صبحي غندور
رغم الاشتراك في التحدّيات والهموم، فإنَّ الحكومات العربية تتعامل مع هذه المسائل من منظورٍ فئويٍّ خاصّ وليس في إطار رؤيةٍ عربيةٍ مشتركة تحقِّق المصالح العربية.
إنّ المشكلة ليست في الظروف المحيطة بالعرب الآن بل في الجسم العربي نفسه، وتحديداً في رأس هذا الجسم، إذ ليس هناك حالياً صراعات في المنطقة حول طبيعة الأنظمة ومناهج التغيير .. فكلّ البلاد العربية محكومة الآن بأنظمة متشابهة سياسياً واقتصادياً، حتى لو حملت شعاراتٍ أو أسماء متباينة.
وليس هناك في العالم اليوم حالة من الاستقطاب الدولي لكي تفرز الحكومات العربية بين صديقٍ وعدوّ لهذه الدولة الكبرى أو تلك، فكلّ الحكومات العربية تنشد ودّ أميركا والغرب عموماً.
إذن، المشكلة عربياً هي بانعدام القرار العربي في وضع رؤيةٍ عربية مشتركة، وكأنَّ النظام الإقليمي العربي مرتاح لهذا الواقع العجوز طالما أنَّه يحافظ على استمرار الحكومات والمصالح الخاصَّة فيها!
وربّما يكون حاضر البلاد العربية اليوم هو أكثر الدلالات على مخاطر ما حدث في الربع الأخير من القرن الماضي، إن لجهة إخراج مصر من موقعها الريادي في المنطقة ومن الصراع مع إسرائيل بعد معاهدة كامب دافيد، أو لجهة آثار ما حدث من حروب ما كان يجب أن تحصل (الحرب العراقية/الإيرانية ثمّ غزو الكويت).. أو من تسوية فلسطينية خاطئة حدثت مع إسرائيل في "أوسلو"، فلم تحقّق سلاماً ولا عدلاً ولا تحريراً.
وهي كلها خطايا استفاد منها الطامعون من قوى كبرى دولية وإقليمية بهذه الأمّة، كما كانت هي المناخ المناسب لإدارة بوش من أجل احتلال العراق وتمييع القضية الفلسطينية وتعزيز الانشقاق العربي.
فالعرب يدفعون الآن ثمن هذه الخطايا الكبيرة التي حدثت في المنطقة، فضلاً عن أنّهم بلا مرجعية واحدة وبلا بوصلة مرشدة لحركتهم السياسية أو في مواجهة الحروب العسكرية على أرضهم.
إنّ ما يحدث الآن من تحسين وتعزيز للعلاقات السعودية/السورية هو خطوة بالغة الأهمية، وهو أمر يستدعي من مصر الانضمام اليه، فقادة دمشق والرياض والقاهرة يدركون أهمّية التضامن والتنسيق بين حكوماتهم من خلال تجارب سابقة أثبتت نجاحاتها في عقود ماضية وفي قضايا مصيرية، كما حصل ضدّ إسرائيل في (حرب أكتوبر) 1973، ثمّ في كيفيّة التعامل مع غزو نظام صدام حسين لدولة الكويت، وكذلك في إنهاء الحرب الأهلية في لبنان من خلال توقيع اتفاق الطائف.
وإذا كانت نتائج الاحتلال الإسرائيلي المستمر لأراضٍ فلسطينية وسورية ولبنانية، ثمّ الاحتلال الأميركي للعراق، قد أدّت، في ظلّ غياب المرجعية العربية الفاعلة، إلى نموّ الدور الإيراني في المنطقة، ثم تزايد التأثير التركي فيها، وانقسام حكومات المنطقة حول كيفيّة التعامل مع هذه القوى الإسلامية غير العربية المجاورة، فإنّ من شأن عودة الروح إلى التحالف السوري/السعودي/ المصري، أن يحقّق أفضل الظروف لإقامة حوار عربي/إيراني، وحوار عربي/تركي، يضمن كلٌّ منهما المصالح العربية على قاعدة تضامن عربي متين، ويخدم التنسيق المطلوب الآن بين الأمن العربي وجواره الإيراني والتركي وما لهذا الجوار الإقليمي/الإسلامي من دور مؤثّر حالياً في أحداث المنطقة.
إنّ العكس قد يحدث في حال تعثّر قيام التضامن العربي الفعّال أو في حال عدم عودة التنسيق الشامل بين دمشق والرياض والقاهرة. فالجوار الإقليمي له مصالحه وأولوياته، وسيعمل على ملء أي فراغ ينتج عن غياب الطرف العربي أو المرجعية العربية حتى لا يُعبَّأ هذا الفراغ من قبل طرفٍ آخر معادٍ له.
هذا هو واقع الجغرافية السياسية والأمنية الذي تتحكّم به أولويّة المصالح الذاتية، والذي يتحكّم الآن بصراعات المنطقة وبقوى النفوذ فيها.
الأمّة العربية تخشى بالحاضر على نفسها من نفسها أكثر ممّا يجب أن تخشاه من المحتلّين لبعض أرضها والساعين إلى السيطرة الكاملة على ثرواتها ومقدّراتها. وتسود بعض بلدان الأمة صراعات مسلحة تهدد وحدة الكيانات والشعوب معاً، وتُعزز من فرص التدخل الأجنبي في شؤون هذه الأوطان.
فضعف جسم الأمّة العربية هو من ضعف دور قلبها في مصر، ومن استمرار عقول هذه الأمّة محبوسةً في قوالب فكرية جامدة يفرز بعضها خطب الفتنة والانقسام بدلاً من التآلف والتوحّد.
وهناك وصف مشترك لأزمات سياسية قائمة في لبنان والعراق والأراضي الفلسطينية المحتلة، بأنّ حلَّ هذه الأزمات مرهون بمفاوضات واشنطن مع أطراف إقليمية فاعلة في المنطقة.
وخطورة هذا الوصف لأزمات خطيرة متفجّرة في منطقة المشرق العربي، أنّ فيه تسليماً من الأطراف المحلية بارتهان أوطانهم وقضاياهم ومصيرهم لصراعات خارجية، وبأنّ دور هذه الأطراف هو دور المراقب أو المنفّذ لقرارات وإرادات من هم في عواصم دول أخرى.
لكن هل كان من الممكن لواشنطن، أو لغيرها من العواصم الفاعلة في أزمات المنطقة الآن، أن تصادر دور الإرادات الوطنية لو كان هناك حدٌّ أدنى من التضامن العربي والرؤية العربية المشتركة لصيغ الحلول المنشودة لهذه الأزمات؟
فغياب التضامن العربي هو المسؤول الأول عن تحوّل أطراف محلّية إلى وكلاء الإرادات الخارجية.
إنّ استقلالية القرار الوطني في أيِّ بلدٍ عربي هي متأثرة حكماً باستقلالية القرار العربي عموماً. وهناك مزيج من الضغوط الأميركية والأجنبية تمارس الآن لمنع حدوث الأمرين معاً. أي أن لا تكون هناك إرادة عربية مشتركة تعبّر عن قرار عربي مستقل، إضافةً إلى دفع الأطراف المحلية أيضاً لمزيد من الارتهان السياسي والأمني الذي يعطّل فاعلية أي قرار وطني مستقل.
هي عناصر ثلاثة تُهيمن الآن على الواقع العربي، وكلٌّ منها يؤثّر ويتأثّر بالعنصر الآخر: غياب التضامن العربي وتحديداً التنسيق المصري/السعودي- السوري، ثمّ حضور الدور الأجنبي في تقرير مصير شؤون داخلية عربية وتدويل بعض هذه الأزمات، والعنصر الثالث والأهم هو اندفاع بعض القوى المحلية في أكثر من ساحة صراع إلى مزيد من الارتهان لقوى أجنبية بل إلى حدّ التسليم الكامل بما تقرّره هذه القوى من أجندة سياسية لأزمات هذه الأوطان.
لكن حينما تنظر الأطراف العربية بعيون عربية، وليس بمنظار أجنبي، إلى ما يحدث على أرضها وحول أوطانها، فإنّها ستصل حتماً إلى حتميّة التضامن العربي وأولويّة المصالح الوطنية.
التضامن العربي الفعّال على المستوى الرسمي بحاجةٍ أيضاً لتدعيم الوحدة الوطنية الشعبية في كلِّ بلدٍ عربي، فبذلك التضامن الرسمي وبالوحدة الشعبية يمكن مواجهة مخاطر التفتيت الداخلي للأوطان وتحديات واقع الاحتلال الإسرائيلي ومشاريع الهيمنة الأجنبية.
يبقى أنّ على مصر مسؤولية كبرى في إعادة إحياء دورها القومي المنشود، لصالحها ولصالح الأمَّة ككل.
رغم الاشتراك في التحدّيات والهموم، فإنَّ الحكومات العربية تتعامل مع هذه المسائل من منظورٍ فئويٍّ خاصّ وليس في إطار رؤيةٍ عربيةٍ مشتركة تحقِّق المصالح العربية.
إنّ المشكلة ليست في الظروف المحيطة بالعرب الآن بل في الجسم العربي نفسه، وتحديداً في رأس هذا الجسم، إذ ليس هناك حالياً صراعات في المنطقة حول طبيعة الأنظمة ومناهج التغيير .. فكلّ البلاد العربية محكومة الآن بأنظمة متشابهة سياسياً واقتصادياً، حتى لو حملت شعاراتٍ أو أسماء متباينة.
وليس هناك في العالم اليوم حالة من الاستقطاب الدولي لكي تفرز الحكومات العربية بين صديقٍ وعدوّ لهذه الدولة الكبرى أو تلك، فكلّ الحكومات العربية تنشد ودّ أميركا والغرب عموماً.
إذن، المشكلة عربياً هي بانعدام القرار العربي في وضع رؤيةٍ عربية مشتركة، وكأنَّ النظام الإقليمي العربي مرتاح لهذا الواقع العجوز طالما أنَّه يحافظ على استمرار الحكومات والمصالح الخاصَّة فيها!
وربّما يكون حاضر البلاد العربية اليوم هو أكثر الدلالات على مخاطر ما حدث في الربع الأخير من القرن الماضي، إن لجهة إخراج مصر من موقعها الريادي في المنطقة ومن الصراع مع إسرائيل بعد معاهدة كامب دافيد، أو لجهة آثار ما حدث من حروب ما كان يجب أن تحصل (الحرب العراقية/الإيرانية ثمّ غزو الكويت).. أو من تسوية فلسطينية خاطئة حدثت مع إسرائيل في "أوسلو"، فلم تحقّق سلاماً ولا عدلاً ولا تحريراً.
وهي كلها خطايا استفاد منها الطامعون من قوى كبرى دولية وإقليمية بهذه الأمّة، كما كانت هي المناخ المناسب لإدارة بوش من أجل احتلال العراق وتمييع القضية الفلسطينية وتعزيز الانشقاق العربي.
فالعرب يدفعون الآن ثمن هذه الخطايا الكبيرة التي حدثت في المنطقة، فضلاً عن أنّهم بلا مرجعية واحدة وبلا بوصلة مرشدة لحركتهم السياسية أو في مواجهة الحروب العسكرية على أرضهم.
إنّ ما يحدث الآن من تحسين وتعزيز للعلاقات السعودية/السورية هو خطوة بالغة الأهمية، وهو أمر يستدعي من مصر الانضمام اليه، فقادة دمشق والرياض والقاهرة يدركون أهمّية التضامن والتنسيق بين حكوماتهم من خلال تجارب سابقة أثبتت نجاحاتها في عقود ماضية وفي قضايا مصيرية، كما حصل ضدّ إسرائيل في (حرب أكتوبر) 1973، ثمّ في كيفيّة التعامل مع غزو نظام صدام حسين لدولة الكويت، وكذلك في إنهاء الحرب الأهلية في لبنان من خلال توقيع اتفاق الطائف.
وإذا كانت نتائج الاحتلال الإسرائيلي المستمر لأراضٍ فلسطينية وسورية ولبنانية، ثمّ الاحتلال الأميركي للعراق، قد أدّت، في ظلّ غياب المرجعية العربية الفاعلة، إلى نموّ الدور الإيراني في المنطقة، ثم تزايد التأثير التركي فيها، وانقسام حكومات المنطقة حول كيفيّة التعامل مع هذه القوى الإسلامية غير العربية المجاورة، فإنّ من شأن عودة الروح إلى التحالف السوري/السعودي/ المصري، أن يحقّق أفضل الظروف لإقامة حوار عربي/إيراني، وحوار عربي/تركي، يضمن كلٌّ منهما المصالح العربية على قاعدة تضامن عربي متين، ويخدم التنسيق المطلوب الآن بين الأمن العربي وجواره الإيراني والتركي وما لهذا الجوار الإقليمي/الإسلامي من دور مؤثّر حالياً في أحداث المنطقة.
إنّ العكس قد يحدث في حال تعثّر قيام التضامن العربي الفعّال أو في حال عدم عودة التنسيق الشامل بين دمشق والرياض والقاهرة. فالجوار الإقليمي له مصالحه وأولوياته، وسيعمل على ملء أي فراغ ينتج عن غياب الطرف العربي أو المرجعية العربية حتى لا يُعبَّأ هذا الفراغ من قبل طرفٍ آخر معادٍ له.
هذا هو واقع الجغرافية السياسية والأمنية الذي تتحكّم به أولويّة المصالح الذاتية، والذي يتحكّم الآن بصراعات المنطقة وبقوى النفوذ فيها.
الأمّة العربية تخشى بالحاضر على نفسها من نفسها أكثر ممّا يجب أن تخشاه من المحتلّين لبعض أرضها والساعين إلى السيطرة الكاملة على ثرواتها ومقدّراتها. وتسود بعض بلدان الأمة صراعات مسلحة تهدد وحدة الكيانات والشعوب معاً، وتُعزز من فرص التدخل الأجنبي في شؤون هذه الأوطان.
فضعف جسم الأمّة العربية هو من ضعف دور قلبها في مصر، ومن استمرار عقول هذه الأمّة محبوسةً في قوالب فكرية جامدة يفرز بعضها خطب الفتنة والانقسام بدلاً من التآلف والتوحّد.
وهناك وصف مشترك لأزمات سياسية قائمة في لبنان والعراق والأراضي الفلسطينية المحتلة، بأنّ حلَّ هذه الأزمات مرهون بمفاوضات واشنطن مع أطراف إقليمية فاعلة في المنطقة.
وخطورة هذا الوصف لأزمات خطيرة متفجّرة في منطقة المشرق العربي، أنّ فيه تسليماً من الأطراف المحلية بارتهان أوطانهم وقضاياهم ومصيرهم لصراعات خارجية، وبأنّ دور هذه الأطراف هو دور المراقب أو المنفّذ لقرارات وإرادات من هم في عواصم دول أخرى.
لكن هل كان من الممكن لواشنطن، أو لغيرها من العواصم الفاعلة في أزمات المنطقة الآن، أن تصادر دور الإرادات الوطنية لو كان هناك حدٌّ أدنى من التضامن العربي والرؤية العربية المشتركة لصيغ الحلول المنشودة لهذه الأزمات؟
فغياب التضامن العربي هو المسؤول الأول عن تحوّل أطراف محلّية إلى وكلاء الإرادات الخارجية.
إنّ استقلالية القرار الوطني في أيِّ بلدٍ عربي هي متأثرة حكماً باستقلالية القرار العربي عموماً. وهناك مزيج من الضغوط الأميركية والأجنبية تمارس الآن لمنع حدوث الأمرين معاً. أي أن لا تكون هناك إرادة عربية مشتركة تعبّر عن قرار عربي مستقل، إضافةً إلى دفع الأطراف المحلية أيضاً لمزيد من الارتهان السياسي والأمني الذي يعطّل فاعلية أي قرار وطني مستقل.
هي عناصر ثلاثة تُهيمن الآن على الواقع العربي، وكلٌّ منها يؤثّر ويتأثّر بالعنصر الآخر: غياب التضامن العربي وتحديداً التنسيق المصري/السعودي- السوري، ثمّ حضور الدور الأجنبي في تقرير مصير شؤون داخلية عربية وتدويل بعض هذه الأزمات، والعنصر الثالث والأهم هو اندفاع بعض القوى المحلية في أكثر من ساحة صراع إلى مزيد من الارتهان لقوى أجنبية بل إلى حدّ التسليم الكامل بما تقرّره هذه القوى من أجندة سياسية لأزمات هذه الأوطان.
لكن حينما تنظر الأطراف العربية بعيون عربية، وليس بمنظار أجنبي، إلى ما يحدث على أرضها وحول أوطانها، فإنّها ستصل حتماً إلى حتميّة التضامن العربي وأولويّة المصالح الوطنية.
التضامن العربي الفعّال على المستوى الرسمي بحاجةٍ أيضاً لتدعيم الوحدة الوطنية الشعبية في كلِّ بلدٍ عربي، فبذلك التضامن الرسمي وبالوحدة الشعبية يمكن مواجهة مخاطر التفتيت الداخلي للأوطان وتحديات واقع الاحتلال الإسرائيلي ومشاريع الهيمنة الأجنبية.
يبقى أنّ على مصر مسؤولية كبرى في إعادة إحياء دورها القومي المنشود، لصالحها ولصالح الأمَّة ككل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق