محمود كعوش
كما هو حالي مع جميع المناسبات القومية والوطنية والمحطات العربية التاريخية الهامة ، أتوقف في مثل هذا التوقيت من كل عام مع ذكرى مذبحة كفر قاسم التي ارتكبها الإسرائليون قبل ثلاثة وخمسين عاماً كي لا ننسى ولكي نثَّبت في ذاكرة الأجيال القادمة الحسين الوطني والقومي .
مذبحة كفر قاسم النكراء راح ضحيتها 49 مواطنا من قرية كفر قاسم في المثلث الفلسطيني ، حيث كانت القرية في ذلك الحين تقع على الخط الأخضر بين إسرائيل والمملكة الأردنية الهاشمية. ففي 29 تشرين الأول من العام 1956 قام حرس الحدود الإسرائيلي بقتل 49 مدنيا عربيا بينهم نساء و23 طفلاً تتراوح أعمارهم بين 8 - 17 سنة .
يومها أعلنت قيادة الجيش الإسرائيلي المرابطة على الحدود الإسرائيلية الأردنية نظام حظر التجول في القرى العربية داخل إسرائيل والمتاخمة للحدود، وهي: كفر قاسم، وكفر برا، وجلجولية، والطيبة، وقلنسوة، وبير السكة، وإبثان. أوكلت مهمة حظر التجول على وحدة حرس الحدود بقيادة الرائد شموئيل ملينكي، على أن يتلقى هذا الأوامر مباشرة من قائد كتيبة الجيش المرابطة على الحدود يسخار شدمي. أعطيت الأوامر أن يكون منع التجول من الساعة الخامسة مساء حتى السادسة صباحا. وطلب شدمي من ملينكي أن يكون تنفيذ منع التجول حازمًا، لا باعتقال المخالفين وإنما بإطلاق النار! وقال له: "من الأفضل أن يكون قتلى على أن تكون تعقيدات الاعتقال... ولا أريد عواطف..."، ملينكي جمع قواته وأصدر الأوامر الواضحة بتنفيذ منع التجول دون اعتقالات وقال إنّه "من المرغوب فيه أن يسقط بضعة قتلى".
وزعت المجموعات على القرى العربية في المثلث، واتجهت مجموعة بقيادة الملازم جبريئل دهان إلى قرية كفر قاسم. وزع هذا مجموعته إلى أربع زمر. رابطت إحداها عند المدخل الغربي للبلدة. في الساعة 16:30 من اليوم نفسه استدعى رقيب من حرس الحدود مختار كفر قاسم وديع أحمد صرصور وأبلغه بقرار منع التجول وطلب منه إبلاغ الأهالي. قال المختار إن هناك 400 شخص يعملون خارج القرية ولم يعودوا بعد ولن تكفي نصف ساعة لإبلاغهم. فوعد الرقيب أن يدع العائدين يمرون على مسؤوليته ومسؤولية الحكومة.
في الخامسة مساء بدأت المذبحة طرف القرية الغربي حيث رابطت وحدة العريف شلوم عوفر فسقط 43 شهيدًا، وفي الطرف الشمالي سقط 3 شهداء، وفي داخل القرية سقط شهيدان. أما في القرى الأخرى سقط صبي عمره 11 سنة شهيدًا في الطيبة. كان من بين الشهداء في كفر قاسم 10 أطفال و 9 نساء. كان إطلاق النار داخل القرية كثيفا وأصاب تقريبا كل بيت. حاولت الحكومة إخفاء الموضوع ولكن الأنباء عن المجزرة بدأت تتسرب، فأصدرت الحكومة الإسرائيلية بيانا يفيد بإقامة لجنة تحقيق.
توصلت اللجنة إلى قرار بتحويل قائد وحدة حرس الحدود وعدد من مرؤوسيه إلى المحاكمة العسكرية. استطاع عضوا الكنيست توفيق طوبي ومئبر فلنر اختراق الحصار المفروض على المنطقة يوم 20/11/1956 ونقلا الأخبار إلى الصحافي أوري أفنيري.
استمرت محاكمة منفذي المجزرة حوالي عامين. في 16/10/1958 صدرت بحقهم الأحكام التالية: حكم على الرائد شوئل ملينكي بالسجن مدة 17 عاما وعلى جبريئل دهان وشلوم عوفر بالسجن 15 عاما بتهمة الاشتراك بقتل 43 عربيا، بينما حكم على الجنود الآخرين السجن لمدة 8 سنوات بتهمة قتل 22 عربيا. لم تبق العقوبات على حالها. قررت محكمة الاستئنافات تخفيفها: ملينكي- 14 عاما، دهان- 10 أعوام، عوفر- 9 أعوام. جاء بعد ذلك قائد الأركان وخفض الأحكام إلى 10 أعوام لملينكي، و8 لعوفر و4 أعوام لسائر القتلة. ثم جاء دور رئيس الدولة الذي خفض الحكم إلى 5 أعوام لكل من ملينكي وعوفر ودهان. ثم قامت لجنة تسريح المسجونين وأمرت بتخفيض الثلث من مدة كل من المحكومين. وهكذا أطلق سراح آخرهم في مطلع عام 1960. أما العقيد يسخار شدمي، صاحب الأمر الأول في المذبحة فقد قدم للمحاكمة في مطلع 1959 وكانت عقوبته التوبيخ ودفع غرامة مقدارها قرش إسرائيلي واحد.ومن الجدير بالذكر أن المذبحة ارتكبت في اليوم الأول للعدوان الثلاثي على مصر.
كاتب وباحث فلسطين
كما هو حالي مع جميع المناسبات القومية والوطنية والمحطات العربية التاريخية الهامة ، أتوقف في مثل هذا التوقيت من كل عام مع ذكرى مذبحة كفر قاسم التي ارتكبها الإسرائليون قبل ثلاثة وخمسين عاماً كي لا ننسى ولكي نثَّبت في ذاكرة الأجيال القادمة الحسين الوطني والقومي .
مذبحة كفر قاسم النكراء راح ضحيتها 49 مواطنا من قرية كفر قاسم في المثلث الفلسطيني ، حيث كانت القرية في ذلك الحين تقع على الخط الأخضر بين إسرائيل والمملكة الأردنية الهاشمية. ففي 29 تشرين الأول من العام 1956 قام حرس الحدود الإسرائيلي بقتل 49 مدنيا عربيا بينهم نساء و23 طفلاً تتراوح أعمارهم بين 8 - 17 سنة .
يومها أعلنت قيادة الجيش الإسرائيلي المرابطة على الحدود الإسرائيلية الأردنية نظام حظر التجول في القرى العربية داخل إسرائيل والمتاخمة للحدود، وهي: كفر قاسم، وكفر برا، وجلجولية، والطيبة، وقلنسوة، وبير السكة، وإبثان. أوكلت مهمة حظر التجول على وحدة حرس الحدود بقيادة الرائد شموئيل ملينكي، على أن يتلقى هذا الأوامر مباشرة من قائد كتيبة الجيش المرابطة على الحدود يسخار شدمي. أعطيت الأوامر أن يكون منع التجول من الساعة الخامسة مساء حتى السادسة صباحا. وطلب شدمي من ملينكي أن يكون تنفيذ منع التجول حازمًا، لا باعتقال المخالفين وإنما بإطلاق النار! وقال له: "من الأفضل أن يكون قتلى على أن تكون تعقيدات الاعتقال... ولا أريد عواطف..."، ملينكي جمع قواته وأصدر الأوامر الواضحة بتنفيذ منع التجول دون اعتقالات وقال إنّه "من المرغوب فيه أن يسقط بضعة قتلى".
وزعت المجموعات على القرى العربية في المثلث، واتجهت مجموعة بقيادة الملازم جبريئل دهان إلى قرية كفر قاسم. وزع هذا مجموعته إلى أربع زمر. رابطت إحداها عند المدخل الغربي للبلدة. في الساعة 16:30 من اليوم نفسه استدعى رقيب من حرس الحدود مختار كفر قاسم وديع أحمد صرصور وأبلغه بقرار منع التجول وطلب منه إبلاغ الأهالي. قال المختار إن هناك 400 شخص يعملون خارج القرية ولم يعودوا بعد ولن تكفي نصف ساعة لإبلاغهم. فوعد الرقيب أن يدع العائدين يمرون على مسؤوليته ومسؤولية الحكومة.
في الخامسة مساء بدأت المذبحة طرف القرية الغربي حيث رابطت وحدة العريف شلوم عوفر فسقط 43 شهيدًا، وفي الطرف الشمالي سقط 3 شهداء، وفي داخل القرية سقط شهيدان. أما في القرى الأخرى سقط صبي عمره 11 سنة شهيدًا في الطيبة. كان من بين الشهداء في كفر قاسم 10 أطفال و 9 نساء. كان إطلاق النار داخل القرية كثيفا وأصاب تقريبا كل بيت. حاولت الحكومة إخفاء الموضوع ولكن الأنباء عن المجزرة بدأت تتسرب، فأصدرت الحكومة الإسرائيلية بيانا يفيد بإقامة لجنة تحقيق.
توصلت اللجنة إلى قرار بتحويل قائد وحدة حرس الحدود وعدد من مرؤوسيه إلى المحاكمة العسكرية. استطاع عضوا الكنيست توفيق طوبي ومئبر فلنر اختراق الحصار المفروض على المنطقة يوم 20/11/1956 ونقلا الأخبار إلى الصحافي أوري أفنيري.
استمرت محاكمة منفذي المجزرة حوالي عامين. في 16/10/1958 صدرت بحقهم الأحكام التالية: حكم على الرائد شوئل ملينكي بالسجن مدة 17 عاما وعلى جبريئل دهان وشلوم عوفر بالسجن 15 عاما بتهمة الاشتراك بقتل 43 عربيا، بينما حكم على الجنود الآخرين السجن لمدة 8 سنوات بتهمة قتل 22 عربيا. لم تبق العقوبات على حالها. قررت محكمة الاستئنافات تخفيفها: ملينكي- 14 عاما، دهان- 10 أعوام، عوفر- 9 أعوام. جاء بعد ذلك قائد الأركان وخفض الأحكام إلى 10 أعوام لملينكي، و8 لعوفر و4 أعوام لسائر القتلة. ثم جاء دور رئيس الدولة الذي خفض الحكم إلى 5 أعوام لكل من ملينكي وعوفر ودهان. ثم قامت لجنة تسريح المسجونين وأمرت بتخفيض الثلث من مدة كل من المحكومين. وهكذا أطلق سراح آخرهم في مطلع عام 1960. أما العقيد يسخار شدمي، صاحب الأمر الأول في المذبحة فقد قدم للمحاكمة في مطلع 1959 وكانت عقوبته التوبيخ ودفع غرامة مقدارها قرش إسرائيلي واحد.ومن الجدير بالذكر أن المذبحة ارتكبت في اليوم الأول للعدوان الثلاثي على مصر.
كاتب وباحث فلسطين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق