عطا مناع
تزخر الساحة الفلسطينية والعربية بالاتهامات المتبادلة التي طالت كل المقدسات الوطنية والقومية ومست العصب الحساس للهوية الوطنية مما يفرض على القوى الفاعلة بمجتمعاتنا العربية الوقوف بجدية أمام هذا الانحراف الحاد الذي نخر النظام الرسمي العربي الساقط سياسيا والآيل للانهيار بنيويا بسبب سياساته المتناقضة مع مصالح الشعوب العربية وانحيازه الكامل للمرحلة الأمريكية والإسرائيلية.
لقد كشف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عن الوجه القبيح للواقع العربي والفلسطيني، وعزز الخطاب المنادي بضرورة المواجهة مع انظمه فقدت المبرر التاريخي لوجدها، وهذا ينطبق على حركات يفترض أن تنتهج سياسة تحررية مناهضة للقوى المعادية لشعوبنا العربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، وتجلى عقم الأنظمة العربية المسماة بالمعتدلة ومن دار في فلكها من شرائح تراكم الغبار على شعاراتها الوطنية التي لم تعد تشفع لها مواقفها المناهضة لحركة الشعوب واستحقاقات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ببعده القومي.
وبما أن حركة الشعوب تسير إلى الإمام ولا تنتظر العجزة والمتهالكين الذين يراهنوا على الوعود السرابية للولايات المتحدة الأمريكية المتحيزة بنسبة 100 % للكيان الإسرائيلي، فالواقعية الوطنية تفرض على هذه القوى وبالتحديد الفلسطينية منها للوقوف بجدية أمام برامجها وسياساتها التي لم تعد تتماشى مع المستجدات على الساحة بعد الانكشاف الواضح لتساوقها مع السياسات المعادية التي تستغل عامل الزمن لاستكمال المخططات الصهيونية التي تستهدف الوجود الفلسطيني تاريخا ومقاومة وبشرا، وما العدوان على قطاع غزة إلا دليل عن "العقائدية العمياء" لدولة الاحتلال التي تنادي كذبا بالسلام، سلام أضاف للوجع الفلسطيني تله من جماجم أطفال فلسطين التي حولها أمراء الحرب والتبعية لمجرد مسرح للقتل المجاني بسبب غياب الموقف الموحد والبرنامج الوطني الموحد واتساع الهوة بين أبناء الشعب الواحد.
بعيداً عن القناعة الراسخة في عقول ملايين العرب والمسلمين لبعد القضية الفلسطينية العابر للحدود، وهذا ما ثبت خلال العدوان الإسرائيلي على غزة، فيفترض أن يكون الأداء الفلسطيني محركا فاعلا للصراع العادل مع دولة الاحتلال، وأن تكون منظمة التحرير الفلسطينية والقيادة الفلسطينية بمثابة مايسترو يدير الصراع وخاصة في اللحظات التاريخية، لكن هذه وتلك فشلت في إيجاد الحلقة المفقودة والشعار الناجع في التعامل مع ألازمة مما زاد من رداءة الواقع الفلسطيني ودفع به لمزيد من الانقسام، وكانت تصريحات رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل بالبحث عن مرجعية بديلة لمنظمة التحرير الفلسطينية القشة التي قد تقصم ظهر القضية الفلسطينية.
لقد وضع مشعل إصبعه على الجرح الفلسطيني النازف منذ عقود، وكمن ألقى حجراً في الماء الآسن، حجرا حرك الغيورين عن منظمة التحرير، وأنا في هذا المقام لا اعتبر كل من يدافع عن منظمة التحرير غيور عليها وخاصة أولئك الذين لعبوا دورا في تآكلها وتفريغها من مضمونها الوطني وبعدها التاريخي واستعاضوا عنها بسلطة فاقدة القدرة على الحركة إلا بتصريح من الإسرائيلي الذي يمسك بخيوط اللعبة التي يحركها وفق مصالحة .
لم يعد كافيا أن نختبيء وراء منظمة التحرير الفلسطيني التي هي بالفعل الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني، ولم يعد الشعب مقتنع بهؤلاء الذين عبثوا بمنظمة التحرير وعملوا على إلحاقها بحكومة تسيير الأعمال ورئيس وزرائها سلام فياض، ولم يعد مقبولا من القوى المعارضة وبالتحديد الحية منها السكوت على العبث بمنظمة التحرير من قبل شخوص معروفين بتبعيتهم، ولن يعفى الشعب الفلسطيني وبالتحديد الوطنيين المنحازين لمنظمة التحرير من مسئولياتهم لأنهم يشاركون في اقتراب الكارثة، لذلك المطلوب رفع الصوت عاليا بإعادة بناء منظمة التحرير على أسس وطنية والإبقاء على أسباب ديمومتها وإبعاد الفاسدين والمتنفذين عنها وخاصة الذين يسبحون في الفلك الإسرائيلي.
المشهد الفلسطيني يؤكد أن الترهل والفساد انتقل من راس السمكة لجسمها، لذلك لا بد من علاج حقيقي يعتمد استئصال الأعضاء الفاسدة وإبعادها عن المنظمة المفترض أن تدور في فلك شعبها، والمسئولية الرئيسة تقع على عاتق فصائل منظمة التحرير التي تتحمل نتائج الوضع الفلسطيني وتصريحات خالد مشعل وعلى القوى والفعاليات الحية للشعب الفلسطيني، حيث لم يعد للصمت مكان.
الثلاثاء، فبراير 03، 2009
من الفاسد رأس السمكة أم ذيلها
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق