صالح النعامي
وفق خطة متفق عليها سلفاً، ركز المتحدثون باسم سلطة رام الله وبعض فصائل منظمة التحرير على الجانب الشخصي في خطاب رئيس السلطة محمود عباس المتمثل في التعبير عن " رغبته " في الاستقالة، وذلك من خلال مطالبته بالعدول عن " رغبته " غير الصادقة، وتجاوزوا عمداً الحديث عن الاستخلاصات التي كان يتوجب على عباس الولوج إليها بعد تهاوي كل رهاناته على العملية التفاوضية مع الاحتلال حتى استحالت إلى ضرب من ضروب العبث والهزل المدمر. وحرص هؤلاء المرتزقة من المنافقين الذين يجيدون النفخ في كل الأبواق على تصوير عباس كـ " حامي حمى المشروع الوطني "، وأنه الوحيد الذي يصلح ليكون رجل المرحلة. ومن أجل حبك فصول المسرحية الهزيلة نظم عناصر الأمن بلباس مدني وبعض المنتفعين مسيرتين باهتتين لمطالبة عباس بالبقاء في منصبه، وذلك بنفس الطريقة العابثة التي يلجأ عليها بعض الحكام العرب عندما يريدون اعطاء الانطباع المضلل بأن الجماهير تلتف حولهم. من هنا فإن قراءة متأنية لخطاب عباس تفضي للإستخلاصات التالية:
1- يمثل خطاب عباس إقراراً صريحاً لا لبس فيه بفشل برنامجه السياسي القائم على حل القضية الفلسطينية عبر المفاوضات، وهذا ما يضفي بالضرورة صدقية وشرعية على الخيارات الأخرى وعلى رأسها خيار المقاومة الذي سبق لعباس أن وصمه بـ " الحقير ". فعندما شرعت منظمة التحرير في مسيرة " أوسلو " مع إسرائيل كان عدد المستوطنين الذين يقطنون الضفة الغربية وحدها بدون القدس 109 آلاف، والآن بعد 16 عاماً على " أوسلو " فإن عدد المستوطنين يبلغ أكثر من 300 ألف مستوطن. وفي ظل موقف إدارة الرئيس أوباما الذي عبرت عنه وزيرة الخارجية هيلاري كلنتون والذي أكدت فيه أن تجميد الاستيطان ليس شرطاً للشروع في المفاوضات، فإن هذا يعني إن إسرائيل ستواصل توظيف المفاوضات كمظلة لاستكمال المشاريع الإستيطانية والتهويدية حتى لا يعود هناك أرض يتم التفاوض بشأنها.
2- هدف خطاب عباس الضغط على الإدارة الأمريكية لتغيير موقفها من الإستيطان ولدفع أوباما لتقليص مظاهر تحيزه لحكومة نتنياهو. ومن الواضح أن هذا الرهان في غير محله، ويتجاهل حقيقة الحراك الداخلي الأمريكي. فبعد عدة أشهر ستجرى انتخابات لاختيار جميع أعضاء مجلس النواب وثلث أعضاء مجلس الشيوخ، ويسعى أوباما لضمان وصول أكبر عدد من الديموقراطيين للمجلسين، حتى لا تستحيل حياته السياسية إلى جحيم في حال استعاد الجمهوريون أغلبيتهم في المجلسين. وبعد أن فاجأ الجمهوريون الجميع مؤخراً عندما فازوا في الانتخابات التي جرت لاختيار عدد من حكام الولايات، فإن أوباما بات يخرج عن طوره لاسترضاء اللوبي اليهودي حتى لا يتحقق السيناريو الذي يفزع منه الديموقراطيون. من هنا فإنه من السذاجة بمكان أن يتوقع أحد أن يمارس أوباما أي ضغط على نتنياهو لدفعه لتجميد الاستيطان، مع العلم أن نتنياهو أثبت قدرة على تحدي أوباما وإدارته.
3- أن الرد على السلوك الأمريكي والإسرائيلي لا ينحصر بالتعبير عن الرغبة بالإستقالة حتى لو كانت هذه الرغبة صادقة، وهي غير ذلك. أن أحداً لا يتوقع من أبو مازن أن يدعو للعودة إلى خيار المقاومة المسلحة ضد إسرائيل، لكن في المقابل لا يمكن تفهم أن يعبر عباس عن خيبة أمله من السلوك الإسرائيلي وفي ذات الوقت يواصل تقديم الخدمات المجانية لحكومة نتنياهو ممثلة في مطاردة المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية واعتقال كل من يرتبط بحركات المقاومة، مع العلم أن الإعتقالات غير مرتبطة بالإنقسام الداخلي. فإلى جانب قادة ونشطاء حماس، فإن أجهزة عباس تعتقل وتعذب قادة وعناصر " الجهاد الإسلامي "، وسبق لها أن فككت المجموعات المسلحة التابعة لـ " كتائب شهداء الأقصى "، واشتبكت مع " كتائب أبو علي مصطفى "، وغضت الطرف عن قيام إسرائيل باقتحام أريحا واعتقال أمين عام الجبهة الشعبية أحمد سعدات من سجنه وعدد من رفاقه. أن من المسلمات البديهية أن يتمثل الرد على سلوك إسرائيل والولايات المتحدة في وقف التنسيق الأمني مع قوات الاحتلال، ودعم صمود المواطنين الفلسطينيين على أرضهم، لا أن تتخلى سلطة رام الله عن هذه المسؤولية كما أتهمها بذلك القيادي في حركة فتح حاتم عبد القادر، مسؤول ملف القدس سابقاً في حكومة فياض، الذي استقال من منصبه تعبيراً عن احتجاجه على تواطؤ حكومة فياض مع ما تقوم به إسرائيل من جرائم في القدس.
4- يقتضي الرد على السلوك الإسرائيلي الأمريكي العمل على انهاء الإنقسام الداخلي. ومن المضحك المبكي أن أحد الأسباب التي تعيق التوصل لاتفاق وطني هو إصرار عباس على ضرورة أن تلتزم أي حكومة فلسطينية بشروط اللجنة الرباعية سيئة الذكر، وهي: الاعتراف بإسرائيل ونبذ المقاومة بوصفها إرهاباً، والإلتزام بالإتفاقيات الموقعة بين إسرائيل، فهل يمكن تصديق " غضبة " عباس المفتعلة في الوقت الذي يعلن تشبثه بهذه الشروط. أن من يتشبث بهذه الشروط يكافئ في الحقيقة إسرائيل على تطرفها. بكل تأكيد أن حركة حماس مطالبة بخطوات مماثلة لإنجاح الحوار، لكن يتوجب على عباس أولاً تصحيح موقفه من الحوار والمصالحة.
5- حتى لو كان عباس صادقاً في عدم ترشيح نفسه، فإن هذا لا يعني أنه سيتخلى عن المنصب، لأنه يعي أنه من المستحيل إجراء الانتخابات وفق المرسوم الذي أصدره، وبالتالي فهو سيقى رئيساً للسلطة بحكم الأمر الواقع حتى يتسنى إجراء الانتخابات إثر التوصل لتوافق وطني، وهذا احتمال يبدو بعيد المنال في الظروف الحالية.
6- من أسف فإن عباس يحاول أن يعطي الإنطباع بأنه زاهد في السلطة، وهذا يتناقض تماماً مع سلوكه الذي يدلل على أنه يمكن أن يذهب بعيداً من أجل الاحتفاظ بكرسيه الهزيل. فكل من تابع أحدات المؤتمر العام السادس لحركة " فتح " والخطوات التي أقدم عليها عباس من أجل تكريس نفسه كزعيم أوحد للحركة، وضربه بعرض الحائط ميثاق منظمة التحرير عندما عقد المجلس الوطني لإستكمال أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير بدون تحقق النصاب القانوني، كل ذلك يدلل على استلابه للكرسي.
بإمكان عباس مخالفة كل هذه التوقعات السوداوية آنفة الذكر بإسدال الستار على خيار المفاوضات المدمر للقضية الوطنية، ومصارحة شعبه بالحقيقة والاعتراف بالأخطاء القاتلة التي وقع فيها في سبيل نهجه المدمر، ومحاولة معالجة هذه الأخطاء أو على الأقل تقليص تداعياتها، وعلى رأس ذلك انجازمصالحة وطنية شاملة.
وفق خطة متفق عليها سلفاً، ركز المتحدثون باسم سلطة رام الله وبعض فصائل منظمة التحرير على الجانب الشخصي في خطاب رئيس السلطة محمود عباس المتمثل في التعبير عن " رغبته " في الاستقالة، وذلك من خلال مطالبته بالعدول عن " رغبته " غير الصادقة، وتجاوزوا عمداً الحديث عن الاستخلاصات التي كان يتوجب على عباس الولوج إليها بعد تهاوي كل رهاناته على العملية التفاوضية مع الاحتلال حتى استحالت إلى ضرب من ضروب العبث والهزل المدمر. وحرص هؤلاء المرتزقة من المنافقين الذين يجيدون النفخ في كل الأبواق على تصوير عباس كـ " حامي حمى المشروع الوطني "، وأنه الوحيد الذي يصلح ليكون رجل المرحلة. ومن أجل حبك فصول المسرحية الهزيلة نظم عناصر الأمن بلباس مدني وبعض المنتفعين مسيرتين باهتتين لمطالبة عباس بالبقاء في منصبه، وذلك بنفس الطريقة العابثة التي يلجأ عليها بعض الحكام العرب عندما يريدون اعطاء الانطباع المضلل بأن الجماهير تلتف حولهم. من هنا فإن قراءة متأنية لخطاب عباس تفضي للإستخلاصات التالية:
1- يمثل خطاب عباس إقراراً صريحاً لا لبس فيه بفشل برنامجه السياسي القائم على حل القضية الفلسطينية عبر المفاوضات، وهذا ما يضفي بالضرورة صدقية وشرعية على الخيارات الأخرى وعلى رأسها خيار المقاومة الذي سبق لعباس أن وصمه بـ " الحقير ". فعندما شرعت منظمة التحرير في مسيرة " أوسلو " مع إسرائيل كان عدد المستوطنين الذين يقطنون الضفة الغربية وحدها بدون القدس 109 آلاف، والآن بعد 16 عاماً على " أوسلو " فإن عدد المستوطنين يبلغ أكثر من 300 ألف مستوطن. وفي ظل موقف إدارة الرئيس أوباما الذي عبرت عنه وزيرة الخارجية هيلاري كلنتون والذي أكدت فيه أن تجميد الاستيطان ليس شرطاً للشروع في المفاوضات، فإن هذا يعني إن إسرائيل ستواصل توظيف المفاوضات كمظلة لاستكمال المشاريع الإستيطانية والتهويدية حتى لا يعود هناك أرض يتم التفاوض بشأنها.
2- هدف خطاب عباس الضغط على الإدارة الأمريكية لتغيير موقفها من الإستيطان ولدفع أوباما لتقليص مظاهر تحيزه لحكومة نتنياهو. ومن الواضح أن هذا الرهان في غير محله، ويتجاهل حقيقة الحراك الداخلي الأمريكي. فبعد عدة أشهر ستجرى انتخابات لاختيار جميع أعضاء مجلس النواب وثلث أعضاء مجلس الشيوخ، ويسعى أوباما لضمان وصول أكبر عدد من الديموقراطيين للمجلسين، حتى لا تستحيل حياته السياسية إلى جحيم في حال استعاد الجمهوريون أغلبيتهم في المجلسين. وبعد أن فاجأ الجمهوريون الجميع مؤخراً عندما فازوا في الانتخابات التي جرت لاختيار عدد من حكام الولايات، فإن أوباما بات يخرج عن طوره لاسترضاء اللوبي اليهودي حتى لا يتحقق السيناريو الذي يفزع منه الديموقراطيون. من هنا فإنه من السذاجة بمكان أن يتوقع أحد أن يمارس أوباما أي ضغط على نتنياهو لدفعه لتجميد الاستيطان، مع العلم أن نتنياهو أثبت قدرة على تحدي أوباما وإدارته.
3- أن الرد على السلوك الأمريكي والإسرائيلي لا ينحصر بالتعبير عن الرغبة بالإستقالة حتى لو كانت هذه الرغبة صادقة، وهي غير ذلك. أن أحداً لا يتوقع من أبو مازن أن يدعو للعودة إلى خيار المقاومة المسلحة ضد إسرائيل، لكن في المقابل لا يمكن تفهم أن يعبر عباس عن خيبة أمله من السلوك الإسرائيلي وفي ذات الوقت يواصل تقديم الخدمات المجانية لحكومة نتنياهو ممثلة في مطاردة المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية واعتقال كل من يرتبط بحركات المقاومة، مع العلم أن الإعتقالات غير مرتبطة بالإنقسام الداخلي. فإلى جانب قادة ونشطاء حماس، فإن أجهزة عباس تعتقل وتعذب قادة وعناصر " الجهاد الإسلامي "، وسبق لها أن فككت المجموعات المسلحة التابعة لـ " كتائب شهداء الأقصى "، واشتبكت مع " كتائب أبو علي مصطفى "، وغضت الطرف عن قيام إسرائيل باقتحام أريحا واعتقال أمين عام الجبهة الشعبية أحمد سعدات من سجنه وعدد من رفاقه. أن من المسلمات البديهية أن يتمثل الرد على سلوك إسرائيل والولايات المتحدة في وقف التنسيق الأمني مع قوات الاحتلال، ودعم صمود المواطنين الفلسطينيين على أرضهم، لا أن تتخلى سلطة رام الله عن هذه المسؤولية كما أتهمها بذلك القيادي في حركة فتح حاتم عبد القادر، مسؤول ملف القدس سابقاً في حكومة فياض، الذي استقال من منصبه تعبيراً عن احتجاجه على تواطؤ حكومة فياض مع ما تقوم به إسرائيل من جرائم في القدس.
4- يقتضي الرد على السلوك الإسرائيلي الأمريكي العمل على انهاء الإنقسام الداخلي. ومن المضحك المبكي أن أحد الأسباب التي تعيق التوصل لاتفاق وطني هو إصرار عباس على ضرورة أن تلتزم أي حكومة فلسطينية بشروط اللجنة الرباعية سيئة الذكر، وهي: الاعتراف بإسرائيل ونبذ المقاومة بوصفها إرهاباً، والإلتزام بالإتفاقيات الموقعة بين إسرائيل، فهل يمكن تصديق " غضبة " عباس المفتعلة في الوقت الذي يعلن تشبثه بهذه الشروط. أن من يتشبث بهذه الشروط يكافئ في الحقيقة إسرائيل على تطرفها. بكل تأكيد أن حركة حماس مطالبة بخطوات مماثلة لإنجاح الحوار، لكن يتوجب على عباس أولاً تصحيح موقفه من الحوار والمصالحة.
5- حتى لو كان عباس صادقاً في عدم ترشيح نفسه، فإن هذا لا يعني أنه سيتخلى عن المنصب، لأنه يعي أنه من المستحيل إجراء الانتخابات وفق المرسوم الذي أصدره، وبالتالي فهو سيقى رئيساً للسلطة بحكم الأمر الواقع حتى يتسنى إجراء الانتخابات إثر التوصل لتوافق وطني، وهذا احتمال يبدو بعيد المنال في الظروف الحالية.
6- من أسف فإن عباس يحاول أن يعطي الإنطباع بأنه زاهد في السلطة، وهذا يتناقض تماماً مع سلوكه الذي يدلل على أنه يمكن أن يذهب بعيداً من أجل الاحتفاظ بكرسيه الهزيل. فكل من تابع أحدات المؤتمر العام السادس لحركة " فتح " والخطوات التي أقدم عليها عباس من أجل تكريس نفسه كزعيم أوحد للحركة، وضربه بعرض الحائط ميثاق منظمة التحرير عندما عقد المجلس الوطني لإستكمال أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير بدون تحقق النصاب القانوني، كل ذلك يدلل على استلابه للكرسي.
بإمكان عباس مخالفة كل هذه التوقعات السوداوية آنفة الذكر بإسدال الستار على خيار المفاوضات المدمر للقضية الوطنية، ومصارحة شعبه بالحقيقة والاعتراف بالأخطاء القاتلة التي وقع فيها في سبيل نهجه المدمر، ومحاولة معالجة هذه الأخطاء أو على الأقل تقليص تداعياتها، وعلى رأس ذلك انجازمصالحة وطنية شاملة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق