الشيخ محمد فوزي عبد الحي
حقيقة لم أكن أود كتابة المزيد عن قضية النقاب، لأنني تصورت أن يعود المتطرفون في معاداتهم للإسلام إلى رشدهم خاصة وأن الحق أبلج، والمسألة أوضح من الشمس. ومع أنهم لم يعودوا بل لا زالوا يعقدون الندوات ويكتبون المقالات وينشرون الضلالات، فلم أعتن بالأمر، ولكن ما دفعني حقيقة لكتابة هذا المقال هو محاورة دارت أمامي تعلن فيها أم مصرية أنها بعد ما سمعت وقرأت لن تقبل أبدا بنقاب ابنتها، لأنه لو كان النقاب حقا ما حاربه الشيخ.. والوزير.. والبعرورة التي أعلنت منذ سنوات في برنامج تلفزيوني شاهدته بنفسي أنها لم تسمع عن أحاديث النهي عن التصوير في حياتها، بالرغم من أن الأحاديث مروية في البخاري ومسلم وباقي دواوين السنة، بالمناسبة كانت في هذا الوقت عميدة، ونأسف لكثير من العمداء الأفاضل أساتذتنا الكرام، حيث انضمت إلى صفوفهم مثل تيك، ولكن تلك صروف الدهر تقلب فينا تارات وتصرف.
بعد ردة الفعل غير الواعية عند بعض الناس أردت في هذه المقالة أن أنشر شبهات المناهضين للنقاب على أساس عقلي وشرعي يسير ومنضبط، وكلمة "أنشر" هنا لها معنيان مقصودان تماما:
الأول: عرض ورق التوت العفن الذي يموهون به على فضيلة النقاب من خلال بيان دعاويهم الباطلة وكلماتهم الفضفاضة المنافقة التي يريدون بها خداع الأبرياء.
الثاني: نشر حججهم بمعني قطعها إربا، ويا ليت من عنده شيء من الإخلاص أن يقر للحق ويخصع لله ولكن للأسف عز الإخلاص ووهن الإيمان.
الشبهات المطروحة:
الأولى: عادة وليس عبادة
الثانية: النقاب قمع للمرأة وسجن لحريتها وتمييز ضدها.
الثالثة: النقاب يمنع التواصل المباشر بين المنتقبة ومن يحادثها.
الشبهة الرابعة: النقاب عدو التقدم والتحضر وانظروا أين نحن من أوربا؟ (صحيح ناس ما تختشيش)
الخامسة: اللصوص والمجرمون يتخفون في النقاب.
السادسة: النقاب ليس دليلا على التدين.
السابعة: النقاب يعطي انطباعا سيئا عن المرأة المسلمة في الغرب
أما الشبهة الأولى فهي أوهى من بيت العنكبوت، وذلك لما يلي:
أولا: النقاب - بمعنى تغطية الوجه - سنة زوجات النبي وهن أطهر الأمة وخيرة نسائها وأمهات المؤمنين، فمن وافقنا على هذه المقدمات:
- أنهن زوجات النبي
- خير نساء الأمة
- أمهات المؤمنين
فعليه أن يسلم بأن تقليدهن سنة متبعة، وطريقة مشروعة، ومن هدي الإسلام، فإن سلم الاقتداء بزوجات النبي وصفوة نساء الأمة وأمهات المؤمنين، فقد كان الحجاب السابغ المغطي للوجه فرضا عليهن، ففي حديث عائشة عند البخاري من حديث عائشة في قصة الإفك: "... فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما أنزل الحجاب فكنت أحمل في هودجي وأنزل فيه فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوته تلك وقفل دنونا من المدينة قافلين آذن ليلة بالرحيل فقمت حين آذنوا بالرحيل فمشيت حتى جاوزت الجيش فلما قضيت شأني أقبلت إلى رحلي فلمست صدري فإذا عقد لي من جزع ظفار قد انقطع فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه قالت وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلوني فاحتملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب عليه وهم يحسبون أني فيه وكان النساء إذ ذاك خفافا لم يهبلن ولم يغشهن اللحم إنما يأكلن العلقة من الطعام فلم يستنكر القوم خفة الهودج حين رفعوه وحملوه وكنت جارية حديثة السن فبعثوا الجمل فساروا ووجدت عقدي بعد ما استمر الجيش فجئت منازلهم وليس بها منهم داع ولا مجيب فتيممت منزلي الذي كنت به وظننت أنهم سيفقدوني فيرجعون إلي فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني من وراء الجيش فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم فعرفني حين رآني وكان رآني قبل الحجاب فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني فخمرت وجهي بجلبابي و والله ما تكلمنا بكلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه..."
فإذا كان هذا واجبا دينيا في حقهن، فلا أقل من أن يكون مندوبا في حق غيرهن، وليس هذا الأمر بمستغرب أو دخيل على الدين، فقد كان قيام الليل فرضا على النبي وهو في حقنا سنة مندوب إليها. ولولا اتباع الدليل ورهبة القول على الله بغير حق لاتبعنا القياس وقلنا بوجوب النقاب على كل المؤمنات لأنهن إليه أحوج من زوجات النبي؛ إذ هن بلا شك أدنى من نساء النبي فضلا ورتبة ودينا وخلقا.
إذا علمت ذلك فالنقاب من الدين، وتقليد أمهات المؤمنين هو الشرف الأسنى والرفعة المثلى: "النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم"، "إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا". فمن تقول على سنة خير نساء المؤمنين بأنها عادة فقد فارق هدى الأمة، واتبع غير سبيل المؤمنين.
فإن قال هي عبادة في حقهن دون غيرهن، قلن له: ما صح في الشرع أن يكون عبادة جاز لكل واحد فعله ما لم ينه عن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، مثل الوصال في الصوم. لما فعله النبي عرفنا أنه عبادة، ففعله الصحابة فكره ذلك النبي ونهاهم عنه، فعلمنا أن التقليد يجوز في العبادة إن لم يكن على وجه الوجوب فعلى السنية والندب ما لم ينه النبي، والنبي ما نهى أحدا عن تغطية الوجه إلا المرأة المحرمة في الحج.
ثانيا: النقاب كان على عهد النبي ورآه وأقره، وفي البخاري: لا تنتقب المحرمة، وهو يفيد أن النقاب كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينه عنه إلا المحرمة، فهذا دليل مشروعية بسبيل الإقرار، كما أخرج أبو داود بسنده أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقال لها أم خلاد وهي منتقبة تسأل عن ابنها وهو مقتول فقال لها بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم جئت تسألين عن ابنك وأنت منتقبة فقالت: إن أرزأ (أصاب بمقتل) ابني، فلن أرزأ (أُصاب بفقد) حيائي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ابنك له أجر شهيدين. قالت: ولم ذاك يا رسول الله؟ قال: لأنه قتله أهل الكتاب"، وهو ضعيف، ويستأنس لذلك بقصة إجلاء بني قينقاع حيث راود اليهودي العربية عن كشف وجهها، ويستأنس لذلك بقصة مبايعة هند زوج أبي سفيان وهي منتقبة، وهذان الأثران وإن كانا ضعيفين إلا إنهما يدلان مع الحديث الصحيح السابق على أصل الوجود، وعليه عمل الأمة بعد ذلك، وهو الذي حكاه الأئمة في تفسير آية الأحزاب في صفة الإدناء.
ثالثا: ما ورد في التفاسير المعتمدة من ذهاب بعض الصحابة والتابعين إلى وجوب تغطية الوجه، ومعلوم أنه لا يجوز تسفيه آراء أهل العلم ولا السخرية من مذاهب الصحابة والتابعين ولو كانت مرجوحة، لأن خلاف الصحابي وإن جاز فلا يجوز تسفيه قوله. فإذا علمنا ذلك، تقرر أن تغطية الوجه والنقاب والبرقع والنصيف وغيرها من المسميات من الأمور المشروعة المندوب إليها لدخولها تحت الأصل الواجب وهو فرض الستر على المرأة، ومن زاد على الواجب فهو خير له. ولا يرد علينا متفيقه فيقول الزيادة على أربعة في الصلاة مبطلة وعلى ثلاث مرات في الوضوء مكروهة، لعلمنا بأن تلك الزيادة مخالفة للنص وهذا سبب البطلان والكراهة.
ولذلك يجوز للمسلم أن يخرج مالا أكثر مما وجب عليه في الزكاة، ويكون من الصدقات المندوبة، ويجوز أن يذبح أكثر من أضحية والواجب يتأتى بواحدة، ويجوز أن يصوم بعد رمضان ما شاء ما دام قد أفطر أيام العيدين، ويجوز أن يزيد في صلاة النافلة عن السنن المرتبة كأن يصلي ثمانية قبل الظهر أو ستة قبل العصر، أو خمسة عشر ركعة في قيام الليل، كل ذلك جائز ومندوب لإتيانه على الأصل المشروع دون نكير وعلى هذا صلى المسلمون التراويح ثلاثا وعشرين ركعة وبلغوا بها ثلاثا وأربعين وأكثر من ذلك، لعلمهم بهذا الأصل.
علمنا من ذلك كله أن زيادة الستر من زيادة الخير، فيكون النقاب من الدين لا يماري في ذلك فقيه ولا ينكر ذلك أحد من أهل العلم، أما فوضى الفتاوي وإصدار الصحافيين والطباخين والمشخصاتية والعمال والفلاحين الفتاوى على فضائيات المسخرة العربية، والصحف الأموية العربية فهذه الظاهرة تنسجم مع الفوضى الحضارية التي نعيشها حيث يعمل الدجالون عمل الأطباء، ودبلومات الصنايع مهندسين معماريين، وخريجي الفلسفة في وزارة التموين، وخريجي الزراعة مذيعين في الإذاعة والتلفزيون إلى آخر منظومة الفوضى التي لا تخفى عليكم.
ولو أن كل إنسان استمع إلى ثقات أهل العلم، لما صرنا لهذه المهزلة، وعلى سبيل المثال برنامج بريد الإسلام بإذاعة القرآن الكريم المصرية، برنامج رائع وراشد، حيث يجيب أساتذة الشريعة على فتاوى المستمعين حسب أقوال أهل العلم ورجوعا بالأقوال إلى مصادرها ونسبتها إلى قائليها على هدى الشريعة وعلم الأصول وقواعد الفقهاء، وسماحة أهل العلم والفقه.
أما أهل المسخرة والحنطرة والدغدغة فيقول أحدهم: أعتقد، أظن، أزعم، ويظن أنه أول الظانين، ومقدمة الزاعمين، وطليعة المعتقدين، إلا إنه بالقطع لا يعلم أنه من الأفاكين العاطلين، والله المستعان على الجاهلين.
تبين أن النقاب من الدين، وأنه ليس دخيلا على الإسلام، وليس مجرد عادة لا علاقة لها بالدين بل عادة أقرها النبي فصارت من السنة كما هو تعريف السنة عند العلماء، كما أنه أمر القرآن لنساء النبي وهن صفوة نساء الأمة، والاقتداء بهن من الفلاح والصلاح ولا ريب في ذلك.
الشبهة الثانية: النقاب قمع للمرأة وسجن لحريتها وتمييز ضدها.
والرد من وجوه:
الأول: دراسة الحال، فنقول: سلوا كل منتقبة هل فرض أحد عليها النقاب حتى يكون ذلك قمعا لها، وسجنا لحريتها..
فإن كان الجواب: نعم، قلنا لها اخلعي النقاب والتزمي ما فرض الله من الحجاب، وإن قالت: لا، قلنا لها: أنت في حل، تختاري ما تشائين مما أحل الله، ورضب به رسول الله، فإن رضيت لنفسك ما رضي الله ورسوله لأمهاتنا زوجات النبي فقد بؤت بالشرف الأسمى والقدوة الأعلى.
الثاني: لم يفرض النقاب أحد في مجتمعنا، بل عادت المسلمات الطاهرات طواعية بإرادتهن إلى ميراثهن الأصيل، وفاءت الأمة إلى نبعها الطهور، وتركت اللاهثين واللاهثات خلف تقاليد الأمم التي استعمرتنا وأهانت ديننا وقتلت أهلنا لشأنهم، إنه التحدي أيها السادة: هل نحن موجودون، شكلا وزيا وسلوكا وتدينا وحياة أم لا؟ فأين القمع والسجن!!
الثالث: دعونا نسأل: هل التمييز ضد المرأة يتم من خلال لباس بعينه؟ لو كان الأمر كذلك، فلما لا يكون القمع في الملابس الخليعة التي تحبس حركة المرأة وتجلب لها أنظار الناس، وتغرس الفتن في المجتمع؟ ولما لا يكون التمييز في براثن الأزياء القسرية المساة بالعصرية والتي يتفنن فيها المصممون المخنثون في إبراز جسد المرأة وعرضه فيها كما السلع الرخيصة، أليس ذلك تمييزا ضدها وتسليعا (جعلها سلعة) لها؟
رابعا: عندما يرفض المسئولون عن المدن الجامعية دخول المتقبة رغم موافقتها غير المشروطة على التحقق من شخصيتها، وعندما يرفض التلفزيون المصري - الذي يفترض حسب قوانين الانتخابات أن يمثل أغلبية الشعب - أن تكون مذيعاته محجبات ولا نقول منتقبات، وعندما يتم محاربة المرشحة المحجبة في مدينة نصر ألا يعد ذلك تمييزا ضد المنتقبات والمحجبات، من يميز ضد من؟؟
نسبة المحجبات تتعدى 80 % ونسبة المنتقبات تقارب 10% وهي في زيادة مطردة بفضل الله، فلماذا التمييز ضد هذه الفئات المحترمة التي ترفض التغرب والذوبان، هذه الفئات هي التي تلد من يدافعون عن تراب الوطن ومن يجتهدون لرفعة الوطن ومن يقضون أعمارهم في سبيل الأمة، وهم مع ذلك من يتم التمييز ضدهم حرمانا من حقوق المواطنة المشروعة ومن الوظائف والاستحقاقات التي يفترض أن الحجاب أو النقاب لا يمكن أن يكون مانعا منها.
ندعو الله ألا يصدر قانون يمنع المحجبات من حق التصويت!!!
الشبهة الثالثة: النقاب يمنع التواصل المباشر بين المنتقبة ومن يحادثها
هنا أسأل السادة التواصليين الوصوليين الكباااااار، أي نوع من التواصل تريدون؟ أنا بريء للغاية، وساذج وريفي ونيتي سليمة؟ فأي تواصل تريدون؟ هل التواصل الحلال الحق الضروري الذي ذكره الله فقال: وإذا سألتموهن متاعا فسألوهن من وراء حجاب؟ أم هو تواصل من نوع آخر، على أية حال، إذا كان تواصلا من نوع آخر يحتاج لظهور الوجه والعيون وتفسير النظرات والابتسامات إلخخخخ، فهذا تواصل مقيت ما أقره شرع الله ولا ارتضاه الرجال، بل هو عادة المنافقين والمخنثين والفجرة.
وهنا يروق لي أن أسوق لكم قصة بديعة – لعل البعداء يستحيون - رواها الخطيب البغدادي بسنده إلى أبي عبد الله محمد بن أحمد بن موسى القاضي، قال:
حضرت مجلس موسى بن إسحاق القاضي بالري سنة ست وثمانين ومائتين، وتقدمت امرأة فادعى وليها على زوجها خمسمائة دينار مهرا، فأنكر (أي أنكر الزوج).
فقال القاضي: شهودك؟ (أحضر البينة بإحضار شهودك على أداء المهر)
قال: قد أحضرتهم، فاستدعى بعض الشهود أن ينظر إلى المرأة ليشير إليها في شهادته.
فقام الشاهد.
وقال للمرأة قومي!
فقال الزوج: تفعلون ماذا؟ قال الوكيل: ينظرون إلى امرأتك وهي مسفرة (كاشفة الوجه) لتصح عندهم معرفتها.
فقال الزوج: وإني أشهد القاضي أن لها علي هذا المهر الذي تدعيه ولا تسفر عن وجهها، فرُدت المرأة وأُخبرت بما كان من زوجها فقالت المرأة: فإني أشهد القاضي أني قد وهبت له هذا المهر وأبرأته منه في الدنيا والآخرة.
عندما احتاج القاضي للإسفار عن وجه المرأة لتصح شهادة الشهود أقر الزوج بالمهر الذي كان ينكره، لأنه كره أن يراها أجنبي عنها ولو كان ذلك سبيلا لإسقاط المهر عنه.
لقد كانت للعربي نخوة عمل الغربي على سلخه منها وسلخها منه حتى نزع الحجب وتسامح في الاختلاط ثم حدث ما لا يحمده مسلم يخاف الله، وأي مواطن عادي يفتح صفحة الحوادث يرى الجرائم البشعة، ويقول استغفر الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، ولكن لا ينظر إلى العمق القريب: كيف حدثت هذه الجرائم؟ كيف تمت ههذ الخيانات التي قادت للقتل والسجن والعداوة العائلية وإيقاد الفتن الطائفية والقبلية، وهدم البيوت وشيوع اللقطاء، حتى إنك لتجد في الشارع الواحد دارين للأيتام وهذه هي التسمية التجميلية لكلمة اللقطاء في مصرنا المعاصرة.
أما لو كان القصد إلى التواصل الطيب الصالح النافع في حلقات العلم، حيث الأدب والاحتشام ورحم الدين والفضل والتقى، فمعروف أن مبنى هذا التواصل على المعلومة المرسلة [محتوى الرسالة]، وكم من أستاذ/تلميذ كفيف وأستاذة/تلميذة كفيفة أنار الله لهم البصيرة فنفذوا إلى قلوب من يستمع إليهم أو استوعبوا من العلم ما لم يدركه المبصرون، رغم أنه لا تواصل حقيقي لانعدام البصر كلية في المرسل أو المستقبل للرسالة، ولكن الأهم هو المحتوى وطريقة الاتصال الصحيحة باختيار السياق والمدخل وشرح المعلومة وجمال العرض وليس روعة التبرج والنظرات الخائنة.
الشبهة الرابعة: النقاب عدو التقدم والتحضر وانظروا أين نحن من أوربا؟ (صحيح ناس ما تختشيش)
وهذه الشبهة "أخيب" شبههم جميعا، لأنهم نسوا أننا في الخامس من حزيران/يونيو 1967 كنا عراة في التلفزيون وعلى الشواطيء وفي الأفلام والمسلسلات وكان عبده والست عاملينها سداح مداح في الحب والعشق والليل والآهات واللوعات والحرقات والقبلات وفن السباحة تحت الماء، وكانت أزياء الميني جيب والميكرو .. هي التي تسود مدننا بل إن الفتيات الريفيات كن يذهبن إلى المدارس حاسرات سافرات، وللأسف الشديد لم يمنع عنا كل ذلك سهام الهزيمة، ولم يحصن وطننا، ثم أخبروني يا بقية البقية المتبقية من حثالة الحثالة المستنورة: كيف ساد العرب الدنيا بهذه الجلابيب واللحى والنساء الحاجبات الساترات، وكيف أسقطوا عروش كسرى وقيصر، ودانت لهم الدنيا.. ثم أخبروني ماذا قدمتم لمصر والعروبة والإسلام على مدار قرن من الزمان سوى هدم مصر والمتاجرة بقضايا العرب ومعاداة الإسلام.
في ظل نواياكم الخبيثة وجهودكم العارية، وتجارتكم الخاسرة دنيا وآخرة، فقدنا فلسطين، وفقدنا العراق، وفقدنا الصومال، وفقدنا جنوب السودان، وفقدنا الكرامة، وبات العرب يعادي بعضهم بعضا. ألا تنظرون إلى الخريطة المحترقة المتحرقة على الحجاب، بين المغرب والجزائر، والداخل المغربي، واليمن والسعودية، والكويت والعراق والداخل العراقي، والإمارات وإيران، ومصر والسودان، والداخل السواداني وغيرها من المشكلات الرمادية المتوقدة تحت رماد الضغينة من الفتن الطائفية، والحركات الانفصالية، وإحياء القوميات الغابرة، ثم الأمازيغية والكردية والكنعانية وعندنا النوبية والقبطية، وقريبا الصعيدية والبحراوية والباقية تأتي!!!
إن التقدم المعرفي والعلمي لا يعرف لباسا ولا يلتزم بعرق، ولا يعترف بالتاريخ الماضي، ولا ينتسب إلى سلالة بعينها، ولا يتولد في جغرافيا خاصة، ولا يدين بدين خاص، ومشاهد التقدم الموزعة على جغرافيا العالم تقر كل ذلك، فمن اليابان وكوريا الجنوبية مرورا بماليزيا والصين وحتى أوربا وأمريكا، ومن الصاروخ الكوري الشمالي إلى الإيراني والإسرائيلي وحتى الأمريكي لا يدين الصاروخ بدين ولا يلتصق بزي، وهذه بيئات تتنوع تاريخا وثقافة ودينا وسلوكا ولباسا ولكن يجمعها جميعا العمل والإتقان والكفاءة وتقديم الأصلح وليس أهل ولاء وكوسة..
ولنتذكر جميعا أن ألمانيا لم تكن منتقبة عندما خسرت الحرب العالمية، وأن أمريكا هزمت في فيتنام وهي عارية، ولنتذكر أن الحضارة اليونانية القديمة سقطت قديما بعد أن هوت في درك الجنس والعري والشذوذ. اللباس لا يمكن أن يكون عدوا للتقدم ولكنه السلوك العقلي والمزاج الحضاري للأمة هو الذي يصنع التقدم أو يعاديه، وعندما تضيع قيم الكفاءة ويتساوى العامل والمهمل، ويفقد المجتهد حقه في نيل ثمرة اجتهاده يبدأ المجتمع في التخلف وهذا واقع الأمة اليوم، والحجاب والنقاب بريء من كل ذلك.
وحرى بمن يشغلون أنفسهم بالنقاب ومعاداته أن يساعدوا الشباب على إيجاد عمل وفتح بيت وتكوين أسرة وأولى بهم أن ينصحوا المحتكرين وشلة رجال الأعمال ليعيدوا بعضا من حقوق هذا الشعب إليه حتى يمكننا أن نرى طريقا للتقدم.
الشبهة الخامسة: اللصوص والمجرمون يتخفون في النقاب.
إذن، علينا منع من يرتدون البزات ورابطة العنق وهم أميون جهلة، لأن هذا انتحال، وعلينا منع الضباط من لباس الشرطة لأن المجرمين يسرقون به الناس على الطرقات ويقتحمون به البيوت ويروعون به الآمنين. فإذا كان منع ذلك من الحماقة، فمنع النقاب منها كذلك.
ثم إن عدد الجرائم من نوعية التخفي في النقاب عدد لا يذكر، وماذا سيسرق المغلوب المتخفي في النقاب، ولما لا تسألون من امتلكوا آلاف الأفدنة والعقارات عشرات الشركات كيف وصلوا لذلك دون نقاب، أم أن النقاب هو وسيلة السطو الأولى في عرفكم. ولقد ضحكتُ عندما قال لي صديقي المهندس المحترم الفقير المغلوب: لو قلنا لرجال الأعمال سيروا في أرض مصر وامشوا في مناكبها وأمسكوا بالمتر وقيسوا من أرضها وما قستموه ووضعتم عليه الحدود فهو لكم لما امتلكوا في مصر مثل ما امتلكوا خلال العقدين المشئومين الأخيرين، أكانوا يرتدون النقاب وهم يسرقون شعبا ويفقرون أمة ويحكمون بالموت والقهر والجهل والفقر على أجيال من البراء لا ذنب لهم سوى أنهم مصريون؟؟؟
الشبهة السادسة: النقاب ليس دليلا على التدين.
صحيح، ولكن هل التعري علامة على التدين؟ وهل بروز جسد المرأة أمام الناس وتبادل السلامات والابتسامات والجلسات والضحكات هو التدين؟ ثم لماذا تدعون على المنتقبة شيئا لم تدعيه هي، وهل قالت إنها متدينة وإنكم فسقة، ثم إن الإسلام لا ينص على أن مرتدية النقاب معصومة، ولا أن الملتحي معصوم، فإذا كنتم تعتبرون الملتحي متدينا والمنتقبة معصومين فهذا شأنكم وجهلكم فلا تحاسبونا عليه، وإذا كان النقاب وغيره من شعائر الإسلام من رموز حضارتنا ومعالمها فأنتم مدعون إلى حضارتنا التي هي حضارتكم، هذا إن لم تكونوا غيرتم جنسيتكم وربما دينكم واعتنقتم دين ساركوزي وأشباهه، وحينئذ فلا تلومونا على ديننا، فلكم دينكم ولنا ديننا.
الشبهة السابعة: النقاب يعطي انطباعا سيئا عن المرأة المسلمة في الغرب
النقاب شعيرة دينية، وسنة نبوية شريفة، ونحن نعلم أن غير المسلم ربما يتهكم من سجود المسلم على الأرض، ومن عدم استحلاله الربا وهو مكسب معقول للمال مقابل انتفاع المقترض، وربما يسخر من صومنا شهرا كاملا وإمساكنا عن لذة الطعام والشراب والجماع طوال النهار، وكثير هم من يتهمون الإسلام بالوثنية لعدم فهمهم بعض شعائر الحج؛ ما رأي السادة الانطباعيين أن نترك الإسلام حتى نلغي الانطباعات السيئة، أليست هذه حماقة حمقاء عرفنا أولها وإن كنا لا نجهل آخرها.
ولكن دعونا نسأل ببراءة، ألا يلبس اليهود على رأسهم اليامكة اليهودية، ألا يطبع النصارى الصليب على أيديهم كما في مصر وفي هذا أذى للبدن وإيلام له، أليست الصورة المتخيلة لمريم العذراء ترتدي فيها ما يشبه الحجاب الإسلامي حيث تستر رأسها، ألا تنتشر صور الأم تريزا عبر العالم وهي أقرب إلى مسلمة فقيرة ترتدي الحجاب، لماذا لا يأخذ العالم انطباعات سيئة عن كل هؤلاء؟؟
آلاف الملايين يعبدون الحجارة، وملايين أخرى تعبد الحيونات، وملايين لا تدين بدين رغم ما أظهره الله من صدق رسالة النبي وإعجاز القرآن وما ظهر من الآيات الدالة على أن القرآن كلمة الله الخاتمة، ومع كل ذلك يهاجم كثير من المسلمين الإسلام لا لشيء سوى أن يظلوا مع قافلة المجهول، من المجهول للمجهول تقذفنا الرياح فمتى نفيء إلى الله؟ ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق؟
أليس الأحرى بفقهاء العصر الملهمين أن يفتونا عن جهودهم في محاربة الإباحية، وحماية الشباب من الفتنة، ومحاصرة بؤر الرذيلة، أين جهود الموتورين في تيسير الزواج؟ وأين جهودهم في خدمة الأكفاء والموهوبين، أين هم من أبناء هذا الوطن الحزين؟؟ أين هم من آلاف الأسر بلا سكن، وملايين االمسلمين بلا زوج/زوجة، ومئات الألاف من الأطفال بلا عائل، وملايين العاطلين والمتبطلين، أين هم من المسئول العبقري الذي يتقاضى مئات الآلاف ومئات الآلاف من المواطنين الذين يتقاضون ملاليم قليلة كل شهر؟ أين هم من الفساد الضاري؟ من تزوير إرادة الأمة وإعلان الوصاية عليها؟
حقيقة، ليست المشكلة في برقع الوجه ولكن مشكلتنا فيمن لا يستحون وهم يرتدون جلابيب النفاق وبراقع الوطنية ومايوهات الأمانة، بينما هم يخونون الأمة ويبيعون الوطن لقاء ثمن بخس، ويأخذون بنا جميعا إلى الهاوية.
يجب منح المسلمة الحرية في اختيار زيها ومنحها حقها في وظائف الدولة ومكانها اللائق في وسائل الإعلام لتؤدي دورها الحيوي في المجتمع إن لم يكن هذا من باب الانصياع لأوامر الدين الذين تعلنون الإيمان به فعلى الأقل من باب حق الإنسان في اختيار هويته ولباسه وعقيدته، وكما تمنحون الأقلية الخليعة كل الحق في كل شيء داخل الدولة.
إنني أرسل برسالة إلى كل مسلمة ومسلم، إننا في حرب على الوجود الفكري والحضاري والعقدي، وعلى كل فرد من الأمة أن يثبت سلوكا وفكرا ومظهرا أنه موجود وأن الأمة موجودة، إن مظاهر مثل المآذن، ورفع الآذان، واللحى المحمدية، والحجاب، والسواك، هي رموز إسلامية يجب الحرص عليها لنحي حقنا في الحياة ولنخرج بها إلى فضاء الإسلام الأوسع نحو آفاق العلم والمعرفة والريادة.
إنني أدعو كل سافرة بل وأدعو كل مسيحية أن تتحدى إن لم يكن من باب الالتزام الديني فمن باب العصبية القومية واللحمة العربية أن تتحدى النموذج الغريب الوافد، لأن أصحابه ما قدموا لنا إلا الاستعمار، والدمار، والانحلال، والفتن، وعندما رحلوا بجيوشهم أصروا على نشر الاستبداد والعري والخلاعة ومساندة اللصوص والأقزام والانهزاميين والمفسدين في أوطاننا.
أيتها الحبيبة، عودي إلى رحاب حضارتك واحرصي على زي المسلمة والعربية، أيتها المسلمة احرصي على نموذج فاطمة وعائشة وصفية رضي الله عنهن، أيتها المسيحية احرصي على لباس مريم - عليها السلام - وحشمتها وعفافها وأسوتها الطاهرة.. لنعلن معا أننا هنا وإلى الأبد!
Faqeeh2life@yahoo.com
حقيقة لم أكن أود كتابة المزيد عن قضية النقاب، لأنني تصورت أن يعود المتطرفون في معاداتهم للإسلام إلى رشدهم خاصة وأن الحق أبلج، والمسألة أوضح من الشمس. ومع أنهم لم يعودوا بل لا زالوا يعقدون الندوات ويكتبون المقالات وينشرون الضلالات، فلم أعتن بالأمر، ولكن ما دفعني حقيقة لكتابة هذا المقال هو محاورة دارت أمامي تعلن فيها أم مصرية أنها بعد ما سمعت وقرأت لن تقبل أبدا بنقاب ابنتها، لأنه لو كان النقاب حقا ما حاربه الشيخ.. والوزير.. والبعرورة التي أعلنت منذ سنوات في برنامج تلفزيوني شاهدته بنفسي أنها لم تسمع عن أحاديث النهي عن التصوير في حياتها، بالرغم من أن الأحاديث مروية في البخاري ومسلم وباقي دواوين السنة، بالمناسبة كانت في هذا الوقت عميدة، ونأسف لكثير من العمداء الأفاضل أساتذتنا الكرام، حيث انضمت إلى صفوفهم مثل تيك، ولكن تلك صروف الدهر تقلب فينا تارات وتصرف.
بعد ردة الفعل غير الواعية عند بعض الناس أردت في هذه المقالة أن أنشر شبهات المناهضين للنقاب على أساس عقلي وشرعي يسير ومنضبط، وكلمة "أنشر" هنا لها معنيان مقصودان تماما:
الأول: عرض ورق التوت العفن الذي يموهون به على فضيلة النقاب من خلال بيان دعاويهم الباطلة وكلماتهم الفضفاضة المنافقة التي يريدون بها خداع الأبرياء.
الثاني: نشر حججهم بمعني قطعها إربا، ويا ليت من عنده شيء من الإخلاص أن يقر للحق ويخصع لله ولكن للأسف عز الإخلاص ووهن الإيمان.
الشبهات المطروحة:
الأولى: عادة وليس عبادة
الثانية: النقاب قمع للمرأة وسجن لحريتها وتمييز ضدها.
الثالثة: النقاب يمنع التواصل المباشر بين المنتقبة ومن يحادثها.
الشبهة الرابعة: النقاب عدو التقدم والتحضر وانظروا أين نحن من أوربا؟ (صحيح ناس ما تختشيش)
الخامسة: اللصوص والمجرمون يتخفون في النقاب.
السادسة: النقاب ليس دليلا على التدين.
السابعة: النقاب يعطي انطباعا سيئا عن المرأة المسلمة في الغرب
أما الشبهة الأولى فهي أوهى من بيت العنكبوت، وذلك لما يلي:
أولا: النقاب - بمعنى تغطية الوجه - سنة زوجات النبي وهن أطهر الأمة وخيرة نسائها وأمهات المؤمنين، فمن وافقنا على هذه المقدمات:
- أنهن زوجات النبي
- خير نساء الأمة
- أمهات المؤمنين
فعليه أن يسلم بأن تقليدهن سنة متبعة، وطريقة مشروعة، ومن هدي الإسلام، فإن سلم الاقتداء بزوجات النبي وصفوة نساء الأمة وأمهات المؤمنين، فقد كان الحجاب السابغ المغطي للوجه فرضا عليهن، ففي حديث عائشة عند البخاري من حديث عائشة في قصة الإفك: "... فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما أنزل الحجاب فكنت أحمل في هودجي وأنزل فيه فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوته تلك وقفل دنونا من المدينة قافلين آذن ليلة بالرحيل فقمت حين آذنوا بالرحيل فمشيت حتى جاوزت الجيش فلما قضيت شأني أقبلت إلى رحلي فلمست صدري فإذا عقد لي من جزع ظفار قد انقطع فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه قالت وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلوني فاحتملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب عليه وهم يحسبون أني فيه وكان النساء إذ ذاك خفافا لم يهبلن ولم يغشهن اللحم إنما يأكلن العلقة من الطعام فلم يستنكر القوم خفة الهودج حين رفعوه وحملوه وكنت جارية حديثة السن فبعثوا الجمل فساروا ووجدت عقدي بعد ما استمر الجيش فجئت منازلهم وليس بها منهم داع ولا مجيب فتيممت منزلي الذي كنت به وظننت أنهم سيفقدوني فيرجعون إلي فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني من وراء الجيش فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم فعرفني حين رآني وكان رآني قبل الحجاب فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني فخمرت وجهي بجلبابي و والله ما تكلمنا بكلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه..."
فإذا كان هذا واجبا دينيا في حقهن، فلا أقل من أن يكون مندوبا في حق غيرهن، وليس هذا الأمر بمستغرب أو دخيل على الدين، فقد كان قيام الليل فرضا على النبي وهو في حقنا سنة مندوب إليها. ولولا اتباع الدليل ورهبة القول على الله بغير حق لاتبعنا القياس وقلنا بوجوب النقاب على كل المؤمنات لأنهن إليه أحوج من زوجات النبي؛ إذ هن بلا شك أدنى من نساء النبي فضلا ورتبة ودينا وخلقا.
إذا علمت ذلك فالنقاب من الدين، وتقليد أمهات المؤمنين هو الشرف الأسنى والرفعة المثلى: "النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم"، "إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا". فمن تقول على سنة خير نساء المؤمنين بأنها عادة فقد فارق هدى الأمة، واتبع غير سبيل المؤمنين.
فإن قال هي عبادة في حقهن دون غيرهن، قلن له: ما صح في الشرع أن يكون عبادة جاز لكل واحد فعله ما لم ينه عن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، مثل الوصال في الصوم. لما فعله النبي عرفنا أنه عبادة، ففعله الصحابة فكره ذلك النبي ونهاهم عنه، فعلمنا أن التقليد يجوز في العبادة إن لم يكن على وجه الوجوب فعلى السنية والندب ما لم ينه النبي، والنبي ما نهى أحدا عن تغطية الوجه إلا المرأة المحرمة في الحج.
ثانيا: النقاب كان على عهد النبي ورآه وأقره، وفي البخاري: لا تنتقب المحرمة، وهو يفيد أن النقاب كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينه عنه إلا المحرمة، فهذا دليل مشروعية بسبيل الإقرار، كما أخرج أبو داود بسنده أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقال لها أم خلاد وهي منتقبة تسأل عن ابنها وهو مقتول فقال لها بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم جئت تسألين عن ابنك وأنت منتقبة فقالت: إن أرزأ (أصاب بمقتل) ابني، فلن أرزأ (أُصاب بفقد) حيائي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ابنك له أجر شهيدين. قالت: ولم ذاك يا رسول الله؟ قال: لأنه قتله أهل الكتاب"، وهو ضعيف، ويستأنس لذلك بقصة إجلاء بني قينقاع حيث راود اليهودي العربية عن كشف وجهها، ويستأنس لذلك بقصة مبايعة هند زوج أبي سفيان وهي منتقبة، وهذان الأثران وإن كانا ضعيفين إلا إنهما يدلان مع الحديث الصحيح السابق على أصل الوجود، وعليه عمل الأمة بعد ذلك، وهو الذي حكاه الأئمة في تفسير آية الأحزاب في صفة الإدناء.
ثالثا: ما ورد في التفاسير المعتمدة من ذهاب بعض الصحابة والتابعين إلى وجوب تغطية الوجه، ومعلوم أنه لا يجوز تسفيه آراء أهل العلم ولا السخرية من مذاهب الصحابة والتابعين ولو كانت مرجوحة، لأن خلاف الصحابي وإن جاز فلا يجوز تسفيه قوله. فإذا علمنا ذلك، تقرر أن تغطية الوجه والنقاب والبرقع والنصيف وغيرها من المسميات من الأمور المشروعة المندوب إليها لدخولها تحت الأصل الواجب وهو فرض الستر على المرأة، ومن زاد على الواجب فهو خير له. ولا يرد علينا متفيقه فيقول الزيادة على أربعة في الصلاة مبطلة وعلى ثلاث مرات في الوضوء مكروهة، لعلمنا بأن تلك الزيادة مخالفة للنص وهذا سبب البطلان والكراهة.
ولذلك يجوز للمسلم أن يخرج مالا أكثر مما وجب عليه في الزكاة، ويكون من الصدقات المندوبة، ويجوز أن يذبح أكثر من أضحية والواجب يتأتى بواحدة، ويجوز أن يصوم بعد رمضان ما شاء ما دام قد أفطر أيام العيدين، ويجوز أن يزيد في صلاة النافلة عن السنن المرتبة كأن يصلي ثمانية قبل الظهر أو ستة قبل العصر، أو خمسة عشر ركعة في قيام الليل، كل ذلك جائز ومندوب لإتيانه على الأصل المشروع دون نكير وعلى هذا صلى المسلمون التراويح ثلاثا وعشرين ركعة وبلغوا بها ثلاثا وأربعين وأكثر من ذلك، لعلمهم بهذا الأصل.
علمنا من ذلك كله أن زيادة الستر من زيادة الخير، فيكون النقاب من الدين لا يماري في ذلك فقيه ولا ينكر ذلك أحد من أهل العلم، أما فوضى الفتاوي وإصدار الصحافيين والطباخين والمشخصاتية والعمال والفلاحين الفتاوى على فضائيات المسخرة العربية، والصحف الأموية العربية فهذه الظاهرة تنسجم مع الفوضى الحضارية التي نعيشها حيث يعمل الدجالون عمل الأطباء، ودبلومات الصنايع مهندسين معماريين، وخريجي الفلسفة في وزارة التموين، وخريجي الزراعة مذيعين في الإذاعة والتلفزيون إلى آخر منظومة الفوضى التي لا تخفى عليكم.
ولو أن كل إنسان استمع إلى ثقات أهل العلم، لما صرنا لهذه المهزلة، وعلى سبيل المثال برنامج بريد الإسلام بإذاعة القرآن الكريم المصرية، برنامج رائع وراشد، حيث يجيب أساتذة الشريعة على فتاوى المستمعين حسب أقوال أهل العلم ورجوعا بالأقوال إلى مصادرها ونسبتها إلى قائليها على هدى الشريعة وعلم الأصول وقواعد الفقهاء، وسماحة أهل العلم والفقه.
أما أهل المسخرة والحنطرة والدغدغة فيقول أحدهم: أعتقد، أظن، أزعم، ويظن أنه أول الظانين، ومقدمة الزاعمين، وطليعة المعتقدين، إلا إنه بالقطع لا يعلم أنه من الأفاكين العاطلين، والله المستعان على الجاهلين.
تبين أن النقاب من الدين، وأنه ليس دخيلا على الإسلام، وليس مجرد عادة لا علاقة لها بالدين بل عادة أقرها النبي فصارت من السنة كما هو تعريف السنة عند العلماء، كما أنه أمر القرآن لنساء النبي وهن صفوة نساء الأمة، والاقتداء بهن من الفلاح والصلاح ولا ريب في ذلك.
الشبهة الثانية: النقاب قمع للمرأة وسجن لحريتها وتمييز ضدها.
والرد من وجوه:
الأول: دراسة الحال، فنقول: سلوا كل منتقبة هل فرض أحد عليها النقاب حتى يكون ذلك قمعا لها، وسجنا لحريتها..
فإن كان الجواب: نعم، قلنا لها اخلعي النقاب والتزمي ما فرض الله من الحجاب، وإن قالت: لا، قلنا لها: أنت في حل، تختاري ما تشائين مما أحل الله، ورضب به رسول الله، فإن رضيت لنفسك ما رضي الله ورسوله لأمهاتنا زوجات النبي فقد بؤت بالشرف الأسمى والقدوة الأعلى.
الثاني: لم يفرض النقاب أحد في مجتمعنا، بل عادت المسلمات الطاهرات طواعية بإرادتهن إلى ميراثهن الأصيل، وفاءت الأمة إلى نبعها الطهور، وتركت اللاهثين واللاهثات خلف تقاليد الأمم التي استعمرتنا وأهانت ديننا وقتلت أهلنا لشأنهم، إنه التحدي أيها السادة: هل نحن موجودون، شكلا وزيا وسلوكا وتدينا وحياة أم لا؟ فأين القمع والسجن!!
الثالث: دعونا نسأل: هل التمييز ضد المرأة يتم من خلال لباس بعينه؟ لو كان الأمر كذلك، فلما لا يكون القمع في الملابس الخليعة التي تحبس حركة المرأة وتجلب لها أنظار الناس، وتغرس الفتن في المجتمع؟ ولما لا يكون التمييز في براثن الأزياء القسرية المساة بالعصرية والتي يتفنن فيها المصممون المخنثون في إبراز جسد المرأة وعرضه فيها كما السلع الرخيصة، أليس ذلك تمييزا ضدها وتسليعا (جعلها سلعة) لها؟
رابعا: عندما يرفض المسئولون عن المدن الجامعية دخول المتقبة رغم موافقتها غير المشروطة على التحقق من شخصيتها، وعندما يرفض التلفزيون المصري - الذي يفترض حسب قوانين الانتخابات أن يمثل أغلبية الشعب - أن تكون مذيعاته محجبات ولا نقول منتقبات، وعندما يتم محاربة المرشحة المحجبة في مدينة نصر ألا يعد ذلك تمييزا ضد المنتقبات والمحجبات، من يميز ضد من؟؟
نسبة المحجبات تتعدى 80 % ونسبة المنتقبات تقارب 10% وهي في زيادة مطردة بفضل الله، فلماذا التمييز ضد هذه الفئات المحترمة التي ترفض التغرب والذوبان، هذه الفئات هي التي تلد من يدافعون عن تراب الوطن ومن يجتهدون لرفعة الوطن ومن يقضون أعمارهم في سبيل الأمة، وهم مع ذلك من يتم التمييز ضدهم حرمانا من حقوق المواطنة المشروعة ومن الوظائف والاستحقاقات التي يفترض أن الحجاب أو النقاب لا يمكن أن يكون مانعا منها.
ندعو الله ألا يصدر قانون يمنع المحجبات من حق التصويت!!!
الشبهة الثالثة: النقاب يمنع التواصل المباشر بين المنتقبة ومن يحادثها
هنا أسأل السادة التواصليين الوصوليين الكباااااار، أي نوع من التواصل تريدون؟ أنا بريء للغاية، وساذج وريفي ونيتي سليمة؟ فأي تواصل تريدون؟ هل التواصل الحلال الحق الضروري الذي ذكره الله فقال: وإذا سألتموهن متاعا فسألوهن من وراء حجاب؟ أم هو تواصل من نوع آخر، على أية حال، إذا كان تواصلا من نوع آخر يحتاج لظهور الوجه والعيون وتفسير النظرات والابتسامات إلخخخخ، فهذا تواصل مقيت ما أقره شرع الله ولا ارتضاه الرجال، بل هو عادة المنافقين والمخنثين والفجرة.
وهنا يروق لي أن أسوق لكم قصة بديعة – لعل البعداء يستحيون - رواها الخطيب البغدادي بسنده إلى أبي عبد الله محمد بن أحمد بن موسى القاضي، قال:
حضرت مجلس موسى بن إسحاق القاضي بالري سنة ست وثمانين ومائتين، وتقدمت امرأة فادعى وليها على زوجها خمسمائة دينار مهرا، فأنكر (أي أنكر الزوج).
فقال القاضي: شهودك؟ (أحضر البينة بإحضار شهودك على أداء المهر)
قال: قد أحضرتهم، فاستدعى بعض الشهود أن ينظر إلى المرأة ليشير إليها في شهادته.
فقام الشاهد.
وقال للمرأة قومي!
فقال الزوج: تفعلون ماذا؟ قال الوكيل: ينظرون إلى امرأتك وهي مسفرة (كاشفة الوجه) لتصح عندهم معرفتها.
فقال الزوج: وإني أشهد القاضي أن لها علي هذا المهر الذي تدعيه ولا تسفر عن وجهها، فرُدت المرأة وأُخبرت بما كان من زوجها فقالت المرأة: فإني أشهد القاضي أني قد وهبت له هذا المهر وأبرأته منه في الدنيا والآخرة.
عندما احتاج القاضي للإسفار عن وجه المرأة لتصح شهادة الشهود أقر الزوج بالمهر الذي كان ينكره، لأنه كره أن يراها أجنبي عنها ولو كان ذلك سبيلا لإسقاط المهر عنه.
لقد كانت للعربي نخوة عمل الغربي على سلخه منها وسلخها منه حتى نزع الحجب وتسامح في الاختلاط ثم حدث ما لا يحمده مسلم يخاف الله، وأي مواطن عادي يفتح صفحة الحوادث يرى الجرائم البشعة، ويقول استغفر الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، ولكن لا ينظر إلى العمق القريب: كيف حدثت هذه الجرائم؟ كيف تمت ههذ الخيانات التي قادت للقتل والسجن والعداوة العائلية وإيقاد الفتن الطائفية والقبلية، وهدم البيوت وشيوع اللقطاء، حتى إنك لتجد في الشارع الواحد دارين للأيتام وهذه هي التسمية التجميلية لكلمة اللقطاء في مصرنا المعاصرة.
أما لو كان القصد إلى التواصل الطيب الصالح النافع في حلقات العلم، حيث الأدب والاحتشام ورحم الدين والفضل والتقى، فمعروف أن مبنى هذا التواصل على المعلومة المرسلة [محتوى الرسالة]، وكم من أستاذ/تلميذ كفيف وأستاذة/تلميذة كفيفة أنار الله لهم البصيرة فنفذوا إلى قلوب من يستمع إليهم أو استوعبوا من العلم ما لم يدركه المبصرون، رغم أنه لا تواصل حقيقي لانعدام البصر كلية في المرسل أو المستقبل للرسالة، ولكن الأهم هو المحتوى وطريقة الاتصال الصحيحة باختيار السياق والمدخل وشرح المعلومة وجمال العرض وليس روعة التبرج والنظرات الخائنة.
الشبهة الرابعة: النقاب عدو التقدم والتحضر وانظروا أين نحن من أوربا؟ (صحيح ناس ما تختشيش)
وهذه الشبهة "أخيب" شبههم جميعا، لأنهم نسوا أننا في الخامس من حزيران/يونيو 1967 كنا عراة في التلفزيون وعلى الشواطيء وفي الأفلام والمسلسلات وكان عبده والست عاملينها سداح مداح في الحب والعشق والليل والآهات واللوعات والحرقات والقبلات وفن السباحة تحت الماء، وكانت أزياء الميني جيب والميكرو .. هي التي تسود مدننا بل إن الفتيات الريفيات كن يذهبن إلى المدارس حاسرات سافرات، وللأسف الشديد لم يمنع عنا كل ذلك سهام الهزيمة، ولم يحصن وطننا، ثم أخبروني يا بقية البقية المتبقية من حثالة الحثالة المستنورة: كيف ساد العرب الدنيا بهذه الجلابيب واللحى والنساء الحاجبات الساترات، وكيف أسقطوا عروش كسرى وقيصر، ودانت لهم الدنيا.. ثم أخبروني ماذا قدمتم لمصر والعروبة والإسلام على مدار قرن من الزمان سوى هدم مصر والمتاجرة بقضايا العرب ومعاداة الإسلام.
في ظل نواياكم الخبيثة وجهودكم العارية، وتجارتكم الخاسرة دنيا وآخرة، فقدنا فلسطين، وفقدنا العراق، وفقدنا الصومال، وفقدنا جنوب السودان، وفقدنا الكرامة، وبات العرب يعادي بعضهم بعضا. ألا تنظرون إلى الخريطة المحترقة المتحرقة على الحجاب، بين المغرب والجزائر، والداخل المغربي، واليمن والسعودية، والكويت والعراق والداخل العراقي، والإمارات وإيران، ومصر والسودان، والداخل السواداني وغيرها من المشكلات الرمادية المتوقدة تحت رماد الضغينة من الفتن الطائفية، والحركات الانفصالية، وإحياء القوميات الغابرة، ثم الأمازيغية والكردية والكنعانية وعندنا النوبية والقبطية، وقريبا الصعيدية والبحراوية والباقية تأتي!!!
إن التقدم المعرفي والعلمي لا يعرف لباسا ولا يلتزم بعرق، ولا يعترف بالتاريخ الماضي، ولا ينتسب إلى سلالة بعينها، ولا يتولد في جغرافيا خاصة، ولا يدين بدين خاص، ومشاهد التقدم الموزعة على جغرافيا العالم تقر كل ذلك، فمن اليابان وكوريا الجنوبية مرورا بماليزيا والصين وحتى أوربا وأمريكا، ومن الصاروخ الكوري الشمالي إلى الإيراني والإسرائيلي وحتى الأمريكي لا يدين الصاروخ بدين ولا يلتصق بزي، وهذه بيئات تتنوع تاريخا وثقافة ودينا وسلوكا ولباسا ولكن يجمعها جميعا العمل والإتقان والكفاءة وتقديم الأصلح وليس أهل ولاء وكوسة..
ولنتذكر جميعا أن ألمانيا لم تكن منتقبة عندما خسرت الحرب العالمية، وأن أمريكا هزمت في فيتنام وهي عارية، ولنتذكر أن الحضارة اليونانية القديمة سقطت قديما بعد أن هوت في درك الجنس والعري والشذوذ. اللباس لا يمكن أن يكون عدوا للتقدم ولكنه السلوك العقلي والمزاج الحضاري للأمة هو الذي يصنع التقدم أو يعاديه، وعندما تضيع قيم الكفاءة ويتساوى العامل والمهمل، ويفقد المجتهد حقه في نيل ثمرة اجتهاده يبدأ المجتمع في التخلف وهذا واقع الأمة اليوم، والحجاب والنقاب بريء من كل ذلك.
وحرى بمن يشغلون أنفسهم بالنقاب ومعاداته أن يساعدوا الشباب على إيجاد عمل وفتح بيت وتكوين أسرة وأولى بهم أن ينصحوا المحتكرين وشلة رجال الأعمال ليعيدوا بعضا من حقوق هذا الشعب إليه حتى يمكننا أن نرى طريقا للتقدم.
الشبهة الخامسة: اللصوص والمجرمون يتخفون في النقاب.
إذن، علينا منع من يرتدون البزات ورابطة العنق وهم أميون جهلة، لأن هذا انتحال، وعلينا منع الضباط من لباس الشرطة لأن المجرمين يسرقون به الناس على الطرقات ويقتحمون به البيوت ويروعون به الآمنين. فإذا كان منع ذلك من الحماقة، فمنع النقاب منها كذلك.
ثم إن عدد الجرائم من نوعية التخفي في النقاب عدد لا يذكر، وماذا سيسرق المغلوب المتخفي في النقاب، ولما لا تسألون من امتلكوا آلاف الأفدنة والعقارات عشرات الشركات كيف وصلوا لذلك دون نقاب، أم أن النقاب هو وسيلة السطو الأولى في عرفكم. ولقد ضحكتُ عندما قال لي صديقي المهندس المحترم الفقير المغلوب: لو قلنا لرجال الأعمال سيروا في أرض مصر وامشوا في مناكبها وأمسكوا بالمتر وقيسوا من أرضها وما قستموه ووضعتم عليه الحدود فهو لكم لما امتلكوا في مصر مثل ما امتلكوا خلال العقدين المشئومين الأخيرين، أكانوا يرتدون النقاب وهم يسرقون شعبا ويفقرون أمة ويحكمون بالموت والقهر والجهل والفقر على أجيال من البراء لا ذنب لهم سوى أنهم مصريون؟؟؟
الشبهة السادسة: النقاب ليس دليلا على التدين.
صحيح، ولكن هل التعري علامة على التدين؟ وهل بروز جسد المرأة أمام الناس وتبادل السلامات والابتسامات والجلسات والضحكات هو التدين؟ ثم لماذا تدعون على المنتقبة شيئا لم تدعيه هي، وهل قالت إنها متدينة وإنكم فسقة، ثم إن الإسلام لا ينص على أن مرتدية النقاب معصومة، ولا أن الملتحي معصوم، فإذا كنتم تعتبرون الملتحي متدينا والمنتقبة معصومين فهذا شأنكم وجهلكم فلا تحاسبونا عليه، وإذا كان النقاب وغيره من شعائر الإسلام من رموز حضارتنا ومعالمها فأنتم مدعون إلى حضارتنا التي هي حضارتكم، هذا إن لم تكونوا غيرتم جنسيتكم وربما دينكم واعتنقتم دين ساركوزي وأشباهه، وحينئذ فلا تلومونا على ديننا، فلكم دينكم ولنا ديننا.
الشبهة السابعة: النقاب يعطي انطباعا سيئا عن المرأة المسلمة في الغرب
النقاب شعيرة دينية، وسنة نبوية شريفة، ونحن نعلم أن غير المسلم ربما يتهكم من سجود المسلم على الأرض، ومن عدم استحلاله الربا وهو مكسب معقول للمال مقابل انتفاع المقترض، وربما يسخر من صومنا شهرا كاملا وإمساكنا عن لذة الطعام والشراب والجماع طوال النهار، وكثير هم من يتهمون الإسلام بالوثنية لعدم فهمهم بعض شعائر الحج؛ ما رأي السادة الانطباعيين أن نترك الإسلام حتى نلغي الانطباعات السيئة، أليست هذه حماقة حمقاء عرفنا أولها وإن كنا لا نجهل آخرها.
ولكن دعونا نسأل ببراءة، ألا يلبس اليهود على رأسهم اليامكة اليهودية، ألا يطبع النصارى الصليب على أيديهم كما في مصر وفي هذا أذى للبدن وإيلام له، أليست الصورة المتخيلة لمريم العذراء ترتدي فيها ما يشبه الحجاب الإسلامي حيث تستر رأسها، ألا تنتشر صور الأم تريزا عبر العالم وهي أقرب إلى مسلمة فقيرة ترتدي الحجاب، لماذا لا يأخذ العالم انطباعات سيئة عن كل هؤلاء؟؟
آلاف الملايين يعبدون الحجارة، وملايين أخرى تعبد الحيونات، وملايين لا تدين بدين رغم ما أظهره الله من صدق رسالة النبي وإعجاز القرآن وما ظهر من الآيات الدالة على أن القرآن كلمة الله الخاتمة، ومع كل ذلك يهاجم كثير من المسلمين الإسلام لا لشيء سوى أن يظلوا مع قافلة المجهول، من المجهول للمجهول تقذفنا الرياح فمتى نفيء إلى الله؟ ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق؟
أليس الأحرى بفقهاء العصر الملهمين أن يفتونا عن جهودهم في محاربة الإباحية، وحماية الشباب من الفتنة، ومحاصرة بؤر الرذيلة، أين جهود الموتورين في تيسير الزواج؟ وأين جهودهم في خدمة الأكفاء والموهوبين، أين هم من أبناء هذا الوطن الحزين؟؟ أين هم من آلاف الأسر بلا سكن، وملايين االمسلمين بلا زوج/زوجة، ومئات الألاف من الأطفال بلا عائل، وملايين العاطلين والمتبطلين، أين هم من المسئول العبقري الذي يتقاضى مئات الآلاف ومئات الآلاف من المواطنين الذين يتقاضون ملاليم قليلة كل شهر؟ أين هم من الفساد الضاري؟ من تزوير إرادة الأمة وإعلان الوصاية عليها؟
حقيقة، ليست المشكلة في برقع الوجه ولكن مشكلتنا فيمن لا يستحون وهم يرتدون جلابيب النفاق وبراقع الوطنية ومايوهات الأمانة، بينما هم يخونون الأمة ويبيعون الوطن لقاء ثمن بخس، ويأخذون بنا جميعا إلى الهاوية.
يجب منح المسلمة الحرية في اختيار زيها ومنحها حقها في وظائف الدولة ومكانها اللائق في وسائل الإعلام لتؤدي دورها الحيوي في المجتمع إن لم يكن هذا من باب الانصياع لأوامر الدين الذين تعلنون الإيمان به فعلى الأقل من باب حق الإنسان في اختيار هويته ولباسه وعقيدته، وكما تمنحون الأقلية الخليعة كل الحق في كل شيء داخل الدولة.
إنني أرسل برسالة إلى كل مسلمة ومسلم، إننا في حرب على الوجود الفكري والحضاري والعقدي، وعلى كل فرد من الأمة أن يثبت سلوكا وفكرا ومظهرا أنه موجود وأن الأمة موجودة، إن مظاهر مثل المآذن، ورفع الآذان، واللحى المحمدية، والحجاب، والسواك، هي رموز إسلامية يجب الحرص عليها لنحي حقنا في الحياة ولنخرج بها إلى فضاء الإسلام الأوسع نحو آفاق العلم والمعرفة والريادة.
إنني أدعو كل سافرة بل وأدعو كل مسيحية أن تتحدى إن لم يكن من باب الالتزام الديني فمن باب العصبية القومية واللحمة العربية أن تتحدى النموذج الغريب الوافد، لأن أصحابه ما قدموا لنا إلا الاستعمار، والدمار، والانحلال، والفتن، وعندما رحلوا بجيوشهم أصروا على نشر الاستبداد والعري والخلاعة ومساندة اللصوص والأقزام والانهزاميين والمفسدين في أوطاننا.
أيتها الحبيبة، عودي إلى رحاب حضارتك واحرصي على زي المسلمة والعربية، أيتها المسلمة احرصي على نموذج فاطمة وعائشة وصفية رضي الله عنهن، أيتها المسيحية احرصي على لباس مريم - عليها السلام - وحشمتها وعفافها وأسوتها الطاهرة.. لنعلن معا أننا هنا وإلى الأبد!
Faqeeh2life@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق