روبرت فيسك - مجلة اندبندنت البريطانية
على مدى عقود، كانت الصحافة اللبنانية محط إعجاب وتقدير بصفتها الصحافة الأكثر حرية، الأكثر جرأة والأكثر ثقافة في العالم العربي الخاضع لرقابة مشددة. للأسف، لم يعد الوضع كذلك. فالصحيفة اليومية الأكثر قراءة في بيروت، قد صرفت للتو أكثر من 50 موظفا والمؤسسة اللبنانية للإرسال، إحدى أكثر المحطات التلفزيونية شهرة في البلاد، طردت للتو ثلاثة من أبرز الموظفين. إن الإعلام اللبناني قد تضرر – مثل بقية دول العالم – بسبب الإنترنت، والانخفاض في عائدات الإعلانات. لكن هذا لبنان، حيث هناك دائما تدخل للسياسة. هل هناك من شيء متعفن في إمارة الصحافة اللبنانية؟
هل هي مجرد صدفة أن محرر النهار الثقافي – الذي شنّ حملته ضد خطط رئيس الوزراء المغتال رفيق الحريري لإعادة إعمار بيروت – قد تم طرده بعد أن تناغمت الصحيفة مع سياسة ابن الحريري، سعد، رئيس الوزراء الحالي المكلف؟ هل هي مجرد صدفة أن ثلاثة من كبار الموظفين في المؤسسة اللبنانية للإرسال من مؤيدي القوات اللبنانية لا يزالون يعملون في المحطة؟
ليس هناك أي تعليق على هذا الموضوع، لا من قبل صحيفة النهار ولا من المؤسسة اللبنانية للإرسال. لكن اللبنانيين ينتظرون لمعرفة أي صحيفة من بين صحفهم اليومية التي يزيد عددها عن العشرين، ستكون التالية لصرف موظفيها "لأسباب اقتصادية". هل ستجد الصحيفة اليسارية القديمة "السفير"، أن لديها موظفين عنيدين سياسيا (أمر مستبعد)، أو الصحيفة الرائعة التي تصدر باللغة الفرنسية، "لوريان لو جور"، ستخوض معركة مع أولئك الكتّاب الذين لا يزالون يحبون الجنرال السابق ميشال عون، وهو مسيحي ماروني حليف لحزب الله؟
المشكلة لا تتعلق كثيرا بسياسة لبنان بل بالحالة الإقطاعية في الصحافة. لا يمكنك افتتاح صحيفة جديدة في بيروت، عليك أن تشتري اسم صحيفة موجود من شخص آخر. هذا الأمر يكلف مالا. لذا فالأغنياء هم الذين يمتلكون الصحف. وهذا لا يختلف كثيرا، يمكنك القول، عن باقي بلدان العالم. لكن النظام في لبنان بدائي؛ هناك عائلات في بيروت تمتلك صحفا لكنها لا تنشرها – لا يزالون يبحثون عن شار.
كما يقول الياس خوري، المحرّر الثقافي في صحيفة "النهار"، والأكاديمي الحائز على جائزة أفضل رواية، وأحد الأشخاص الذين تم طردهم من الصحيفة: "كان مالكو الصحف في الأصل صحافيين – ومع الرأسمالية، لم يتغيّر النظام. التلفزيونات في هذا البلد ليست الصحافة – إنها دعاية، تمتلكها مجموعات طائفية أو أحزاب. إن الصحافة الحقيقية هي الصحف."
لكن الصحافة "الحقيقية" من الصعب ممارستها. خلال وجود الجيش السوري في لبنان، كانت صحفية "النهار"، كما باقي الصحف، حذرة وتتجنب المواجهة. في الواقع، حين دخل الجيش السوري إلى بيروت للمرة الأولى في العام 1976، تمت مهاجمة مكاتبها – للتأكد بأن على صحفييها أن يكونوا منصاعين كزملائهم في صحيفتي "البعث" و"تشرين"، جبابرة الصحافة البعثية عبر الجبال في دمشق.
لكن، مع صحيفة "السفير"، كان لصحيفة "النهار" ميزة بهذا الخصوص. لقد جذبت إليها محللا رائعا يدعى جهاد الزين من صحيفة "السفير"، وتحت رئاسة غسان تويني، تم اعتماد صحافة مستقلة. "عرض علي تويني الملحق الثقافي"، يقول خوري، "ولو كان لا يزال في سدة المسؤولية، لما كان حدث أي من هذا." الآن حفيدته نايلة هي المسؤولة. تماما مثل خوري، إدمون صعب، رئيس تحرير مساعد، سهى بحاصين وجورج ناصيف فقدوا أيضا وظائفهم. قيل لهم أن يستلموا كتاب صرفهم من مركز بريدي رسمي من رصيف خارج مكاتب الصحيفة في وسط المدينة.
