حسام الدجني
يمثل مصطلح الانتداب في الذاكرة الفلسطينية نذير شؤم على الشعب الفلسطيني الذي سلبت أرضه واحتلت مقدساته نتيجة السياسات البريطانية عندما انتدبت على فلسطين بعد الحرب العالمية الأولى, عندما قررت عصبة الأمم بعد سقوط الدولة العثمانية بتوزيع ممتلكات الرجل المريض بين الدول الاستعمارية الكبرى بريطانيا وفرنسا, وما عرف حينها باتفاق سايكس بيكو عام 1916, فأصبحت فلسطين تحت الوصاية البريطانية, بدأت حينها فصول المؤامرة تكتمل, حتى صدر وعد بلفور والذي وعد اليهود بوطن قومي لهم في فلسطين, وبدأت الهجرات اليهودية على فلسطين حتى أقيمت (دولة إسرائيل) عام 1948, وحلت النكبة على الفلسطينيين الذين هجروا عنوة من أراضيهم إلى دول العالم.
لم تقتصر فصول الجريمة الدولية بحق الفلسطينيين عند هذا الحد, بل هناك مئات الورش والمؤتمرات, السرية منها والعلنية, التي تناقش سبل الحفاظ على (دولة إسرائيل) ونقاؤها من العنصر العربي, فتم الانسحاب من قطاع غزة عام (2005) على يد رئيس الوزراء الإسرائيلي ارئيل شارون, في خطة محكمة لضرب وحدة الحركة الوطنية الفلسطينية, وبالتعاون مع جهات إقليمية ودولية, وفعلاً نجحت الخطط الأجنبية في إثارة الفتن بين الإخوة, تحت مصطلحات جميلة "الفوضى الخلاقة" وللأسف كانت الأدوات فلسطينية, فذابت الخطوط الحمر, وأريقت دماء الأبرياء, وحصل الانقسام, وتمزق النسيج الاجتماعي, وسقطت الوحدة الوطنية, وانحرفت البوصلة, حتى أصبح التحالف وحب الأعداء يفوق حبنا لبعضنا البعض.
تحكم حركة حماس قطاع غزة, وتحكم حركة فتح الضفة الغربية, فتجسد الانقسام, وتشتت الجهود الوطنية, وأصبح الهم الأكبر هو حفاظ كل فصيل على البقعة الجغرافية التي يسيطر عليها, وتناسوا جميعا أن قطاع غزة والضفة الغربية لا يمثلان سوى 22% من مساحة فلسطين التاريخية, وتناسوا أيضاً الثوابت الوطنية المتمثلة بالقدس والحدود والمياه والأسرى واللاجئين.
لكن السمة المشتركة بين فتح وحماس وباقي القوى والأحزاب الفلسطينية أنهم فلسطينيون, ولكن لن تقتصر الأطماع الإسرائيلية ومعها المجتمع الدولي عند هذا الحد, بل سيتعدى ذلك, فلن يسمح لحركات تحرر وطني بالسيطرة على أي شبر من فلسطين لما له من تهديد مباشر على الأمن القومي الإسرائيلي, وتهديد مصالح ومشاريع الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة, فإسرائيل تعمل بشكل دؤوب على شرعنة يهودية الدولة, عبر إثارتها في كل المحافل الدولية, في دليل واضح على عنصرية دولة الاحتلال وأطماعه الاستعمارية في المنطقة.
والأخطر من ذلك هو سياسات المجتمع الدولي في الضفة الغربية وقطاع غزة, في دليل واضح على قبول المجتمع الدولي بالانقسام, حيث سينفرد في الضفة الغربية بحركة فتح وسيعمل ليل نهار على إضعافها كحركة تحرر وطني, وسيصنع ظواهر سياسية جديدة, قد تكون فلسطينية الهوية, ولكنها ليست وطنية, وصولاً إلى وصاية دولية على الضفة الغربية, حيث يقيم الجنرال كيث دايتون بشكل دائم في الضفة الغربية, ويعتبر الممول الرئيس لأجهزة الأمن الفلسطينية, وستشهد الشهور القادمة تكثيف التواجد الأجنبي بالضفة الغربية وبمساعدة ومباركة فلسطينية, تحت شعار الانفتاح على العالم, ولكن الهدف الأهم هو الحفاظ على أمن دولة إسرائيل, وعلى المصالح الأجنبية في المنطقة, والقضاء عل جوهر الصراع عبر إضعاف الحركة الوطنية.
أما في قطاع غزة فهو ليس بعيداً عن السياسة الدولية في المنطقة, فهناك أدوات المجتمع الدولي وأجهزته المخابراتية حاضرة بالمنطقة, حيث المؤسسات الدولية في القطاع تعج بالأجانب, والذين في معظمهم هم ضباط محترفين عملوا في وكالات مخابرات عالمية, وخدموا في العراق وأفغانستان ضمن قوات التحالف الدولية, يعملون في قطاع غزة بشكل علني ويحملون السلاح, فهم لا يثقون بالعرب, ولا يعترفون بحكم حماس بقطاع غزة, حيث يمثلون دولة داخل دولة, لهم بروتوكول خاص, يستقبلون الشخصيات الأوروبية ويوفرون لها الحماية الأمنية, والتغطية الإعلامية, يعملون ليل مساء على التقرب من المواطن الفلسطيني, فيدعمونه بالمال والغذاء, ويوفرون له كل وسائل الراحة, في شكل إنساني ولكن الجوهر بعيد كل البعد عن الإنسانية, فهم يريدون السيطرة على قطاع غزة, واستغلال الحصار المفروض على القطاع والذي مس بشكل مباشر حياة المواطنين في غزة, حيث نسبة البطالة ارتفعت, والفقر زاد, وكل هذا مخطط له ليطبقوا مقولة:" إذا أردت أن تفسد ثورة فأغدق عليها بالمال".
إخواني في فتح وحماس... إخواني في الجبهتين وفي الجهاد وباقي القوى والأحزاب والنخب والكتٌاب... المؤامرة التي تحاك كبيرة... انتبهوا لن تستطيعوا مواجهتها إلا بوحدتكم... فالوحدة الوطنية هي صمام الأمان... انتبهوا إلى المؤسسات الدولية, والتي تلبس عباءة الإنسانية ولكنها ترتدي ثوب السياسة, ولا عيب في ذلك فالأصل أن قضيتنا هي قضية سياسية وليست إنسانية فنحن شعب احتلت أرضه, فإذا زال الاحتلال نستطيع أن نبني وطنا دون الحاجة إلى مساعدة أحد, فوطننا العربي غني بالطاقات والثروات, ولكن الخطر في طبيعة مهام هذه المؤسسات في المجالات الهامة في مجتمعنا كالتعليم والصحة والمرأة والطفل والإغاثة وغير ذلك.
كاتب وباحث فلسطيني
Hossam555@hotmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق