الأحد، أكتوبر 18، 2009

المصالحة الفلسطينية... ليست حلا وانما استمرارا للازمة

جادالله صفا
– البرازيل

استباق الامر، بان المصالحة الفلسطينية قد تم انجازها، حتى لو تم التوقيع عليها، قبل الوقوف امام اهم العقبات التي تعترض تحقيقها، يكون بذلك تجني على الواقع الفلسطيني بكل تعقيداته، ويعتبر استهتار كامل بالمصلحة الوطنية التي تتغنى بها كل الاطراف ذات العلاقة، فرغم مرور ما يزيد على عشرة اشهر من الحوارات والوساطات الفلسطينية والعربية، لتجاوز هذه المحنة وحالة الانقسام الفلسطينية منذ تقريبا السنوات الثلاثة، وما تكشفه الايام وجولات الحوار تؤكد بشكل مطلق على صعوبة الحوار، واضمحلال فرص تجاوز الازمة لتحقيق الوحدة الوطنية المنشودة والمرجوة، ورغم الاشارات الايجابية للاطراف الفلسطينية من خلال تصاريحها، الا ان هذه الاشارات تخفي بين طياتها اخطر من ما قد يتوقعه اي مراقب، فانعدام الثقة بين الاطراف الاساسية المتصارعة بالساحة الفلسطينية تلعب دورا اساسيا باستمرار حالة الانقسام والانشقاق واستمرار التوتر، والطرفان الاساسيان يعلمان جيدا ان التصاريح الصادرة من كلاهما هي تصاريح تكتيكية فقط للاستهلاك الداخلي، اضافة الى التصاريح الاستفزازية التي تدلي بها بعض العناصر بين الفينة والاخرى، والتي تزيد من التوتر بالساحة الفلسطينية وترفع من حدة الخلافات الداخلية، وهذه التصاريح الغير مسؤولة والتي تخرج على لسان مسؤولين تؤكد الى حالة الفوضى التي تمر بها الساحة الفلسطينية وغياب المؤسسة الفلسطينية التي بامكانها ان تضع حدا لهكذا تصريحات غير مسؤولة.

المتابع والمراقب لحالة الانقسام التي تمر بها الساحة الفلسطينية، قد يعتقد البعض ان السبب بذلك يعود الى نسبة الحصص التي قد تكون لهذا الطرف او الاخر، او بعض الترتيبات والاجراءات المراد الاتفاق عليها لتسيير الحياة العامة للشعب الفلسطيني، متجاوزين بذلك ان المرحلة التي نمر بها هي مرحلة تحرر وطني، وان الشعب الفلسطيني ما زال يعاني الاحتلال واستمراره، فالواقع هو عكس ذلك، بداية يجب التاكيد ان الساحة الفلسطينية لديها مشروعين متناقضين، مشروع وطني تتبناه منظمة التحرير الفلسطينية وفصائلها المنضوية داخلها، حيث الغيت البنود الاساسية من ميثاقها، والتي قانونيا فقدت مبرارات تواجدها من الناحية العملية، وتم استبدالها بسلطة فلسطينية تعتبر حسب اتفاق المباديء الموقع بين المنظمة والكيان الصهيوني بالبيت الأبيض عام 1994، هي المكلفة والموكلة بالتفاوض مع الكيان الصهيوني، والاطراف التي كانت تتشكل منها منظمة التحرير الفلسطينية فتح، الجبهة الشعبية والديمقراطية وغيرهما من الفصائل الفلسطينية الاخرى، ما زالت تعيش مأزقها وخلافاتها السياسية والتنظيمية في ظل غياب الموقف الموحد الذي كان يجمعهم سابقا المباديء الاساسية بالميثاق الوطني الفلسطيني، والذي تم استبداله باتفاق اوسلو السيء الصيت، هذا الاتفاق الذي اصبح بديلا لبنود وميثاق منظمة التحرير الفلسطينية، والتزامات منظمة التحرير التي قدمها الرئيس ابو عمار لرابين اصبحت عاملا اساسيا لقمع والغاء اي محاولة رافضة للوجود الصهيوني على الارض الفلسطينية.

المشروع الاخر وهو المشروع الاسلامي الذي تتبناه حركة حماس، وبعض الفصائل الفلسطينية تدعم حماس بمواقفها ورؤيتها لكيفية العلاقات الداخلية، والتي تعيش حالة من الانسجام والتوافق معها، فالمشروع الاسلامي بطبيعته هو مشروع تناقضي وتناحري مع المشروع الوطني التي تتمسك به القوى الاخرى، وهذا المشروع بطبيعة الحال ينظر الى الصراع على اساس انه صراع ديني مع الكيان الصهيوني، رغم احتلال الكيان الصهيوني للارض الفلسطينية، وهذا الحال يجعلنا ان ننظر الى طبيعة النزعات بالمنطقة كلها التي بدأت تاخذ طبيعة الصراع الطائفي كما يحصل بالعراق واليمن ولبنان وغيرها من الدول، وهذا لا يعني ايضا ان هناك موقف معادي داخل هذه التيارات للاحتلال الامريكي للعراق والاحتلال الصهيوني لفلسطين واراضي عربية اخرى، وهذه الرؤية تحرف طبيعة الصراع بالمنطقة على اساس انه صراع ديني بين طوائف واقليات، والذي يهدد المنطقة الى مزيد من الدويلات الطائفية الصغيرة.

ان مصداقية القيادة الفلسطينية برام الله، بتعاطيها مع الصراع، يعتبر عامل اساسي لنجاح المصالحة الفلسطينية او فشلها، فهذه المصداقية يجب ان تاخذ بعين الاعتبار المصالح العليا لشعبنا الفلسطيني القائمة على اساس وحدته، والتاكيد على الثوابت والحقوق الشرعية، وعلى راسها حق العودة للشعب الفلسطيني الى دياره وارضه التي شرد منها، فاتفاق اوسلو لم ياتي على ذكر منظمة التحرير الفلسطينية اطلاقا بكل بنوده، وانما ذكر "فريق منظمة التحرير الفلسطينية بالوفد الفلسطيني الاردني المشترك الى مؤتمر السلام بالشرق الاوسط"، واتفاق المباديء ايضا حدد ان التفاوض سيكون مع ممثلي الشعب الفلسطيني دون ذكر منظمة التحرير الفلسطينية"، ورسالة رابين الموجهة الى الرئيس الفلسطيني الراحل اعترفت بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل للشعب الفلسطيني دون التاكيد على الوحدانية والشرعية التمثيلية لها، كذلك يذكر اعلان المباديء " أن الترتيبات الانتقالية هي جزء لا يتجزأ من عملية السلام بمجملها وأن المفاوضات حول الوضع الدائم ستؤدي إلى تطبيق قراري مجلس الأمن 242 و338" هذه الامثلة المذكورة هي فقط للتذكير، بان الحديث عن تسوية ومصالحة داخلية، لا تاخذنا الى مخرج سليم ومعافى، دون معالجة مساويء اوسلو، فذكر منظمة التحرير الفلسطينية واستخدام بعض من مؤسساتها لاهداف واغراض ذاتية وفئوية، تماشيا مع اتفاق اوسلو وخارطة الطريق وكافة الاتفاقيات المذلة والمجحفة بحق الشعب الفلسطيني ما هو الا خداعا، فاتفاق القاهرة الموقع بين الفصائل الفلسطينية عام 2005 اكد على تفعيل منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها واعادة بنائها، فلم تفعل القيادة الفلسطينية الممثلة بالرئيس ابو مازن على اعادة الاعتبار للمنظمة رغم التوافق الفلسطيني، فكان التعطيل باتجاه تفعيل المنظمة ومؤسساتها مقصودا.

القيادة الفلسطينية لم تدعو مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية للاجتماع والتفعيل، الا لتمرير سياسة محددة، فالميثاق الوطني الفلسطيني الذي تم الغاء البنود الاساسية به، لم يتم استبدالها ببنود اخرى، وانما اصبح اتفاق المباديء هو البديل والمرجعية الفلسطينية، فمصداقية قيادة الشعب الفلسطيني اصبحت مفقودة، عند قطاعات واسعة من جماهير شعبنا الفلسطيني، وان التصاريح التي تطلقها حول القدس واللاجئين والحدود والمستوطنات هي تصاريح تتماشى مع اتفاق اوسلو سيء الصيت، فاذا ارادت السلطة الفلسطينية من خلال الرئيس ابو مازن ان تثبت مصدقايتها اتجاه الثوابت الفلسطينية والحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني وحقه بالعودة والقدس وتقرير المصير، بامكانه ان يدعو الى الاسراع بتطبيق اتفاق القاهرة الموقع بين الفصائل الفلسطينية عام 2005 لاعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية على اسس وطنية وحدوية تشكل اجماعا فلسطينيا، وان تعتبر هذه القيادة السلطة الفلسطينية هي ملحق فلسطيني تابع للمنظمة وليس لاتفاق اوسلو.

لقد جاء موقف القيادة الفلسطينية لتاجيل التصويت على تقرير غولدستون، صفعة قوية مؤثرة سلبية على العلاقات الداخلية الفلسطينية، ورغم تراجعها لاحقا، الا انها فقدت مصداقيتها الشعبية ومصداقيتها امام القوى الاخرى، فقدت مصداقية قيادتها للنضال الفلسطيني، وفقدت مصداقية قيادتها للشعب الفلسطيني، فرغم الخطوة التكتيكية التي اتخذتها اتجاه اعادة الطلب للتصويت على تقرير غولدستون، هو لتخرج من المأزق الذي لحق بها، ولتعزيز اوراق قوتها للمصالحة الفلسطينية ضمن مفاهيمها، الا انها لم تنجح باعادة المصداقية والثقة، فاذا ارادت القيادة الفلسطينية ان تعيد مصداقية الشعب الفلسطيني وقواه لها، عليها ان تلاحق قادة الكيان الصهيوني بالمحاكم الجنائية الدولية، ليحاكموا على جرائمهم، فهذه ستكون خطوة اكيدة لاعادة الثقة لدورها القيادي واعادة المصداقية لادائها، فلا يجوز لهذه القيادة ان تبحث عن اعذار ومبررات لتراجعاتها لتبرئة الكيان الصهيوني وقادته، محملة مسؤولية لحماس او الانقسام الفلسطيني، التي هي اعني قيادة رام الله سببا اساسيا بحدوثه.

اتفاق المصالحة الفلسطينية لا ياخذ الشعب الفلسطيني الى بر الامان، وانما هو فخا جديدا يراد به مزيدا من التدهور والتشرذم والانقسام، فرغم ذكر منظمة التحرير الفلسطينية لتفعيل مؤسساتها ولانتخاب ممثلين للمجلس الوطني، الا نه يعطي الاولوية لتطبيق النقاط ذات العلاقة باوسلو، وان المنظمة هي ثانوية بالاتفاق، حيث لا ضمانات لاعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية الوطنية الجامعة، فهل السلطة الفلسطينية واتفاق اوسلو هو فوق المنظمة ام المنظمة الوطنية ذات المؤسسات الديمقراطية هي المرجعية الفلسطينية؟ فمن اراد ان يلدغ من الجحر مرة اخرى فليتوجه الى اتفاق المصالحة الذي ياخذ قضيتنا الفلسطينية الى الهاوية، ومن يريد الخروج من المأزق فليدفع باتجاه المنظمة واعادة بنائها قبل ان نبدأ من اوسلو.

ليست هناك تعليقات: