صباح الشرقي
اضطرتني الظروف لاصطحاب قريبتي المريضة لتلقيها أولى حصص العلاج الكيميائي للقضاء على الورم الخبيث الذي أصاب مبيضها، وهي تعلم انه لا خيار آخر أمامها إذا تمسكت بالحياة بل تعلم أكثر أنها لن تنعم بأمومة عادية مستقبلا. لمست ألما جارفا في عينيها وحسرة كبيرة على ذريتها التي لم تحضنها بعد من خلال حشرجة صوتها الضعيف فدفعتني موجة قهر غمرتني لأخترق باب البحث عن الابتكارات الجديدة والمتطورة في عالم الطب من أجل معرفة الكثير ومحاولة التخفيف ولو بخيط أمل من معاناة قريبتي.
خلال حصة العلاج توجهت عند دكتور مختص وعرضت عليه وضع المريضة سيما حتى زوجها مصاب بسرطان البروسطات هو كذلك سيخضع لنفس العلاج لاحقا، فرد علي بكل برودة ليتوجها إلى بنك الحيوانات المنوية لتجميد حيواناتهما والاحتفاظ بذريتهما لوقت الضرورة واستأذن.
عدت إلى مكاني وفي راسي يدور ألف سؤال كيف سيحصل هذا وأنا لا أعرف عن هذا الحقل الشاسع إلا القليل، وبعد عناء طويل وجهد كبير وصلت للبنك المذكور وجمعت عدة معلومات ففكرت في طرحها للاستفادة .
تستخدم بنوك النطف لتخزين السائل المنوي في ثلاجات خاصة تصل درجتها المئوية اقل من 196 تحت الصفر للرجوع إليها وقت الحاجة. وان علم تجميد الخلايا بصفة عامة ليس جديدا بل كان موجودا منذ أزيد من عقدين خلت إلا أن ابتكارات وإنجازات حديثة تفوقت على الدموع و المعاناة والألم بل حررت الإنسان من هم ثقيل و قيود محكمة إذ أصبح من الضروري الوقوف بإجلال أمام حقيقة تقدم الطب في شقه الإنساني وإنجازاته الايجابية.
فدينامكية الطب الحديث لا يعترف بالحدود ولا بالعقبات خصوصا بأبحاثه التي تتقدم بخطى قوية و ثابتة لتحرير البشر من أغلال معاناته بالرغم من المعارضة المسعورة بشقها الديني والاجتماعي من اللجوء لمثل هذا العلاج لأن مثل هذه النظريات والاجتهادات العلمية لها خطورة لا يقرها الإسلام حسب رأيهم.
رغم أن بنك الحيوانات المنوية يساعد في حفظ النطف سيما إذا تأكد الفرد بخطر ما يتربص بنسله كأمراض السرطان الفتاكة التي اتسعت رقعتها وتفاقمت ، أو أمام عقم جزئي أو نقص في عدد الحيوانات المنوية أو استئصال الحيوانات المنوية من الخصية الخ ، هذا بالنسبة للرجل أما المرأة قد يساعدها هذا البنك حين تلتحق بركب سن اليأس الذي يحدث تغيرات فسيولوجية تؤثر عليها من كل الجوانب وقد يصبح حظها في الإنجاب شبه منعدم أو عند خضوعها لعلاج إشعاعي أو كيميائي أو عند استئصال مبيضها أو التصاق في الحوض أوفي بعض حالات الأندومتريوزيس أو عند انسداد قناتي فالوب الخ .
إن هذه لأبناك الطريفة تتواجد في جل دولنا العربية والإسلامية إضافة إلى الدول الغربية وقد ظهرت أول طفلة لأطفال الأنابيب في المملكة المتحدة سنة 1979 كذلك تمت أول عملية طفل أنبوب في المغرب سنة 1989 أي أزيد من عقدين وبما أن هذا الإنجاز العلمي حقق الكثير فقد أصبح متداولا بشكل واسع في جل بلداننا العربية والإسلامية رغم الاختلاف في تحريمه وإباحته حيث جاء في الفتوى رقم : 106613 تحت عنوان إباحة اللجوء إلى أطفال الأنابيب بتاريخ6/4/2008 بما أن الإنجاب مقصد من مقاصد ديننا الحنيف، وقد حض رسول الله صلى الله عليه وسلم على الزواج بالمرأة الولود قد ذكر أهل العلم إباحتها في حدود معينة، وبناء على ما ذكر، نقول إنه من المباح إذا لم يتمكن الزوجان من الإنجاب العادي، أما فتوى الشيخ صالح بن فوزان الفوزان رقم 11283 تحت عنوان أطفال الأنابيب فقد وصف العملية بالعبث بل أكد على أن يُترك الأمر لله عز وجل وعلى الإنسان أن يتزوج ويفعل السبب إن جاءته ذرية فالحمد لله و إن أخفق فالأمر بيد الله أو يلتجأ الرجل للزواج من امرأة ثانية وثالثة ورابعة حتى يحصل على الذرية وإذا أخفق حتى مع تعدد الزيجات فليرض بقضاء الله وقدره ولا يلجأ إلى الأنابيب وعبث البشر.
فقضية أطفال الأنابيب أثارت ولا زالت تثير جدلا كبيرا وشغلت أذهان الكثير بل جعلت الإنسان يتوه بين فتاوى تبيح الإنجاب بهذه الطريقة العلمية على أساس أنها طريقة علاجية فعالة فقط يتوجب مراعاة واحترام شروطها وهناك فتاوى تحرم على أساس الخوف من اختلاط الأنساب والتشكك في أمانة ونزاهة الطاقم الطبي الذي يسهر على العلاج فبأي فتوى نأخذ؟؟؟
أليس هذا الإنجاز العلمي الخارق قضى نهائيا على سنوات اليأس والعذاب خصوصا عند المرأة التي لا يمكن لها الزواج بأكثر من واحد حتى تبحث عن ذريتها كما جاء في فتوى التحريم التي حللت للرجل البحث عن ذريته عند أكثر من زوجة ولو أن غريزة الأبوة والأمومة متطابقة ومتساوية عند الطرفين بل تسمو فوق كل الأشياء؟؟؟
ألم يحول هذا الإنجاز العلمي حلم العديد من العائلات إلى حقيقة تلمس؟؟؟
ألم يمنح هذا الإنجاز العلمي الخارق الأمل لشريحة واسعة وجعلها تسعى وتتشبث بخيط أمل قد يمنحها السعادة التي تتوحد فيها قلوب بني البشر جمعاء؟؟؟
ما هو ذنب فتاة يانعة لم تبلغ سن الرشد بعد أن ابتلاها الله بمرض خبيث قد يحرمها أمومتها ؟؟؟
ما هو ذنب قريبتي التي لم تفرح بذريتها وهاهي تخضع لأولى حصص العلاج الكيميائي المدمر؟؟ ؟
الأحد، فبراير 22، 2009
تائهون بين إنجازات علمية مفرحة وفتاوى مرعبة
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق