صباح الشرقي
المغرب
بامكانكم مشاهدة صورة الكاتبة عبر الشريط المعروض في اعلى الصفحة
شهد العالم عموما والدول العربية خصوصا موجة غلاء طالت الأسعار الأساسية والتي لم يسبق لها نظير، إذ لم تصبح الظاهرة مجرد تقديرات متواطأ عليها ضمنيا وذلك من حيث التطور السريع الذي شهدته معظم المواد الاستهلاكية و المواد الغذائية كالخضر والفواكه والزيت والحليب والخبز والمحروقات والخدمات الحيوية مثل النقل والاتصالات والماء والكهرباء بينما النقيض في هذه الموازنة هو انخفاض سعر المواطن العربي حتى الحضيض إذ أصبحت الظاهرة واقع ملموس ومفروض لم يستثني أي قطر عربي.
فالانتهاك والاستهانة بالقدرة الشرائية للمواطن تعني التجويع المنظم وليس هناك أخطر وأسوأ من التجويع، لهذا أصبح من الضروري تسليط الضوء عليه وإثارة الجوانب المسكوت عنها والبحث عن وسائل العلاج المستعجلة لهذا الملف الإنساني الحساس من حيث أبعاده وخطورته والأولوية التي يتوجب التركيز عليها.
على سبيل المثال عرف المغرب مؤخرا عدة احتجاجات شعبية سلمية ضد موجة الغلاء رغم أنها أحيانا تخرج عن طابعها السلمي وتتحول إلى مواجهات بين المعتصمين وقوة حفظ الأمن أسوة بباقي الدول العربية إذ ترجع للأذهان ذكرى أحداث 24/02/1981 التي سقط فيها عدد من الشهداء ولقبوا (( بشهداء الكوميرة)) يعني شهداء الخبر،مما جعل الجميع يسأل كيف يمكن للمواطن العربي الحديث العيش بدخل اشتراكي ومصروف رأسمالي؟؟؟؟
لنتناول الأسباب الكامنة وراء الغلاء في المغرب
أجمع أصحاب الاختصاص في الميدان على أن موجة الغلاء وراءها ارتفاع أسعار النفط والمواد الأولية في السوق الدولية إذ كان سعر البرميل خلال سنة 2004 لا يتجاوز 30 دولار بينما قفز سعره إلى ما يناهز 95 دولار للبرميل الواحد يوم الثلاثاء 30/10/2007 ومع ارتفاع سعر النفط تتأثر باقي الأسعار التابعة ومن تم تخرج عن السيطرة كما هو الوضع الحالي لكن تبقى الدول المنتجة والمستهلكة تتناحر في دوائر مغلقة وكلاهما يتبادلا الاتهامات محاولين التنصل من مسؤولية ارتفاع سعر النفط .
في المغرب تضاربت الآراء حول أسباب موجة الغلاء هناك فرق يعزي ذلك للاختلال الواسع في تزويد السوق المغربية بالمواد الاستهلاكية الأساسية وتوفير مخزون كاف للاحتياجات قبل ارتفاع ثمنها في الأسواق الدولية ، وفريق آخر يرى أن ارتفاع نسبة الضريبة على القيمة المضافة شكلت تأثيرا مباشرا على أثمان السلع ، وآخر يرى أن الخصخصة هي التي قادت لاحتكار السوق كذلك مع ارتفاع بعض الرسوم المعمول بها في أسواق الجملة والتي بدورها تساهم وتأثر على ثمن المواد الاستهلاكية الأساسية مثل الحليب والخبز والقهوة والشاي والخضر والفواكه... الخ. ونخبة أخرى تعزي كثرة الطلب ونقص العرض العالمي وراء الظاهرة وأخرى ترى أن اضطراب المناخ كالأعاصير والجفاف الذي ضرب المغرب وبعض البلدان الكبرى المنتجة من بين الأسباب ،و آراء أخرى تعزي الظاهرة لسبب الجهل بثقافة حماية المستهلك المغربي والعربي عموما وعدم حضورها في الوقت المناسب وبشكل أساسي في ضبط وتنظيم ومراقبة الأسعار من خلال المراقبة المستديمة والفعالة للمستوردين الكبار والتجار الذين يفرضون أسعارهم على المواطن المغلوب على أمره.
جاء في تقرير مكتب الصرف المغربي الصادر في شهر أكتوبر / تشرين الأول 2007 أن واردات المغرب الغذائية تضاعفت مما كانت عليه في السابق حيث ارتفعت قيمتها إلى 15.12 مليار درهم الأمر الذي أدى إلى ارتفاع نسبة عجز الميزانية، و لنأخذ كمثال واردات القمح بما فيها الذرة والشعير التي قفزت من 3.61 مليار درهم سنة 2006 إلى 7.90 مليار درهم خلال 8 اشهر الأولى من نفس السنة الجارية وتفند نتائج هذا التقرير أطروحة ارتفاع المواد الأولية الأساسية في الأسواق الدولية التي تأثر بدورها على أثمان المواد الاستهلاكية المحلية خصوصا والمغرب يستهلك ما يناهز35 مليون قنطار من القمح سنويا مما يجعله مضطرا لاقتناء 4 ملايين قنطار لتسديد النقص خلال الأشهر المتبقية من السنة الجارية .
وتعتبر الدول العربية الأكثر استيراد لمادة القمح في العالم، نفس الشيء حضت به مادة الحليب إذ قفز سعرها من 1200 ارو إلى 4200 ارو للطن الواحد ويعود هذا الغلاء إلى ارتفاع الطلب عليه من قبل بعض الدول الكبرى كالصين والهند مقابل ضعف العرض نفس المصير بالنسبة للزيت والسكر... الخ.
إذ عزى وزير الشؤون الاقتصادية العامة بالمغرب السيد الطالبي العلمي أن مشكل ارتفاع الأسعار بنيوي وحسب رأيه من بين أهم الأسباب التي ساهمت في الظاهرة هو ارتفاع أسعار النفط حيث انعكس هذا التحول سلبا ولم يتحمله صندوق المقاصة المغربي من اجل دعم وتحريك نظام المقايسة القاضي بمسايرة ركب ارتفاع أسعار المحروقات الذي سجله السوق الدولي والذي اثر على تكاليف الإنتاج وحين تم التخلي عن هذا الصندوق الحساس تضررت القدرة الشرائية للمواطن المغربي في ظل جمود الأجور ، وأكد على عدة تدابير اتخذت من قبل الحكومة من اجل التعامل مع الوضعية الراهنة مفادها تزويد السوق المغربية بالمواد الأساسية ثم التخطيط والعمل على معالجة الأسعار.
وحسب آخر تقرير للبنك المركزي المغربي الذي أصدر بيانات حول نسبة التضخم في المغرب والتي فاقت كل التوقعات إذ ناهزت 3 % مقابل 0.8 و 1.5% خلال السنة المنصرمة والسبب يعود إلى ارتفاع الأثمان الذي يسددها سنويا.
لكن الزيادة التي طالت الضريبة على القيمة المضافة الخاصة بالسلع الاستهلاكية والخدمات الحيوية لها تأثير كبير على الأسعار من خلال ضغطها على تثقيل سعر البيع ، وقد قامت الحكومة خلال سنة 2006 ببعض الإصلاح الضريبي الذي جاء به قانون المالية لنفس السنة حيث ثم رفع نسبة القيمة المضافة على المواد الاستهلاكية مثل الزيوت باختلاف أنواعها والسكر والقهوة والزبادي ... الخ في نفس الوقت رفعت نسبة العمليات البنكية من 7 إلى 10% و حذفت الإعفاءات عن القروض التي كان يستفيد منها الفلاحين إذ أصبحت تطبق نسبة 10% أسوة بباقي العمليات التي تعرفها لأبناك إضافة إلى ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية في الأسواق العالمية وهذه التغييرات كلها آثرت على الأسعار وانعكست بالتالي على القدرة الشرائية للمواطن.
لكن ما يثير المخاوف حقا ا هو احتكار السوق المغربية في ظل الظروف الحالية الجد الصعبة من قبل قطاعات ومؤسسات تمت خصخصتها فمثلا نجد ثلاث شركات للاتصالات تنفرد بالسوق المغربي والمواطن لم يلمس أي تنافس يخدم مصالحه بقدر ما أصبح متأكدا من اقتسام الحصص لأن سعر المكالمة في المغرب لا زال هو الأعلى في العالم ولم يعرف أي انخفاض أو تعديل نفس المصير عرفه قطاع الماء والكهرباء طالته بدوره الزيادة في الأسعار عوض التخفيض منها رغم أن الحد الأدنى للأجر اليومي ارتفع إلى 48 % لكن ارتفعت كذلك تكلفة المعيشة التي ناهزت 57 %.
فموجة الغلاء خيمت بظلالها على كافة السلع والخدمات الحيوية وبالتالي أفرغت حمولتها الثقيلة على القدرة الشرائية للمواطن الأمر الذي انعكس على صمته ومحاولة تكييفه مع التغيير فانطلقت الاحتجاجات المتكررة على الكثير من الأصعدة وعلى مختلف البلدان العربية لكن لا زال الغموض يشوب التكهن بالمستقبل وما سيأتي بع الغد بالتحديد مع الارتفاع المستمر في سعر للذهب الأسود العالمي.
يعتمد الاقتصاد المغربي كغيره من البلدان على النفط ولا يتوفر إلا على نسبة ضعيفة من الطاقات البديلة والتي يستغلها بشكل أضعف ، ليس كبعض الدول التي التجأت لها لتأمين ولو جزء متوسط من احتياجات سوقها الداخلي كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح... الخ هذا ما جعله مرتبطا بقوة مع تقلبات الأسواق الدولية العالمية، وبالمناسبة نلقي نظرة على السلع المنتجة في المغرب وسعرها حسب ما جاء في تقرير المندوبية السامية للتخطيط بخصوص الناتج الداخلي الخام لسنة 2005 والذي من خلاله يمكن معرفة تركيبية السلع المنتجة داخليا.
الدرهم يساوي تقريبا 8,80 دولار
مليون درهم
345637,40
مجموع الضرائب على القيمة المضافة
1
"
77556,00
الإدارة العمومية
2
"
75789,00
الصناعة
3
"
64695,00
الفلاحة والصيد البحري والمواشي
4
"
55039,10
التجارة
5
"
45056,70
خدمات متنوعة مسوقة
6
"
34427,30
ضرائب رسوم وحقوق
7
"
34601,30
النقل والاتصالات
8
"
24716,00
خدمات بنكية
9
"
24216,40
البناء والأشغال العمومية
10
"
24187,00
مؤسسات مالية
11
"
19535,90
الكهرباء والماء
12
"
9441,50
الإيواء والمطاعم
13
"
9219,40
تكرير البترول
14
"
8197,00
المعادن
15
"
73,30
البترول والمحروقات
16
"
457620,70
الناتج الداخلي الخام
17
فالمغرب يعتمد على الأسواق الخارجية لسد نقص حاجياته الداخلية إذ بلغت تكلفة إنتاج القطاع الاقتصادي لسنة 2005 ما يناهز 40637345 درهم وقيمة الصادرات بلغت 50884104 درهم
فإذا قمنا بطرح المبلغ الأول من المبلغ الثاني سوف نحصل على 10246759 درهم و الذي يمثل نسبة النقص المسجل في السوق الداخلية ، مع الإشارة أن الإتحاد الأوربي احتل المرتبة الأولى في الاستثمارات الخارجية المباشرة للمغرب ما بين سنة 2001-2004 بنسبة 84,3 % ، أما أمريكا فلم تمثل سوى 10,9% من إجمالي نسبة الاستثمارات رغم حضورها السياسي القوي في المغرب . و قد وصلت القروض الأجنبية للمغرب (خلال نفس فترة هذه الاستثمارات ) إلى 79,30 مليار درهم .
( المصدر: التقرير المالي و الاقتصادي 2006 ) .
مع أن واردات المغرب للمواد الأساسية خلال سنة 2005 بلغت 148175 مليون درهم أي بنسبة
72 , 75 % ، لكن مع تزايد عدد السكان الذي ناهز 30 مليون نسمة تقريبا (حسب الإحصاء الرسمي لسنة 2004) إذ من بين هذا العدد توجد 10 ملايين من الساكنة النشيطة فقط أي ما تبقى وهي نسبة 68 % هم خارج دورة الإنتاج وبالتالي يتعذر بل من المستحيل عليهم مسايرة ركب التغيير من اجل الحصول على وسائل العيش الكريم. هذا بالإضافة إلى عنصر الضريبة على الدخل الجد مرتفعة إذ تطبق وتطرح نسبة 40 % على الدخل مابين( 5000 و10000) درهم شهريا ( ونسبة 42 % على الدخل الذي يتجاوز 10000 ) درهم شهريا كذلك تطبق ما يسمى (بالضريبة على الشركات) أي على الأرباح السنوية للأشخاص المعنويين الذين يزاولون أي نشاط تجاري أو صناعي بنسب تختلف ما بين 35 % و39,6 % وتطبق كذلك ما يسمى بالضريبة على القيمة المضافة)) التي تفرض بنسب مختلفة على السلع و الخدمات انطلاقا من ((7% . 10% . 14% . 20% ))
((تعريف بالضريبة على القيمة المضافة ))
هي ضريبة غير مباشرة رأت النور لأول مرة سنة 1954 في فرنسا بفضل الأستاذ موريس لوريه الذي وضع قواعدها الرئيسية سنة 1953 إذ تستمد معظم الضرائب تسميتها من الوعاء الضريبي الذي تفرض عليه فضريبة الدخل مثلا هي الضريبة المفروضة على المداخل كالأرباح و الرواتب ، أما الضريبة على القيمة المضافة و كما يدل اسمها تعني القيمة المضافة عن كل عملية تجارية، وقد استقر رأي بعض الاقتصاديين مثل جان ميل ، اعتبار التكاليف أساسا لتحديد القيمة لذلك تعرف القيمة المضافة في كل المراحل الاقتصادية بأنها الفرق بين قيمة السلع المنتجة و قيمة المواد التي أدخلت في إنتاجها و من ناحية الضريبة ، فالقيمة المضافة تمثل الفرق بين ثمن بيع السلعة أو الخدمة و ثمن شراء المواد الأولية و الخدمات الداخلية في إنتاجها ثم تسويقها وتطبق الضريبة على القيمة المضافة في أزيد من 127 بلد وفقا للقانون الجاري به العمل في تلك الدول))
هنا تتضح حمولة الوزن الثقيل الذي يفرض على المواطن عموما إذ كيف يعقل أن يؤدي نسبة 20 % كضريبة على القيمة المضافة أثناء تبضعه اليومي و تقتطع نسبة 40 أو 42 % من دخله كضريبة على الدخل ؟؟ و كيف له أن يواجه أعباء الضريبة لوحدها التي تساهم بشكل كبير في قضم قدرته الشرائية ؟؟؟؟
انتهاك صارخ بحقوق غالبية المواطنين في جل الدول العربية والنامية والتي تكون سببا في التوترات الغير مرتقبة والاضطراب والهزات العنيفة، التي تؤدي إلى انتشار الجرائم والأمراض النفسية والانتحار والفساد والقبول بالرشوة وتضاعف عدد أطفال الشوارع والمتسولين والمتشردين والبغاء ....الخ
المغرب لا يتوفر على منتجات محلية أساسية يتم تصديرها للمستهلك الخارجي مثل النفط لهذا لا يزال اقتصاده تقليدي شبيه بالدول النامية فلازالت أمامه تحديات جسام مثل التقليص من النفقات عموما و الحكومية خصوصا وتشجيع القطاع الخاص من اجل خلق صناعة موجه نحو التصدير لتساهم في تحقيق معدل نمو اقتصادي متواصل خصوصا وان العملة المغربية أصبحت قابلة للاستبدال مع باقي العملات الأجنبية في مجالات الاستثمار والمعاملات والحسابات كذلك يجب الاهتمام على تحسين مكوناته الأساسية مثل الزراعة والصناعة والسياحة وصادرات الفوسفات... الخ ، ونعود من جديد لقانون الضريبة المطبق في المغرب التي يعتبر ضمن الوسائل الرئيسية التي تحقق أهداف الدول باعتبارها إحدى المصادر الرئيسية للتمويل والوسيلة الفعالة التي تسهل الطرق للتدخل في جميع أوجه الحياة الاجتماعية والاقتصادية ونظرا لأهمية هذا الملف الحساس يجب إصلاحه وتحديث هياكله بما يتلاءم مع مصالح المواطنين ومواكبة التطور الاقتصادي العالمي الجديد.
حسب التقرير الاقتصادي والمالي المغربي لسنة 2007 الصادر عن وزارة المالية ، جاءت ميزانية سنة 2005 كما يلي
الدرهم = تقريبا 8,80 دولار
مليون درهم
المصاريف
المداخيل
62020,00
الموظفون
43241,00
الضرائب المباشرة
36131,00
الباقي تسديده للموظفين
38439,00
الضرائب الغير مباشرة
الديون العامة
12409,00
حقوق الجمارك
2389,00
الديون الخاردية
10373,00
مداخيل غير جبائية خارج الخوصوصة
14930,00
الديون الداخلية
6369,00
حقوق التسجيل والتنبر
11269,00
المقاصة
6899,00
مداخيل الخوصصة
ناقص 4926,00
الصناديق الخاصة
3911,00
مداخيل حسابات خاصة للخزينة
20084,00
مصاريف الاستتمار
141897,00
مجموع المصاريف
121641,00
مجموع المداخيل
النتيجة جاءت بعجز في صندوق الخزينة العامة بمبلغ 20256.00 مليون درهم ، أي ما يعادل نسبة 4.43 % من الناتج الداخلي الخام والسبب في ذلك حسب نفس الوزارة راجع لخفض النفقات العمومية نتيجة الظروف الغير ملائمة أهمها دعم المنتجات النفطية بسبب ارتفاع أسعارها في الأسواق العالمية، إضافة إلى نفقات الموظفين من اجل المغادرة الطوعيه والتحويلات للصندوق المغربي للتقاعد ودعم الشركات العمومية التي توجد في وضعية حرجة ومحاربة الجفاف، وقد وصلت ديون المغرب الخارجية آخر سنة 2005 إلى 871115,00 درهم وأي تأخير في الأداء تكون له عواقب غير حميدة رغم انخفاض نسبة الفائدة على المستوى العالمي.
كل ما سبق توضيحه يؤكد أن الحكومة المغربية لا زالت تعمل جادة من أجل إعادة التوازن لميزانية الدولة من خلال عدة تدابير مختلفة اتخذت وعلى أكثر من جبهة لن أتطرق لها بالتفصيل خلال هذا النص أهمها المبادلات التجارية الخارجية التي تستنزف خيرات البلاد وتساهم في ارتفاع وثيرة الفقر وهذا ما أكده التقرير الاقتصادي والمالي لسنة 2006 الصادر عن وزارة المالية المغربية والذي اقر على أن الحكومة أنجزت دراسة استراتيجية خرجت بخلاصة على أن مفتاح التنمية في المغرب هو خلق صناعة قابلة للتصدير بنسبة تعادل 70% وعلى هذا الأساس أعادت صياغة بعض القوانين التي تساير ركب هذه الدراسة الهادفة فأحدثت مدونة الشغل ، ومدونة التجارة، ومدونة الضرائب ، والميثاق الوطني للتربية والتعليم وجددت هيكلة جل مؤسسات الدولة لتهيئ الحقل المرن المناسب لتحقيق وإنجاز وإنجاح الدراسة المعتمدة ورؤيتها الاستراتيجية.
توضيح / إن مناقشة الملف المغربي بتفصيل واسع مجرد نموذج وليس وضع خاص ومنفرد عن باقي الدول ، لان ما حصل فيه ممكن أن يسري على باقي دول العالم سواء العربية أو الغربية أو النامية والمعاناة واحدة
لنتناول انعكاسات ظاهرة الغلاء بالوطن العربي.
ليس مهما إحضار الشواهد والحقائق التي تؤكد أن كافة الأقطار العربية والدول النامية تعاني من موجة الغلاء لأن الأحداث الأخيرة التي عرفتها جميع الساحات واضحة المعالم كذلك الأسباب الكامنة وراءها، لأن كافة البضائع و الخدمات الحيوية عرفت الزيادة إن لم أقل عدة زيادة متعاقبة ومن هنا فرض سؤال ملح نفسه وهو : هل ما يحدث ظاهرة تجويع المواطنين عمدا من اجل تركيعهم وإخضاعهم للأنظمة وقراراتهم المتناقضة ؟
رغم أنني لست مع هذا الطرح لأن أصحاب القرار كيف ما كانت جنسياتهم أو سياساتهم أو منهج تفكيرهم لن يقفوا وراء تجويع شعوبهم بشكل متعمد، لأن لهم القناعة الكاملة أن أخطر شيء يمكن أن يعبأ ضدهم الرأي العام هو التجويع ألقصدي ‘ إذا لن ولن يغامروا بالدخول في عش الدبابير.وحسب كل المعطيات فظاهرة ارتفاع معدل الأسعار وارتفاع مستوى التضخم عرفه العالم سواء الغربي أو العربي وهذه بعض النسب التي سجلت خلال السنة الجارية في مختلف الدول .
تعريف مقتضب لمصطلح (( التضخم ))
يختلف مفهوم التضخم حسب المدارس الاقتصادية المختلفة، فالمدرسة الكلاسيكية تشير إلى أن الأسعار تتحدد بالتفاعل الحر بين العرض والطلب للسلع والخدمات، إذ جاءت معادلة (فيشر) واستقرت على أن المستوى العام للأسعار يساوي كمية النقود المتداولة . أما النظرية الكلاسيكية التي حدثها(كمبردج) تقول أن حركة الأسعار التي تعني معدل التضخم يتناسب طردا مع كمية النقود، ويتناسب عكسياً مع حجم الإنتاج ومعدل الطلب على النقود .و المدرسة الكنزية ترى التضخم في زيادة الكتلة النقدية عن العرض الكلي المتاح للسلع والخدمات ، مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار، وبالتالي فالتضخم يرتبط ارتباطاً مباشرا مع التغيرات في كمية النقود، و أسعار الفائدة، وعلى مستوى التشغيل في الجهاز الإنتاجي لكل بلد ، وبالنسبة للمدرسة الماركسية ، فهي تشدد على تحديد حركة أسعار السلع والخدمات .
ابرز سمات ظاهرة التضخم هي النتائج السلبية الناتجة عن عدة عوامل اقتصادية مختلفة، قد تتناقض في ما بينها والتضخم ظاهرة مركبة ومتعددة الأبعاد تكون وليدة اختلاف أسعار السلع والخدمات وأسعار الإنتاج سواء على مستوى التكاليف أو نسب الأرباح أو الأجور بالإضافة إلى انخفاض العملة مقابل أسعار السلع والخدمات أي ما يسمى بالقدرة الشرائية.
نسب التضخم في بعض دول العالم
· الولايات المتحدة الأمريكية ....ارتفع معدل التضخم السنوي في أمريكا خلال شهر أكتوبر 2007 إلى 3.5% مقابل 2.8% خلال شهر سبتمبر من نفس السنة
( المصدر أخبار الخليج ما واقتصاد عدد 10829 تاريخ 16/11/2007 )
· منطقة اليورو....عرفت كذلك منطقة اليورو والتي تضم فنلندا والبرتغال، أسبانيا واليونان، بلجيكا وايرلندا، فرنسا وإيطاليا، لكسمبورغ وهولندا، سلوفينيا وألمانيا نسبة التضخم بلغت في مارس/آذار من نفس السنة الجارية نسبة 1.9 % عوض 1.8 % سجلت في شهر فبراير وبهذا تتوافق الأرقام مع تقديرات الاقتصاديين الذين رجحوا أن لا تتجاوز نسبة التضخم عند الإنتاج 0.1% و3 % كنسبة سنوية، نقلا عن أسوشيتد برس عن بيان لمكتب الإحصاءات في المجموعات الأوروبية "يورو ستات" الصادر يوم الجمعة 30/3/2007، .
( المصدر CNN عدد 1817 مؤرخ ب30/3/2007 اقتصاد )
· الصين ....ارتفعت نسبة التضخم في الصين إلى 6.5 % خلال 2007 هذا ما أعلنه مكتب الإحصاء الوطني الصيني حيث أشار إلى أن أسعار المستهلكين في الصين ارتفعت بنسبة 6.5% خلال شهر أكتوبر إذ يعد أعلى مستوى تحقق منذ عشر سنوات وسجل أيضا نفس الرقم خلال شهر أغسطس الماضي، مقارنة بـ 6.2% شهر سبتمبر. كذلك أشارت شبكة بلومبيرج الإخبارية عبر موقعها الإلكتروني على شبكة الإنترنت إلى أن هذا الارتفاع في معدل التضخم جاء أعلى من توقعات المحللين بنفس الشبكة الذي توقعوا وصوله إلى 6.3%.
( المصدر شبكة الصين ،مال واقتصاد 13/11/2007 )
· جزر الرأس الأخضر( الأرخبيل ) قالت وزيرة المالية والخدمات العامة في الرأس الأخضر كرستنا دوارتي في برايا يوم 5/10/2007 أن الحكومة تتوقع نسبة تضخم تتراوح بين 4 و5 % خلال سنة 2007 . وأكدت كرستنا في تعليق لها لدى افتتاح اجتماع مع وفد من صندوق النقد الدولي يخطط لمناقشة الوضع الاقتصادي والمالي في الأرخبيل أن نسبة التضخم 4 و5 % لن تعرض اقتصاد الرأس الأخضر للخطر" ) ( المصدر. برايا - بانا بريس6 /10/2007 )
· مصر.... أعلن وزير التنمية الاقتصادية الدكتور عثمان محمد عثمان يوم 7/7/2007 عن تراجع معدل التضخم في مصر يونيو الماضي إلى نسبة 5ر8 % بعد أن كان قد بلغ أقصى ارتفاع له بمعدل 8ر12 % في مارس الماضي. وأشار كذلك إلى أن متوسط معدل التضخم السنوي خلال عام 2006 - 2007 انخفض إلى 10.9 % بعد أن كان نحو 12.9 % خلال 2003 - 2004 في أعقاب تحرير سعر الصرف للجنيه المصري
( المصدر القاهرة 7-7 كونا الشؤون الاقتصادية 07/07/2007 )
· الكويت .... أظهرت بيانات حكومية أن التضخم في الكويت انخفض قليلا حيث نزل إلى نسبة 4.81 % في أغسطس أب عوض 4.98 % في يوليو تموز من نفس السنة الجارية. وهو أعلى مستوى له خلال 12 شهرا ، وأظهرت البيانات ارتفاع مؤشر أسعار المستهلكين إلى 117.7 نقطة في نهاية أغسطس مقارنة مع 112.3 نقطة قبل عام. وانخفض المؤشر 0.25% عن مستواه في يوليو عندما سجل 118 نقطة ( المصدر رويتر الأخبار الاقتصادية 12/11/2007 )
· سوريا ... حسب بيانات حكومية تابعة للجهاز المركزي للإحصاء السوري توقع أن تصل نسبة التضخم إلى 8% خلال سنة 2007 ( المصدر صحيفة سورية الحرة اقتصاد 4/7/2007 )
· العراق وفلسطين ولبنان وأفغانستان ظروفهم جد خاصة ولو أن العراق سجل ما بين أكتوبر 2006 وأكتوبر 2007 نسبة تضخم ناهزت 20.4% وهذا حسب الجهاز المركزي للإحصاء وتكنولوجيا المعلومات التابع لوزارة التخطيط والتعاون الإنمائي العراقي.
· الجزائر ... أعلن وزير المالية الجزائري كريم جودي يوم 1/10/2007 أن نسبة التضخم في بلاده وصلت إلى 2.8 % خلال النصف الأول من السنة الجارية متوقعا أن ترتفع إلى 3 % قبل نهاية العام الجاري ( المصدر كونا الشؤون الاقتصادية عدد 011637 بتاريخ 1/10/2007 )
· تونس ... أفاد البنك المركزي التونسي في تقرير نشر يوم الجمعة 28/9/2007 إن نسبة التضخم في تونس بلغت 2.6 خلال 8 أشهر الأولى مقابل 4.7 مقابل 4.7 من الفترة ذاتها للعام المنصرم ( المصدر تونس ا ف ب 28/9/07 )
· قطر .... أكدت الحكومة القطرية على أن نسبة التضخم السنوية في قطر انخفضت إلى 12.8% نهاية يونيو حزيران الماضي مقابل 15 % نهاية شهر مارس آذار المنصرم ( المصدر رويتر 1/8/2007 اقتصاد )
السعودية .... أظهرت بيانات مصلحة الإحصاء العامة السعودية أن معدل التضخم السنوي ارتفع إلى 4.4 % شهر أغسطس الماضي بدل 3.83 % شهر يوليو من نفس السنة ( المرجع جوهرة المعلومات الشرق الأوسط مؤشرات اقتصادية 14/10/2007 )
إيران ... أظهرت البيانات الصادرة عن مكتب الإحصاءات الاقتصادية بالبنك المركزي زيادة مطردة للتضخم في إيران وعزى البنك المركزي الإيراني ذلك لزيادة أسعار المستهلكين التي ارتفعت بنسبة 17.9 % في ألاثني عشر شهرا حتى 22 سبتمبر أيلول 2007.
( المصدر رويتر الأخبار الاقتصادية 3/11/2007 ).
· زمبابوي ... ذكر المكتب المركزي للإحصاء في زمبابوي أن نسبة التضخم في بلاده والتي تعتبر الأعلى في العالم ارتفعت ب 1389.3 نقطة مئوية خلال الشهر المنصرم لتصل إلى 7982.1 وعزى نفس المكتب هذا التضخم الكبير راجع للزيادة في أسعار السلع الغذائية والغير غذائية وأفاد كذلك أن نسبة التضخم الشهري قفزت من 11.8 % والتي سجلت شهر غشت 2007 إلى 38.7 % سجلت شهر شتنبر من نفس السنة الجارية. ( المصدر صحيفة إفريقيا ماناجي 19/10/2007 )
فالتضخم له آثار اقتصادية سلبية على مستويات معشية المواطن، وازدياد معدل التضخم يؤدي إلى خفض القيمة الشرائية للنقد والذي يؤدي بدوره إلى زيادة الطلب على رؤوس الأموال لتمويل المشروعات وزيادة الطلب على رؤوس الأموال يؤدي إلى ارتفاع أسعار الفائدة وأسعار الكتلة النقدية المتداولة، مما يؤدي حتما إلى ارتفاع معدلات التضخم ثم إلى ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية و المتضرر الأول من هذا الارتفاع هم أصحاب الدخل المحدود، والتضخم المسجل في البلدان العربية راجع إلى ارتفاع حجم الطلب النقدي الذي تقابله محدودية الإنتاج المحلي والتضخم في الكلفة والمصاريف مما يعكس ارتفاع الأسعار، فظاهرة التضخم تعبير صارخ وواضح المعالم عن مجموعة من بؤر الخلل وعدم التوازن في الاقتصاد.
شواهد عديدة تثبت تورط العالم في آفة التضخم إذ لا يجوز أن نحكم على التضخم انه مجرد ارتفاع الأسعار فحسب ، بل هو جزء من صميم الأزمة العالمية الراهنة والأزمات الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية التي يعرفها كل بلد على حدا ، ونمو التضخم عرفه أقوى اقتصاد عالمي سواء الأمريكي أو الغربي لأن تقلبات سعر النفط هو المؤثر المباشر في نمو التضخم ومن تم المس بالقدرة الشرائية للمواطن لكن الفرق يكمن في البلدان الرأسمالية وما نجده في البلدان العربية والنامية، فالمواطن في البلد الرأسمالي يختار بمحص إرادته أصحاب القرار الذي يجعلهم على سدة الحكم من اجل رعاية مصالحه وخدمة وطنه بعكس المواطن العربي الذي هو في أمس الحاجة للحكم الرشيد النزيه فأمره مغلوب عليه وولاة الأمور يخلطون السياسة بالمال والمصالح الفردية تجعلهم يتجاوزون الصلاحيات المنوطة بهم من خلال الضغط ومنح الأنشطة الاقتصادية الحساسة على طبق من فضة لأقربائهم من اجل تكديس المزيد من الأرباح والثروات واستنزاف خيرات البلاد والعباد واحتكار السوق ورفع نسبة الفقر والفقراء. وأي فساد اخطر من احتكار السوق وتدمير الاقتصاد الداخلي في إطار بيئة قانونية هشة وتوزيع غير عادل أو متكافئ فالعديد من الأبحاث تؤكد أن ما بين 10 و 20 شخص يسيطرون على معظم الاقتصاد الوطني في البلدان العربية و في هذا السياق نأخذ تقرير صندوق النقد العربي الذي تابع التطورات الاقتصادية وخرج بخلاصة على أن معدل النمو الاقتصادي في الدول العربية خصوصا الشرق الأوسطية من أعلى معدلات النمو العالمية إذا استحسن تدبيره طبعا.
فسياسة الباب المفتوح التي تتبناها الدول العربية من خلال تشجيع الاستثمار الخارجي ومنافسة الشركات المتعددة الجنسيات والمصالح داخل نفس البلد وما تفرضه من سلبيات وخيمة هذا بالإضافة إلى إبرام اتفاقيات تبادل متنوعة مما يزيد من أزمة التضخم المستورد سيما حين ترتفع أسعار الواردات مقابل نزول سعر العملات الدولية المتعامل بها سواء اليورو أو الدولار الأمريكي كل هذه المؤشرات تساهم في تفاقم الأزمة وتساعد على انخفاض نسبة النمو ولنأخذ كمثال بعض الأرقام الخاصة بواردات بعض دول الخليج خصوصا الإمارات والسعودية التي تعتبران من اكبر المستوردين حيث ارتفعت ورادات السعودية المسجلة سنة 2003 من 60 مليار دولار إلى 142.9 مليار دولار سنة 2007 كذلك بالنسبة للإمارات قفزت وارداتها من 58 مليار دولار سجلت سنة 2003 إلى 149.1 مليار دولار سنة 2007 كذلك ارتفعت واردات دول الخليج عموما من 154.5 مليار دولار سنة 2003 إلى 376 مليار دولار سنة 2007 بزيادة قدرها 143 % كلها مواد استهلاكية وخدمات .
فجل الدول العربية والنامية تسعى وراء جلب الاستثمار الخارجي وتهمل الاستثمار الداخلي من أجل تحقيق المزيد من النمو فتشجع رؤوس الأموال الأجنبية وتمنح لهم الامتياز وتقدم لهم أفضل الصفقات الاقتصادية والعمومية المربحة وبالتالي تنظف تلك الحكومات يديها من قسط كبير من خيرات البلاد الداخلية وترتاح من المسؤولية وعبأ الجبهة الاقتصادية والاجتماعية ومن تم تتجه للاستجمام وتكتفي بوظيفة أساسية ألا وهي خدمة وحفظ أمن ليبرالية المستثمرين المتوحشة واستغلال اليد العاملة التي تضمن لولاتهم أرباحا خيالية خصوصا أن الاقتصاد الذي يعتمد على التصدير يتمركز قرب الموانئ الكبرى ويحدث بدوره حقولا متعددة مثل بالبنايات الفخمة الخاصة بالأبناك والمكاتب والمساكن والمحلات التجارية الخ مما يزيد في ارتفاع وثيرة تهميش باقي المدن والبوادي التي توجد بعيدة عن البحر أو النائية و التي يخنقها اقتصادها المعتمد الهش والتقليدي والذي يولد بدوره ظاهرة الفقر والعوز و الذي يؤدي بدوره إلى ضعف الاستهلاك العام وتراجع الطلب وارتفاع التضخم.
من جهة أخرى نجد كذلك نمو الطلب على الموارد العالمية والذي أصبح يفوق بكثير نسبة العرض، خاصة إذا استسغنا الصين والهند كمثال، فالصين عرفت ولمدة 10 سنوات متتالية نموا اقتصاديا و ديموغرافيا جد مرتفع إذ تضم لوحدها حوالي سدس سكان العالم وإذا أضفنا لها الهند سوف يمثلان معا ثلث سكان العالم وبالتالي تزايد طلبيهما من اجل تلبية احتياجاتهما الاقتصادية كاف ليخلق ضغطا ثقيلا على الأسواق العالمية ، انطلاقا من النفط حتى المواد الغذائية الأكثر استهلاكا، لكن قد تطبق هذه النظرية على بعض المواد الخام وما لا يمكن لعاقل تبريره أو قبوله هو رفع أثمان الخضر والفواكه والمنتجات المحلية المختلفة، بل يتوجب على الحكومات دعم الفلاحين والمنتجين الصغار والعمل على محاربة الغش سواء من طرف التجار أو المسؤولين عن الإدارة الاقتصادية ومحاربة احتكار السوق ومحاربة كل الفساد يؤدي إلى الانهيار الاقتصادي وينتهك حق المواطنين في العيش الكريم ومن تم يتفجر السخط في وجه واقع الحرمان ،فتنطلق الاحتجاجات وتخرج الأصوات عن صمتها وقد تتحول إلى زوابع اجتماعية خطيرة لا تحمد عقباها.
كل المعطيات تؤكد على أن الاقتصاد العربي يوجد في وضع لا يحسد عليه ، فمعدلات النمو جد ضئيلة ومعدلات التضخم في ارتفاع من شهر لآخر ومن سنة لأخرى وهذا راجع لضعف التدابير السياسية والاقتصادية السليمة التي تكفل سد الثغرات وتوفير العناصر الغائبة من اجل خلق التوازن على الساحة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بالإضافة إلى عدم استقرار الأوضاع والفساد والاستبداد والطغيان والحقوق المهضومة والتدهور المستمر التي تعاني منه جل الشعوب العربية والنامية والذي يتعارض مع سياسة الإصلاح التي يتشدق بها أصحاب القرار الذين عجزوا عن تحقيق ابسط التدابير التي لها جاذبية لتنشيط الرأس مال المحلي والذي طال انتظاره، وإعادة النظر في كل المكونات التي تسبب الزيادة في الكلفة كالرسوم والضرائب والرسوم الجمركية وأجور النقل والتخزين في المرافئ أو المحلي وغير ذلك من الخطوات التي من شأنها تخفيض قيمة الكلفة التي تقسم ظهر المستهلك ، فالجماهير العربية ليست بحاجة للصدقة بقدر ما هي بحاجة لحقها في العمل والأجر العادل الذي يضمن لها العيش بكرامة وسياسة اقتصادية ونمو يلبي لها احتياجاتها.
للأسف الشديد الحكومات العربية انحرفت في طريق الخطر والمواطن العربي أدرك جيدا وجليا انعدام الهياكل الديمقراطية التي توفر الفرص الذهبية فقط للاتساع الليبرالية المتوحشة من اجل تحقيق مآربها الفتاكة على حساب قوته ولقمة غذائه اليومية وبذلك تكونت لديه هواجس خوف وقلق على مستقبله وتأمين حتى حاضره وبكل تأكيد سوف يفقد صوابه خصوصا حين يكتوي في جيبه ويفقد القدرة على تحمل مواكبة التطورات ذات الصبغة المفزعة التي تساهم في تفشي الأمراض الاجتماعية بجميع ألوانها وكل العيوب التي سبق ذكرها تهدد الرخاء الاقتصادي والأمن والسلام وبالتالي تدفع إلى انهيار الحكومات ولما لا حتى الأنظمة .
هذا بالإضافة أننا نجد العديد من القوانين والتشريعات تصدر لضمان توفير السلع في الأسواق في حين أن حماية المستهلك ينظر إليها بنظرة ضيقة و لم يطرأ عليها أي تجديد في ظل كل تلك التشريعات والنصوص والقوانين التي عرضت أو لا زالت تقاوم الغبار في الرفوف ، فحماية المستهلك أصبحت من الأوليات والعمل على كشف أهميتها وبيان طبيعتها القانونية وخصائصها وأركانها وبسطها من كل الجوانب سواء الدولية أوالإقليمية أوالمحلية ، المدنية منها أوالجزائية أوالتجارية أوالإدارية أو الاقتصادية التي فرضت نفسها بقوة اثر الأحداث الراهنة لأن الحماية العامة ودور المؤسسات التابعة لها شابها الجمود لأن العديد من النتائج الملموسة تؤكد غيابها التام، حتى القوانين و التشريعات الصادرة بخصوص حماية المستهلك محتشمة ولاتصون حقوقها ولا حقوق من لهم صلة بها مثل التجار والصناع والمحترفين، معنويين كانوا أو طبيعيين ، من القطاع العام أو الخاص إذ لا توجد أي مراقبة فعالة سواء على صعيد الأسعار أو المنتجات المحلية أو المستوردة ولازالت الفضائح تطل علينا بفداحتها لما أحدثته بعض السلع والأغذية والأدوية والأدوات التي يجلبها العالم العربي من الخارج كذلك الفساد الذي يمارسه بعض المسؤولين الحكوميين والذي يحول مسار الموارد التي يمكن استخدامها لصالح المواطنين من خلال تسويق منتجات مؤذية ومنتهية الصلاحية ضاربين عرض الحائط بواجب حماية المستهلك واحترام قواعد العدالة وتوفير الحماية القانونية التي تكفل محاربة الغش التجاري ومحاربة الاحتكار ووضع مواصفات قياسية للإنتاج والاستيراد والتصدير، فضلا عن خلق ودعم أجهزة الرقابة النزيهة التي تضمن ملاحقة كل من خالف القانون كيف ما كان مركزه أو وظيفته وعدم السماح بترويج الإعلانات المظللة ورفع أثمان السلع دون رقيب أو عقاب، إذا رجعنا لديننا الحنيف وشريعتنا السمحاء فنجدها أوصت بل أكدت على
حق المستهلك فحرمت التدليس والاحتكار والغش والمنافسة الغير المشروعة إذ قال رسول الله (ص) عن الاحتكار (( لا يحتكر إلاّ خاطىء )) وقوله المأثور (( من غشنا ليس منا ))، وقوله كذلك: (لا يَسمُ المسلم على سَوْمِ أخيه) وقال الله تعالى (((( وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2)
وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6) )))) سورة المطففين وهذه الآيات الكريمة تظهر لنا جليا أن الشريعة الإسلامية فرضت القوانين السامية الخاضعة والخاصة بجميع أنواع المعاملات التجاري مع حفظ وضمان حقوق المستهلك والتي سبقت كل القوانين الحديثة لكن من الواضح أن العقول أصابها التلف ولم تعد قادرة على التمييز وأهملت كل القانونين حتى أصبح حالنا يدمي القلوب.
فالتحدي القوي الذي يواجه العالم العربي عموما والقادة وحكوماتهم خصوصا هو نسيان الماضي وتكثيف الجهود لبناء مجتمعات مدنية معافاة وسليمة والتخلي عن الفلسفة الماركسية آنذاك قد تتحقق الدفعة الكبيرة للاقتصاد المتعثر الذي يحتاج إلى صدمات ورجات عديدة لإنعاشه من جديد. فتوفير فرص العمل والتجارة وتشجيع الاستثمار الداخلي وخلق ودعم التجارة والمنشآت المحلية والقطاع الخاص الأساسي في تحقيق الرخاء الاقتصادي والذي له قدر كبير من الأهمية في تثبيت الاستقرار بشتى أنواعه ، لهذا يجب تصحيح الحواجز بل رفعها في وجه الاستثمار السليم والصحيح الذي هو المفتاح الذهبي للنمو الاقتصادي والعمالة عموما.
فتكوين الاختصاصين في المجال أصبح ضروريا، حتى يتسنى لهم تكوين معرفة إدارية واسعة بالتعاون والشراكة مع المهارات العربية الأخرى لإصلاح ورفع وتجديد الاقتصاد العربي من خلال العمل بطريقة متواصلة ومشتركة ومستقيمة ومتكاملة قادرة على مواكبة قاطرة التحولات الاقتصادية والأسواق الكبرى والسياسة العالمية المتقلبة والتكنولوجية السريعة وتحديد الهدف الدقيق من اجل تشكيل الأرضية الخصبة لتوسيع مجال المعرفية للتخطيط الاقتصادي الفعال ضمن رؤى مركبة ومترابطة مع الأحداث المتعاقبة و ليكون مركز السيطرة، يستطيع استيعاب الواقع العربي بكل خفاياها وبكافة الكيانات التي يتألف منها.
فبناء المجتمعات لا يمكن لأي قوة أن تعترض عليه، لهذا فالدعوة مفتوحة لتجديد وتوسيع الدور الاقتصادي العربي، فالمسؤوليات والجهود والأهداف مشتركة من اجل العمل الدءوب لإيجاد الحلول الحاسمة التي لا تقتصر على الدعاية المغلوطة والرخيصة والتي لا تخدم الأطراف المتضررة ولا الصالح العام، فالنضال الحقيقي يستلزم معمارا جديدا يوفر وسائل النمو والشمول والنهج الموحد لبناء المجتمعات من خلال إعادة هيكلة المؤسسات المتعددة الأطراف والصلاحيات في ظل حكومات قابلة للتجديد والتبديل ،البعيدة عن الفساد الشامل الداعمة للاستقرار، الباحثة عن الرجة القوية للنهوض بالاقتصاد العربي المتعثر في عالم مليء بالمتناقضات والمخاطر والتحديات.
قد أستطيع القول أن جل الحكومات العربية تفتقر للرؤى الواضحة التي تحدد لها الهدف المطلوب، ففي المجتمعات الديمقراطية تؤدي الاحتجاجات إلى استقالة المسؤولين الذين يتواجدون على هرم القمة السياسية وأحيانا تؤدي إلى إسقاط الحكومات، أما في الوطن العربي فالخروج عن دائرة الصمت يؤدي إلى الهلاك الحتمي من خلال سقوط العديد من ضحايا لقمة العيش والاعتقالات بالجملة فتنقلب الآية ويصبح المظلوم ظالما والمتضرر مذنبا والبريء متهما. فإذا حدد الهدف العربي في استقراره الاقتصادي والاجتماعي كفيل بأن يضمن شروط التنمية المستدامة الذي تعتبر العلاج الفعال الذي يخمد نار الفتن والمنازعات والأداة التي تكفل وتحمي حقوق المواطنين وتشعر المحرومين بأن لديهم حوافز العمل يعتمدون عليها من اجل استمرارهم في البحث عن حياة كريمة ، العنصر والمقياس الذي يستلهمه المواطن عموما و العربي خصوصا.
فإلى متى ستظل الجماهير العربية تستلزم الصبر ، تأكل بالصبر وتنام بالصبر وتستيقظ بالصبر وتمرض بالصبر وتتزوج بالصبر وتنجب بالصبر وتعلم النسل بالصبر وتدفع اجر السكن بالصبر،وتؤدي قسط تجهيز المنزل بالصبر وتؤدي واجب الماء والكهرباء والهاتف بالصبر .... ربما حتى حين تغادر هذه الدنيا الفانية تغادرها بالصبر لكن يا ترى من سيؤدي اجر القبر بالإنابة عنها بالصبر؟ وهل يقبل منه ذلك إن وجد؟؟؟؟
قال لينين " السياسة هي تكثيف الاقتصاد " لكن الاقتصاد العالمي عرف عدة عوامل وأحداث وهزات أظهرت بوضوح أن الاقتصاد الأمريكي لم يعد محرك الاقتصاد العالمي كالسابق بل بدأ ينهار بالتدريج ويفقد مركزه القيادي بل تخلت عن قوتها الاقتصادية الكبرى عالميا لعدة أسباب أهمها :
في عهد الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون حققت الولايات المتحدة فترة ازدهار ورخاء اقتصادي وذلك بين( 1992 و 2000 ) ومع حلول الرئيس الحالي جورج بوش تدهورت الأوضاع سواء اقتصاديا أو سياسيا نتيجة سياسته الغير مدروسة انطلاقا من هجمات 11 سبتمبر2001 وعجزه في حرب العراق مما أدى إلى اتساع وثيرة هذا التدهور الاقتصادي العالمي فالسوق الأمريكي عرف بدوره التضخم ولو أن ظاهرة التضخم أصبحت واقعا بالنسبة لكل بلدان العالم إلا أننا لم نلمس مثل هذا الركود الاقتصادي في السابق ولم يتوقع مثل هذه النتائج حتى أصحاب الاختصاص والمتتبعين والاقتصاديين. وبهذا فقدت أمريكا عدة حقول اقتصادية مختلفة جعلتها تتأخر أمام الصين حيث تجاوزت صادرتها سنة 2006 صادرات أمريكا وألمانيا اللتان كانتا تحتلان المرتبة الأولى والثانية وقد استطاعت الصين ان تتجاوز أمريكا في عدة مجالات كصناعة السيارات، هذا بالإضافة إلى العملة الأمريكية التي باتت تفقد مكانتها في التمويل العالمي أمام عملة اليورو و عدم شفافية أسواق رؤوس الأموال الأمريكية وعدم استقرار هيكلها المالي كذلك عدك الاكتراث بحماية المناخ والبيئة الذي يسهل توفير الموارد الطبيعية ويحقق المزيد من الفوائد التنموية الاقتصادية والذاتية والإصلاحية والاستثمارية المستديمة والتي لا يمكن الاستغناء عنها.
فسياسة الولايات المتحدة مبنية على التصفية البشرية والحروب والنزاعات ومحاصرة ثم تفكيك الأنظمة المعارضة وقمع احتجاجات الشعوب وإسكاتهم سواء باستخدام قوتها العسكرية المتفوقة أو تكبيل جماح الدول بإستراتجيتها السياسية والاقتصادية سواء عن طرق فرض عقوبات اقتصادية أو عن طرق قوة الضغط المبنية على الحيل والمآمرات والمخططات المحكمة حتى الانهيار ثم الاستسلام أو التبعية الشاملة مما يولد عدة عوائق تقف سدا منبعا أمام صيرورة السلم والاقتصاد العالمي المعافى فمنذ 11/9/2001 وأمريكا تستعرض عضلات قوتها وفرض سياستها الجائرة والمستبدة خصوصا ضد الأنظمة والشعوب العربية والإسلامية بدءا من أفغانستان والعراق وإيران وسوريا والسودان والصومال والصراع الهندي الباكستاني ، والفلسطيني الإسرائيلي واللبناني الإسرائيلي وأزمتها الخانقة مع الصين وروسيا وبعض الدول الآسيوية والقائمة جد طويلة بل أصبحت أمريكا تغزو العالم على هواها وحسب مصالحها سواء مدنيا أو عسكريا أو اقتصاديا ساهرة دائما على إدارة الصراعات لمصلحتها فقط مما جعل العداء لها ينتشر بسرعة متوازيا بسرعة انتشارها بل كبر حتى حطم أرقاما لم تعرف من قبل وهذا ما أجج الساحة العالمية حتى أصبحت تغلي كالبركان وتصاعد العداء والانتقام لم يسبق لهما مثيل في المواجهة خصوا مع العرب والمسلمين بل طال حتى العقيدة الإسلامية وبهذا أصبح الصراع عقائدي قبل أن يكون سياسي ثم اقتصادي فأبعاد السياسة الأمريكية الراهنة أصبحت مجرد لعبة تنظيف وتصفية حسابات خصوصا مع الهزائم المتعددة التي تكبدتها في العقد الأخير سواء في شقها المالي أو البشري أو السياسي أو الاقتصادي مما جعل من أصوات المعارضة العالمية تطفوا وتدوي وتندد بالسياسة الأمريكية الأكثر طغيانا وظلما والأخطر على السلم والسلام والأمن العالمي مما سهل الطريق أمام روسيا والصين وأصبحتا حليفين استراتجيين مهمين للدول المتضررة والتزمتا بعلاقتهما في أنحاء العالم بسبب رفض السياسة الأمريكية مما ساعد روسيا في تحسين أوضاع بلدها واقتصادها بالإضافة إلى ارتفاع أسعار النفط والغاز إذ أصبحت تتحكم في 40 % من الاستهلاك الأوروبي للغاز كذلك تمركزت مع لأوائل في ما يخص بيع الأسلحة وهذا ما جعل رصيدها النقدي يرتفع إلى أكثر من 300 مليار دولار وسددت كل ديونها الخاصة بفترة التسعينات.
أما بالنسبة للصين فتحركها الايجابي جعلها تتقلد الريادة إذ أصبحت الدولة الوحيدة التي تمشي بخطى ثابتة نحو التطور ما يفند هذا هو النمو الطلب الآسيوي بنسبة فاقت نصف النمو العالمي لسنة 2001 وهذا ما توقعه غولدمان ساشر حين قال أن الناتج الصيني حسب معدل سوق الأسهم سيتجاوز نظيره الأمريكي مع حلول 2027 فباقي الأسواق الآسيوية تعتمد على الصين مثلا العديد من الشركات والمؤسسات الكورية واليا بانية والتايوانية بل كل الدول الآسيوية المتداخلة فيما بينها ترسل العديد من المعدات للصين من اجل تجميعها ثم إعادتها لتصديرها من جديد مما يساهم في إنعاش الاقتصاد الصيني ومن ثم يسهل عملية نموها العملاقة الغير مسبوقة في تاريخ الاقتصاد العالمي فالصين استفادت ولا زالت تجني من ثمار تعثر الاقتصادي الأمريكي بحيث ثم قبول عضويتها في المنظمة العالمية للتجارة باعتبارها إحدى أهم الدول التي تجيد صياغة قوانين التجارة العالمية رافعة رصيد فائضها المالي إلى مبلغ يتجاوز مليار دولار.
أما القوة الأوروبية المتمثلة في 27 دولة فهي تعتبر ضمن القوى الحديثة والمتصاعدة، تسعى وراء بناء نظام متعدد الأقطاب بالتوافق و بالتنسيق مع أمريكا من خلال الجهود المبذولة لكسر دوامة العنف بغرض إحياء السلام و دعم الرخاء والتقدم في المنطقة والعالم من خلال الحوار السياسي، المتعلق بالسياسة الأمنية ، والإصلاحات الاقتصادية والمالية، والتعاون في الوقاية و إدارة الأزمات، من خلال اتخاذ القرارات المتعددة بخصوص التعاون بشكل مشترك وعلى أسس وحصص متساوية من خلال خطط استراتيجية جديد . لكن مع الحفاظ على استقرار علاقاتها مع الولايات الأمريكية الحليف الاستراتيجي الذي يمثل المركزية للعلاقات التي تجمعه بالاتحاد الأوروبي بالرغم من الخلافات الواضحة بشأن العديد من القضايا التي ظلت قائمة بين الطرفين ولو كانت نتائجها ترجع بالضرر البالغ على الاقتصاد العالمي.
هل يا ترى بروز القوة الأوروبية والصينية والروسية يخدم المصالح العربية والإسلامية أم مجرد حلم لن يتحقق أبدا ؟؟؟
فالصين لا زالت تعتمد على الأسواق الأمريكية ولازالت المصالح مشتركة بين هما والتي تمنح اقتصادها الدعم من اجل الاستمرارية في النمو والتحديث والنهوض بقوتها العسكرية التي تتمثل في عشر القوة الأمريكية، إذا فالصين ليست مستعدة بعد للخوض في مغامرة استقرار علاقتها بالولايات المتحدة.
أما روسيا فهي كذلك لا ترغب في أن تراهن على المصالح المشتركة مع نظيرتها أمريكا سيما وان اقتصادها لا زال حديثا ولم يصل بعد لركب قوة اقتصاد الدول العظمى رغم أن قوتها العسكرية تنافس قوة مثيلتها الأمريكية لأنها كذلك ليست مستعدة للدخول من جديد في حرب باردة مع أمريكا خصوصا وان معركة المنافسة أصبحت على أشدها من اجل قيادة العالم حتى لو ضحت بكل العلاقات والمصالح العربية والإسلامية أمام إستراتجيتها المقبلة.
نفس الشيء بالنسبة للإتحاد الأوروبي إذ من الغباء أن يفكر احدهم بالتضحية برزمة المصالح المشتركة من اجل بلدان أخرى حتى لو كانوا من الحلفاء على حساب أمريكا موجهين بذلك صفعة كبيرة لكل الحالمين وبالتالي لا داعي للدول العربية والإسلامية بالخصوص التشبث بوهم تعتبره حليف استراتيجي يدافع بشراسة على المواقف المعارضة للسياسة الأمريكية حتى لو كانت ظالمة .
فالاقتصاد العالمي يزداد سوءا وقد حذر منها الرئيس الفرنسي ساركوزي حين قال " أحذر أن تقع الأسواق المالية فريسة لقانون الغاب الشرس " وهذا ما أثبته التاريخ فعند اشتداد الأزمات يستفيد الاقتصاد الأمريكي والصيني والروسي والأوروبي الخ من مردود آلية الحروب والنزاعات المسلحة سواء عن طريق بيع الأسلحة أو الاعمار...الخ، فكل السياسات العالمية المنتهجة ارتجالية اذ يسعى كل بلد على حدا للبحث عن آليات تتفق مع مصالح وأوضاع نفس البلد دون مراعاة لأي للقوانين الاقتصادية العالمية لأنه أصلا لا توجد سياسات اقتصادية موحدة وثابتة وبهذا يجوز القول أن الاقتصاد العالمي طاله التغيير كذلك وأصبحت له أرضية جديدة وحديثة تتطلب توفير الحماية الجادة والواقعية والتي تتماشى مع مصالح كل الدول خصوصا تلك التي هي في طور النمو من اجل تحقيق توازن دولي شامل باعتباره الدعم المباشر سواء على المستوى المعنوي أو السياسي أو المالي أو الوجيستيكي وهذا التوازن لن يتحقق إلا بالمعالجة الفعالة لجل المخاطر المحدقة ومواجهة تحديات التحديث التي تحقق ترسيخ الحريات الاقتصادية الواسعة والسليمة وتساهم في الاستقرار الهيكلي وتحد من مخاطر النظام المالي العالمي من خلال التكامل الاقتصادي، وتوسيع نطاق الفرص التجارية في أسواق العالم وتحقيق تسوية عادلة وشاملة، تدعم الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتي تؤدي إلى تحسين وتغيير أحوال المعيشة في جل الدول وتكون هدفا مشتركا يتمثل في تحقيق الرخاء والأمن والنشاط في المناطق المتضررة تحت مظلة واحدة ووفق شروط موحدة .