"جاء أحد الصحافيين إلى العمل عند الساعة السادسة مساء من يوم جمعة – حين غادر ساعي البريد"، يضيف خوري. عمل ليل الجمعة ويومي السبت والأحد – وقرأ في صحيفة منافسة نهار الاثنين أنه تمّ طرده! "يكشف هذا عما يحصل في عملنا وعما يحصل في بيروت. صيغة أن ملحقنا مستقل – أنه يمكننا قول ما نريد - لم تعد مقبولة. لم أقبل أن يتم استيعابي. شنيت في ملحقي حملة ضد "سوليدير" (حيث يملك رفيق الحريري نسبة 10% من الحصص)، وأتينا بصحافيين ومهندسي ديكور ليكتبوا عن كيف أن الشركة كانت تدمر آثار بيروت العثمانية وتحافظ فقط على مباني الاستعمار الفرنسي. لم يوقفنا أحد. تمكنت من لعب دور المثقف اليساري".
انتهى الأمر. إن انضمام نايلة تويني إلى أكثرية حركة 14 آذار، التي يقودها سعد الحريري – الذي يدير بنفسه صحيفة يومية تسمى "المستقبل" – يعني أن "النهار" قد اتـُّخذت بوضوح بالنكهة المؤيدة للحكومة.
في نفس الوقت، صرفت المؤسسة اللبنانية للإرسال ثلاثة من أشهر الصحافيين، لأنهم، على ما يبدو، كانوا آخر ما تبقى من أفراد القوات اللبنانية العاملين في المحطة. ديامان رحمه جعجع، دنيز فخري، وفيرا بو منصف تم طردهن مع عشرات من زملائهن الموظفين، بما فيهم امرأة حامل في شهرها السادس، مما يجعل أمر صرفها غير شرعي عادة بحسب القانون اللبناني. حتى البطريرك الماروني المسيحي، مار نصرالله بطرس صفير، أبدى قلقه حيال هذا الإجراء.
ليس لاتحاد الصحافيين اللبنانيين أية نقابة لتساعد الكتـّاب العاطلين عن العمل. "من يحمي حقوق الصحافيين؟" سألت صحيفة "لوريان لو جور" الأسبوع الماضي. في لبنان، يبدو أن الإجابة هي لا أحد.
على مدى عقود، كانت الصحافة اللبنانية محط إعجاب وتقدير بصفتها الصحافة الأكثر حرية، الأكثر جرأة والأكثر ثقافة في العالم العربي الخاضع لرقابة مشددة. للأسف، لم يعد الوضع كذلك. فالصحيفة اليومية الأكثر قراءة في بيروت، قد صرفت للتو أكثر من 50 موظفا والمؤسسة اللبنانية للإرسال، إحدى أكثر المحطات التلفزيونية شهرة في البلاد، طردت للتو ثلاثة من أبرز الموظفين. إن الإعلام اللبناني قد تضرر – مثل بقية دول العالم – بسبب الإنترنت، والانخفاض في عائدات الإعلانات. لكن هذا لبنان، حيث هناك دائما تدخل للسياسة. هل هناك من شيء متعفن في إمارة الصحافة اللبنانية؟
هل هي مجرد صدفة أن محرر النهار الثقافي – الذي شنّ حملته ضد خطط رئيس الوزراء المغتال رفيق الحريري لإعادة إعمار بيروت – قد تم طرده بعد أن تناغمت الصحيفة مع سياسة ابن الحريري، سعد، رئيس الوزراء الحالي المكلف؟ هل هي مجرد صدفة أن ثلاثة من كبار الموظفين في المؤسسة اللبنانية للإرسال من مؤيدي القوات اللبنانية لا يزالون يعملون في المحطة؟
ليس هناك أي تعليق على هذا الموضوع، لا من قبل صحيفة النهار ولا من المؤسسة اللبنانية للإرسال. لكن اللبنانيين ينتظرون لمعرفة أي صحيفة من بين صحفهم اليومية التي يزيد عددها عن العشرين، ستكون التالية لصرف موظفيها "لأسباب اقتصادية". هل ستجد الصحيفة اليسارية القديمة "السفير"، أن لديها موظفين عنيدين سياسيا (أمر مستبعد)، أو الصحيفة الرائعة التي تصدر باللغة الفرنسية، "لوريان لو جور"، ستخوض معركة مع أولئك الكتّاب الذين لا يزالون يحبون الجنرال السابق ميشال عون، وهو مسيحي ماروني حليف لحزب الله؟
المشكلة لا تتعلق كثيرا بسياسة لبنان بل بالحالة الإقطاعية في الصحافة. لا يمكنك افتتاح صحيفة جديدة في بيروت، عليك أن تشتري اسم صحيفة موجود من شخص آخر. هذا الأمر يكلف مالا. لذا فالأغنياء هم الذين يمتلكون الصحف. وهذا لا يختلف كثيرا، يمكنك القول، عن باقي بلدان العالم. لكن النظام في لبنان بدائي؛ هناك عائلات في بيروت تمتلك صحفا لكنها لا تنشرها – لا يزالون يبحثون عن شار.
كما يقول الياس خوري، المحرّر الثقافي في صحيفة "النهار"، والأكاديمي الحائز على جائزة أفضل رواية، وأحد الأشخاص الذين تم طردهم من الصحيفة: "كان مالكو الصحف في الأصل صحافيين – ومع الرأسمالية، لم يتغيّر النظام. التلفزيونات في هذا البلد ليست الصحافة – إنها دعاية، تمتلكها مجموعات طائفية أو أحزاب. إن الصحافة الحقيقية هي الصحف."
لكن الصحافة "الحقيقية" من الصعب ممارستها. خلال وجود الجيش السوري في لبنان، كانت صحفية "النهار"، كما باقي الصحف، حذرة وتتجنب المواجهة. في الواقع، حين دخل الجيش السوري إلى بيروت للمرة الأولى في العام 1976، تمت مهاجمة مكاتبها – للتأكد بأن على صحفييها أن يكونوا منصاعين كزملائهم في صحيفتي "البعث" و"تشرين"، جبابرة الصحافة البعثية عبر الجبال في دمشق.
لكن، مع صحيفة "السفير"، كان لصحيفة "النهار" ميزة بهذا الخصوص. لقد جذبت إليها محللا رائعا يدعى جهاد الزين من صحيفة "السفير"، وتحت رئاسة غسان تويني، تم اعتماد صحافة مستقلة. "عرض علي تويني الملحق الثقافي"، يقول خوري، "ولو كان لا يزال في سدة المسؤولية، لما كان حدث أي من هذا." الآن حفيدته نايلة هي المسؤولة. تماما مثل خوري، إدمون صعب، رئيس تحرير مساعد، سهى بحاصين وجورج ناصيف فقدوا أيضا وظائفهم. قيل لهم أن يستلموا كتاب صرفهم من مركز بريدي رسمي من رصيف خارج مكاتب الصحيفة في وسط المدينة.
"جاء أحد الصحافيين إلى العمل عند الساعة السادسة مساء من يوم جمعة – حين غادر ساعي البريد"، يضيف خوري. عمل ليل الجمعة ويومي السبت والأحد – وقرأ في صحيفة منافسة نهار الاثنين أنه تمّ طرده! "يكشف هذا عما يحصل في عملنا وعما يحصل في بيروت. صيغة أن ملحقنا مستقل – أنه يمكننا قول ما نريد - لم تعد مقبولة. لم أقبل أن يتم استيعابي. شنيت في ملحقي حملة ضد "سوليدير" (حيث يملك رفيق الحريري نسبة 10% من الحصص)، وأتينا بصحافيين ومهندسي ديكور ليكتبوا عن كيف أن الشركة كانت تدمر آثار بيروت العثمانية وتحافظ فقط على مباني الاستعمار الفرنسي. لم يوقفنا أحد. تمكنت من لعب دور المثقف اليساري".
انتهى الأمر. إن انضمام نايلة تويني إلى أكثرية حركة 14 آذار، التي يقودها سعد الحريري – الذي يدير بنفسه صحيفة يومية تسمى "المستقبل" – يعني أن "النهار" قد اتـُّخذت بوضوح بالنكهة المؤيدة للحكومة.
في نفس الوقت، صرفت المؤسسة اللبنانية للإرسال ثلاثة من أشهر الصحافيين، لأنهم، على ما يبدو، كانوا آخر ما تبقى من أفراد القوات اللبنانية العاملين في المحطة. ديامان رحمه جعجع، دنيز فخري، وفيرا بو منصف تم طردهن مع عشرات من زملائهن الموظفين، بما فيهم امرأة حامل في شهرها السادس، مما يجعل أمر صرفها غير شرعي عادة بحسب القانون اللبناني. حتى البطريرك الماروني المسيحي، مار نصرالله بطرس صفير، أبدى قلقه حيال هذا الإجراء.
ليس لاتحاد الصحافيين اللبنانيين أية نقابة لتساعد الكتـّاب العاطلين عن العمل. "من يحمي حقوق الصحافيين؟" سألت صحيفة "لوريان لو جور" الأسبوع الماضي. في لبنان، يبدو أن الإجابة هي لا أحد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق