نقولا ناصر
إذا كان المقترح المصري للمصالحة الفلسطينية "ليس جديدا" ومحصلة "توافق" لستة لقاءات جمعت بين حركتي حماس وفتح وبقية الفصائل، كما قال عضو المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية د. محمود الزهار، وإذا كان توفر "أجواء إيجابية" هو ما يميز فقط بين توقيع وثيقة الاتفاق وبين المصالحة كما قال الناطق باسم الحكومة في غزة طاهر النونو، فإن توقيع "اتفاقية الوفاق الوطني الفلسطيني" المعروفة باسم "الورقة المصرية" يصبح مجرد مسألة وقت، وقد كانت مسارعة حركة فتح إلى تسليم نسختها الموقعة يوم الخميس الماضي محاولة استباقية لقطع الطريق على أي محاولة للاستفادة من المهلة حتى موعد العشرين من الشهر الجاري التي حددها الوسيط المصري للتوقيع من أجل إدخال أي تعديلات أو إضافات عليها.
غير أن ما نشر من نسخ قديمة للاتفاقية وما تسرب عن النسخة النهائية المنتظر أن تستكمل الفصائل التوقيع عليها لا يبشر بأي مصالحة وطنية قابلة للاستمرار تحول "النوايا الحسنة إلى برنامج عمل قابل للتنفيذ" كما جاء في مقدمة الاتفاقية، وعلى الأرجح أن يكون مصيرها كمصير اتفاق القاهرة عام 2005 ووثيقة الاتفاق الوطني في العام التالي ثم اتفاقي مكة وصنعاء بعد ذلك، لسبب بسيط كان هو الصخرة التي تحطمت عليها كل الاتفاقيات السابقة، وهو تحديدا غياب أي اتفاق على البرنامج السياسي، الذي خلت الاتفاقية الجديدة من أي ذكر له، باستثناء الإشارة اليتيمة إلى وثيقة الاتفاق الوطني (وثيقة الأسرى)، لتتحول هذه الاتفاقية التي يمكن تسميتها ب"اتفاق القاهرة 2" إلى مشروع مصالحة غير سياسية.
وإذا لم تكن المصالحة توافقا وطنيا على برنامج سياسي، فإنها تتحول عمليا إلى مجرد اتفاق على تقاسم سلطة حكم ذاتي إداري محدود تحت "الاحتلال"، وهذه أيضا كلمة خلت منها الاتفاقية الجديدة بصورة لافتة للنظر.
ولا يمكن الشك في أن خبرة الوسيط المصري وذكاؤه قد خاناه عندما أغفل "البرنامج السياسي"، إذ هنا تكمن عقدة الانقسام الفلسطيني الراهن بين حركتي حماس وفتح وقبله الانقسامات بين قيادة فتح وبين كثير من كوادرها وقواعدها، وهنا يكمن كذلك فشل الوساطات السابقة والاتفاقيات التي تمخضت عنها لإنهاء الانقسام.
غير أن إغفال حل الخلاف السياسي على أمل أن تقود وحدة الصف إلى حله يتحول إلى عملية هروب من مواجهة الاستحقاق الأساسي لأي مصالحة فلسطينية حقيقية. وإذا كان من المؤكد أن تكون المصالحة هي تحصيل حاصل للاتفاق السياسي فإنه من غير المؤكد أن المصالحة هي نتيجة أي وحدة صف انتقالية في ضوء انهيار اتفاقات "الوحدة" السابقة قبل أن يجف حبر التوقيع عليها.
إن التحذير الذي وجهته الإدارة الأميركية أثناء الزيارة الأخيرة التي قام بها للقاهرة مبعوثها الرئاسي إلى المنطقة جورج ميتشل بضرورة التزام أي حكومة فلسطينية تتمخض عن توقيع أي اتفاق للمصالحة ب"شروط" اللجنة الرباعية الدولية المعروفة ربما يفسر محاولة "تهريب" عملية تنفيذ الاتفاقية الجديدة بعيدا عن شروط دولة الاحتلال الإسرائيلي التي تبنتها الرباعية، بتفويض عملية التنفيذ إلى لجنة مصالحة عليا يكون مقرها في غزة وليس إلى حكومة وحدة وطنية يكون مقرها في رام الله، في عملية تهرب واضحة من مواجهة الاستحقاق السياسي للمصالحة، مما يعني عمليا أن توقيع الاتفاقية الجديدة هو توقيع على إطالة أمد الوضع الراهن وبالتالي وأد أي اتفاق للمصالحة حتى لو اكتمل توقيعه بالإجماع.
ولا بد من الاعتراف للوسيط المصري بذكائه إضافة إلى صبره، فقد تمكن من انتزاع اعتراف كل من طرفي الانقسام ب"شرعية" الطرف الآخر أولا بالتفاوض بينهما وثانيا بالتوقيع على ما توافقا عليه، بالرغم من استمرار كل منهما في الطعن في شرعية بعضهما حتى اللحظة الأخيرة قبل التوقيع -- وهذه ظاهرة ليس من المتوقع أن يكون التوقيع نهاية لها -- كما تمكن من إيجاد مخرج لأزمة الشرعية الفلسطينية التي تقترب نهاية ولاية كل مؤسساتها مع اقتراب نهاية العام.
ولا يوجد أي شك في أن توقيع حماس على الاتفاقية سيكون توقيعا على تمديد ولاية الرئاسة الحالية، في الأقل لمدة تسعة أشهر حتى موعد الانتخابات المقترح في 28 حزيران / يونيو المقبل، بتوقيع الحركة على ما نصت الاتفاقية عليه من كون "مرجعية اللجنة المشتركة" لتنفيذها هو "الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن .. بصفته رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ورئيس السلطة الوطنية الفلسطينية".
لا بل إن هذا الوسيط يطلب من الجميع الآن التوقيع على اتفاقية يتجاوزون بواسطتها مرجعية لشرعيتهم مثل "القانون الأساسي" عندما ينتزع موافقتهم على تجاوز الاستحقاق "الدستوري" لموعد الانتخابات التشريعية لسلطة الحكم الذاتي أوائل العام المقبل ب"التوافق الوطني" كبديل على إجرائها في شهر حزيران / يونيو المقبل، بالرغم من النص في مجال آخر في اتفاقية القاهرة 2 على "الالتزام بالقانون الأساسي المعدل لعام 2005 وبالقوانين والأنظمة واللوائح ذات الصلة المقرة قبل 14/6/2007"، وفي هذه الحالة لا يسع المراقب إلا أن يتساءل كذلك عن مصير "شرعية" أكثر من 400 قانون بمرسوم أصدرتها الرئاسة الفلسطينية في رام الله بعد ذلك التاريخ وعن مدى توفر "حسن النية" للالتزام بالاتفاقية الجديدة للتعامل مع "سيل" القوانين ذاك وكأنه لم يكن، في ضوء استمرار عباس في استخدام مصطلحات مثل "الانقلاب والانقلابيين والإمارة الظلامية" ربما في اليوم نفسه الذي كانت حركته فتح توقع فيه نسختها من الاتفاقية.
إن خلو الاتفاقية من أي ضمانات غير "حسن النية" لتنفيذها والاكتفاء ب"ميثاق الشرف" الذي تم الاتفاق عليه ك"ملحق أ" للاتفاقية يفقد منحها الأولوية ل"تفعيل وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية" بعد الديباجة مباشرة من أي قيمة عملية، فالنص على تأليف "اللجنة المكلفة تطوير" المنظمة دون النص على رئاستها "مع التأكيد على صلاحيات اللجنة التنفيذية وسائر مؤسسات المنظمة" لحين انتخاب المجلس الوطني الجديد، مع تكرار الإشارة إلى "إعلان القاهرة 2005" كمرجعية لعملية التفعيل والتطوير، يذكر بأن غياب الضمانات للتنفيذ كان هو السبب في إبقاء "إعلان القاهرة" مجرد حبر على ورق منذ خمس سنوات، دون أن تضمن الاتفاقية الجديدة بأن لا يتم تمديد تعطيل العمل بإعلان القاهرة ذاك وكذلك بالاتفاقية الجديدة لخمس سنوات أخرى.
وليس هذا هو التناقض الوحيد في هذه الاتفاقية. فالمواطن الفلسطيني والمراقب بعامة لا يسعه أيضا إلا التساؤل عن مصير "التنسيق الأمني" مع الاحتلال ومصير "مهمة" الجنرال الأميركي كيث دايتون في بناء منظومة الأمن الفلسطينية ومصير الإشراف البريطاني على تدريب الشرطة الفلسطينية، وهل ستكون "إعادة بناء وهيكلة الأجهزة الأمنية الفلسطينية بمساعدة مصرية وعربية" كما جاء في الاتفاقية بديلا لكل ذلك؟
إن الحيز الكبير الذي خصص في الاتفاقية لمنظومة أمن سلطة الحكم الذاتي لا يجيب على هذه الأسئلة وغيرها كثير. غير أن الاستهتار بالذكاء الفلسطيني يبلغ ذروته عندما تتحدث الاتفاقية مثلا عن "أي معلومات أو تخابر أو إعطاء معلومات للعدو تمس الوطن والمواطن الفلسطيني والمقاومة تعتبر خيانة عظمى يعاقب عليها القانون"، دون أن تحدد ما إذا كان مفعول هذا النص بأثر رجعي يشمل ما ينطبق منه على التنسيق الأمني مع الاحتلال أم أن الاتفاقية تعتبر بمثابة إعلان "عفا الله عما سلف"، أو كمثال آخر عندما تحدد الاتفاقية مهام قوات الأمن الوطني ب"حماية سيادة البلاد وتأمين سلامة أراضيها" و"حماية الوطن من أي اعتداء خارجي".
لكن التناقض الكامن في النص من جهة على "احترام الأجهزة الأمنية لحق الشعب الفلسطيني في المقاومة والدفاع عن الوطن والمواطن" والنص من جهة أخرى على حظر "إقامة أي تشكيلات عسكرية خارج الإطار المقرر لكل جهاز" أمني يبقي العلاقة غائمة بين السلطة وبين المقاومة، ويبقي مصير الاتفاقية الجديدة للمصالحة والمصالحة نفسها في مهب الريح.
*كاتب عربي من فلسطين
nicolanasser@yahoo.com*
إذا كان المقترح المصري للمصالحة الفلسطينية "ليس جديدا" ومحصلة "توافق" لستة لقاءات جمعت بين حركتي حماس وفتح وبقية الفصائل، كما قال عضو المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية د. محمود الزهار، وإذا كان توفر "أجواء إيجابية" هو ما يميز فقط بين توقيع وثيقة الاتفاق وبين المصالحة كما قال الناطق باسم الحكومة في غزة طاهر النونو، فإن توقيع "اتفاقية الوفاق الوطني الفلسطيني" المعروفة باسم "الورقة المصرية" يصبح مجرد مسألة وقت، وقد كانت مسارعة حركة فتح إلى تسليم نسختها الموقعة يوم الخميس الماضي محاولة استباقية لقطع الطريق على أي محاولة للاستفادة من المهلة حتى موعد العشرين من الشهر الجاري التي حددها الوسيط المصري للتوقيع من أجل إدخال أي تعديلات أو إضافات عليها.
غير أن ما نشر من نسخ قديمة للاتفاقية وما تسرب عن النسخة النهائية المنتظر أن تستكمل الفصائل التوقيع عليها لا يبشر بأي مصالحة وطنية قابلة للاستمرار تحول "النوايا الحسنة إلى برنامج عمل قابل للتنفيذ" كما جاء في مقدمة الاتفاقية، وعلى الأرجح أن يكون مصيرها كمصير اتفاق القاهرة عام 2005 ووثيقة الاتفاق الوطني في العام التالي ثم اتفاقي مكة وصنعاء بعد ذلك، لسبب بسيط كان هو الصخرة التي تحطمت عليها كل الاتفاقيات السابقة، وهو تحديدا غياب أي اتفاق على البرنامج السياسي، الذي خلت الاتفاقية الجديدة من أي ذكر له، باستثناء الإشارة اليتيمة إلى وثيقة الاتفاق الوطني (وثيقة الأسرى)، لتتحول هذه الاتفاقية التي يمكن تسميتها ب"اتفاق القاهرة 2" إلى مشروع مصالحة غير سياسية.
وإذا لم تكن المصالحة توافقا وطنيا على برنامج سياسي، فإنها تتحول عمليا إلى مجرد اتفاق على تقاسم سلطة حكم ذاتي إداري محدود تحت "الاحتلال"، وهذه أيضا كلمة خلت منها الاتفاقية الجديدة بصورة لافتة للنظر.
ولا يمكن الشك في أن خبرة الوسيط المصري وذكاؤه قد خاناه عندما أغفل "البرنامج السياسي"، إذ هنا تكمن عقدة الانقسام الفلسطيني الراهن بين حركتي حماس وفتح وقبله الانقسامات بين قيادة فتح وبين كثير من كوادرها وقواعدها، وهنا يكمن كذلك فشل الوساطات السابقة والاتفاقيات التي تمخضت عنها لإنهاء الانقسام.
غير أن إغفال حل الخلاف السياسي على أمل أن تقود وحدة الصف إلى حله يتحول إلى عملية هروب من مواجهة الاستحقاق الأساسي لأي مصالحة فلسطينية حقيقية. وإذا كان من المؤكد أن تكون المصالحة هي تحصيل حاصل للاتفاق السياسي فإنه من غير المؤكد أن المصالحة هي نتيجة أي وحدة صف انتقالية في ضوء انهيار اتفاقات "الوحدة" السابقة قبل أن يجف حبر التوقيع عليها.
إن التحذير الذي وجهته الإدارة الأميركية أثناء الزيارة الأخيرة التي قام بها للقاهرة مبعوثها الرئاسي إلى المنطقة جورج ميتشل بضرورة التزام أي حكومة فلسطينية تتمخض عن توقيع أي اتفاق للمصالحة ب"شروط" اللجنة الرباعية الدولية المعروفة ربما يفسر محاولة "تهريب" عملية تنفيذ الاتفاقية الجديدة بعيدا عن شروط دولة الاحتلال الإسرائيلي التي تبنتها الرباعية، بتفويض عملية التنفيذ إلى لجنة مصالحة عليا يكون مقرها في غزة وليس إلى حكومة وحدة وطنية يكون مقرها في رام الله، في عملية تهرب واضحة من مواجهة الاستحقاق السياسي للمصالحة، مما يعني عمليا أن توقيع الاتفاقية الجديدة هو توقيع على إطالة أمد الوضع الراهن وبالتالي وأد أي اتفاق للمصالحة حتى لو اكتمل توقيعه بالإجماع.
ولا بد من الاعتراف للوسيط المصري بذكائه إضافة إلى صبره، فقد تمكن من انتزاع اعتراف كل من طرفي الانقسام ب"شرعية" الطرف الآخر أولا بالتفاوض بينهما وثانيا بالتوقيع على ما توافقا عليه، بالرغم من استمرار كل منهما في الطعن في شرعية بعضهما حتى اللحظة الأخيرة قبل التوقيع -- وهذه ظاهرة ليس من المتوقع أن يكون التوقيع نهاية لها -- كما تمكن من إيجاد مخرج لأزمة الشرعية الفلسطينية التي تقترب نهاية ولاية كل مؤسساتها مع اقتراب نهاية العام.
ولا يوجد أي شك في أن توقيع حماس على الاتفاقية سيكون توقيعا على تمديد ولاية الرئاسة الحالية، في الأقل لمدة تسعة أشهر حتى موعد الانتخابات المقترح في 28 حزيران / يونيو المقبل، بتوقيع الحركة على ما نصت الاتفاقية عليه من كون "مرجعية اللجنة المشتركة" لتنفيذها هو "الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن .. بصفته رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ورئيس السلطة الوطنية الفلسطينية".
لا بل إن هذا الوسيط يطلب من الجميع الآن التوقيع على اتفاقية يتجاوزون بواسطتها مرجعية لشرعيتهم مثل "القانون الأساسي" عندما ينتزع موافقتهم على تجاوز الاستحقاق "الدستوري" لموعد الانتخابات التشريعية لسلطة الحكم الذاتي أوائل العام المقبل ب"التوافق الوطني" كبديل على إجرائها في شهر حزيران / يونيو المقبل، بالرغم من النص في مجال آخر في اتفاقية القاهرة 2 على "الالتزام بالقانون الأساسي المعدل لعام 2005 وبالقوانين والأنظمة واللوائح ذات الصلة المقرة قبل 14/6/2007"، وفي هذه الحالة لا يسع المراقب إلا أن يتساءل كذلك عن مصير "شرعية" أكثر من 400 قانون بمرسوم أصدرتها الرئاسة الفلسطينية في رام الله بعد ذلك التاريخ وعن مدى توفر "حسن النية" للالتزام بالاتفاقية الجديدة للتعامل مع "سيل" القوانين ذاك وكأنه لم يكن، في ضوء استمرار عباس في استخدام مصطلحات مثل "الانقلاب والانقلابيين والإمارة الظلامية" ربما في اليوم نفسه الذي كانت حركته فتح توقع فيه نسختها من الاتفاقية.
إن خلو الاتفاقية من أي ضمانات غير "حسن النية" لتنفيذها والاكتفاء ب"ميثاق الشرف" الذي تم الاتفاق عليه ك"ملحق أ" للاتفاقية يفقد منحها الأولوية ل"تفعيل وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية" بعد الديباجة مباشرة من أي قيمة عملية، فالنص على تأليف "اللجنة المكلفة تطوير" المنظمة دون النص على رئاستها "مع التأكيد على صلاحيات اللجنة التنفيذية وسائر مؤسسات المنظمة" لحين انتخاب المجلس الوطني الجديد، مع تكرار الإشارة إلى "إعلان القاهرة 2005" كمرجعية لعملية التفعيل والتطوير، يذكر بأن غياب الضمانات للتنفيذ كان هو السبب في إبقاء "إعلان القاهرة" مجرد حبر على ورق منذ خمس سنوات، دون أن تضمن الاتفاقية الجديدة بأن لا يتم تمديد تعطيل العمل بإعلان القاهرة ذاك وكذلك بالاتفاقية الجديدة لخمس سنوات أخرى.
وليس هذا هو التناقض الوحيد في هذه الاتفاقية. فالمواطن الفلسطيني والمراقب بعامة لا يسعه أيضا إلا التساؤل عن مصير "التنسيق الأمني" مع الاحتلال ومصير "مهمة" الجنرال الأميركي كيث دايتون في بناء منظومة الأمن الفلسطينية ومصير الإشراف البريطاني على تدريب الشرطة الفلسطينية، وهل ستكون "إعادة بناء وهيكلة الأجهزة الأمنية الفلسطينية بمساعدة مصرية وعربية" كما جاء في الاتفاقية بديلا لكل ذلك؟
إن الحيز الكبير الذي خصص في الاتفاقية لمنظومة أمن سلطة الحكم الذاتي لا يجيب على هذه الأسئلة وغيرها كثير. غير أن الاستهتار بالذكاء الفلسطيني يبلغ ذروته عندما تتحدث الاتفاقية مثلا عن "أي معلومات أو تخابر أو إعطاء معلومات للعدو تمس الوطن والمواطن الفلسطيني والمقاومة تعتبر خيانة عظمى يعاقب عليها القانون"، دون أن تحدد ما إذا كان مفعول هذا النص بأثر رجعي يشمل ما ينطبق منه على التنسيق الأمني مع الاحتلال أم أن الاتفاقية تعتبر بمثابة إعلان "عفا الله عما سلف"، أو كمثال آخر عندما تحدد الاتفاقية مهام قوات الأمن الوطني ب"حماية سيادة البلاد وتأمين سلامة أراضيها" و"حماية الوطن من أي اعتداء خارجي".
لكن التناقض الكامن في النص من جهة على "احترام الأجهزة الأمنية لحق الشعب الفلسطيني في المقاومة والدفاع عن الوطن والمواطن" والنص من جهة أخرى على حظر "إقامة أي تشكيلات عسكرية خارج الإطار المقرر لكل جهاز" أمني يبقي العلاقة غائمة بين السلطة وبين المقاومة، ويبقي مصير الاتفاقية الجديدة للمصالحة والمصالحة نفسها في مهب الريح.
*كاتب عربي من فلسطين
nicolanasser@yahoo.com*
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق