سامي الأخرس
لا قدسية لجسد حزبي وتنظيمي مهما علا شأنه ، ورفع قدره ، ولا قدسية لشخص ، أو لقائد ، أو لشعار ، فالقدسية صفة ألوهية لا تنطبق على البشر والكيانات التي يعتبر الفناء أحد صفاتها ، لأن الخالق من يملك الخلود ، ومن ينزل القدسية على كتبه وأنبيائه وذاته . وهنا لست بمكان جدل أو جدال كونها تعتبر من المسلمات التي لا يُختلف عليها.
وهذا لا يعني بأي حال من الأحوال استخدام هذه المعتقدات للمغالطات وتزوير الحقائق ، والاستفاضة بالخطابات الإنشائية التي تعبر عن شكل مقولب بقالب العقل ، ومضمون فارغ يتكور ليمهد للانفجار بفراغ ، وحيز الفراغ لا يُحدث أكثر من ضجيج مؤقت سرعان ما يذوب ويتلاشى دون إحداث فعل حقيقي لأنه فراغ في فراغ.
وما ينطبق على حملة الضجيج التي يقودها أزلام المخططات التصفوية للكيانية الفلسطينية في هذه الفترة ينطبق على هذا الفراغ بمعناه ، فراغ عشناه ونعيشه منذ أن شكلت م . ت .ف خيمة الفلسطيني التي آوته من التشتت والضياع وجعلت منه عنوان كياني عُمد بالدم والتضحيات والمعانيات ، كيانية فعلية مؤسساتية رسخت معالمها بالهوية وفرضت ذاتها بالفعل الممنهج سياسياً ، وثقافياً ، واجتماعياً ، واقتصادياً لتشكل معالم الكيانية الفلسطينية التي ضاهت بالتوازي الكيانية المصطنعة (إسرائيل ) وناطحت كل الكيانات التي حاولت فرض الوصاية على القضية والشعب الفلسطيني .
فمن الجهل والغباء الاستعراض التاريخي لـ م .ت .ف أو الاستفاضة بأحوالها الحالية التي تعتبر انعكاس موضوعي لأحوال القضية الفلسطينية عامة ، هذه القضية التي أصبحت تسبح في اللامعلوم ، واللاوضوح ، يكتنفها ضبابية شديدة السحابات السوداء ، يغوص في أعماقها أدوات فعل استثمارية مجال استثمارها العقول في زمن عُميت به القلوب وأصبحت كتلة صخر مجردة من الإحساس .
فمنظمة التحرير الفلسطينية لم تتعرض اليوم لمحاولة الإقصاء بل منذ نشأتها وهى تخوض معارك متوازي بكل الاتجاهات ، منها التصوفية ، ومنها الالتفافية على كيانها واستقلاليتها ، ومنها التشكيك بوجودها ، وبمراجعة بسيطة للتاريخ الفلسطيني نجد أن بعض الأنظمة حاولت صناعة بعض الأدوات لفرضها بديلاً لـ م . ت .ف ولكنها فشلت لأن أدواتها كانت أضعف من هذه المهمة ، إضافة إلى تمسك جماهير الشعب الفلسطيني بكيانهم الذي خلق مساحة للتحرك على قاعدة الكيان المستقل ، الذي أرغم العالم والقوى الدولية على الاعتراف بأن هناك شعب له أرض وحقوق .
فتثبيت م .ت . ف بفصائلها وقواها الوطنية مستقلة القرار والفعل ، ومضت تبني ملامح الوطن والكيان من خلال التكامل الثقافي والسياسي والاقتصادي والعسكري.
أما ما يحدث اليوم فهو لا يخرج عن طور المؤامرة القديمة – الحديثة التي حاولت تجريد م . ت .ف من كيانيتها وتمثيلها الأوحد إنها الشوكة في حلقه ، فحاول تفريغها والتآمر عليها ، وعلى فصائلها بفعل أدوات داخلية من خلال وعيه التام أن إضعاف هذا الكيان سيحقق له حلمه الذي حاول تجسيده من خلال روابط القرى ، وحلم بعض الأنظمة التي حاولت جاهدة للقفز عن م . ت . ف في ظل إدراكها بأن موازين القوى تغيرت عن السابق ، مع ظهور أدوات أكثر قوة ويمكن استغلالها لتحقيق حلمها القديم – الحديث ، والقفز على م . ت .ف .
هذا ما يدركه شعبنا ويستوعبه جيداً أن الهدف ليس م . ت .ف وإنما بكيانيتها ، وأن الحملة ما هي سوى حلقة من حلقات تصفية الحلم الفلسطيني " الكياني " وأن ما يحدث بداخل م . ت . ف ما هو سوى ضمن هذه المؤامرة لإضعاف هذا الكيان وطرح بدائل ومرجعيات تحقق من خلالها القوى الإقليمية والعربية أهدافها التي فشلت في تحقيقها والتي سخرت لها كل السبل في الوقت الراهن لتمرير مؤامراتها ، وما يدعو للأسف أن كل الأدوات التي تحاول تمرير المؤامرة هى أدوات فلسطينية سواء على الصعيد الشخصي أو الحزبي . بل وهناك حالة تساوق من بعض الشرائح المثقفة مع هذه المؤامرة بمبررات استثمارية لحالة الفوضى والعبث.
فمنظمة التحرير الفلسطينية هي الكيانية الوحيدة للشعب الفلسطيني والتي من الأولي الحفاظ عليها بأي ثمن واندماج الآخرين بها ، وإعادة الحياة لها وفق معايير وطنية مستقلة ، وضمن أجندة فلسطينية خالصة ، لأن هذا الكيان لا ينظر إليه بقالبه وإنما بحيزه الوطني ، وقيمته الوطنية التي رسخها القادة والشهداء بدمائهم وتضحياتهم ونضالهم.
فمخطئ من يعتقد أن المؤامرة ستنجح لأنها زوبعة في مسيرة الشعب الفلسطيني ، وستتلاشي على صخرة الصمود والتمسك الوطني الفلسطيني بكيانه ووجوده ، وخيمته التي جعلت منه شعباً بكيان مجسد على الأرض.
هذه هي م . ت. ف وهذا هو الكيان الفلسطيني الذي يتعرض اليوم لحملة مشبوهة منقادة كالذيل لمصالح قوى لا يعنيها سوى تصفية الكيانية الفلسطينية ، والإمساك بالقرار الفلسطيني واحتوائه ، وتقزيم المشروع الوطني لصالح أهدافها ولصالح إسرائيل وبعض القوى المتربصة بقضيتنا .
فالمطلوب إعادة العقل الفلسطيني للجسد الفلسطيني ، والروح الفلسطينية للقضية الوطنية ولنسأل أنفسنا جميعاً بعقلانية لماذا يعطل الحوار والمصالحة الوطنية ؟ ولماذا نبحث عن نقاط توتر واختلاف وطني في الوقت الذي يجري فيه خلق تفاهمات مع إسرائيل ، واجتماعات في السفارات الأمريكية بقطر وبيروت ... الخ ؟ ولماذا أصبحت القضية الوطنية مشروع استثماري للبعض ؟ ولماذا نريد شطب التاريخ الفلسطيني وتدوينه من خلال مرحلة معينة ؟
ولماذا جعلنا من عقولنا مداساً للآخرين المتربصين بنا وبكل ما هو وطني فينا ؟
سأجد من العقول الخاوية ما يملأ دولاب الحزن والعجب ، ومن الأنفس ما يبعث للاشمئزاز ، طالما أصبح المال لغة حديث .. فالوطن تحول لعصا بيد جلاد .. وبئر غاز .
الجمعة، فبراير 06، 2009
لا تهدموا آخر قلاع الكيانية الفلسطينية منظمة التحرير الفلسطينية
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق