راسم عبيدات
……يبدو أن مسلسل تهويد القدس وأسرلتها يجري على قدم وساق،وهذه العملية بلغت مراحل متقدمة من التنفيذ والتطبيق العملي،حيث تتحدث الأنباء عن نية بلدية الاحتلال ووزارة داخليتها ترحيل حي فلسطيني بأكمله- حي البستان- في منطقة سلوان،أي بالملموس هدم أكثر من 80 بيت فلسطيني يسكنها 1500 نسمة ،وهذا بداية عملية ترحيل وتطهير عرقي جماعي واسع سيطال أحياء وتحمعات مقدسية فلسطينية أخرى،وذلك تحت حجج وذرائع إقامة حديقة عامة،والصحيح هو خلق تواصل بين الأبنية الاستيطانية المقامة في تلك المنطقة،وسلوان تأتي في قلب الاستهداف الإسرائيلي لها، لما لها من مكانة دينية في الفكر اليهودي والتوراتي على اعتبار أنها مدينة داود حسب زعمهم ومعتقداتهم،ناهيك عن قربها وملاصقتها لأسوار القدس والمسجد الأقصى"الهيكل المزعوم"،فسلوان أقيم في القلب منها مستوطنة "معليه زيتيم"،والحكومة الإسرائيلية أخلت مركز الشرطة المقابل لها تمهيداً لتسليمه إلى المستوطنين من أجل عمليات البناء والتوسع الاستيطاني،ناهيك عن استيلاء المستوطنين على عشرات المنازل في سلوان،وتسريب عدد آخر منها لهم عن طريق بعض ضعاف النفوس والمتعاونين،والأطواق الاستيطانية أصبحت لا تحيط بالقدس إحاطة السوار بالمعصم،بل تقطع أوصال التواصل والترابط الجغرافي والديمغرافي بين القرى والبلدات الفلسطينية نفسها والوقعة ضمن ما يسمى بحدود بلدية القدس،والأنباء الواردة تتحدث وتؤكد على نية إسرائيلية لترحيلات مماثلة للسكان الفلسطينيين في منطقة الشيخ جراح،ونحن نعتقد أنه ما صعود نجم اليمين وتجذره وتعمقه في المجتمع الإسرائيلي وتسلم الأحزاب اليمينية للحكم في إسرائيل،فإن الهجمة الاستيطانية على المدينة المقدسة وغيرها من إجراءات وممارسات قمعية وإذلالية من هدم منازل وفرض ضرائب بأشكال ومسميات مختلفة،وتخريب وتدمير للنسيج المجتمعي المقدسي وإغراقه بالهموم والمشاكل والآفات الاجتماعية ستبلغ منحى قياسي ومتصاعد.
فإسرائيل أكملت عزل القدس بشكل نهائي عن محيطها الجغرافي والديمغرافي الفلسطيني،حيث أعلنت قبل أسبوع عن إغلاق البوابة المؤدية إلى بلدة الرام الواقعة إلى شمال مدينة القدس،وأزالت حاجز بيت حنينا العسكري،بعد استكمال عمليات بناء جدار الفصل العنصري في تلك المنطقة،وبالتالي يعني هذا إخراج ما لا يقل عن 60 ألف فلسطيني من حملة هوية القدس خارج ما يسمى بحدود بلدية القدس،تمهيداً لسحب كافة الحقوق والامتيازات الصحية والاجتماعية الممنوحة لهم،على أن يجري سحب هوياتهم الإسرائيلية لاحقاً،وإذا ما ربطنا ذلك بما يرد ويتوفر من معلومات عن إقامة أنفاق تحت البلدة القديمة موصلة إلى حائط البراق وحارة اليهود ومن خلال مصاعد وأدراج كهربائية،نلمس حجم الهجمة وشراستها بحق المدينة أرضاً وبشراً وشجراً،حيث في المنطقة القريبة من مستوطنة"معاليه أدوميم"كبرى المستوطنات الإسرائيلية في القدس،تتحدث الأنباء عن قيام إسرائيل بمصادرة 3500 دونم في المنطقة المسماة E1 وذلك من أجل إقامة أبنية استيطانية عليها وبما يضمن التواصل الجغرافي بين المستوطنات المحيطة بالقدس،وبما يعزل مدينة القدس بشكل كلي ويفصل شمال الضفة الغربية عن جنوبها.
وهذه الحرب الشاملة تطال كل شيء قي المدينة المقدسة له علاقة بالوجود والهوية والثقافة والتراث الفلسطيني،فهناك العديد من المراكز الثقافية والتعليمية جرى اغلاقها،عدا عمليات الدهم والاعتقال بحق مؤسسات ونشطاء مقدسيين آخرين،وبدا واضحاً أن هذه الهجمة أصبحت تطال أي نشاط فلسطيني مهما كان شكله ونوعه وطني،اجتماعي، ثقافي ،تعليمي،تراثي،ديني وغبره،وهي تمنع كذلك إقامة أي نشاط مهما كان حجمه أو شكله له علاقة بالقدس عاصمة الثقافة الفلسطينية،وتعتقل أي فلسطيني حتى لأتفه الأسباب حتى لو كان الأمر يتعلق زيارة اجتماعية أو تضامنية لأسرة شهيد أو أسير أو صاحب بيت مهدوم.
لا نريد اجترار الحديث عن القصور السلطوي والفصائلي والعربي والإسلامي تجاه المدينة المقدسة وأهلها،ففي الوقت الذي تضخ فيه إسرائيل حكومة ومؤسسات حكومية وغير حكومية ومتبرعين صهاينة عشرات بل مئات المليارات من الدولارات من أجل تهويد وأسرلة المدينة المقدسة،نرى أن الميزانية المخصصة لمدينة القدس تقل عن أية ميزانية مخصصة لمدينة فلسطينية أخرى.
وأهلها رغم قلة وشحة الدعم،فهم متشبثون بوجودهم وبقائهم على أرضهم وأرض أجدادهم،ولكن أهل القدس والذين أصبحوا متيقنين أنه "ما حك جلدك غير ظفرك"،لا يعولون الكثير لا على سلطة ولا على عرب ولا على مسلمين،فهم رأوا وشاهدوا ماذا حل بشعبنا وأهلنا في القطاع من مجازر ومذابح في العدوان الاسرائيلي الأخير عليهم،وكان الجميع شهاد زور على ذلك،بل قسم من العرب والمسلمين مشاركين في عمليات الذبح والقتل تلك.
وما يريده أهل القدس من السلطة الفلسطينية هو ضرورة التوقف عن المفاوضات العبثية والعقيمة،والتي لا تضمن توقف تام للاستيطان في المدينة والخطوات الإسرائيلية أحادية الجانب والتي لا تبقي شيئاً للتفاوض عليه،او تطبيقاً لشعار القدس العاصمة الأبدية للدولة الفلسطينية،فإذا كانت إسرائيل تمنع إقامة الأنشطة ذات الطابع الاجتماعي والإنساني والتعليمي وما شابه،وتستمر حتى في إغلاق المؤسسات الفلسطينية التي نصت على وجودها اتفاقيات أوسلو من بيت الشرق وغيرها،وبالتالي من غير المعقول القبول بترحيل قضية مصيرية مثل قضية القدس الى المرحلة النهائية،والتي يجري ترحيلها إلى مرحلة ربما لن تأتي،وإذا كان وزير خارجية بريطانيا يقول على ضوء الممارسات والإجراءات الإسرائيلية،ربما لن نشهد ولادة دولة فلسطينية بشكل نهائي،فكيف سنشهد كون القدس التي تتعرض بشكل مستمر ومتواصل لعمليات التهويد والأسرلة عاصمة للدولة الفلسطينية العتيدة والمستقلة،إلا إذا كان ذلك في إطار الشعارات"والهوبرات " الإعلامية ودغدغة المشاعر والعاطف وأحاديث الاستهلاك المحلي،أو أن البعض يريد أن يقنعنا أن اتخاذ قرية أبو ديس أو العيزرية عاصمة للدولة الفلسطينية تحقيقاً لهذا الشعار.
فالقدس هي الأقصى والقيامة والبلدة القديمة وسلوان والمكبر وصورباهر وشعفاط وبيت حنينا والشيخ جراح وبيت صفافا والطور والتلة الفرنسية وغيرها.
ان الموقف الفلسطيني من قضية القدس،اذا ما كان هناك صدق ونوايا حقيقية لتحويل شعار الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف إلى واقع،فلا بد من التمترس حول رفض إجراء أي مفاوضات لا تشتمل على وقف بناء الاستيطان في القدس وضواحيها واستمرار إغلاق مؤسساتها،فإسرائيل التي ترفض فيما يسمى بوادر حسن نيتها وصفقات إفراجها أحادية الجانب إطلاق سراح أي أسير مقدسي،واضحة أهدافها ونواياها تجاه القدس والمقدسيين،وعلينا أن نستفيد ونتعلم من المأثور الشعبي"اللي بجرب المجرب عقله مخرب؟،فالحكومة الاسرائيلية القادمة مغرقة ومفرطة في اليمينية والعنصرية والتطرف وسيكون على رأس سلم أولوياتها تهويد المدينة المقدسة وأسرلة سكانها.
الأحد، فبراير 22، 2009
القدس أسرلة وتهويد مستمرين
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق