عطا مناع
قبل عشرة أيام أفاقت حارة الولجية في مخيم الدهيشة "نسبة لقرية الولجه المهجرة" على وضع خاص، وكالعدة ذهب الناس إلى أعمالهم، وتوجه طلاب المدارس إلى مدارسهم بعد أن تناولوا ما توفر لهم في هذا الزمن الصعب.
الحياة في الحارة اختلفت بعض الشيء، فطعم الأشياء اختلف، ولونها أيضا، استمر هذا الوضع لأربعة أيام لم يصدق سكان الحارة خلالها أن أجسادهم تلوث بمياه المجاري، وبالفعل توجه بعضهم إلى مدير المخيم التابع لوكالة الغوث وتشغيل اللاجئين ووضعوه في صورة مشكلتهم التي لا يعرفوا أسبابها، السيد مدير المخيم اتصل بالسيد مدير سلطة المياة في المحافظة، وبدأت التحركات.
لم تعلن حالة الطوارىء،ولم تنتشر الطواقم الصحية لإجراء فحوصات للناس، ولكن المدير قام بإبلاغ سلطة المياة بالوضع المأساوي، مدير السلطة حرك الطواقم الفنية، ولمساؤ الصدف كنا على أبواب يوم الجمعة، وسلطة المياة تعطل يوم الجمعة والسبت.
أخذت العينات واتضحت الصورة الواضحة بالعين المجردة، وبدأت الأجراآت، يوم الأحد تحركت الطواقم الفنية بشكل فعلي ، ولكن الحبر الأعظم بندتكس السادس عشر في البلد يوم الثلاثاء.
على كل حال مشكورة طواقم سلطة المياة الفنية على جهودها، لا أريد أن أقول واجبها، فالواجب بالنسبة لهم لا ينطبق على اللحم المكدس في المخيم، هؤلاء الدخلاء الذين يمدون الوصلات غير الشرعية، وحتى لا أتجنى عليهم كما جاء على لسان السيد مدير سلطة المياة والمجاري الذي قال أن الوضع مستتب وان المعالجة تجري على قدم وساق، لكنة لا يعرف ان هل مكة أدرى بشعابها، فاليوم بالذات ، أي بعد مرور12 يوما على ألازمة، انتشرت طواقم وكالة الغوث في المخيم بعد أن تنامى إلى مسامعهم احتمال وجود تلوث في حارات أخرى، وهذا يعنى أن المشكلة قد تتفاقم.
ما أريد أن أوضحه لكم أيها السادة أن شبكة المجاري في مخيم الدهيشة أنشئت عام 1985 وبسبب انقطاع المياة الدائم على المواطنين ضربت هذه الشبكة، اقسم لكم أن بعض العائلات لم تصلها المياة من ثلاث سنوات، واقسم لكم أن خزانات المياة في المخيم هي المشهد السائد، واقسم لكم أن سمعت مباشرة من احد المسئولين كلمات تحمل السكان مسئولية هذه الكارثة.
أنا أريد أن اذكر في وقت لا تنفع فيه الذكرى أننا في مثل هذه الأيام هجرنا من قرانا، كان ذلك قبل 61 عاما، وأريد أن أقول بصوت عال أن جدي وجدك وأبي وأباك هجر قسرا من قريته، هجروا وعاشوا حياة قاسية بنهاية سعيد بالنسبة لهم إلا وهي الموت والخلاص من قرف الحياة التي لم ترحمهم، ولهذه المرحلة كلام آخر.
لكن الموت يأتيك من حيث لا تدري وبأشكال مختلفة، يأتيك على شكل مأساة بان تعيش قهرك صامتا منزويا مقتنعا بما قسمة اللة لك، ويأتيك كملهاة بان تحارب على جبهة المياة الملوثة بالمجاري، والطامة الكبرى مطلوب منك أن تصمت وتنتظر الحل من عند أصحاب الحل والربط الذين يقتحمون عالمك ويغادروه حاملين معهم وعودهم التي نتمنى أن ترى النور.
في مثل هذه الأيام كانت أمهاتنا في المخيمات يسرن على أقدامهن عده كيلو مترات لإحضار تنكة المياة والحطب، وفي مثل هذه الأيام اشتبكنا مع الحياة ولقمة العيش والمخيم، وفي كل عام كنا نخرج للشارع لنقول نحن هنا، كان لنا قيادات لا تخاف قول كلمة الحق، واليوم تقوقعت القيادات وأصبحت أسيره مصالحها، واليوم تأتي الذكرى أل 61 على الشعب الفلسطيني كباقي الأيام، اللهم أننا أصبحنا نطبع قبعات النكبة وبلايزها في الصين، شو الغلط التوفير مطلوب، اليوم علينا الاعتراف أننا تحولنا لبقرة حلوب تتكالب علينا المصالح، دعونا من الشعارات المضللة، أنهم يتعاملون معنا مثل خيل الحكومة، التي يفترض بها أن لا ترى ولا تسمع ولا تتكلم رغم عظم أثقالها، لكنهم يتناسون إنهم يناطحون التاريخ الذي فرض علينا العام ان تكون نكبتنا بطعم المجاري، لكن هذا الطعم لن يدوم، فنكبتنا تحمل رائحة من غادرونا وهم مشتاقين للزعتر.
كاتب صحفي يسكن في مخيم الدهيشة
الأحد، مايو 17، 2009
مخيم الدهيشة: نكبة بطعم المجاري
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق