سامح عوده
- فلسطين
مخطئ من يظن أن قناة الجزيرة الفضائية القطرية تحمل على عاتقها عبئاً قومياً وعروبياً متقدماً في تنوير العقل العربي وكشف الحقيقة، وسيظن القارئ بأن هذا المقال جزءٌ من طمس الحقيقة وتجنٍ على دور الجزيرة الإعلامي، بالتأكيد سيذهل القارئ العربي إن قدر له أن يتابع سطوري المتواضعة لأن الحقيقة لها باب واحد، والتضليل له ألف قناع وقناع، والزمن كفيل بكشف العورات وفضح المستور..!!
ترى هل سيأتي الوقت لكشف المستور فيما يجري من حولنا من بغاء مقصود تمارسه الجزيرة وباقي القنوات الفضائية النفطية الأخرى ؟!
سؤال سأتركه للعقلاء فقط كي يمعنوا في الإجابة عنه، وكلي أمل بأن يجد هذا السؤال جواباً لدى العقلاء بعيداً عن ثورة المشاعر التي عبأتنا الجزيرة وأخواتها بها، وللحق فإن القناع الجميل الذي تلبسه الجزيرة عبر شبكة مذيعاتها الشقراوات، ومذيعيها الأنيقين، وللحق فإن منهم من يلزم حدود الأدب ولا يسعى لمسح الحذاء لمن يجلسون خلف الشاشات ممن يغدقون على القناة من مال النفط..!!
وحتى لا نغرق في بحر التأويلات اللامنطقي، وكي نكون منصفين في الطرح، علينا أن نخلع عباءة العاطفة ونرتدي ثوب العقل الذي هو أبقى، عرضت قناة الجزيرة يوم أمس تقريراً عن انتهاك حقوق الإنسان في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، قدمته مراسلة الجزيرة "جيفارا البديري " وقبل أن أخوض في مضمون التقرير كنت أتمنى أن أوجه عددا من الأسئلة "لجيفارا البديري " وطاقم الجزيرة الذي بدأ يلهث وراء الاسطوانة القطرية المشروخة، لأن الرواتب الخيالية التي تدفعها القناة لهؤلاء ستجعلهم يبيعون ضميرهم الصحفي ويلهثون وراء بضعة آلاف من الدولارات تدفع لهم شهرياً، عرض التقرير مغالطات عدة، وكذبا إعلامياً لا يعرفه المواطن العربي، حين حاول أن يقارن بين حالة حقوق الإنسان في الضفة الغربية وقطاع غزة، ولنفترض بأن هناك تضليلا إعلاميا وقمعا للحريات تمارسه حركة حماس بحق المواطنين ووسائل الإعلام المختلفة، ولنفترض جدلاً أن مراسلي القناة العاملين في قطاع غزة لا يستطيعون كشف الحقيقة المؤلمة التي يتعرض لها أبناء شعبنا في قطاع غزة، على يد مليشيات حماس الظلاميه .
الجزيرة حفظها الله كانت القناة الوحيدة التي تبث أثناء الحرب بحرية فقد صورت أن المقاومة في غزة هي حكر على كتائب القسام التابعة لحركة حماس، علماً بأن جميع الفصائل قدمت شهداء، وهنا لا أنكر دور الشرفاء من كتائب القسام ممن قدموا تضحيات في مقاومة المحتل، الحقيقة الساطعة كالشمس أن هناك فصائل مقاومة أخرى واجهت العدو الصهيوني واستبسلت في الدفاع عن غزة، وكانت في مواقع متقدمة، استشهد من عناصرها المئات ولم تحاول الجزيرة ومراسلوها أن تسلط الضوء على تلك السواعد التي جبل دمها بتراب الأرض وهي تصد المحتل الغاصب في معركة تل الهوى وغيرها من المعارك التي خاضتها في مناطق متعددة من قطاع غزة الصامد، وما لبث العدوان أن توقف حتى شنت مجموعة من حركة حماس حملات على تلك السواعد المقاومة بعد أن قامت عناصر مما يسمى بميلشيات الأمن الداخلي التابعة لحماس بتسجيل أسمائهم، بهدف تسليم أسلحتهم التي واجهوا المحتل بها، فقتل من قتل برصاصهم الغادر، وفي النهاية قالوا قتلنا عدداً من العملاء ؟!، وأطلقت النار على أرجل العديد منهم، وآخرون أخضعوا للإقامة الجبرية، هذه هي الحقيقة المؤسفة التي سيصدم بها الناس عندما تنقشع سحب الضباب ..
ولأن المشهد مزعج بكل تفاصيله، والوصول إلى الحقيقة ليس سهلا ولأن الجزيرة تملك ماكينة إعلامية ضخمة وتنفق عليها المليارات، فقد قدمت لنا تلالاً من العسل بداخلها أكوام من السم تناولناها كولائم دون أن نشعر بالسم الموضوع بداخلها، فأصابنا عمى الألوان التي أدت إلى حالة من " المعيارية " بحيث أصبح من الصعب علينا التمييز بين خيط أبيض وخيط أسود، لأن كم التقارير التي كانت ومازالت تبث لم تترك لنا مجالاً لتفكير بعقلانية، فهذه الحالة والوجبات الإعلامية التي تقدمها الجزيرة للمواطن العربي تهدف إلى إتلاف عقله وإقناعه بهدفها الخفي غير المعلن لسياسة القناة، وحتى نبتعد عن الإنشاء (المضلل) و(غوغائية) الطرح فيما قدمته الجزيرة قبل الحرب على غزة وأثناءها وبعدها، ولنمعن أكثر في المشهد بموضوعية، فقد بثت الجزيرة كماً هائلاً من الأخبار تستحق الوقوف أمامها بإمعان :
أولاً : حاولت الجزيرة وبشكل غير معلن أن تظهر قوة إسرائيل من خلال التركيز على بطشها وكثافة نيرانها، وهذا ما يعرف في الحرب النفسية بأسلوب الردع غير المباشر، فالصورة التي نقلت بطريقة إعلامية محبوكة أظهرت للبعيد الـموجود خارج فلسطين بأن من يقترب من إسرائيل سينال نفس العقاب الذي تعرضت له غزة، الأمر الذي دعا أنظمة مجاورة أن تردع شخصاً دفعته العاطفة أن يطلق رصاصة من خارج الحدود، وتظاهرت بأنها تمارس دور البطولة الإعلامية عبر الشاشات فقط، فكانت المادة الإعلامية للجزيرة الدم الفلسطيني النازف، وركام الأبنية الذي دمرته الآلة العسكرية " الصهيو-أمريكية " .
ثانياً : تحت شعار الرأي والرأي الآخر استضافت قناة الجزيرة قادة العدو الصهيوني من عسكريين وسياسيين من أعلى الهرم إلى أسفله، ليس كخبر عابر وإنما في أكثر من حوار، فظهر شمعون بيريز بوجهه القبيح وهو يتوعد المقاومة، وظهرت " تسيفي لفني " الشقراء التي تعودت على كرم أمراء قطر وحبهم للجنس الناعم، ويهود باراك وزير الدفاع الذي قطعت قناة الجزيرة عن مؤتمر صحفي كانت تبثه لفصائل فلسطينية، وحولت البث لتنقل مؤتمره الصحفي بإعلان الحرب البرية على غزة ، والحمد لله انه لم تتوافر ترجمة له لتعود إلى المؤتمر الصحفي الذي كان يبث، وظهرت وجوه قبيحة أخرى تبعث في النفس غصة من قادة العدو فالناطق باسم الجيش الإسرائيلي كان له مساحه في بث الجزيرة، أهكذا هو الرأي والرأي الآخر يا قناة الجزيرة ؟!
ثالثاً : بثت قناة الجزيرة العديد من التقارير الإعلامية عن الأسلحة المحرمة دولياً التي استخدمتها إسرائيل أثناء الحرب على غزة، وللأمانة فقد فضحت أساليب إسرائيل وإجرامها في التعامل مع الفلسطينيين، خاصة فيما يتعلق بالفسفور الأبيض، لكنها تناست أو تجاهلت بأن تلك الأسلحة تزودها بها الولايات المتحدة الأمريكية عبر جسر جوي أنشئ خصيصاً من قاعدة " الُعدّيدْ " الجوية الموجودة في قطر ..!!
رابعاً : لم تنقطع زيارة العدو الصهيوني لقطر وأميرها خلال الحرب وحتى الآن، فالعلاقات التي تربط البلدين لا يمكن أن تتوقف حتى لو أبيد الشعب الفلسطيني بأكمله، لقد صور أحد الصحفيين الاسرائيلين زيارة وزيرة الخارجية الإسرائيلية " تسيفي لفني " لأمير قطر وهو يخاطب الصحفي الإسرائيلي قائلاً " لا تفضحنا " كان يجب على الجزيرة نقل هذا المشهد المتوافر على الشبكة الآن وبكثرة عندما تحاول مناقشة التواطؤ العربي، وهل هناك أكثر من هذا المشهد تواطئاً ؟!
رابعاً : حاولت قناة الجزيرة الحديث مع قادة المقاومة الميدانيين، وحاولت تتبع أخبارهم من خلال الاتصال بهم على هواتفهم النقالة، وهذا خطأ وقع المقاومون به باستجابتهم له تحت تضليل الجزيرة وأخواتها الفضائيات، إذ أن العدو الصهيوني يمتلك أقوى سلاح جو في المنطقة ومن السهل على طيرانه متابعة موجات اتصال النقالات وتوجيه الضربات إلى مراكز ترددها .
خامساً : حاولت الجزيرة ومن خلال العزف على وتر العاطفة لدى المشاهد العربي أن تصور المعركة الدائرة على قطاع غزة معركة بين جيشين، في حين أن الواقع مخالف لما كان ينقل، لأن الشعب الفلسطيني بجميع فصائله لا يملك إلا بعض الإمكانيات التي لا تذكر مقارنة مع ما يملكه العدو الصهيوني من عتاد وتكنولوجيا، لذلك حتى تجعل للموضوع إثارة أكثر فقد استضافت وبالأجرة " العميد " و " اللواء " المتقاعد ولا أدري إن كان أصحاب الرتب العالية ممن تقاعدوا من الجيوش العربية قد شاركوا في حرب واحدة، وان كانوا قد شاركوا فبالتأكيد قد شاركوا في هزائم الأمة ونكساتها..!!
مساحة الكلام شاسعة، ومفاصل الحديث متنوعة، ولأن السطور تطول، والكلمات كلما ولجنا بها إلى قاع الفقرات واجهتنا بالحقيقة التي نحاول زيفاً التهرب منها، وهي أن إعلامنا العربي وفي مقدمته قناة الجزيرة الفضائية تذبحنا من الوريد إلى الوريد ألف مرة ومرة أمام " فانتازيا " التضليل الذي تمارسه على المشاهد العربي .
أخيرا لا نريد من قناة الجزيرة إلا أن تتقي الله فينا، وتلتزم الحياد الذي تدعيه، أم أن الحياد له لون واحد لا تعرف الجزيرة غيره!؟.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق