عطا مناع
أثبتت السنوات الأخيرة أن هناك دور للصحافة والإعلام في الصراعات الدائرة وخاصة في منطقة الشرق الأوسط، وذلك بكشف الجرائم التي ترتكب بحق الشعوب العربية سواء من الدول المعتدية أو الطبقات السياسية التي تساوقت معها، مما شكل رأي عام تحول من كرة الثلج إلى كرة النار التي أصبحت ترعب الأنظمة العربية وتضع تحركاتها تحت مجهر الصحافة وبالتالي نقل الحقيقة إلى الشعوب التي أصبحت مدركة للشعارات المضللة التي تطرحها الطبقات المتنفذة، مما أسقطت ورقة التوت التي تستر الجرائم التي تحاك في الغرف الخلفية بالتنسيق مع أجهزة المخابرات العالمية التي لقيت ضالتها في منطقتنا، وهذا ساعدها من الناحية العملية تنفيذ أهدافها الاستعمارية المتمثلة بنهب خيراتنا وإبقاءنا غارقين في مشاكلنا التي لا تكاد تنتهي.
أدق مثال على القوة الكامنة في الإعلام العربي ، استهداف قوات الاحتلال الأمريكي في العراق الصحافيين بالقتل والاعتقال سواء بشكل مباشر أو من خلال المليشيات التابعة للاحتلال، ولا زالت عملية اغتيال الصحفي طارق أيوب من قبل جيش الاحتلال الأمريكي ماثلة في أذهان الكثيرين،ناهيك عن الفضيحة التي ألمت بالرئيس الأمريكي جورج بوش ورئيس وزراء بريطانيا السابق توني بلير اللذان خططا لقصف مقر الجزيرة الفضائية في قطر، ومنع الحكومات المعينة للعراق بعض الفضائيات وبالتحديد الجزيرة من تغطية جرائم القتل والتطهير العرقي في العراق، إضافة إلى اعتقال الصحافيين واغتيالهم واستخدام سياسة العصا والجزرة تجاه الإعلاميين.
كانت حرب دولة الاحتلال الإسرائيلي على لبنان احد المحطات الهامة للإعلام الملتزم الذي نقل وبشكل متواصل الجرائم والمذابح والعربدة الإسرائيلية والخنوع العربي، وهذا النمط الغريب على بعض العرب لم يعجب الكثيرين من الذين تورطوا مع الولايات المتحدة وإسرائيل سواء بالكلمة أو الموقف الذي عري على الهواء مباشرة لدرجة أن طائرات الاحتلال قصفت مبنى تلفزيون النار التابع لحزب الله الذي أجاد اللعبة الإعلامية مما أزعج الطبقات المتناقضة مع نهج المقاومة، وشكل حالة من الالتفاف الجماهيري الواسع حول المحطات التي سارت ضد التيار التقليدي وتجاوزت المدرسة الإعلامية المطبلة والمزمرة ليل نهار لأصحاب الفخامة .
وفي فلسطين حدث ولا حرج، فالكلمة العليا للعصا، لينقسم الإعلام ما بين مؤيد لغزة ومساند للضفة، لتسود حالة غير مسبوقة من الانتهاكات التي أدت إلى إصابة زملاء صحفيين بإصابات خطيرة، ومنع بعض الصحف من التوزيع تحت شعار أنها لا تتوخى الحقيقة، بل ذهب بعض السياسيين لشن هجمة على الفضائيات التي لا تنسجم مع رؤيته السياسية، وكان المشكلة في وسائل الإعلام وليس في هؤلاء الذين يريدون أن يصادروا حرية الرأي والصحافة ليتسنى لهم ممارسة جرائمهم سياسية كانت أم حقوقية، حيث وصل الأمر إلى اتهام وسائل الإعلام بالعمالة والارتباط بالأجنبي في محاولة لترحيل الأزمة ونقلها لطرف لا علاقة له بما يجري سوى نقل الواقع كما هو إلى الناس.
لا يمكن فصل ما يجري على الساحة العربية من انتهاك واعتقال ومحاكمة الصحافيين في مصر عن أجواء التسوية والتفريط التي تهب على المنطقة، وخاصة أن السنوات العشر الأخيرة شهدت نهضة إعلامية عربية تميزت بإطلاق قنوات فضائية ساهمت في إعادة صياغة الفكر لدي المواطن العربي ووضع حقائق ما يعيشه الشارع السياسي العربي في كل بيت، وقد أعاد الإعلام العربي العافية إلى الشعور القومي، وقد تفجر هذا الشعور خلال الحرب على لبنان بخروج مئات الآلاف من كافة أنحاء الوطن العربي للتنديد بالعدوان والوقوف إلى جانب حزب الله رغم الشعارات الطائفية التي حاولت الحد من هذا التعاطف، وقبل لبنان كان العراق وفلسطين حيث التفاعل العربي رغم محاولات التعتيم الإعلامي ومقص الرقيب، وهذا الوضع لن يعجب الحكومات وسيعكر أجواء التقارب بين الحكومات العربية التي تتلهف في تطبيع علاقاتها مع إسرائيل على حساب الحقوق العربية والفلسطينية.
الديمقراطية الكذابة في العالم العربي تلفظ أنفاسها، والصراع الطبقي الذي يأخذ أشكالا مختلفة، والإعلام سيكون مزعجا للإطراف المتصارعة التي تريد الوصول إلى أهدافها بكل الطرق وبدون إزعاج، والإعلام من الأطراف المزعجة للإطراف المتصارعة المختلفة على كل شيء ومتفقة على إطلاق رصاصة الرحمة على الحقيقة، وسيتجلى ذلك بأوضح صورة في مناطق الصراع وبالتحديد فلسطين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق