أحمد زكارنة
تشير أنماط السلوك في مجتمعاتنا العربية المعاصرة ، إلى أن تلك المجتمعات تعيش حالة سلوكية شاذة ثقافياً وحضارياً وسياسياً ، مبعثها الأساس حالة اللاوعي الجماعي المسيطرة ، بفعل ممارسة الساسة لعبة الصياغات المتناقضة ، وكأنهم يوقعون عقوداً شرعية لعلاقات غير شرعية ، ما دفع - ولا يزال - غالبية تلك المجتمعات إلى ارتداء الأقنعة الواقية للحفاظ على ما تبقى لها من آدمية أمام بطش وسطوة النظم الصارمة .
وبالنظر للحالة الفلسطينية ، يلحظ المرء حالة استكانة مركبة تنتاب المجتمع الفلسطيني خاصة والعربي عامة ، إحداها حيال الممارسات الاحتلالية التي تجاوزت كل الحدود ، خاصة فيما يخص المقدسات .. وأخرى حيال انتفاض مفهوم الحزبية التي دخلت في معركة حياة أو موت ، عادة ما تتسم بتوقف الإحساس الإنساني ، وتجمد الفعل الجماعي ، لصالح دعم ركائز الأنا الأنانية .
والأمر ليس بحاجة لذكاء خارق كي ندرك أن ما وصلنا إليه ليس محض صدفة عشوائية وتخبط من الآخر ، وإنما هو نتاج خطط شيطانية لا تكللها إلا صراعات إقليمية وفئوية .. ودلائل ذلك الواقع الأليم حقائق دامغة ، خميرتها آلاف من الشهداء والجرحى والمشردين ، في فلسطين والعراق ولبنان ، وكأننا نحيا بين شقي الرحى وتروس المفرمة .
المعنى والدلالة فيما ذكر لا يعدو سوى مقدمات لمصير ليس بمجهول ، ينتظرنا إنْ لم نعِ خطورة وتحديات قادم الأيام ، والأمر لا يرتبط فقط بالمفاهيم العسكرية الاحتلالية ، قدر ارتباطه بالمخاطر التي تتهدد العرب ثقافياً وحضارياً ، ومنهجية تعاطينا مع هذه المخاطر .
كل ما نخشى أن يستمر قادتنا في ركوب صهوة العناد .. والعناد بحسب ما نؤمن ويرفع البعض منا شعبة من شعب الكفر .. ولسان الحال الذي عادة ما يكون أصدق من المقال يشير إلى الوجه الآخر من الهزيمة ، حيث نعيد جماعة وفرادة انتاج صراع العبيد في روما القديمة ، التي كان العبدان فيها يقتتلان حتى الموت ، ليموت أحدهما في المبارزة ، ويلحق به الآخر على يد جنود الرومان أنفسهم بعد دقيقة واحدة ، دون أن يفكر أحدهما في المصير المنتظر، والذي يثبت أن لا فرق بين القاتل والقتيل سوى دقيقة واحدة.
نعم الكل يتفق أن السياسة لا تلتقي والأخلاق في أية نقطة كانت .. كما الحق والباطل ، الشر والخير .. ولكن ما يثير الدهشة حقاً ، أن حواراتنا الداخلية سواء على الساحة الفلسطينية أو العربية ، باتت تستوطن مساحات التوتر بين الوسيلة والغاية ، وكأن روادها يعيشون خارج نطاق التغطية ، أو - بمعنى أدق - بعيداً عن متطلبات المرحلة التي يمر بها الواقع العربي عامة والفلسطيني خاصة، بذات المسافة التي تبعدهم عن التفكير ولو للحظة واحدة في المصير المشترك.
وبالنظر - على سبيل المثال لا الحصر - إلى الحوار الفلسطيني بكل تداعياته وارتباطاته العضوية بدول الإقليم ، دون الولوج إلى قضية التفاؤل والتشاؤم وسائر الثنائيات ، نرى كم سيطرت الحزبية على المتحاورين ليصبح الصراع بحثاً عن سلطة لا عن وطن في واحدة من أبرز تجليات عبقرية الانقسام .. بينما تدلل كل المعطيات أننا بحاجة للتوحد مع الذات وليس تقاسم البلاد والعباد .
إن خصوصية الحالة العربية الراهنة لا تستقيم ومنطق القوة ، وإنما وقوة المنطق .. الأمر الذي لا يسمح لأي كان الادعاء بأن أفكاره تملك ما هو مطلق وثابت .. أو أن يلعب البعض منا دور حراس الفضيلة .. فلقد تعب البحر من بلع قواربنا الورقية ، كما مل الشعب الانتظار على أرصفة الصحوة ، فشعاب البحر وملح الأرض ، باتا يصرخان : كفاكم تسابقاً نحو لعنة المصير ، حيث ينبئنا التاريخ بما لا يدع مجالاً للتأويل أن عدم توحدنا يعني سقوطنا من أعلى منصة الضوء إلى خشبة مسرح لا يرتاده المبصرون .
أوليست المغالاة والتشدد في المواقف طعن للوحدة ولعنة لنا ولها؟؟ أوليس سلب الوعي وتكميم الأفواه لعنة مركّبة ؟؟ أوليس التفسخ السياسي والضياع الثقافي وصفة مجربة للعنة المصير؟؟؟
الخميس، مايو 21، 2009
خارج النص ـ لعنة المصير
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق