرية"المحاسيم، الفاصلة ما بين القدس المحاطة بالجدران والمستوطنات وبين الضفة الغربية،كان يوم الثلاثاء 29/9/2009،مختلفاً على غير عادته عن بقية الأيام،فاليوم السابق له لم نستطع الوصول إلى مكان عملنا بسبب الإغلاق ووضع الكتل الحجرية على مداخل القرى العربية المقدسية،لمنع السكان العرب من التحرك والتجول أو الخروج منها،لكون ذلك يصادف ما يسمى بعيد "الغفران" عند اليهود ،وفي طريقنا إلى العمل كالعادة عرجنا على العديد من المواضيع،وأفردنا حيزاً من النقاش لمحاولة المستوطنين اقتحام المسجد الأقصى وإقامة الصلوات في ساحته يوم الأحد 27/9/2009،بزعم أنه مقام على هيكلهم المزعوم،وحالة القصور العربي والإسلامي وحتى الفلسطيني نفسه،تجاه ما يتعرض له الأقصى من اقتحامات متكررة وحفر للإنفاق حوله وتحته،وبما يؤشر الى مخاطر جدية عليه،قد تقود الى تقسيمه بين العرب واليهود،كما حصل في الحرم الإبراهيمي الشريف في الخليل،وفي ذروة نقاشنا وبالقرب من مستوطنة أبو غنيم"هار هحوما" الفاصلة بين بيت لحم ومدينة القدس،وفي قمة النقاش والحديث،عن ما آلت اليه أوضاع شعبنا،وكيف طفت على السطح الكثير من الشخصيات التي جل اهتماماتها ونضالاتها الحديث والمقابلات في الصحف وعلى الفضائيات،دون أية ترجمات حقيقية على الأرض،وفي هذه الإثناء خرجت سيارة إسرائيلية تقودها فتاة إسرائيلية في الثلاثينات من عمرها قادمة من الجهة المقابلة لنا،عن مسارها بسرعة جنونية، لتنحرف تجاه المسار الذي نسير فيه،وفي آخر لحظة لمحتها،وصرخت على زميلي أبو صوي،بان يفعل شيء من أجل تجنبها،وقد حاول أبو صوي أن يفعل شيئاً،ولكن ما أن أكملت كلماتي حتى سمعت صوت ارتطام عالي أشبه بصوت انفجار ضخم،ومن شدة وقوة الإصطدام والذي تسبب في فصل إطار السيارة الأمامي من جهة السائق عن السيارة،وكما أطبق حديد السيارة من الجهة الأمامية على قدمي أبو صوي،وكذلك باب السيارة من جهته،وأيضاً بسبب الزلزال الذي حصل انفجرت "طابات الهواء" في السيارة،وخرج منها مادة ذات دخان كثيف،إعتقدت للحظة أن السيارة تحترق،وهنا قلت أننا كففنا عن التدخين بشكل نهائي،وإذا كان من ميتة،بعد سنين من مقارعة الاحتلال وفي السجون،فالأجدر أن لا نموت احتراقاً في هذه السيارة وبسبب نفس العدو،ودفعت باب السيارة من جهتي بأقصى قوة وخرجت منها مسرعاً،وفي حالة من الذهول والإرباك والتحسس لجسمي،وصحوت على صوت أبو صوي وتألمه،وعدت مسرعاً اليه محاولاً عمل أي شيء له،ولكن من حسن حظه أن الباب من جهته لم يفتح ،فلربما لو فتح وقمت بأي حركة أو مساعدة خاطئة له،لسببت له الضرر أكثر من المنفعة،وفي هذه الأثناء أجرينا عدة اتصالات مع إدارة المؤسسة والإسعاف والشرطة،ولتأتي بعدة عشرة دقائق ويأتي معها الدفاع المدني،ويقوم بقص السيارة وإخراج زميلي منها،ونقلنا إلى مستشفى هداسا الشرقية في القدس،وفي طريقنا الى المستشفى،كان يمر في رأسي شريط من الذكريات،كيف نجينا وكم لحظة فصلت بيننا وبين الكف عن التدخين بشكل نهائي،وكيف هي النهاية؟،ولماذا الاحتلال يلاحقنا حتى في حوادث السير؟،وحمدت الله على أن الفضل يعود بالدرجة الأولى في إنقاذنا إلى أعمالنا الصالحة والى قوة ومتانة السيارة الألمانية"باسات خصوصي"،والتي عجلها الأمامي إمتص الضربة وقصرها على رضوض لي وكسر في الساق اليمنى للصديق أبو صوي والعديد من الرضوض الأخرى في أنحاء مختلفة من جسمه،وبعد الخروج من المستشفى وعيادتنا من عدد من الأصدقاء،أرجع صديق لي منذ أكثر من ثلاثين عام أو أكثر من الجبهة الديمقراطية،يدعى سليمان مط،كان في زمن الاشتراكية والمد الشيوعي يدعى أبو أنطون،تيمناً بابنه الذي أنجبه من زوجة روسية في بلاد الروس،وبعد عودته واعتقاله من على الجسر من قبل سلطات الاحتلال،وبعد خروجه من السجن لم يستطع العودة إلى الإتحاد السوفياتي،والذي كان على أعتاب مرحلة "البريسرويكا"،أي ما قبل انهيار الاشتراكية،تزوج من فتاة قريبة له وأنجب منها أبناء وبنات،وأصبح يدعى في زمن الأسلمة بأبي مراد،وهذا الرجل يتصف بالكثير من النقاء والمبدئية غير المعهودة لا في فصيله ولا حتى في شعبنا،وهو يرى أن انعزال اليسار وتراجعه وانحساره له علاقة بعدم فهمه للواقع الفلسطيني،والتي تشكل المسألة الروحانية جزء هام من حياته،والوصول إلى الجماهير والعمل معها وإقناعها،يتطلب إيجاد آليات وطرائق تمكن من فهمها وتقبلها لك ولفكرك ومعتقداتك،ومن هنا أصبح يواظب على الصلاة والصوم،وهو يرى أن لا تعارض بين كونه منتمي لفصيل يساري،وبين أدائه للطقوس والشعائر الدينية.

ومن هذا المنطلق في تهنئته لي بالسلامة قال يا صديقي،أنت كنت قريباً جداً من الكف عن التدخين بشكل نهائي،وأنا أرجع خروجك سالماً من هذه الحادثة غالى أن أعمالك وأفعالك صالحة،ولم ترتكب لا المعاصي ولا الموبقات ولا علاقة لك بالفساد والرشاوي،بل لك سجل حافل بالعطاء والتضحية،ولكن عليك أن تقف وقفة مراجعة مع ذاتك فيما يخص العلاقة بالدين،ناهيك عن أنه عليك أنت وصديقك أبو صوي الفداء عن خروجكما سالمين غانمين.

والصحيح هنا وفي مثل هذه اللحظات،يمر شريط من الذكريات في رأسك،ماذا لو كفينا عن التدخين الى الأبد؟،ماذا ستكون عليه أوضاع الأسرة والعائلة؟،وماذا ستكون ردة فعل والدين،قضوا ردحاً من أعمارهم في الوقوف أمام بوابات سجون الإحتلال،إما لزيارتنا أنا وأشقائي في السجون،أو السؤال عنا في مراكز التحقيق ،وأستذكر كلام والدي العجوز وهو يتكئ على عصاه،عندما يأتي لزيارتي في السجن ويقول لي،الجنود يا ولدي عندما يكبرون يتقاعدون وكذلك كل البشر وأنت الآن اقترب سنك من الخمسين،فلماذا لا تتقاعد؟،وهل فلسطين تخصنا نحن وحدنا؟،وألف سؤال وسؤال تجول في رأسك في تلك اللحظة،الأبناء والزوجة والأحبة ومن تحب وتضحي من أجلها ....الخ.كلها أسئلة تدور في رأسك وتستذكرها في اللحظات الحرجة،وفي اللحظات الحرجة كما قال الشاعر العراقي الكبير مظفر النواب يعتمد القلب.

ليست هناك تعليقات: