وجيهة الحويــدر
مما لا شك فيه ان المشاكل المعقدة تكون اسبابها بنفس الدرجة من التعقيد والصعوبة، لذلك اشكالية التوحش التي يصارعها شرائح مختلفة من المجتمع السعودي، اصبحت واحدة من اشد التحديات التي تواجهها السلطة اليوم، خاصة بعد ان تجسّدت في جماعات ارهابية مسلحة تراهن على اسقاط الدولة وتريد تفتيت مؤسساتها وقتل رجالها.
المشكلة الكبرى تكمن ايضا في ممارسات الحكومة، والتي لا تقلل من حدة التوحش بل تزيدها، خاصة لدى بعض الشباب السعودي، فما جرى في الثالث والعشرين من سبتمبر الماضي والذي وافق اليوم الوطني السعودي، امر مثير للقلق والخشية.
في ذلك اليوم تجمهر جموع من الفتية في شوارع مدينة الخبر الساحلية بنية التخريب وتدمير المحلات التجارية، وارهاب الناس، والاعتداء على المطاعم، وتكسير كل ما طالته ايديهم في تلك المدينة الحيوية. اتسم احتفاء الشباب باليوم الوطني بوحشية وجنون مشابه للذي نراه مرات بين جماهير الكرة حين يفوز فريقهم ببطولة عالمية.
لكن تصرف رجال الامن كان اشد همجية ووحشية، حيث اعتقلوا الشباب المخربين وزُج بهم في السجون وبعد ايام قليلة، وبدون اي محاكمة، اُخرجوا الى نفس المكان العام الذي حصلت فيه احداث الشغب، وجُلد كل واحد منهم امام الناس ثلاثين جلدة.
هؤلاء الشباب حطمّوا الزجاجات، وكسّروا بعض اثاث المطاعم، وعاثوا في المحلات التجارية، وربما سرقوا بعض محتوياتها، وكل تلك الكماليات بالامكان استبدالها وتعويضها من جيوب المخربين او من شركات التأمين، بينما ما حطموه رجال الامن في نفوس هؤلاء الفتية سيظل عطب لا يصلحه العطار، ولا يمحيه الزمن من الذاكرة. لقد شوّهوا احساس الشباب بآدميتهم، وقللوا من شأنهم امام العامة، وقضوا على تقدير ذواتهم، وربما انهوا كل مشاعر الانسانية في داخلهم، فلا شيء يبرر تلك الجريمة التي اُرتكبت في حقهم، حيث الكثير منهم كانوا ما دون سن الرشد. فليس عجباً ان يتحول كثير ممن جُلدوا في ذلك اليوم الى مشاريع اجرامية مؤجلة، ويظهر بعضهم في يوم ما بحزام ناسف وهو محملاً بالغضب ويريد الانتقام من الناس والسلطة معاً.
ان التوحش الذي ظهرعلى الشباب في ذلك اليوم كانت له اسباب ضاربة اطنابها في اذهان الناس ونفوسهم، فلا شيء يأتي من فراغ، فالقاعدة التي لا شواذ لها، ان لكل فعل ردة فعل مساو له في القوة ومخالف له في الاتجاه، فهؤلاء الشباب اتو من ارحام امهات مهضومات الحقوق ومعدمات الكرامة، ومن ظهور رجال يرزحون تحت قهر سياسي لعقود طويلة، وكبت اجتماعي وممارسات ملبسة بالدين لكنها شديدة النزعة.
في الاجزاء الاربعة السابقة من محاولة فهم التوحش السعودي عرضتُ بعض اسبابه وهي كالتالي : (1) القهر بشقيه السياسي والاجتماعي، (2) التطبيق الوحشي للعقوبات والاحكام الجنائية، (3) انعدام القوانين المدونة وغياب سيادة القانون، (4) سيادة الخطاب الواحد واستيلائه على جميع مؤسسات الدولة، (5) اقصاء النساء عن الحياة العامة والتعامل معهن كبشر قاصرين.
سادسا: حرمان الفتيات والفتية من التعبير عن ذواتهم وتعطيل طاقاتهم
بالرغم من انتشار الصحون اللاقطة على غالبية سطوح البيوت السعودية، وبالرغم من تعدد الفضائيات على شاشات التلفزة، وايضا كثرة خدمات الانترنت المتوفرة في كل مكان، مازال افراد الجيل السعودي اليافع يُطلب منهم ان يغمضوا عيونهم ويصموا آذانهم عما يجري خارج حدود بلادهم من تطور وابداعات وفنون ومتع حياة، ويُجبرون على تبني نهج الزهد في الحياة وثقافة الموت والتفكير في الآخرة، وتبني نمط حياة العصور الوسطى المظلمة.
الشابات والشباب يعيشون حياة خانقة ومخيبة لآمالهم وطموحاتهم، البطالة منتشرة بمعدلات عالية، فلا اماكن لهم للتنفيس أو للابداع ولا للترفيه، ولا ثمة جهة لصقل المواهب الفكرية او حتى الجسدية. المسجد او الحسينية هما المكانين المسموح بهما لأخراج الطاقة الشبابية المتأججة.
النظام التعليمي يتعامل مع الشبيبة على انهم مادة ذات سمة واحدة قابلة للتطويع، حيث يُصب كل فرد منهم في قالب معدا له مسبقاً، ويُجمد فيه الى ان تفارقه الحياة. كلهم يرتدون نفس الملابس ذات الالوان البليدة، ويتحدثون بنفس العبارات السمجة، ويستخدمون نفس اللغة الملقنة، ومن يحاول منهم ان ينفرد بشخصيته يعرّض نفسه للجلد ومرات للسجن مع الجلد، كما حصل قبل شهر حيث تم اعتقال كل شاب يسرّح شعره على طريقة "كدش" او كان يرتدي بنطلونا يسمى "طيحني" او المعروف بـ "لو ويست". منعوا الشباب من دخول المساجد، وحتى صدرت فتوى في حقهم بأن صلاتهم وشهادتهم لا تُقبل منهم. تلك الموضة يرتديها كل شباب العالم، بينما في السعودية وايضا في ايران تُعد جريمة يعاقب عليها القانون! فليس عجباً ان تتفق السعودية مع ايران على هذا الاسلوب الفض في تعاملهم مع الشبيبة، فهما في نهاية الامر وان اختلفتا في المذهب وجهان لعملة واحدة.
تظل الفتيات السعوديات حبيسات بين اربعة حيطان ، بينما الشباب خاصة المراهقين منهم سجناء الشوراع، حيث معظم المحلات يُمنع العزاب من دخولها. لذلك الشارع هو مسرح ابداعاتهم وسبب في تفاقم جنونهم، والنتيجة هي ان السعودية اليوم تتصدر العالم في عدد القتلى من حوادث المرور. السيارة هي الاداة الوحيدة للتحدي والتسلية لدى الشباب السعودي، بينما حفظ المواد الدراسية العقيمة هي الاداة الوحيدة لقتل الوقت لدى الشابات السعوديات. لذلك حين يفر اي واحد منهم الى الخارج، يتصرف وكأنه سجين للتو اُطلق من حبسه ولمدة محدودة من الزمن، فيفعل العجائب في نفسه وفي مرافق تلك البلد التي يزورها، فلو كان جسر البحرين قادر على النطق لكان شاهدا حقيقياً على اكثر من عشرين عاماً من تصرفات السعوديين الجنونية، والتي لا يحق لأحد ان يلموهم عليها، لأن اللوم كله يقع على الأنظمة الخانقة التي حولت احلام الفتيات والفتية الى حطام، وحولتهم الى بشر متلهفين لاستطعام الحياة بأي ثمن وتحت اي ظرف، وان كانوا للأسف يهرولون لأشباع رغباتهم بلا هدف ولا معنى وبلا بوصلة تدلهم على قيم انسانية واضحة.
سابعا: الشرطة الدينية وسياسة العصا لمن عصا
الشرطة الدينية او هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر كما يحلو للسعوديين ان يطلقوا عليهم، وجد ذاك الجهاز القمعي منذ اكثر من سبعة عقود، وهو يعمل بسياسة القهر وارغام الناس على اتباع سلوكيات عامة هم حددوها لهم وزعموا انها شرع الله.
بالرغم ان العبادات امور خاصة بين المرء وعبده الا ان رجال الهيئة حشروا انفسهم في تلك العلاقة وحولوا العبادات الى اعمال قسريه، واجبروا الناس على اغلاق محلاتهم اثناء الصلاة، وسجن وجلد من يكسر ذلك القانون. مع انه ذلك امر لم يرد ابدا ذكره في القرآن سوى في يوم الجمعة (السعي للصلاة وليس معاقبة الناس على عدم ادائها)، ولم يفعله قط رسول الله (عليه السلام) في اتباعه. العبادات اصبحت بالاجبار حتى في المدارس، وتحول التدين الى واجهة نفاق تقرب الناس لبعضهم البعض وتفتح لهم سبل النجاح والقبول الاجتماعي.
مراقبة الناس في لبسهم واكلهم وشربهم وتحركاتهم وتحديد من هم رفقائهم، هو لب عمل الشرطة الدينية اليومي، فكل فرد منهم يستيقظ كل صباح وفي اجندته ملاحقة الناس ومضايقتهم، والتجسس عليهم، وادانتهم بأية تهمة، اقلها الخلوة غير الشرعية، حتى لو حدث ذلك في مكان عام يعج بالمتسوقين والمارة. الريبة والشك في نوايا الناس هو الحافز لأنشطة رجال الهيئة.
حكاية ابتزاز الفتيات ومطاردة السحرة مشاريع الهيئة الخاصة والتي تزايدت في السنتين الاخيرتين، حتى اصبحت تلك القضايا تتصدر عناوين الصحف السعودية اليومية، لدرجة ان هذه الظواهر المصطنعة جعلت الناس تعتقد انه لولا رجال الحسبة لأصبح بنات السعودية كلهن بلا شرف، و شبابها جميعهم مبتزين وخونة وزناة، ومعظم العمالة الوافدة خاصة الافارقة والاسيويين منهم كلهم سحرة ودجالين!
لا يقتصر هذا التنوع في رعب الناس ومطاردتهم على الطرقات والاسواق العامة، بل تصل الى مداهمة البيوت ومرات اقتحام المحلات والاعتداء على اصحابها مثلما حصل في المدينة المنورة قبل عدة شهور حين داهمت فرقة من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مركزا نسائيا للقبض على فتاة اشتبه في أنها كانت في خلوة غير شرعية، فجرّوها من شعرها بالقوة الى الخارج! وايضا تسببوا في قتل شباب وشبّات على الطرقات بسبب ملاحقتهم ومضايقتهم من اجل القبض عليهم بنفس التهمة.
بالرغم ان رجال الشرطة الدينية فوق القانون فلم يدان اي واحد منهم لأي جريمة حتى لو كانت قتل مثلما حصل في قتل سلمان الحريصي الذي ضُرب حتى الموت بتهمة شرب الخمر وصناعته، لكنهم اليوم يفكرون بتأسيس قسم يعنى بحقوق الانسان!!! فكيف يستطيعون ان يلعبوا تلك اللعبة المفضوحة وهم في كل يوم ينشرون الرعب بين الناس، ويتسببون في تفشي ثقافة التوحش والاعتداء على الآخرين؟؟
جهاز هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر انتهى عمره الافتراضي منذ عقود طويلة، واستمرار رجاله اقحام انفسهم في حياة الناس الخاصة، ومضايقتهم في تجمعاتهم وفسحهم وتبضعهم وتجوالهم في المرافق العامة والخاصة، امرلا يُقره دين ولا عُرف، ويُعد انتهاك صارخ لجميع المواثيق الدولية التي وقعت عليها المملكة واولهم ميثاق حقوق الانسان العالمي!
وللحديث بقية...
مما لا شك فيه ان المشاكل المعقدة تكون اسبابها بنفس الدرجة من التعقيد والصعوبة، لذلك اشكالية التوحش التي يصارعها شرائح مختلفة من المجتمع السعودي، اصبحت واحدة من اشد التحديات التي تواجهها السلطة اليوم، خاصة بعد ان تجسّدت في جماعات ارهابية مسلحة تراهن على اسقاط الدولة وتريد تفتيت مؤسساتها وقتل رجالها.
المشكلة الكبرى تكمن ايضا في ممارسات الحكومة، والتي لا تقلل من حدة التوحش بل تزيدها، خاصة لدى بعض الشباب السعودي، فما جرى في الثالث والعشرين من سبتمبر الماضي والذي وافق اليوم الوطني السعودي، امر مثير للقلق والخشية.
في ذلك اليوم تجمهر جموع من الفتية في شوارع مدينة الخبر الساحلية بنية التخريب وتدمير المحلات التجارية، وارهاب الناس، والاعتداء على المطاعم، وتكسير كل ما طالته ايديهم في تلك المدينة الحيوية. اتسم احتفاء الشباب باليوم الوطني بوحشية وجنون مشابه للذي نراه مرات بين جماهير الكرة حين يفوز فريقهم ببطولة عالمية.
لكن تصرف رجال الامن كان اشد همجية ووحشية، حيث اعتقلوا الشباب المخربين وزُج بهم في السجون وبعد ايام قليلة، وبدون اي محاكمة، اُخرجوا الى نفس المكان العام الذي حصلت فيه احداث الشغب، وجُلد كل واحد منهم امام الناس ثلاثين جلدة.
هؤلاء الشباب حطمّوا الزجاجات، وكسّروا بعض اثاث المطاعم، وعاثوا في المحلات التجارية، وربما سرقوا بعض محتوياتها، وكل تلك الكماليات بالامكان استبدالها وتعويضها من جيوب المخربين او من شركات التأمين، بينما ما حطموه رجال الامن في نفوس هؤلاء الفتية سيظل عطب لا يصلحه العطار، ولا يمحيه الزمن من الذاكرة. لقد شوّهوا احساس الشباب بآدميتهم، وقللوا من شأنهم امام العامة، وقضوا على تقدير ذواتهم، وربما انهوا كل مشاعر الانسانية في داخلهم، فلا شيء يبرر تلك الجريمة التي اُرتكبت في حقهم، حيث الكثير منهم كانوا ما دون سن الرشد. فليس عجباً ان يتحول كثير ممن جُلدوا في ذلك اليوم الى مشاريع اجرامية مؤجلة، ويظهر بعضهم في يوم ما بحزام ناسف وهو محملاً بالغضب ويريد الانتقام من الناس والسلطة معاً.
ان التوحش الذي ظهرعلى الشباب في ذلك اليوم كانت له اسباب ضاربة اطنابها في اذهان الناس ونفوسهم، فلا شيء يأتي من فراغ، فالقاعدة التي لا شواذ لها، ان لكل فعل ردة فعل مساو له في القوة ومخالف له في الاتجاه، فهؤلاء الشباب اتو من ارحام امهات مهضومات الحقوق ومعدمات الكرامة، ومن ظهور رجال يرزحون تحت قهر سياسي لعقود طويلة، وكبت اجتماعي وممارسات ملبسة بالدين لكنها شديدة النزعة.
في الاجزاء الاربعة السابقة من محاولة فهم التوحش السعودي عرضتُ بعض اسبابه وهي كالتالي : (1) القهر بشقيه السياسي والاجتماعي، (2) التطبيق الوحشي للعقوبات والاحكام الجنائية، (3) انعدام القوانين المدونة وغياب سيادة القانون، (4) سيادة الخطاب الواحد واستيلائه على جميع مؤسسات الدولة، (5) اقصاء النساء عن الحياة العامة والتعامل معهن كبشر قاصرين.
سادسا: حرمان الفتيات والفتية من التعبير عن ذواتهم وتعطيل طاقاتهم
بالرغم من انتشار الصحون اللاقطة على غالبية سطوح البيوت السعودية، وبالرغم من تعدد الفضائيات على شاشات التلفزة، وايضا كثرة خدمات الانترنت المتوفرة في كل مكان، مازال افراد الجيل السعودي اليافع يُطلب منهم ان يغمضوا عيونهم ويصموا آذانهم عما يجري خارج حدود بلادهم من تطور وابداعات وفنون ومتع حياة، ويُجبرون على تبني نهج الزهد في الحياة وثقافة الموت والتفكير في الآخرة، وتبني نمط حياة العصور الوسطى المظلمة.
الشابات والشباب يعيشون حياة خانقة ومخيبة لآمالهم وطموحاتهم، البطالة منتشرة بمعدلات عالية، فلا اماكن لهم للتنفيس أو للابداع ولا للترفيه، ولا ثمة جهة لصقل المواهب الفكرية او حتى الجسدية. المسجد او الحسينية هما المكانين المسموح بهما لأخراج الطاقة الشبابية المتأججة.
النظام التعليمي يتعامل مع الشبيبة على انهم مادة ذات سمة واحدة قابلة للتطويع، حيث يُصب كل فرد منهم في قالب معدا له مسبقاً، ويُجمد فيه الى ان تفارقه الحياة. كلهم يرتدون نفس الملابس ذات الالوان البليدة، ويتحدثون بنفس العبارات السمجة، ويستخدمون نفس اللغة الملقنة، ومن يحاول منهم ان ينفرد بشخصيته يعرّض نفسه للجلد ومرات للسجن مع الجلد، كما حصل قبل شهر حيث تم اعتقال كل شاب يسرّح شعره على طريقة "كدش" او كان يرتدي بنطلونا يسمى "طيحني" او المعروف بـ "لو ويست". منعوا الشباب من دخول المساجد، وحتى صدرت فتوى في حقهم بأن صلاتهم وشهادتهم لا تُقبل منهم. تلك الموضة يرتديها كل شباب العالم، بينما في السعودية وايضا في ايران تُعد جريمة يعاقب عليها القانون! فليس عجباً ان تتفق السعودية مع ايران على هذا الاسلوب الفض في تعاملهم مع الشبيبة، فهما في نهاية الامر وان اختلفتا في المذهب وجهان لعملة واحدة.
تظل الفتيات السعوديات حبيسات بين اربعة حيطان ، بينما الشباب خاصة المراهقين منهم سجناء الشوراع، حيث معظم المحلات يُمنع العزاب من دخولها. لذلك الشارع هو مسرح ابداعاتهم وسبب في تفاقم جنونهم، والنتيجة هي ان السعودية اليوم تتصدر العالم في عدد القتلى من حوادث المرور. السيارة هي الاداة الوحيدة للتحدي والتسلية لدى الشباب السعودي، بينما حفظ المواد الدراسية العقيمة هي الاداة الوحيدة لقتل الوقت لدى الشابات السعوديات. لذلك حين يفر اي واحد منهم الى الخارج، يتصرف وكأنه سجين للتو اُطلق من حبسه ولمدة محدودة من الزمن، فيفعل العجائب في نفسه وفي مرافق تلك البلد التي يزورها، فلو كان جسر البحرين قادر على النطق لكان شاهدا حقيقياً على اكثر من عشرين عاماً من تصرفات السعوديين الجنونية، والتي لا يحق لأحد ان يلموهم عليها، لأن اللوم كله يقع على الأنظمة الخانقة التي حولت احلام الفتيات والفتية الى حطام، وحولتهم الى بشر متلهفين لاستطعام الحياة بأي ثمن وتحت اي ظرف، وان كانوا للأسف يهرولون لأشباع رغباتهم بلا هدف ولا معنى وبلا بوصلة تدلهم على قيم انسانية واضحة.
سابعا: الشرطة الدينية وسياسة العصا لمن عصا
الشرطة الدينية او هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر كما يحلو للسعوديين ان يطلقوا عليهم، وجد ذاك الجهاز القمعي منذ اكثر من سبعة عقود، وهو يعمل بسياسة القهر وارغام الناس على اتباع سلوكيات عامة هم حددوها لهم وزعموا انها شرع الله.
بالرغم ان العبادات امور خاصة بين المرء وعبده الا ان رجال الهيئة حشروا انفسهم في تلك العلاقة وحولوا العبادات الى اعمال قسريه، واجبروا الناس على اغلاق محلاتهم اثناء الصلاة، وسجن وجلد من يكسر ذلك القانون. مع انه ذلك امر لم يرد ابدا ذكره في القرآن سوى في يوم الجمعة (السعي للصلاة وليس معاقبة الناس على عدم ادائها)، ولم يفعله قط رسول الله (عليه السلام) في اتباعه. العبادات اصبحت بالاجبار حتى في المدارس، وتحول التدين الى واجهة نفاق تقرب الناس لبعضهم البعض وتفتح لهم سبل النجاح والقبول الاجتماعي.
مراقبة الناس في لبسهم واكلهم وشربهم وتحركاتهم وتحديد من هم رفقائهم، هو لب عمل الشرطة الدينية اليومي، فكل فرد منهم يستيقظ كل صباح وفي اجندته ملاحقة الناس ومضايقتهم، والتجسس عليهم، وادانتهم بأية تهمة، اقلها الخلوة غير الشرعية، حتى لو حدث ذلك في مكان عام يعج بالمتسوقين والمارة. الريبة والشك في نوايا الناس هو الحافز لأنشطة رجال الهيئة.
حكاية ابتزاز الفتيات ومطاردة السحرة مشاريع الهيئة الخاصة والتي تزايدت في السنتين الاخيرتين، حتى اصبحت تلك القضايا تتصدر عناوين الصحف السعودية اليومية، لدرجة ان هذه الظواهر المصطنعة جعلت الناس تعتقد انه لولا رجال الحسبة لأصبح بنات السعودية كلهن بلا شرف، و شبابها جميعهم مبتزين وخونة وزناة، ومعظم العمالة الوافدة خاصة الافارقة والاسيويين منهم كلهم سحرة ودجالين!
لا يقتصر هذا التنوع في رعب الناس ومطاردتهم على الطرقات والاسواق العامة، بل تصل الى مداهمة البيوت ومرات اقتحام المحلات والاعتداء على اصحابها مثلما حصل في المدينة المنورة قبل عدة شهور حين داهمت فرقة من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مركزا نسائيا للقبض على فتاة اشتبه في أنها كانت في خلوة غير شرعية، فجرّوها من شعرها بالقوة الى الخارج! وايضا تسببوا في قتل شباب وشبّات على الطرقات بسبب ملاحقتهم ومضايقتهم من اجل القبض عليهم بنفس التهمة.
بالرغم ان رجال الشرطة الدينية فوق القانون فلم يدان اي واحد منهم لأي جريمة حتى لو كانت قتل مثلما حصل في قتل سلمان الحريصي الذي ضُرب حتى الموت بتهمة شرب الخمر وصناعته، لكنهم اليوم يفكرون بتأسيس قسم يعنى بحقوق الانسان!!! فكيف يستطيعون ان يلعبوا تلك اللعبة المفضوحة وهم في كل يوم ينشرون الرعب بين الناس، ويتسببون في تفشي ثقافة التوحش والاعتداء على الآخرين؟؟
جهاز هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر انتهى عمره الافتراضي منذ عقود طويلة، واستمرار رجاله اقحام انفسهم في حياة الناس الخاصة، ومضايقتهم في تجمعاتهم وفسحهم وتبضعهم وتجوالهم في المرافق العامة والخاصة، امرلا يُقره دين ولا عُرف، ويُعد انتهاك صارخ لجميع المواثيق الدولية التي وقعت عليها المملكة واولهم ميثاق حقوق الانسان العالمي!
وللحديث بقية...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق