هيثم البوسعيدي
لا يختلف اثنين على مكانة القدس في كل الأديان وخصوصا في الديانة الأسلامية بكونها أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين والمكان الرئيس لوقوع حادثة الأسراء والمعراج، ولا يخفى على الجميع أن كتب المسلمين صدحت بالحديث عن أهمية هذه المدينة العظيمة التي تحتوي بين جنباتها الحكايات والقصص عن عهود السلام وأخبار الحروب.
حتى وقعت في نهاية المطاف في أحضان اليهود وأصبح العرب كالغرباء في هذه المدينة، أعقب ذلك حدوث سلسلة من التغييرات الجذرية والأحداث الصعبة في الستين سنة الماضية، أبرزها تخلي الأنظمة العربية تدريجيا عن قضية القدس وانسحاب فكرة أهمية القدس من أوليات المجتمع العربي مما ترتب عليه تراجع الأرتباط القوي بهذه المدينة في وجدان وذهنية الفرد العربي من المحيط إلى الخليج.
وتمثلت محنة القدس في الأحتلال الذي يسعى بكل ما يملك من أسلحة لمحو كل ما هو عربي، وتعمل دولته بكامل أجهزتها على بناء مدينة يهودية خالصة، أما القضية الأهم فهي غياب الإحساس بأهمية القدس حيث ساهمت جميع النخب الحاكمة في الوطن العربي بهذا الإتجاه من خلال الإهمال واللامبالاة لما يحدث من تدمير لتاريخ وهوية المدينة، مما انعكس سلبا على واقع الإنسان العربي الذي انكفأ على ذاته لينشغل بقضايا آخرى كالصراع على لقمة العيش والصراع من أجل الفوز بحرية الكلمة ومقاومة الحملات التي تسعى لهدم الروابط الإجتماعية والثقافية وتوجه الفرد العربي نحو الجري وراء كل أنواع اللهو والفساد والإنحلال، كما إن حدوث قضايا آخرى على الساحة مثل مأساة إحتلال العراق زاد الطين بلة، رافق ذلك تراجع غير مبرر من جهة المثقفين والمتعلمين ورجال الإصلاح في العالم العربي عن القيام بأدوارهم الفعالة في ترسيخ مكانة القدس في النفس والذاكرة العربية.
عندئذ أصبحت الحقيقة مرة لأن الواقع يشير إلى إنكماش الآلام القدس في كتابات الأدباء وقصائد الشعراء، وغياب القضية عن وسائل الإعلام العربية لتنفتح أبواب القنوات الفضائية أمام أغاني الساقطات وتفاهة المسلسلات التركية، بل لا نجد جهد سينمائي واضح يستثير في ذواتنا هموم الأقصى والإنسان المقدسي مقابل كذبة الهوليكوست وخزعبلات هوليود.
أين القدس؟؟؟؟ طمست قضيتها وحذفت من خطب العلماء وحرفت من شعارات السياسين وطردت من مناهج التعليم، وكل ذلك حتى لا يدرك الطفل والشاب واقع القدس الصعب وحجم الغصة ومقدار الصرخة وحرارة الوجع المقدسي الذي ينتظر بفارغ الصبر ضوء جديد يبشر بعهد الخلاص من جور الظلم والطغيان، إضافة إلى ذلك فإن صعوبة زيارة القدس وقفل الأبواب في وجه كل عربي عاشق لتراب بوابة السماء بسبب غطرسة وغرور الإحتلال اليهودي سيؤدي تدريجيا إلى تناقص الإرتباط الوجداني بالقدس لدى الفرد العربي عند مقارنته بقدرة الفرد على زيارة الأماكن المقدسة في السعودية أو العتبات في العراق.
أخيرا للأسف ضاعت القدس مثلما ضاعت أشياء كثيرة من بين أيدينا، لذا فإن نفوسنا تحتاج لصرخة قوية وهزة مؤثرة، تطال كل شئ وتسعى لتغيير كبير وإصلاح شامل يقرع قلوب الحكام والمحكومين ويستنهض عقول المعلمين والمتعلمين حتى نستطيع إستعادة أشياء كثيرة سلبت منا طوعا أو كرها ومن ضمنها مكانة القدس في قلوبنا، أو إننا سنبقى على هذا الحال لننتظر ما هو أفظع من إحتلال القدس حتى نستفيق من سباتنا العميق ونشهد الخيبة الأكبر وهي هدم المسجد الاقصى: فهل نترك القدس تغرق في بحر الاحزان؟ هل سنسمح بسرقة القدس من قلوبنا مثلما سرقت من بين أيدينا؟ ومن هو القادر على أحياء القدس في قلوبنا المخضبة بالأمراض؟
الخميس، مايو 21، 2009
القدس في وجدان الإنسان العربي
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق