الأحد، فبراير 15، 2009

الشرق الأوسط أمام اختبار حقيقي

محمد داود

تمر منطقة الشرق الأوسط بمتغيرات وتحديات فعلية على كافة الصعد السياسية والاقتصادية والأمنية التي سيكون لها تداعيات مباشرة في تبلور وتشكل استراتيجيات المنطقة، ربما نلمس نتائجها في المرحلة الحالية أو في الوقت القريب ، هذا التبلور على المستوي الدولي يتضح من خلال المستجدات والمعطيات التي أفرزتها الانتخابات الأمريكية في إدارتها الجديدة برئاسة باراك أوباما؛ صاحب النظرية الدبلوماسية السلمية التي تحتاج إلى إعادة ترتيب سلم أولويات السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط، والتعامل مع قضايا المنطقة الشائكة وأهمها "البرنامج النووي الإيراني التي ربما قد تخطت الأخيرة بالفعل العتبة النووية، يرى الإسرائيليون فيها كسرا لاحتكارهم القوة النووية في المنطقة في وقت السلم، وخطرا وجوديا عليهم في وقت الحرب. فهم يقرؤونه إذن قراءة عسكرية بالأساس.وهناك الوضع الهش في العراق الذي يستنزف القوة المسلحة الأمريكية. أيضاً هناك الحكومات الضعيفة في لبنان وفلسطين في ظل قوة متصاعدة للميليشيات المسلحة، والمتمثلة في حزب الله في لبنان وحركة حماس في فلسطين؛ و تراجع الأمل في إنجاز اتفاق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

فهي تتحدث عن مسار بعكس اتجاه الرياح، على المستوى الإقليمي فلا يزال التشرذم والانقسام العربي على أشده، في وقت تشهد الأراضي الفلسطينية الأكثر سخونة وتعقيداً؛ لاسيما بعد ارتكاب إسرائيل المجزرة البشعة مطلع العام؛ ذهب ضحيتها الآف من الشهداء والجرحى وتدمير واسع النطاق للبنية التحتية لقطاع غزة، وعلى أثر ذلك سارعت حكومة أولمرت إلى الهروب إلى الأمام وتحميل حركة حماس المسؤولية وقامت بعقد اتفاقيات أمنية عابرة للقارات "إقليمية ودولية" بموجبها تمنع إدخال أو تهريب السلاح فهي لاتزال حتى الآن تقوم بقصف مناطق الأنفاق مع الحدود المصرية لقطاع غزة في محاولة لخلق واقع مغاير، في ظل إغلاق شبه تام للمعابر والحدود باستثناء السماح لبعض المساعدات الإنسانية الطارئة بالدخول، وهكذا يكون بإفراز الانتخابات الإسرائيلية الراهنة واقع جديد بصعود اليمين المتطرف إل سدة الحكم، يكون مصير المفاوضات وأيضاً أتفاق التهدئة في محل المجهول، خاصة وأن تشكيل الحكومة يستدعي دمج أحزاب يمينية متطرفة تدعو لوقف المسار السياسي التفاوضي وارتكاب المزيد من المجازر بحق الشعب الفلسطيني وتهجيره على نطاق واسع. بينما لاتزال كافة المعطيات على الساحة الفلسطينية المأزومة نتيجة الانقسام السياسي على حالها، وسط جهود مصرية وعربية كثيفة لرأب الصدع وتحقيق المصالحة وإنهاء الشرخ بين الفلسطينيين. لا سيما وأن هناك استجابة أوروبية حول إمكانية التعاطي مع حكومة وحدة وطنية يسعى الرئيس عباس من جديد إلى تسويقها وتفعيلها، تكون حركة حماس جزءاً من هذه الحكومة المقترحة التي تسعى مصر كوسيط إلى تحقيقها في نطاق رزمة شاملة تنهي بموجبها الصراع بين الأطراف الفلسطينية وتكون متزامنة مع إبرام اتفاق تهدئة مع الاحتلال الإسرائيلي، وهذا الموقف الأوروبي بمساهمة تركية وفرنسية قد تشكل في الآونة الأخيرة نظراً للظروف الإنسانية التي تعيشها الأراضي الفلسطينية بفعل سياسة الحصار والإغلاق وجرائم الحرب الإسرائيلية التي ارتكبتها بحق الشعب الفلسطيني الأعزل, لا من وجهة نظر حق وقضية قومية وكأن المهمة أوكلت إليهم في تحمل عبء ووزر الشعب الفلسطيني والسلطة الفلسطينية لكنها تظل مواقف محدودة وخجولة للغاية، ويبقى الاختبار الحقيقي أمامها في مدى تعاطيها مع مرتكبي الجرائم الإسرائيليين نحو تقديمهم للعدالة كمجرمي حرب.

أمريكياً كافة الأنظار تتجه صوب الإدارة الأمريكية الديمقراطية برئاسة باراك أوباما, الذي تبنى برنامج سياسي سلمي شامل "محلياً وإقليمياً ودولياً", ولكنه حتى اللحظة هو لم يبلور بعد خيوط لعبته أو خارطته الإستراتيجية المستقبلية بشكل واضح، بمعنى برنامجه مزدحم للغاية، وهي بحاجة إلى دبلوماسية متعددة القنوات لتحقيق الأمن والسلام في الشرق الأوسط، وكل ما جرى ينطوي في إطار الحملة الانتخابية وتصريحات تفوه بها عبر وسائل الإعلام تشير على أن السياسة الأمريكية سوف لا تنتهج سياسة العصا الغليظة قبل استنفاذ الإغراء الجزري، لاسيما وأن المنطقة تعج بالقضايا خلفتها إدارة بوش, على رأسها موضوع الأزمة الاقتصادية العالمية الحادة التي تهدد الاستقرار الأمريكي والدولي, وهنا تكمن الخطورة في حال انشغال إدارة أوباما في إصلاح الأزمة الاقتصادية وأمور أخرى وضعها على سلم أولوياته تخص الشأن الأمريكي في المقام الأول, وتترك المسألة الفلسطينية ومشاكل الشرق الأوسط لا سيما وأن الأراضي الفلسطيني تمر بتحول غير مشجع بعد صعود اليمين المتطرف في إسرائيل إلى سدة الحكم . رغم ذلك هناك بصيص من الأمل وبوادر مطمئنة تحدثت عنها إدارة أوباما، أهمها إعلان تعيين السيناتور "جورج ميتشل" مبعوثا خاصاً له للمنطقة وإرساله فوراً إلى المنطقة. لكن كما أسلفنا هناك الكثير من العوامل المعوقة لمثل هذا المساعي، فمن ناحية أولى ثمة حاجة إلى تفعيل الجهود الدبلوماسية من أجل التوصل إلى اتفاقية سلام، تؤسس على حل قيام دولتين متجاورتين، وهو أمر ما يزال قائماً ويمكن الوصول إليه. وقد أستنبط الكثيرون وعبروا عن ارتياحهم أثناء مشاهدتهم لفضائية " العربية " السعودية التي انشغلت في بث خطاب الرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما المطمئن الذي توعد بطي صفحة إدارة بوش المأساوية وفتح صفحة جديدة مغايرة. ولكن عامل القلق يبقى هو المخيم على شبح المنطقة أمام معطيات الانتخابات الإسرائيلية للكنيست الإسرائيلية التي جاءت وسط اهتمام محلي وإقليمي لتكشف القناع عن حقيقة الوجه الإسرائيلي الإرهابي المتعنت, دولة وشعباً. والتي انكشفت بعد ارتكاب المجزرة الرهيبة في قطاع غزة في توقيتها المتزامن مع الانتخابات لتؤكد أن الدم هو ثمن ورقة الانتخاب، وسط تصريحات متطرفة لسفحيها لكسب الأصوات، وحقيقة تبين جوهر الدولة الإسرائيلية ايدولوجياً ومسلكياً الذي ينطلق من أيدلوجية توراتية زائفة على أنها "دولة استيطانية عنصرية لا تحمل تجاه الحل السياسي مع الفلسطينيين سواء المزيد من سيل الدماء بارتكاب المجازر ونهب الأراضي وإقامة الجدران العازلة والإغلاق والحصار وترحيل وتهجير المواطنين الفلسطينيين من مدنهم وقراهم عبر إجراءاتها الإجرامية بحق الإنسانية" رغم كل المبادرات والتنازلات التي قدمها الفلسطينيون والعرب للعيش بسلام وإصرار ذلك بعشرات القمم العربية، رفضت جميعها وقيل أنها لا تساوي الحبر التي كتبت بها. في المقابل "عربياً" لا يزال الخلاف والانقسام سيد الموقف بين كلا المحورين المتصارعين "المعتدلين والممانعين" ولا أدري إذا كان المطبعون استطاعوا أن يقدموا الخدمة والاستقرار لشعوبهم ؟ وأيضاً إن تمكن الممانعون من توفير التحرير لأراضيهم !! والمشهد يروي عكس ذلك تماماً.. وأتساءل الفريقين عن طبيعة العدو في نظرهم؟. الفلسطينيون أيضاً هم صلب المشهد لأنهم يعانون أزمة بالغة التعقيد، فالسلطة خاسرة في إستراتيجيتها وسياستها التفاوضية المتبعة مع إسرائيل, كذلك الفصائل الفلسطينية المنضوية في إطار منظمة التحرير مأزومة كحال الابن, وأكثرها " مأزمة" هي حركة " فتح" وحركة " حماس ". الأولى تعيش على أوهام انجازات عقود قليلة سابقة , والثانية تعيش على أوهام قرون طويلة سابقة . الأولى استبدلت التبرير بالتحرير, وطرحت مبدأ الثورة ليحل محلة مبدأ السلطة , وهي هنا لم تتعلم دروس تبادل السلطة " تحت سلطة الاحتلال " وفقا لمعايير صناديق الاقتراع الديمقراطي, والثانية أصرت على أن تكون حركة دينية قائمة على مبدأ أن الحاكمية لله , ولم تتعلم أن تكون حركة سياسية وطنية تقوم على مبدأ التحرير ومبدأ حق الشعوب في تقرير المصير، وفي أي حال كانت فنحن متفائلين ونذيع نبأ نهاية الانقسام ونبشر بوحدة وطنية واتفاق وطني على الساحة الفلسطينية وقد بات على مشارف نهايته "بإذن الله" بعد أن أدركت الأطراف الفلسطينية بأنها الخاسر الوحيد لاسيما بعد مجزرة غزة الأخيرة.

نعم لقد آن الأوان للمصالحة الجادة ووضع نهاية لحالة البؤس والضياع بأن نقف أمام التحديات التي تعصف بالقضية الفلسطينية يداً واحدة والاتفاق على رؤية وموقف وطني موحد جوهره كامن في ثقافة المقاومة بكل أشكالها المتعددة وتحديد بوصلتها في الزمان والمكان المناسبين, في إطار الرضا المحلي والدولي لكسب الدعم والتأييد لنحظى بالشرعية وكنس الاحتلال.

كاتب وباحث

Mhsd_20100@hotmail.com

ليست هناك تعليقات: