خضر خلف
لكي نعرف خلف ماذا نسعى ونركض ونهرول، وجب علينا - وينبغي لنا وعلينا- أن نعرف ما هو الذي سوف نحققه، وكذلك وجب لنا معرفة حقائق ما يدافع عنه هذا الطرف أو ذاك، وأن يكون لدينا الوعي والحس الوطني المسئول، وألا نكون بعيدين كل البعد عن الحق حتى تتجلى لنا الحقيقة تماماً، وبالوقت نفسه ألا نكون متجاهلين لواقعنا السياسي الهزيل، لأن الحق في قضيتنا وأهدافنا كعرب ومسلمين هو الشيء الذي لا يختلف عليه اثنان وهو حق ثابت ولن يتصف في يوم من الأيام بالباطل. والواقع الذي فرض علينا كأمة عربية في المنطقة وفرض وجوده فرضاً هو الباطل الحقيقي بحد ذاته. وللأسف أن بعض العرب أصبحوا يؤمنون بهذا الباطل ويدعون بأنه لا بد من التعاطي معه إلى أن ينتهي الصراع في المنطقة، مبتعدين من خلال ذلك عن الحقيقة التي تقول بأنه لا يضيع حق وراءه مطالب، إلا إذا تسبب أهل الحق نفسه في فقدانه وضياعه عن طريق التخلي عنه. والأنظمة العربية المسماة بالمعتدلة لها أسسها وبرامجها في تغيير الحقائق وجعل هذه الأسس والبرامج والاجتهادات ذات طابع الفرض والإلزام في صياغة واقع معكوس مرير، بانسجامها مع القرارات والمقررات التي تفرض على الأمة رغم أنها الباطل في عينه، ومبتعدة كل البعد عن الانسجام مع متطلبات الوضع العربي ومتطلبات القضية الفلسطينية، منطلقة بذلك باستخدام التعبير اللفظي وأساليب التدليس والتلبيس مدعية بذلك تحقيق واسترداد الحق الذي كانت هي سبب ضياعه. وها نحن اليوم نصدم من جديد بما تريده أمريكا والغرب والصهاينة من العرب والمسلمين ألا وهو أن يعترفوا بـ(إسرائيل) وأن يتم التطبيع معها من أجل أن يساعد هذا الأمر في التكرم علينا بإعادة عملية السلام المنشود!
هل لدى الأنظمة الحس والوعي والشعور، ألم يشعروا بعد أن هذا هو بحد ذاته رد على اجتهادهم واستمرارية تفريطهم وتنازلاتهم وتمسكهم بما يسمى مبادرتهم للسلام وتشكيل الرباعية العربية المروجة له؟ وأن هذا التوجه والتصريح العلني جاء ليخرج حكومة نتنياهو من مأزقها وخرجوا لهم بهذا وتعاد الكره باستهزاء والسخرية الدولية من الأنظمة العربية، وبالتحدّي والاستهتار "الإسرائيلي"؟ وبقي أن ننتظر الاعتداء والقمع وقتل الفلسطينيين على أيدي هذه الحكومة الجديدة، لأنه هكذا كانت بداية كل تحول جديد يدفع فاتورة حسابها الفلسطينيون بدمائهم وممتلكاتهم وباحتلال ومصادرة ما تبقى من أراضيهم.
لقد أصبح الإنسان العربي "المسلم والمسيحي" على امتداد الوطن العربي مدركاً لواقع قادة الأنظمة العربية، فهل القادة أصبحوا إلى هذه الدرجة من الغباء وعدم التمييز وأصبحوا مستسلمين لأي قرار على حساب عروبتهم وأوطانهم وشعوبهم، وهل جندوا أنفسهم في تضليل شعوبهم؟ إذا تكلم الأحرار والشرفاء وإذا تكلمت الصحافة والفضائيات وكشفوا للشعوب وانتقدوا الوضع القائم وأظهروا الحقائق وكشفوا عن المستور يقولون عنهم: يشكلون تهديداً للأمن القومي في تحريض الشعوب على هذا النظام أو ذاك النظام، لأنهم رفضوا أن يغزلوا في مغازل أولئك، ورفضوا قبول ما قبلت به تلك الأنظمة لنفسها من تنازل أو تفريط. لقد أصبح وضع قادتنا وهمهم أن يصنعوا التحالفات على حساب قضايا المنطقة وشعوبها بجديد من التنازلات بما يتناسب مع سياسات الإدارة الأمريكية وما تسمى بالأسرة الدولية.
وإذا رفض نظام من الأنظمة العربية أن ينضم لهذه التحالفات وعلى الخطى التي ترسمها الإدارة الأمريكية وصف بأنه نظام إرهابي ويؤوي الإرهاب، وشاعت مسمياتها الدول المعتدلة والدول المتشددة الرافضة.. وللأسف أصبحت الدول المعتدلة تحق الباطل وتبطل الحق وتعمل على تغيير الحقيقة والحقائق وجعلت من العدو صديقاً وحليفاً، وجسدت الظلم وقالت عنه العدل، وعن التطبيع غاية ووسيلة من أجل قضايا المنطقة.
ما قبل اتفاقية كامب ديفيد لم يكن قرار اعتبار القدس عاصمة (إسرائيل)، ولم تكن "مستوطنات" في القدس وحول القدس، ولم تصادر أراضي الضفة الغربية وتقام عليها المشاريع "الاستيطانية"، فماذا حققت لنا هذه الغاية والوسيلة بعد مبادرة السلام والتطبيع، والذين يدعون أنها الوسيلة والغاية؟ هل استطاعوا من خلال التطبيع جعله وسيلة أو من خلاله استطاعوا أن يوقفوا الحرب على غزة، هل استطاعت هذه الوسيلة فك الحصار وفتح المعابر، هل استطاعت وسيلة وغاية التطبيع أن تفتح المعابر لإدخال المواد الأساسية لإعمار البيوت التي دمرتها آلة الحرب "الإسرائيلية" هل أوقفت "الاستيطان" وتهويد القدس؟؟
ألم يتم مصادرة 80 % من أراضي الضفة الغربية والقدس في ظل هذه الوسيلة والغاية التي يتحدثون عنها؟ لذا وجب على الشعوب قبل الأنظمة أن تدرك بأن هذا التطبيع أصبح سمة عار على جبين الأمة وعار يسجل في سطور تاريخها، ووجب عليهم أن يكونوا عنصراً فعالاً في المعادلة السياسية يتوجب فيها ومن خلالها رص الصفوف بعدم قبول أي واقع سياسي يمكن فرضه على المنطقة، وألا يتم تبني أي فعل أو مبادرة قد تتسبب في مشاريع تطبيع جديد يقودنا لفقدان قضية الأمة ألا وهي فلسطين التي هي قضية الجميع، أو فرض واقع سياسي على لبنان يكون بداية لإنشاء شرق أوسط جديد الذي وعدتنا به الإدارة الأمريكية. علينا كعرب (مسلمين ومسيحيين) في المنطقة أن نرفض مبادرة الأنظمة العربية (للسلام) أو أي مبادرة تسوية مع العدو الصهيوني، مع العلم أن معظم قادة الأنظمة العربية أصبحوا حجارة لعبة الشطرنج في أيدي أمريكا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق