الخميس، أكتوبر 08، 2009

القدس هجمات إسرائيلية متلاحقة

راسم عبيدات
عجز فلسطيني وعربي واسلامي شمولي

.....تتوالى وتتواصل الهجمات الإسرائيلية على المدينة المقدسة،وبشكل غير مسبوق،والهجمات تلك تشمل كل مناحي حياة المقدسيين ووجودهم وأرضهم وهويتهم وتاريخهم وحضارتهم في المدينة،والمشاهد لأحوال المدينة المقدسة،في فترة ما يسمى بعيد المظلة عند اليهود،يدرك حجم المخاطر المحدقة بالمدينة المقدسة،فمن أجل تأمين إقامة الطقوس والشعائر الخاصة بهذا العيد،والتي تخرج عن كونها طقوس وشعائر دينية لتتحول إلى استهدافات ومعاني ومقاصد وأبعاد سياسية،الغرض منها السيطرة على مدينة القدس والقيام بحملة مسعورة من الطرد الجماعي والتطهير العرقي بحق الفلسطينيين العرب ووجودهم في هذه المدينة،وليس أدل على ذلك ما تقوم به شرطة الإحتلال وجنوده من إغلاق للطرق والشوارع والمدارس والمحال التجارية الفلسطينية في المدينة،وفرض قيود مشددة على الوصول الى المدينة المقدسة،بل وعزلها بشكل كلي وشمولي عن محيطها الفلسطيني،ووصل الأمر حد منع الشعائر الدينية في المسجد الأقصى للمسلمين،هذا الأقصى الذي نرى أنه في طريقه إلى التقسيم وفرض سياسة الأمر الواقع فيه،كما جرى سابقاً في الحرم الإبراهيمي الشريف في مدينة الخليل،فالأقصى تكثفت الهجمات والإقتحامات الاستيطانية عليه وله،وهذه الهجمات ليس مصدرها فقط الجمعيات الإستيطانية المتطرفة من أمثال ما يسمى بأمناء جبل الهيكل و"جلعاد وعطروت كوهونيم"،بل أن هناك قرار سياسي وضوء أخضر على أعلى المستويات السياسية،يدعم ويفر مظلة من الحماية والتشجيع والتمويل للقيام بهذه الممارسات،وبالقدر الذي تتقدم فيه هذه الجمعيات بالسيطرة على المزيد من منازل وبيوت السكان العرب في المدينة المقدسة،بالقدر الذي ينالون فيه المزيد من المدح والثناء والدعم والتمويل والمشاركة من مختلف ألوان الطيف السياسي الإسرائيلي،والذي تتسابق أحزابه وبالذات اليمينية واليمينية المتطرفة منها على حضور احتفالات العربدة والزعرنة التي يمارسها هؤلاء المستوطنون ويقومون بها بحق المقدسيين العرب،فعندما سيطر المستوطنون قبل حوالي ثلاثة شهور على منزلي عائلتي حنون وعاوي في منطقة الشيخ جراح والمستهدفة للسيطرة عليها وإقامة حي إستيطاني فيها وطردوا سكانهما العرب إلى رصيف الشارع وفي العراء أقاموا حفلات عربدة وزعرنه بحضور لافت لأعضاء من الكنيست الإسرائيلي ووزرائها،وفي ظل ذروة العربدة التي تمارس بحق المقدسيين والأقصى في عيد مظلتهم،أرادوا هم وقيادتهم السياسية،أن يوصلوا رسالة للطرفين الفلسطيني والعربي،مفادها أنه حتى مقابل التطبيع معكم،ووفق ما يسمى برؤية الرئيس الأمريكي " أوباما" التطبيع مقابل التجميد المؤقت للإستيطان،هذا الرئيس الذي هلل وطبل وزمر له الكثير من جهابذة السياسة والإعلام والفكر العرب،على أنه المنقذ والذي سيأتي لهم"بالزير من البئر" تراجع حتى عن شرطه ورؤيته هذه لصالح الرؤية الإسرائيلية.

الرسالة التي أرادوا إيصالها للفلسطينيين والعرب المذعورين والمهزومين،بأن الاستيطان والتوسع هما المرتكزات الأساسية للدولة،ولا يجرؤ أي إسرائيلي لا كفرد أو ممثل رسمي على القول أو الالتزام بوقف الإستيطان أو الاستمرار فيه.

وفي الوقت الذي يستمر فيه دعاة وقادة نهج التفاوض في الساحتين العربية والفلسطينية بالإعلان ليل نهار عن تمسكهم بالخيار التفاوضي،كخيار وحيد من أجل استعادة الحقوق العربية والفلسطينية،يأتي الجواب من إسرائيل ومن خلال ما تقوم بها جرافاتها وآلياتها وقطعان مستوطنيها،بل وقيادتها السياسية،بالمزيد من الإستيطان وتكثيفه والمصادرات وهدم المنازل،ففي ذروة الإحتفالات بعيد المظلة،وفي الوقت الذي مدت فيه السلطة الفلسطينية طوق النجاة للحكومة الإسرائيلية وقادتها،لمنع محاكمتهم على ما إرتكبوه من جرائم حرب وقتل متعمد للمدنيين،بحق شعبنا الفلسطيني،أثناء الحرب العدوانية التي شنوها على قطاع غزة في كانون أول/ 2008،فبدلاً أن تساعد إسرائيل هذه القيادة،تصر على تعمد إذلالها وتعريتها وإظهارها ليس فقط بالعاجزة،بل والمتآمرة والمتاجرة بمصالح ودماء شعبها،حيث أعلنت إسرائيل عن تدشين ووضع حجر الأساس للمرحلة الثانية لمستوطنة "تسيون زهاف" والتي تشمل إقامة (104 ) وحدات سكنية من مشروع إستيطاني ضخم قوامه (400 ) وحدة سكنية، مقام في قلب بلدة جبل المكبر- جنوب مدينة القدس- وعلى أراض تم الإستيلاء والسيطرة عليها من قبل شركة استثمارية خاصة،بتواطؤ وتسهيلات من ما يسمى بلدية القدس والحكومة الإسرائيلية.

والمسألة لم تعد قصراً على حي من أحياء القدس كالمكبر أو سلوان أو الشيخ جراح وغيرها،بل الإستهداف يطال كل نقطة وحتى ذرة تراب في المدينة المقدسة ووفق خطة ممنهجة ومدروسة وذات رؤى وأبعاد إستراتيجية،يتم رسمها لعشرات السنوات القادمة،فالإحتفال بوضع حجر الأساس للمرحلة الثانية من مستوطنة" تسيون زهاف" في جبل المكبر سبقه الإعلان عن إقامة (104 ) وحدات سكنية إضافية في مشروع مستوطنه "معاليه زيتيم" في قلب حي رأس العامود في سلوان،وأيضاً ترافق ذلك مع تسليم عشرات العائلات الفلسطينية في قرية عناتا شمال شرق القدس إخطارات بمصادرة مئات آلاف الدونمات من أراضيهم لصالح المشاريع الإستيطانية،ناهيك عن وقاحة وتبجح الحركات الاستيطانية المتطرفة من"جلعاد وعطروت كوهونيم" بنشر إعلانات وأنباء عن المنازل الفلسطينية التي تستهدف الإستيلاء عليها في البلدة القديمة من مدينة القدس.

كل هذا يجري والمواقف الفلسطينية والعربية والإسلامية،لا تخرج عن إطار بيانات الشجب والإستنكار وشن هجمات كاسحة من الشعارات و"الهوبرات" الإعلامية والنضالات المتلفزة،وفي أكثر الحالات مسيرة أو مظاهرة إحتجاجية مدجنة هنا وهناك،أو دعاوي على اليهود بالهلاك وعبارات من طراز للبيت رب يحميه .

أو ردات فعل وردود إرتجالية وعاطفية طارئة ومؤقتة،وجهد مبعثر وفردي وجماعي غير مؤطر ومنظم،وغياب كلي لأية خطط وإستراتيجيات للتصدي والمواجهة،بل تلمس هناك حالة من العجز الشمولي على كل المستويات فلسطينيا ًوعربياً وإسلامياً ،وكأن قضية الدفاع عن القدس وعروبتها وهويتها ومقدساتها تخص الفلسطينيين وحدهم دون غيرهم،بل وأبعد من ذلك هناك عربياً وإسلامياً،ليس فقط من يرفض تقديم الدعم والمساندة للفلسطينيين،من أجل تعزيز صمودهم وثباتهم على أرضهم وتصديهم للإجراءات والممارسات الإسرائيلية،بل ويمارس الضغط على الفلسطينيين لتقديم التنازلات في موضوعة القدس وغيرها من حقوق الشعب الفلسطيني.

إن ما يمارس بحق القدس وسكانها على درجة عالية جداً من الخطورة،ويتطلب مواقف وأفعال فلسطينية وعربية واًسلامية نوعية،تتجاوز الروتين والرتابة والكليشهات المكررة والممجوجة من طراز التمسك بمبادرة السلام العربية أو مواصلة المفاوضات العبثية والعقيمة أو رهن الحقوق العربية والفلسطينية للقوى الخارجية مثل أمريكا وأوروبا الغربية،فهذه الدول منحازة إنحيازاً أعمى لإسرائيل وسياساتها،وتبدل مواقفها يعتمد على مدى التبدلات والتغيرات عندنا كعرب،والذين نملك إذا ما توفرت الإرادة السياسية الكثير من أوراق القوة والخيارات،فلدينا ما يكفي من قوى إقتصادية وتجارية ومالية،ناهيك عن شعوب مكبلة طاقاتها وإبداعاتها يكفي إستخدامها وتحريرها في المواجهة،إلى إعادة الوزن والاعتبار الى الأمة العربية والإسلامية،ومن بعدها نصبح قادرين،ليس فقط على إلزام إسرائيل بوقف الاستيطان،بل وإذعانها وإخضاعها للقوانين الدولية واستعادة حقوقنا المغتصبة.

ليست هناك تعليقات: