انطوني ولسن
(بمناسبة مرور 36 سنة على حرب اكتوبر/تشرين اول 1973. رأيت أن أعيد نشر هذا المقال «السادس من اكتوبر، يوم النصر الحزين» الذي سبق نشره في كل من جريدة «المستقبل» اللبنانية التي تصدر في استراليا بتاريخ 4/10/2003، وايضا في جريدة «المصري» المصرية التي تصدر في استراليا بتاريخ 16/10/2003 وقد تضمنه كتاب «المغترب» الجزء الخامس، الذي اصدرته في سدني عام 2004)
مصر منذ ان حكمها آخر فرعون قبل الميلاد بحوالي ثلاثمائة عام، وهي تتقلب بين احضان حكام بعيدين كل البعد عنها وعن حضارتها وعظمتها.
لم يحكم مصر منذ ذلك الوقت مصري، فقد حكمها الاغريقي ثم الروماني ثم العربي.
بعد انتهاء حكم الخلفاء الراشدين وانتقال الحكم الى الدولة الأموية، ثم الدولة العباسية، وبعدها الدولة الفاطمية وبناء جوهر الصقلي لمدينة القاهرة التي اصبحت عاصمة الدولة الجديدة. بعدها تقلب مع اختلاف الدول والحكام من يحكم مصر من الغرباء عنها حتى العصر الحديث وآخر الغرباء كان الملك فاروق.
قامت الثورة، واعتلى حكم مصر ابناء مصر، فماذا حدث لمصر؟ هل تغير الوضع وعادت مصر الى عظمتها، وعاد الشعب المصري يستمتع بالحياة كما كان يأمل ويتمنى؟!!
لا اظن.. فقد سار الحكام الجدد على نفس نهج الحكام السابقين، مع اختلاف واحد انهم من ابناء مصر «ولربما جذورهم ليست مصرية أصيلة» وانما لم يكونوا ولاة يتبعون خليفة أو سلطانا.
هذا الوضع محزن ومخزي في تاريخ مصر، لأننا كنا نأمل أن يتغير وجه مصر التابع الذليل، الى وجه مصر الحضاري القوي والمعبر عن عظمة مصر والشعب المصري.
في كل تلك العهود والعصور لم يكن في مصر جيش وطني بمعنى الوطنية، بل كان الجندي المصري اما جندياً مرتزقاً يتخذ من مهنة الجندية طريقة عيش يعتاش منها وعلى الرغم من اعتماد محمد علي باشا على المصري في تكوين جيش حقق به الكثير من فتوحاته واحلامه بعد ان اطاح بالمماليك. ومع ذلك لم يصل المصري الى الحكم، لأن الولاة والحكام لم يسمحوا له ان يحلم به، فما بالنا بتحقيقه.
قامت الثورة وقوادها رجال حرب وبدأت مصر تفرح فحكامها مصريون وجيشها وطني مصري. دخلنا اول تجربة حرب عام 1956 ولم ننتصر في تلك الحرب. وخدعونا وقالوا لنا انتصرنا على ثلاثة اعداء انجلترا وفرنسا واسرائيل، والحقيقة ان رئيس اميركا ايزنهاور أمر هذه الدول بسحب جيوشها. وكان المستفيد الوحيد في تلك الحرب هي اسرائيل. اسرائيل التي قالوا عنها انهم سيلقون بها في البحر .ها هي بعد تلك الحرب كانت سفنها تعبر من ميناء ايلات وعبر خليج العقبة رافعة العلم الأسرائيلي .
قلنا ان الجيش يحتاج لفترة اطول وخبرة أكثر، فاشترك في حرب اليمن التي لا ناقة له فيها ولا جمل وازدادت ديون مصر من تلك الحرب لما تكبدته مصر من ارواح واموال. وكنا نظن ان حكامنا المصريين دما ولحما قادرون على تحقيق هذا الحلم الذي مر عليه اكثر من ألفي عام. وارتمينا في احضان روسيا واخذنا اسلحة وأعددنا العدة لمواجهة العدو.. الاسرائيلي.. الذي سنلقي به في البحر.
لكن الواقع المرير ان مغنطيسية كرسي الحكم أقوى من احلام أمة. فكانت حرب 1967 التي كان يعد لها موشي ديان منذ عام 1956. وكنا جميعا في مصر بما فيهم الزعيم مجندون لخدمته (موشى ديان) وخدمة دولته الاسرائيلية والنتيجة يعرفها القاصي والداني، الصديق والعدو، ومازلنا نعاني منها حتى الآن.
جاء حاكم آخر وصحح الاوضاع وكوّن جيشاً دفاعياً هجومياً هو حلم مصر وابناء مصر. لأن لا أمان لبلد دون جيش قوي مدرّب على أحدث الاسلحة. وجنوده من أعلى رتبة عسكرية الى الجندي العادي، هم مواطنون يؤمنون بوطن واحد يفدونه بكل غال ونفيس.
دخلت مصر حرب السادس من اكتوبر وانتصرت. وهنا أحب ان اضغط على كلمة انتصرت لأنها الحقيقة ولانها كانت تلك الحرب هي المحك الحقيقي لصلابة وقوة عزيمة هذا الجندي المصري، المقاتل الشجاع.
اكرر دائماً ان قوة مصر في تلك الحرب كان مصدرها التصميم المصري على الأخذ بالثأر من هزيمة 1967، وتلاحم كل قوى الشعب المصري ، مسلمين ومسيحيين ، بل أن الذي قضي على اسطورة خط بارليف الخرافية ، ضابط مصري مسيحي . ووقوف كل العرب الى جانبها.
ونعرف جميعا ما حدث بعد تلك الحرب العظيمة، تخاذل عربي شبيه بنفس التخاذل الحادث مع العراق والشعب العراقي ومع فلسطين والشعب الفلسطيني. مما اضطر الرئيس الراحل انور السادات ان يتصرف بمفرده ويعلن قبول وقف القتال.
وكما نعرف ايضا ان في التاسع عشر من شهر نوفمبر/تشرين الثاني عام 1977 ركب السادات الطائرة متوجها الى اسرائيل والى القدس والتقى كل زعماء اسرائيل والشعب الاسرائيلي، والذي اسفر عن هذه الزيارة توقيع معاهدة الصلح مع اسرائيل في منتجع كامب ديفيد في اميركا عام 1979.
وهنا انقلب يوم النصر العظيم الى يوم النصر الحزين.
ادرك السادات ان الشارع الاسلامي الذي بدأت صحوته على يد آية الله الخميني لن يغفر له فعلته. حاول التحصن باطلاق يد كل الجماعات الاسلامية المتشددة والتي في السجون والمعتقلات واعطاها الضوء الاخضر لارتكاب الجرائم من قتل ونهب وتكفير وكل ما يمكنهم ان يفعلوه، ظانا انه بهذا الفعل يأمن شرهم حتى ولو تألم جزء من شعب مصر لا يمكن تهميشه باي حال من الاحوال وتحت اي ظرف من الظروف. هذا الجزء كما نعلم هم أقباط مصر.. اي مسيحيو مصر الذين ارادوا لهم ان تكون كلمة قبطي مرادفة لكلمة مسيحي بهتاناً وزوراً.
قبل حرب 1967 كنا نسمع نحن الاقباط المسيحيين في مصر من يقولها بشماتة وتشفي بانهم سيقضون على السبت ثم يتحولون الى الاحد. ومعنى هذا واضح جلي.
بعد حرب 1973 واطلاق ايدي تلك الجماعات المتشددة، أصبح اقباط مصر هم الهدف الاساسي لتنفيس تلك الجماعات عما يجيش في صدرها من رغبة في تحويل مصر الى دولة اسلامية تحكم بالشريعة الاسلامية واعتبار اقباط مصر ذميين يخضعون لهم ويجبرونهم على دفع الجزية، وقاموا بجمعها بالهجوم على محال التجار الأقباط وقتلهم والاستيلاء على اموالهم. وبدأت عملية خطف البنات المسيحيات واجبارهن على تغير دينهن الى الاسلام. وفعلوا ذلك ايضا مع الشباب وازداد تضيق الخناق على المسيحيين سواء في الوظيفة او التعليم، وانتشرت المدراس الاسلامية الممولة من الخارج والتي بدأت في اعداد أجيال جديدة من ابناء وبنات مصر لا يدينون باي ولاء لمصر، بل الولاء يجب ان يكون للأمة الاسلامية. ازداد عدد المساجد واصبح كل من يبني عقارا وخصص مكانا للصلاة يعفى من جزء كبير من الضرائب. غير السادات الذي اقسم بان يجعل المسيحيون ماسحي احذية، اقول غير السادات، الدستور واضاف المادة الثانية اليه التي تنص على ان الشريعة الاسلامية هي مصدر التشريعات.
واغتيل السادات في يوم احتفاله بالنصر العظيم.. اغتيل بإيدي من اطلق ايديهم في البلاد. وتحولت مصر الى بلد غريب لم يتعود شعبها ان يراها في هذا الثوب الاسلامي المتشدد وكأن عجلة الزمن قد رجعت الى الوراء.. الى ما قبل عهد محمد علي باشا الغير مصري، والى بداية الاحتلال العربي لمصر ودخول مصر في عصور النهب والسرقة والاضطهادت التي اصبحت علنا الآن وتحت حماية ورعاية الآمن. قتل للمسيحيين كل يوم.. حرق لممتلكاتهم وكنائسهم وأديرتهم ومحاولات متكررة للاستيلاء على اراضي الاديرة. وما زال خطف البنات القصر واجبارهن على الاسلمة مستمر. ولبسنا السواد حزنا وأسفاً على ما آلت اليه احوال مصر. فقد انقلب يوم السادس من اكتوبر/ تشرين اول من يوم نصر عظيم انتظرناه منذ انتهاء حكم آخر الفراعنة المصريين قبل دخول الاسكندر الاكبر البلاد، الى يوم النصر الحزين، والذي ما زال أقباط مصر يعانون منه. ولن تجف دموع اقلامنا الا اذا ساد العدل البلاد وحصل كل مواطن على حقوقه الكاملة واولها الغاء الجزء العلماني من جامعة الازهر والحاقه بجامعات غير دينية وهي من آثار حزن ما قبل 6 أكتوبر 1973.
اما حزن ما بعد ذلك اليوم، فلن تجف دموع اقلامنا إلا عندما يزول الفكر المتشدد من فوق رؤوس ابناء مصر. وتعود المحبة ويسود الأخاء ويتم تغير الدستور والغاء المادة الثانية منه واعطاء حق المواطنة الكاملة لكل المصريين.
أضيف بعد 6 سنوات من كتابة هذا المقال، وجدت ان هذا المقال يعبر تعبيراً صادقاً على كل ما يعنيه هذا العنوان «السادس من اكتوبر، يوم النصر الحزين».
بل لقد ازداد الحزن، لان مصر فقدت جهاز المناعة المعروف انه الجهاز الذي يتصدى لكل الامراض التي تهاجم وتصيب جسم الانسان. فاذا فقد الجسم هذا الجهاز اصبح لا مناعة عنده وموته محتم كما يحدث لمرضى «الايدز».
وأتمنى ان اجد من يخبرني ان هناك عضو في جسد مصر لم يُصب بمرض فقدان المناعة، حتى يخفف من احزان كل مصري محب لمصر.
فهل نجد مصريا في داخل مصر أو خارجها يستطيع اعادة جهاز المناعة إلى قدرته على التصدي والقضاء على كل الفيروسات البشرية التي سببت الخلل في حياة كل المصريين من اول أكبر مسؤؤل الى اصغر مولود حديث؟..
وهل من الممكن ان نجد «كمال اتاتورك، مصريا يمكنه ان يقوم بهذا العمل العظيم حتى يعيد لمصر وللشعب المصري الحياة من جديد؟!!
أملنا كبير في الله...
(بمناسبة مرور 36 سنة على حرب اكتوبر/تشرين اول 1973. رأيت أن أعيد نشر هذا المقال «السادس من اكتوبر، يوم النصر الحزين» الذي سبق نشره في كل من جريدة «المستقبل» اللبنانية التي تصدر في استراليا بتاريخ 4/10/2003، وايضا في جريدة «المصري» المصرية التي تصدر في استراليا بتاريخ 16/10/2003 وقد تضمنه كتاب «المغترب» الجزء الخامس، الذي اصدرته في سدني عام 2004)
مصر منذ ان حكمها آخر فرعون قبل الميلاد بحوالي ثلاثمائة عام، وهي تتقلب بين احضان حكام بعيدين كل البعد عنها وعن حضارتها وعظمتها.
لم يحكم مصر منذ ذلك الوقت مصري، فقد حكمها الاغريقي ثم الروماني ثم العربي.
بعد انتهاء حكم الخلفاء الراشدين وانتقال الحكم الى الدولة الأموية، ثم الدولة العباسية، وبعدها الدولة الفاطمية وبناء جوهر الصقلي لمدينة القاهرة التي اصبحت عاصمة الدولة الجديدة. بعدها تقلب مع اختلاف الدول والحكام من يحكم مصر من الغرباء عنها حتى العصر الحديث وآخر الغرباء كان الملك فاروق.
قامت الثورة، واعتلى حكم مصر ابناء مصر، فماذا حدث لمصر؟ هل تغير الوضع وعادت مصر الى عظمتها، وعاد الشعب المصري يستمتع بالحياة كما كان يأمل ويتمنى؟!!
لا اظن.. فقد سار الحكام الجدد على نفس نهج الحكام السابقين، مع اختلاف واحد انهم من ابناء مصر «ولربما جذورهم ليست مصرية أصيلة» وانما لم يكونوا ولاة يتبعون خليفة أو سلطانا.
هذا الوضع محزن ومخزي في تاريخ مصر، لأننا كنا نأمل أن يتغير وجه مصر التابع الذليل، الى وجه مصر الحضاري القوي والمعبر عن عظمة مصر والشعب المصري.
في كل تلك العهود والعصور لم يكن في مصر جيش وطني بمعنى الوطنية، بل كان الجندي المصري اما جندياً مرتزقاً يتخذ من مهنة الجندية طريقة عيش يعتاش منها وعلى الرغم من اعتماد محمد علي باشا على المصري في تكوين جيش حقق به الكثير من فتوحاته واحلامه بعد ان اطاح بالمماليك. ومع ذلك لم يصل المصري الى الحكم، لأن الولاة والحكام لم يسمحوا له ان يحلم به، فما بالنا بتحقيقه.
قامت الثورة وقوادها رجال حرب وبدأت مصر تفرح فحكامها مصريون وجيشها وطني مصري. دخلنا اول تجربة حرب عام 1956 ولم ننتصر في تلك الحرب. وخدعونا وقالوا لنا انتصرنا على ثلاثة اعداء انجلترا وفرنسا واسرائيل، والحقيقة ان رئيس اميركا ايزنهاور أمر هذه الدول بسحب جيوشها. وكان المستفيد الوحيد في تلك الحرب هي اسرائيل. اسرائيل التي قالوا عنها انهم سيلقون بها في البحر .ها هي بعد تلك الحرب كانت سفنها تعبر من ميناء ايلات وعبر خليج العقبة رافعة العلم الأسرائيلي .
قلنا ان الجيش يحتاج لفترة اطول وخبرة أكثر، فاشترك في حرب اليمن التي لا ناقة له فيها ولا جمل وازدادت ديون مصر من تلك الحرب لما تكبدته مصر من ارواح واموال. وكنا نظن ان حكامنا المصريين دما ولحما قادرون على تحقيق هذا الحلم الذي مر عليه اكثر من ألفي عام. وارتمينا في احضان روسيا واخذنا اسلحة وأعددنا العدة لمواجهة العدو.. الاسرائيلي.. الذي سنلقي به في البحر.
لكن الواقع المرير ان مغنطيسية كرسي الحكم أقوى من احلام أمة. فكانت حرب 1967 التي كان يعد لها موشي ديان منذ عام 1956. وكنا جميعا في مصر بما فيهم الزعيم مجندون لخدمته (موشى ديان) وخدمة دولته الاسرائيلية والنتيجة يعرفها القاصي والداني، الصديق والعدو، ومازلنا نعاني منها حتى الآن.
جاء حاكم آخر وصحح الاوضاع وكوّن جيشاً دفاعياً هجومياً هو حلم مصر وابناء مصر. لأن لا أمان لبلد دون جيش قوي مدرّب على أحدث الاسلحة. وجنوده من أعلى رتبة عسكرية الى الجندي العادي، هم مواطنون يؤمنون بوطن واحد يفدونه بكل غال ونفيس.
دخلت مصر حرب السادس من اكتوبر وانتصرت. وهنا أحب ان اضغط على كلمة انتصرت لأنها الحقيقة ولانها كانت تلك الحرب هي المحك الحقيقي لصلابة وقوة عزيمة هذا الجندي المصري، المقاتل الشجاع.
اكرر دائماً ان قوة مصر في تلك الحرب كان مصدرها التصميم المصري على الأخذ بالثأر من هزيمة 1967، وتلاحم كل قوى الشعب المصري ، مسلمين ومسيحيين ، بل أن الذي قضي على اسطورة خط بارليف الخرافية ، ضابط مصري مسيحي . ووقوف كل العرب الى جانبها.
ونعرف جميعا ما حدث بعد تلك الحرب العظيمة، تخاذل عربي شبيه بنفس التخاذل الحادث مع العراق والشعب العراقي ومع فلسطين والشعب الفلسطيني. مما اضطر الرئيس الراحل انور السادات ان يتصرف بمفرده ويعلن قبول وقف القتال.
وكما نعرف ايضا ان في التاسع عشر من شهر نوفمبر/تشرين الثاني عام 1977 ركب السادات الطائرة متوجها الى اسرائيل والى القدس والتقى كل زعماء اسرائيل والشعب الاسرائيلي، والذي اسفر عن هذه الزيارة توقيع معاهدة الصلح مع اسرائيل في منتجع كامب ديفيد في اميركا عام 1979.
وهنا انقلب يوم النصر العظيم الى يوم النصر الحزين.
ادرك السادات ان الشارع الاسلامي الذي بدأت صحوته على يد آية الله الخميني لن يغفر له فعلته. حاول التحصن باطلاق يد كل الجماعات الاسلامية المتشددة والتي في السجون والمعتقلات واعطاها الضوء الاخضر لارتكاب الجرائم من قتل ونهب وتكفير وكل ما يمكنهم ان يفعلوه، ظانا انه بهذا الفعل يأمن شرهم حتى ولو تألم جزء من شعب مصر لا يمكن تهميشه باي حال من الاحوال وتحت اي ظرف من الظروف. هذا الجزء كما نعلم هم أقباط مصر.. اي مسيحيو مصر الذين ارادوا لهم ان تكون كلمة قبطي مرادفة لكلمة مسيحي بهتاناً وزوراً.
قبل حرب 1967 كنا نسمع نحن الاقباط المسيحيين في مصر من يقولها بشماتة وتشفي بانهم سيقضون على السبت ثم يتحولون الى الاحد. ومعنى هذا واضح جلي.
بعد حرب 1973 واطلاق ايدي تلك الجماعات المتشددة، أصبح اقباط مصر هم الهدف الاساسي لتنفيس تلك الجماعات عما يجيش في صدرها من رغبة في تحويل مصر الى دولة اسلامية تحكم بالشريعة الاسلامية واعتبار اقباط مصر ذميين يخضعون لهم ويجبرونهم على دفع الجزية، وقاموا بجمعها بالهجوم على محال التجار الأقباط وقتلهم والاستيلاء على اموالهم. وبدأت عملية خطف البنات المسيحيات واجبارهن على تغير دينهن الى الاسلام. وفعلوا ذلك ايضا مع الشباب وازداد تضيق الخناق على المسيحيين سواء في الوظيفة او التعليم، وانتشرت المدراس الاسلامية الممولة من الخارج والتي بدأت في اعداد أجيال جديدة من ابناء وبنات مصر لا يدينون باي ولاء لمصر، بل الولاء يجب ان يكون للأمة الاسلامية. ازداد عدد المساجد واصبح كل من يبني عقارا وخصص مكانا للصلاة يعفى من جزء كبير من الضرائب. غير السادات الذي اقسم بان يجعل المسيحيون ماسحي احذية، اقول غير السادات، الدستور واضاف المادة الثانية اليه التي تنص على ان الشريعة الاسلامية هي مصدر التشريعات.
واغتيل السادات في يوم احتفاله بالنصر العظيم.. اغتيل بإيدي من اطلق ايديهم في البلاد. وتحولت مصر الى بلد غريب لم يتعود شعبها ان يراها في هذا الثوب الاسلامي المتشدد وكأن عجلة الزمن قد رجعت الى الوراء.. الى ما قبل عهد محمد علي باشا الغير مصري، والى بداية الاحتلال العربي لمصر ودخول مصر في عصور النهب والسرقة والاضطهادت التي اصبحت علنا الآن وتحت حماية ورعاية الآمن. قتل للمسيحيين كل يوم.. حرق لممتلكاتهم وكنائسهم وأديرتهم ومحاولات متكررة للاستيلاء على اراضي الاديرة. وما زال خطف البنات القصر واجبارهن على الاسلمة مستمر. ولبسنا السواد حزنا وأسفاً على ما آلت اليه احوال مصر. فقد انقلب يوم السادس من اكتوبر/ تشرين اول من يوم نصر عظيم انتظرناه منذ انتهاء حكم آخر الفراعنة المصريين قبل دخول الاسكندر الاكبر البلاد، الى يوم النصر الحزين، والذي ما زال أقباط مصر يعانون منه. ولن تجف دموع اقلامنا الا اذا ساد العدل البلاد وحصل كل مواطن على حقوقه الكاملة واولها الغاء الجزء العلماني من جامعة الازهر والحاقه بجامعات غير دينية وهي من آثار حزن ما قبل 6 أكتوبر 1973.
اما حزن ما بعد ذلك اليوم، فلن تجف دموع اقلامنا إلا عندما يزول الفكر المتشدد من فوق رؤوس ابناء مصر. وتعود المحبة ويسود الأخاء ويتم تغير الدستور والغاء المادة الثانية منه واعطاء حق المواطنة الكاملة لكل المصريين.
أضيف بعد 6 سنوات من كتابة هذا المقال، وجدت ان هذا المقال يعبر تعبيراً صادقاً على كل ما يعنيه هذا العنوان «السادس من اكتوبر، يوم النصر الحزين».
بل لقد ازداد الحزن، لان مصر فقدت جهاز المناعة المعروف انه الجهاز الذي يتصدى لكل الامراض التي تهاجم وتصيب جسم الانسان. فاذا فقد الجسم هذا الجهاز اصبح لا مناعة عنده وموته محتم كما يحدث لمرضى «الايدز».
وأتمنى ان اجد من يخبرني ان هناك عضو في جسد مصر لم يُصب بمرض فقدان المناعة، حتى يخفف من احزان كل مصري محب لمصر.
فهل نجد مصريا في داخل مصر أو خارجها يستطيع اعادة جهاز المناعة إلى قدرته على التصدي والقضاء على كل الفيروسات البشرية التي سببت الخلل في حياة كل المصريين من اول أكبر مسؤؤل الى اصغر مولود حديث؟..
وهل من الممكن ان نجد «كمال اتاتورك، مصريا يمكنه ان يقوم بهذا العمل العظيم حتى يعيد لمصر وللشعب المصري الحياة من جديد؟!!
أملنا كبير في الله...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق