روجر أوين
ترجمة: حازم خيري
أكتب هذه الكلمات، لأودع بها صديقي الراحل النبيل أحمد عبد الله، صاحب الحياة الحافلة بالعطاء، فمن حقه علينا أن نُذكر الجميع، داخل مصر وخارجها، بدوره العظيم فى اثراء حياة الشعب المصري..
قابلته للمرة الأولى، عندما جاء إلى بريطانيا، ساعيا للالتحاق بالجامعة البريطانية، وكان آنذاك فى مطلع شبابه. أتذكره جيدا، فقد بدا حينها شابا طويل القامة، له كاريزما خاصة، تُبرر ما تمتع به من نفوذ فى أوساط الحركة الطلابية المصرية، حين قاد المظاهرات الطلابية فى القاهرة عام 1972، ودافع عن زملاءه الطلاب أمام الوزراء إبان حكم الرئيس المصري الراحل أنور السادات، وكذا فى ساحات القضاء..
كان من السهل التعرف على قدرات أحمد عبدالله الفائقة فى تمثيل زملاءه الطلاب، وعرض مطالبهم على المسئولين فى تلك الفترة..
لم يدخر أحمد عبد الله جهدا فى استثمار خبراته المتميزة فى معترك الحركة الطلابية، واستفاد منها، أثناء اعداده لاطروحته التى نال عنها درجة الدكتوراه من جامعة كمبريدج، إذ نجح فى تناول تاريخ الحركة الطلابية المصرية منذ عام 1923(**). كانت أطروحة أحمد فى بعض أجزاءها تأريخاً لسيرته الذاتية، حيث اعتمد فى الفصول الأخيرة منها على ذاكرته، وذاكرة زملاءه من قادة الحركة الطلابية آنذاك..
كذلك، جسدت أطروحة أحمد عبد الله لنيل درجة الدكتوراه تواضعه الجم، فقد ركز فيها على العمل الطلابي الجماعي، رغم نهوضه بدور بارز ومهم فى الأحداث، ورغم مسئوليته عن كثير من الانجازات..
كنا نتوقع أن يُمهد عمله الأكاديمى المتميز، أقصد اطروحته لنيل درجة الدكتوراه، الطريق أمامه لتبوء مكانا بارزا فى أحد الجامعات المصرية الرئيسية، لكن هذا لم يحدث..!
كرس أحمد عبد الله حياته للعمل وسط بسطاء الشعب المصري، ادراكا منه لاحتياجهم إليه، وايمانا منه بأهمية الجمع بين الواجب الاجتماعي ومعارضة كل القوى الرامية لتكريس عدم المساواة بين مختلف قطاعات الشعب المصري..
كنا نتوقع أيضا أن يحصل أحمد عبد الله على كرسي فى مجلس الشعب المصري، يدافع من خلاله عن الفئات المهمشة فى المجتمع المصري، لكن هذا أيضا لم يحدث..!
وأثناء رحلاته إلى خارج مصر، سواء إلى بريطانيا أو الولايات المتحدة، اعتاد أحمد عبد الله أن يكون نفحة من الهواء النقي لكل من يلتقيه، وذلك من خلال دفاعه الرائع عن البسطاء، وتحليله الموضوعي للأوضاع المصرية، فى ضوء خبرته الأكاديمية..
كانت أحاديثه مليئة بالشجن والحزن لما آلت إليه أوضاع بلاده، لكنها فى الوقت نفسه كانت تشي بارادة متفاءلة، واعتقاد راسخ فى مستقبل أفضل..
كان أحمد عبد الله نموذجا رائعا لمناضل أراد الخير لبلاده..
ولكل هؤلاء الذين قد يصفون حياة أحمد عبد الله بالفشل، أقول إن مصر هى التى فشلت فى الاحتفاء بأحمد عبد الله وتثمين قدراته، ومصر هى التى أحجمت عن تمكينه من احراز ما كان يمكن أن يتحقق من نجاحات على يديه..
أشعر بفخر لأنى عرفت أحمد عبد الله، وسيبقى أحمد حيا فى قلب كل من عرفه..
الهوامش
ـــــــــــ
(1) نُشر هذا المقال فى جريدة الأهرام ويكلي المصرية فى 15 يونيو 2006، تحت عنوان "نفحة من الهواء النقي"، بعد رحيل د. أحمد عبدالله، زعيم الحركة الطلابية المصرية فى مطلع سبعينيات القرن الماضي! كاتب المقال هو روجر أوين، أحد أبرز المتخصصين البريطانيين فى سياسة الشرق الأوسط، وظل يعمل بالتدريس بكلية سان أنتونى بأكسفورد لأكثر من عشرين عاما ويعمل حاليا أستاذ لتاريخ الشرق الأوسط بجامعة هارفارد، وله أبحاث عديدة ودراسات منتظمة فى هذا المجال، تُنشر فى العديد من الدوريات الأوروبية والأمريكية. وهو الرئيس السابق لمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة هارفارد (المترجم).
(2) ترجمت الأستاذة إكرام يوسف أطروحة أحمد عبد الله لنيل درجة الدكتوراه من جامعة كامبريدج، ونشرتها دار سينا للنشر عام 1991، بعنوان"الطلبة والسياسة فى مصر" (المترجم).
الأحد، فبراير 01، 2009
فى ذكرى رحيل زعيم الحركة الطلابية المصرية
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق