د. فايز أبو شمالة
أنعم الله على قطاع غزة بشجرة النخيل، وكأن غزة غابة نخيل، أو رحم امرأة لا ينضب، عطاء يتدفق بلا حدود، وفائض إنتاج تحار فيه غزة، شوارع تضج بالرطب الشهي الذي تساقط على جوانب الطريق، ينتظر الآكلين، ومئات آلاف الطلاب يتزاحمون في الشوارع وكأنهم قطوف بلح دانية، تعلن أن في هذه البقعة الشامخة المنسية من الكرة الأرضية بذراً، وثمراً، وإرادة إنسان تطلب الحياة رغم شبح الموت الذي تلوّح فيه إسرائيل، فإذا بغزة طاقة شباب يافع لم تبلغ العشرين، وطموح أجيال تتدافع بأفق كالمدى.
غزة فائض رطبٍّ وفائض يدٍ عاملة، وصناعة حدثٍ، فإذا اختلط كل ذلك بالواقع صار عجوةً من كرامة وحنان، والعجوة وصفة تاريخية ضد الحصارٌ الإسرائيلي، الذي يفرض على أهل غزة الحذر، والاستعداد، وعدم الإغفاء لغدر الزمان، ولمن صاروا بقوة الإرهاب جيران، ولا سميا أن لأهل غزة حلم أوسع من مجال الرؤية، ويتصاعد كالنخيل، الذي يعطي الرطب، الذي يلذ للآكلين، ويصير الفائض منه عجوةًَ، يمكن أن تصنعها كل امرأة في غزة، وهي أشهي من التمر الذي يأتي إلى غزة مطبوخاً بالسكر، ومجففاً على هيئة أعجاز تمر، لتظل العجوة تختزن إنسانية اليد التي صنعتها.
بعد أن تقشر الرطبة، وتنزع منها النواة، وتصير إلى فلقتين، توضع في الصينية بشكل منظم، وهكذا حتى تصنع الأسرة مجتمعة عدة صواني من الرطب الجاهز للتجفيف في الشمس، مع مراعاة تغطية الصواني بالشاش الخفيف خشية الذباب، أربعة أيام شمس يصير الرطب الجاف جاهزاً للعجن، ليصير عجوة، بعد وضعه على هيئة أقراص مستديرة ليسهل تحميصه في الفرن على نار هادئة، فإذا ارتش الناتج بالسمسم، صارت العجوة أطيب من كل أنواع الحلويات، وإن رشت بجوز الهند صارت العجوة ألذ المشهيات.
في إمكان كل امرأة في غزة أن تصنع عجوة، ومثلما تتباهى المرأة بأنها عملت الكعك لأولادها في العيد، وأنها غير مقصرة مثل جارتها التي اشترت كل شيء من السوق، ولا تعرف أن تلملم أولادها على مائدة حنان إنساني، بإمكان المرأة أن تصنع عجوة، ولاسيما أن كمية الرطب التي تتوفر في أسواق غزة تفيض عن حاجتهم للاستهلاك اليومي، والأسعار الرخيصة جداً تنادي على اليد العاملة لاستغلال قدرتها، لأن من يصنع قوت يومه بيده يستعذب ما يأكل، ويطمئن، ويؤسس لكرامته، وحريته، وإرادته التي تفرض نفسها معادلاً موضوعياً للحصار الإسرائيلي.
تذكرت قفير العجوة وأنا استمع لخطاب السيد عباس، الذي طلب من سفيره في جنيف معاودة طرح تقرير "غولدستون" على مجلس حقوق الإنسان، وفي نفس الوقت ينكر وجود خطأ في تأجيل عرضة قبل أسبوع، وفي هذا الكلام تناقض وخلط، فإذا أضيف له اعتراف السيد صائب عريقات، وياسر عبد ربه بالخطأ، وهما من أركان الحكم، حمدنا الله؛ لأن غزة خالية من هذا الخلط الذي لن يصير عجوةً حتى لو ارتش بسمسم الرواتب.
fshamala@yahoo.com
أنعم الله على قطاع غزة بشجرة النخيل، وكأن غزة غابة نخيل، أو رحم امرأة لا ينضب، عطاء يتدفق بلا حدود، وفائض إنتاج تحار فيه غزة، شوارع تضج بالرطب الشهي الذي تساقط على جوانب الطريق، ينتظر الآكلين، ومئات آلاف الطلاب يتزاحمون في الشوارع وكأنهم قطوف بلح دانية، تعلن أن في هذه البقعة الشامخة المنسية من الكرة الأرضية بذراً، وثمراً، وإرادة إنسان تطلب الحياة رغم شبح الموت الذي تلوّح فيه إسرائيل، فإذا بغزة طاقة شباب يافع لم تبلغ العشرين، وطموح أجيال تتدافع بأفق كالمدى.
غزة فائض رطبٍّ وفائض يدٍ عاملة، وصناعة حدثٍ، فإذا اختلط كل ذلك بالواقع صار عجوةً من كرامة وحنان، والعجوة وصفة تاريخية ضد الحصارٌ الإسرائيلي، الذي يفرض على أهل غزة الحذر، والاستعداد، وعدم الإغفاء لغدر الزمان، ولمن صاروا بقوة الإرهاب جيران، ولا سميا أن لأهل غزة حلم أوسع من مجال الرؤية، ويتصاعد كالنخيل، الذي يعطي الرطب، الذي يلذ للآكلين، ويصير الفائض منه عجوةًَ، يمكن أن تصنعها كل امرأة في غزة، وهي أشهي من التمر الذي يأتي إلى غزة مطبوخاً بالسكر، ومجففاً على هيئة أعجاز تمر، لتظل العجوة تختزن إنسانية اليد التي صنعتها.
بعد أن تقشر الرطبة، وتنزع منها النواة، وتصير إلى فلقتين، توضع في الصينية بشكل منظم، وهكذا حتى تصنع الأسرة مجتمعة عدة صواني من الرطب الجاهز للتجفيف في الشمس، مع مراعاة تغطية الصواني بالشاش الخفيف خشية الذباب، أربعة أيام شمس يصير الرطب الجاف جاهزاً للعجن، ليصير عجوة، بعد وضعه على هيئة أقراص مستديرة ليسهل تحميصه في الفرن على نار هادئة، فإذا ارتش الناتج بالسمسم، صارت العجوة أطيب من كل أنواع الحلويات، وإن رشت بجوز الهند صارت العجوة ألذ المشهيات.
في إمكان كل امرأة في غزة أن تصنع عجوة، ومثلما تتباهى المرأة بأنها عملت الكعك لأولادها في العيد، وأنها غير مقصرة مثل جارتها التي اشترت كل شيء من السوق، ولا تعرف أن تلملم أولادها على مائدة حنان إنساني، بإمكان المرأة أن تصنع عجوة، ولاسيما أن كمية الرطب التي تتوفر في أسواق غزة تفيض عن حاجتهم للاستهلاك اليومي، والأسعار الرخيصة جداً تنادي على اليد العاملة لاستغلال قدرتها، لأن من يصنع قوت يومه بيده يستعذب ما يأكل، ويطمئن، ويؤسس لكرامته، وحريته، وإرادته التي تفرض نفسها معادلاً موضوعياً للحصار الإسرائيلي.
تذكرت قفير العجوة وأنا استمع لخطاب السيد عباس، الذي طلب من سفيره في جنيف معاودة طرح تقرير "غولدستون" على مجلس حقوق الإنسان، وفي نفس الوقت ينكر وجود خطأ في تأجيل عرضة قبل أسبوع، وفي هذا الكلام تناقض وخلط، فإذا أضيف له اعتراف السيد صائب عريقات، وياسر عبد ربه بالخطأ، وهما من أركان الحكم، حمدنا الله؛ لأن غزة خالية من هذا الخلط الذي لن يصير عجوةً حتى لو ارتش بسمسم الرواتب.
fshamala@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق