الاثنين، أكتوبر 12، 2009

ذكرى 13 تشرين والقائد الذي ضل الطريق

الياس بجاني

مقطع من الكلمة التي ألقاها العماد ميشال يوم الأحد 11 من الشهر الجاري 2009 في ذكرى شهداء 13 تشرين الأول 1990:

"ولكي تأخذ مقاومتنا أبعادها الحقيقية وتبلغ أهدافها، علينا أن نحدد أعداء المرحلة التي نعيشها اليوم، وما يترتب علينا القيام به لنحقق هذه الأهداف. إن عدونا الأول يكمن في بعض سلوكنا، وفي طريقة تعاطينا مع ما يفرضه الفاسدون من ممارسات على الناس، تعطل خياراتنا الصحيحة وتجعلنا تبعيين، ننظر إلى الأمور بمنظارهم ونقر بالأشياء التي تتعارض مع قناعاتنا وحقيقة واقعنا".

ترى أية مقاومة يتحدث عنها العماد الذي أصبح كأحمد سعيد والصحاف والقنديل والوهاب يلوك ويجتر الكلام بعد تفريغه من معانيه الحقيقة متناسياً أن الكلمة مقدسة ولا يجوز استعمالها للخداع والرياء والتعمية، وقد جاء في إنجيل القديس يوحنا 1/1: "في البَدء كان َ الكلمة، والكلمة كان لدى الله، والكلمة هو الله".

نسأل هل هي مقاومة الميليشيات "والزعران"، والكونتونات والغزوات والجهل والتعصب وقوى الاحتلال الغريبة والإقطاعية والعائلية والفساد والطائفية التي طالما حمل راياتها ووصل على ظهرها وعلى حساب دم الشهداء الأبرار إلى الموقع القيادي الذي يتبوأه الآن؟

أم أنها المقاومة الإيرانية � السورية الممثلة في لبنان بجيش حزب الله وباقي ميليشيات أطياف 8 آذار التي تقاوم وتمنع بالقوة والإرهاب والبلطجة والقتل والاغتيالات والغزوات قيام الدولة اللبنانية وتشل مؤسساتها وتشرع الدويلة وسلاحها وهرطقاتها وانفلاشها المسلح وتروّج لثقافة الموت والحروب العبثية والأصولية المتحجرة والشمولية اللاغية للآخر على حساب الدولة المركزية ودستورها ومجتمعها الموزاييكي والسلام والحريات والديموقراطية فيها؟

الحقيقة المرة والصادمة أن العماد أصبح خبيراً ومبتكراً مبدعاً في فنون وشجون الشعوبية الكلامية كما في تزكية الأحقاد والكره ونبش القبور وتسعير كل مكونات زرع الشقاق والفرقة والفتن بين اللبنانيين. لقد قتل مصداقيته وتاريخه وكل نضاله يوم تنازل عن ذاته وشعاراته وخطابه السيادي والمؤسساتي وربط مصير الوطن بورقة تفاهمه مع حزب ولاية الفقيه التي قدست سلاح هذا الحزب وشرعنته واعتبرت حقبة الاحتلال السوري تجربة شابتها بعض الأخطاء، ومن يومها لم يعد خطابه يحمل معاني مفرداته لكثرة تقلباته وتلونه واجتراره لمفردات مفرغة من معانيها.

من المحزن جداً أن العماد عون قائد معارك 13 تشرين الأول سنة 1990 قد تخلى كلياً عن الوكالة التي سطرها له الشهداء الأبطال بدمائهم والتضحيات ونقض كل وعوده وعهوده وشعاراته السيادية التي حمل راياتها ما بين 1988 و2005.

لقد انتقل الرجل دون خجل أو وجل إلى القاطع السوري الإيراني وبدّل جلده ولبس العباءة الشامية في مضارب البعث "القرداحي" وأصبح حليفاً وداعماً لقوى الشر المحلية والإقليمية التي أخرجته من قصر الشعب بالدم والنار ونحرت رقاب جنوده وقطعت أوصالهم ونكلت باللبنانيين الأحرار قتلاً وخطفاً واعتقالاً وإبعاداً وإفقاراً وغزوات.

لقد أصبح عون بالواقع المعاش ناطقاً بلسان قوى الشر السورية والإيرانية وغطاءً مسيحياً لمشروعها المدمر والهادف إلى ضرب مقومات النظام اللبناني وهدم كيان الوطن الحضاري والثقافي واقتلاع تاريخه ونحر هويته وتهجير مواطنيه وتهميش مرجعيات الطائفة المارونية كافة والانقلاب على كل ثوابت ومفاهيم هذه الطائفة التي أُعطي صرحها مجد لبنان .

في 13 تشرين الأول 1990 كان عون في وجدان وضمير وقلوب وآمال ومهج اللبنانيين، وفي قصر الشعب، أما اليوم فهو في الضاحية الجنوبية وقصر المهاجرين وطهران غريباً عن وطنه ومغرباً عن ناسه وبعيداً عن قداسة وكالة الشهداء، فشتان بين الموقعين!!

من المعيب أن عون الذي كان قائداً من قصر الشعب ومن المنفى لمسيرة الاستقلال والسيادة والتحرير، وبدل أن يطالب بمحاكمة النظام السوري على الجرائم والمجازر التي ارتكبها بحق شعبنا وجيشنا ووطننا، وبدل أن يقف مع الدولة وجيشها ومؤسساتها، ها هو اليوم يجهد بمناسبة ومن غير مناسبة إلى إعطاء شهادات البراءة للنظام السوري ولرموزه وحكامه ويغطي كل ممارسات حزب الله من حروب وغزوات واغتيالات وعرقلة لقيام الدولة، ويتنكر لدماء الشهداء ولمعاناة المواطنين. لقد سقط الرجل في أوحال السياسة والمصالح والنفوذ، فأضاع البوصلة وانحدر إلى مصاف باقي الطاقم السياسي العفن بفكره والممارسات.

ما هكذا كنّا نريد الذكرى، ولا هكذا أردنا أن نحتفل بها. كنّا نريد لشعب لبنان العظيم الذي أمضى أياماً ولياليٍ في قصر الشعب ألاّ يكفر بخيارات الجنرال المستجدة والهجينة بعد أن انقلب على ذاته وعلى أهله وعلى ثوابت الوطن.

الحقيقة المؤلمة هي أن الجنرال أصبح مشكلة للبنان الوطن والهوية والتاريخ والمؤسسات والدستور. إن ممارساته السياسية الغريبة والبهلوانية، وخطابه الاستفزازي والعدائي غير المسبوق، وشخصنته لكل ما هو وطني، تعيق مساعي استعادة الاستقلال، وتغلب دويلة حزب الله على الدولة اللبنانية.

نقول للجنرال إن شهداءنا يخاطبوننا ويقولون لنا أن لبنان الحر والسيد المستقل لن يكون مباحاً للمارقين والمرتدين والمتلونين، بل للذين ارتبطت أسماؤهم بسجل الشهادة والعطاء والصمود، وهم يحثوننا ليعود كل واحد منا إلى ذاته وربه. فلنقف في ذكرى استشهادهم وقفة ضمير ونخاطب أرواحهم ونجري معهم جردة حساب.

ترى هل لا زال عون يتذكر أنه تمت تصفية 117عسكريا في ضهر الوحش، و14 مدنيا في بسوس بينهم قاصرون، و26 في دير القلعة في بيت مري، فضلا عن خطف الراهبين الانطونيين الابوين شرفان وابي خليل واللذين لم يُعرف مصيرهما حتى اليوم؟ وهل لا زال يتذكر المقبرة الجماعية للعسكريين التي تم اكتشافها في باحة وزارة الدفاع الوطني؟

نسأل الجنرال كيف طاوعه ضميره على أن ينكر وعلنية وجود معتقلين في السجون السورية وهو يعلم علم اليقين أنه تم في 13 تشرين 1990 أسر الجيش السوري العديد من المدنيين والعسكريين، بعضهم قُتل، والبعض الآخر أُفرج عنه، فيما المئات لا يزالون يقبعون في غياهب السجون السورية، وهل غابت عن باله جريمة اغتيال داني شمعون وعائلته؟

بالتأكيد لم ينسَ الجنرال كل هذه الأحداث المؤلمة، ولكن الأكيد أيضاً أنه يتناسى عن سابق تصور وتصميم لأن قبلته أصبحت السلطة وكل ما عداها لا قيمة ولا وزن له في قاموسه الجديد.

إلا إن لبنان ورغم تقلبات عون وغيره من ضعيفي الإيمان وفاقدي الرجاء كان وسوف يبقى وطناً للرسالة والحرف والإبداع وهو صمد بعنفوان وكبرياء طوال 7000 آلاف سنة في وجه كل الشدائد والصعاب والمحن والفتن وخرج منها مظفراً بأكاليل الغار.

لبنان هو حقاً وطن التضحيات والقداسة والشهادة والشهداء، وهو يفخر بإرادة التحرير والمقاومة وجسامة التضحيات التي قدمها الأحرار من أهله طيلة سنوات عجاف لم تستطيع خنقها قوى الاحتلال والإرهاب والأصولية المتخلفة.

محطات بطولة واستشهاد كثيرة سطرها أبطال لبنان بدمائهم والتضحيات، ومحطة 13 تشرين الأول سنة 1990 هي من هذه المحطات المشرفة في سجل لبنان الصامد والعصي على كل المارقين والغزاة والمحتلين والطرواديين والملجميين.

عاليا نرفع الصوت لكشف مصير المفقودين والمخطوفين كافة القابعين ظلماً وعدواناً في السجون السورية وسط إنكارٍ وتخليٍ لوجودهم ليس فقط من قِبل جلاديهم البعث وخاطفيهم من منظمات الإرهاب والأصولية ورموز حقبة الاحتلال السوري للبنان من رسميين وسياسيين ورجال مليشيات، بل من قبل الجنرال نفسه الذي وللأسف منحه الشعب ثقته والولاء طوال سنوات وصدَّق أنه يحمل لواء القضية والهوية والحريات، فإذا به ينقلب على كل ماضيه وينتقل بخياراته الأنانية وتحالفاته الهجينة إلى قاطع محور الشر.

في الذكرى 19 للثالث عشر من تشرين الأول 1990، ننحني إجلالاً وإكراماًً أمام أرواح شهداء لبناننا الغالي من عسكريين وقادة وسياسيين ومدنيين ورهبان، وأمام آلاف المعاقين والجرحى من مواطنينا الأحباء، وبخشوع نرفع الصلوات إلى رب الأكوان طالبين منه بشفاعة السيدة أمنا مريم العذراء وقديسي لبنان شربل ورفقا والحرديني ويعقوب أن يريح أنفس أهلنا الذين قدموا ذواتهم قرابين ذكية على مذبح العزة والكرامة والعنفوان، ونطلب منه أن يبلسم جراح المعذبين والمرضى والمعاقين ويعيد المخطوفين والمعتقلين من غياهب سجون سوريا البعث ويسهل العودة المشرفة لكل أهلنا اللاجئين في إسرائيل والعالم.

حبذا لو أن عون الذي يدعي تمثيل المسيحيين يتذكر معنا قول مار افرام السرياني: "أن نموت في الجهاد أليق بنا من أن نحيا في السقطة والذل. هذا العالم ميدان جهاد وقد أوجب علينا الرب ألا يقف جهادنا حتى النهاية".

ليست هناك تعليقات: