السبت، مايو 02، 2009

تحديات الأمة العربية و خياراتها



حسن راضي

لكل امة خصوصياتها تتميز بها عن الأمم و الشعوب الأخرى, تتكامل تلك الخصوصيات عبر المسيرة الفكرية و الثقافية والصيرورة التاريخية و عبر تراكم التجارب في الأحداث و المواجهات التي تخوضها في كل مرحلة من محطاتها التاريخية. كما لكل الأمم و الشعوب تحديات و خيارات في كل العصور و تواجه بعض الأمم تحديات كبرى في مرحلة معينة من مسيرتها التاريخية, حيث تلك التحديات بمثابة امتحان حقيقي لكيانها و لمقوماتها.

تمر الأمة العربية بتحديات كبرى في المرحلة الراهنة و في المرحلة المقبلة, تعاظمت عليها من جوانب مختلفة و في شتى المجالات, و من اجل أن نسلط الضوء قدر المستطاع على هموم امتنا العربية و تحدياتها يجب معرفتها أولا و كيفية التعامل معها ثانيا من اجل العبور إلى المرحلة المقبلة بسلام و دون تعثر.

تحديات الأمة العربية في المجال السياسي:

1- الاحتلالات و التمدد

اكبر تحدي يواجه امتنا العربية في الوقت الراهن و المستقبل هو الاحتلالات لأقسام كبيرة من الوطن العربي و من أطراف عديدة و في مناطق مختلفة من الوطن العربي الكبير. مثل الأحواز العربية, جزيرة أبو موسى, الطنب الكبرى و الصغرى, فلسطين, الجولان, مزارع شبعة, لواء اسكندرونة و كيليكية , سبتة و مليلية, و أخيرا العراق.

2- التمدد و التدخل

يعاني الوطن العربي من التمدد و التدخل و التوغل في مؤسساته السياسية, العسكرية, الأمنية و الثقافية مما جعل الوطن العربي ممزقا و مسرحا للتدخلات الأجنبية لصالح مشاريع دولية و إقليمية على حساب امن و سلامة و حقوق المواطنين. هنالك جهات و أطراف دولية و إقليمية لها مشاريعها من وراءا هذا التدخل و التمدد حيث إضافة على زعزعة الأمن و سلامة الدول و المجتمعات العربية, هدفه إضعاف تلك الدول مقدمة لاحتلالها و اجتياحها مثل ما تعمل إيران في العديد من الدول العربية مثل العراق و لبنان.

3- المشروع التوسعي الإيراني (الفارسي)

كل امة تمر بمراحل ضعف و قوة و الأمة العربية كانت لعدة قرون أقوى الأمم حيث فرضت سيطرتها على معظم بقاع الأرض. و لأسباب عدة أصبحت الأمة العربية اليوم من اضعف الأمم. و نتيجة لهذا الضعف أصبح الوطن العربي يرثى عليه و ارض خصبة لمشاريع عدائية تستهدف الأمة العربية و كيانها. لا شك إن من أهم المشاريع التي استهدفت الوطن العربي بشكل مباشر هو المشروع الفارسي. و احتلال الأحواز كان بداية و انطلاقة لذلك المشروع نحو الوطن العربي. المشروع الفارسي هو اخطر مشروع و اكبر تحدي يواجه العرب اجمع, حيث إيران لم تكتفي باحتلال الأحواز فحسب بل احتلت جزر الأمارات العربية الثلاث (طنب الكبرى و الصغرى و أبو موسى) و بعد ذلك حاولت جاهدة أن تحتل العراق بحربها التي فرضتها على العراق منذ عام 1980 حتى عام 1988. الدولة الفارسية تحاول بشتى الطرق أن تنفذ مشروعها التوسعي نحو الوطن العربي و على حساب أمنه و سلامة أراضيه.

4- التجزئة و الانقسامات العربية:

على ما يبدو سياسة "فرق تسد" التي استخدمتها جهات متعددة ضد الوطن العربي نجحت في تقسيم الوطن و الشعب الواحد. من أهم التحديات التي لها الأثر السلبي على امتنا العربية هو تجزئة الوطن العربي الواحد إلى اثنين و عشرين قطر, بتوجهات سياسية مختلفة و هذا الأمر على ما يبدو في ظل تكريس الأقطار العربية لواقعهم و البحث عن هوية و خصوصيات تفصلهم عن الآخر ( أشقاءهم العرب في الأقطار المجاورة) أمر خطير على الأمة العربية حيث مرشحة إلى انقسامات أكثر في ظل التدخل الأجنبي من اجل تجزئة المجزأ, ناهيك عن الخلافات العربية العربية التي جعلت الأمة الواحدة و الشعب الواحد منقسم على نفسه و متصارع مع شقيقة, لمصالح ثانوية و ضيقة مما جعل الوطن العربي ارض خصبة لتنفيذ مشاريع معادية لشعب العربي و لأجياله القادمة.

5- الديكتاتوريات و غياب الديمقراطية

تغيب في عالمنا العربي سلطة الشعب أي الديمقراطية الحقيقة عبر المؤسسات المنتخبة, حيث معظم الحكام جاءوا على السلطة عبر انقلابات عسكرية في منتصف القرن الماضي و استورث أولادهم الكرسي بعدهم و من المعروف في ظل هكذا حكم الذي الهم الوحيد لدى معظم الحكام هو كيفية البقاء في السلطة عبر تغير الدستور أو عبر مبررات أخرى. ألغيت معظم المؤسسات المدنية أو لم تسمح لها بالعمل بالحكم الطوارئ و بذرائع وطنية و قومية. قمعت مطالب الشعب مثل الحريات الفردية و حق الرأي و التعبير باتهام العمل لصالح العدو, تنتهك أبسط حقوق الإنسان في بعض الأقطار العربية في ظل إدارة الأقطار من قبل جهاز الاستخبارات و التحكم بمعظم المؤسسات إن وجدت.

6- غياب المشروع النهضوي الوحدوي التحرري:

في ظل الوضع العربي الراهن و ما وصلت إليه الأمور من ضعف و تشتت و احتلالات واسعة و الخمود في الوضع العام, أصبح المشروع الوحدوي التحرري من أهم الواجبات و الأولويات للأمة العربية, حيث بغيابه تبقى الأمة أسيرة, ضعيفة و هي تتجه نحو الأضعف و الأسوأ. و النهوض بالمشروع التحرري الوحدوي هو السبيل الوحيد و الحقيقي الذي يصل الأمة إلى عزتها و كرامتها المهدورتان من كل صوب.

في المجال الاقتصادي:

1-المياه:

في نظر معظم المحللين السياسيين و الخبراء الاستراتيجيين بان الحرب المقبلة ستكون حرب المياه من خلال السيطرة على منابعها و التحكم بها, خاصة معظم الدول العربية مصادر مياهها في الدول الجوار خاصة تلك التي لها مشاريع توسعية و احتلالية في الوطن العربي. أو تحاول أن يكون لها دور إقليمي في المنطقة على حساب العرب ,مثل إيران و إسرائيل و تركية, من هنا يأتي أهمية السيطرة على الهضبات المرتفعة من الوطن العربي خاصة تلك التي تحتوي على منابع المياه. بعد نفاذ البترول في الوطن العربي سيكون من اكبر التحديات التي تواجه الوطن العربي في المجال الاقتصادي هو المياه.

2-التكنولوجيا:

تطورت كثير من دول العالم تطورا ملحوظا في كافة المجالات العلمية, بما فيها دول العالم الثالث رغم الفقر الاقتصادي و فقدان الثروات الطبيعية الموجودة في العالم العربي, و حصلت تلك الدول على أنواع التكنولوجيا بما فيه التكنولوجيا النووية. وطورت اقتصادها بالاتكاء على النفس و استثمار الثروات و الإمكانيات المتوفرة لها و من حولها.

بقت معظم الدول العربية بعيدة عن التكنولوجيا الحديثة و لم تنتج كثير من الاحتياجات الضرورية في كثير من المستويات حيث أصبح المجتمع العربي مجتمعا استهلاكيا, يستورد البضاعة و التكنولوجيا بدل إنتاجها. و في ظل هكذا وضع و في ظل العولمة و التقنية الحديثة و الثورة التكنولوجيا يواجه العالم العربي تحدي كبير في المراحل المقبلة, خاصة إن لن تهتم الدول العربية بهذا الأمر و تعطي الأولوية الكبيرة للعلم و للعقول العربية و توفير الإمكانيات لهم من خلال بناء نظام تعليمي متكامل.

3- الفقر:

تقع كثير من الدول العربية في مرتبة متأخرة من حيث التنمية البشرية خاصة تلك الدول ذات الثقل السكاني مثل مصر و الجزائر و السودان و اليمن و المغرب. وصلت نسبة الفقر في الدول العربية حسب التقارير للأمم المتحدة من 20% في بعض الدول حتى تصل إلى 60% في بعض الآخر.

في مجال الاجتماعي و الثقافي:

1- التخلف الفكري:

تعاني أقسام كبيرة من مجتمعاتنا في الوطن العربي من أمراض خطيرة نتيجة لعادات و تقاليد قبلية و كذلك بعض العادات و الرسوبات الناتجة من الفهم الخاطئ من الدين أو الدخيلة على ثقافتنا باسم الدين و هي بعيدة كل البعد عن الدين الحقيقي. مثل ما دخلت بعض المفاهيم و الممارسات السلبية من قبل الصفويين على الطائفة الشيعية.

تضررت أطياف كبيرة من مجتمعنا من تلك الأفكار و الرسوبات المتخلفة و عرقلت تطوره و مواكبة العالم المتحضر. و ربما أكثر الأطياف المتضررة من هذا و ذاك, المرأة العربية التي تشكل نصف المجتمع حيث حرمت من كثير من حقوقها السياسية و الاجتماعية نتيجة للنظرة الدونية التي ينظر إليها الرجل المسيطر على كل شيء , مما عكس اثر سلبي على ثقافة و تعليم الرجل نفسه, حيث بحرمان المرأة من حقوقها و تقييد ميدان حركتها, أخفقها في تقديم جيل متعلم نساءا و رجالا.

2- العولمة والتكتلات:

العولمة مصطلح و مفهوم غربي يحمل معاني سياسية, اقتصادية و ثقافية. الهدف الاقتصادي هو فتح الأسواق عبر إزالة الحدود و الإعاقات. و المعنى السياسي هو فرض القيم و المبادئ الغربية و الوصول إلى أهداف تجعل الدول الأخرى تبع لسياساتهم و منفذ لمخططاتهم. و الهدف الاجتماعي و الثقافي هو ذوبان الهوية و الثقافة بكل ما تمتلك من موروث و فرض القيم و المبادئ الغربية على المجتمعات الأخرى. و إزالة الحدود أمام السوق و الثقافة المستوردة التي تهدف إلى تمزيق المجتمع من جذوره التاريخية, حيث يصبح ساحة مفتوحة لكل ما تشاء التكتلات الاقتصادية.

العالم اليوم يتجه نحو التكتلات الاقتصادية و السياسية و غيرها و الوطن العربي يتجه نحو التشتت و التفرقة و الخلافات. ارويا أصبحت كتلة سياسية, اقتصادية و عسكرية واحدة تضم 27 دولة و هي تتوسع. إفريقيا أيضا بدئت المشوار منذ سنين و الدول الأسيوية و أميركا كلها حسمت أمرها و بدئت منذ سنين في التكتل الاقتصادي و السياسي و العسكري, لكن الوطن العربي الواحد بدل الوحدة المصيرية يأخذ بالتشتت و الانقسامات و التجزئة.

فهل تستطيع الأمة العربية مواجهة تلك التحديات الكبار في كل المجالات؟ و ما السبيل أو السبل المناسبة لذلك؟ هذا السؤال المهم يبحث عن أجوبة, فطالما عرفنا تحدياتنا و مشاكلنا و أعداءنا فهذا بالتأكيد سيساعدنا على طرق معالجتها أو مواجهتا؟ لكن المعرفة وحدها لا تكفي من غير البدء في التفكير بالحلول و العمل لانجازها.

ahwazi5@hotmail.com


ليست هناك تعليقات: