محمد داود
من جيل إلى جيل لم يتوقف الشعب الفلسطيني عن الدفاع الباسل عن وطنه، ولقد كانت ثورات شعبنا المتلاحقة تجسيداً بطولياً لإرادة الاستقلال الوطني، حتى وصل العجز داخلياً وخارجياً من صنع أي فيتو أو فرض الإرادة على هذا الشعب المكافح، سواء في الداخل أو الخارج، بل المصلحة العامة هي التي تفرض نفسها، لا سيما وأننا نحن الفلسطينيون حُرمنا على مدى قرن كامل من أن نكون، وأن يكون لنا تواجد أو يشار إلينا جغرافياً وديمغرافياً.، بفعل السياسة الدولية الظالمة التي كانت أقوى بكثير من الرغبات الشعبية والوطنية الصغيرة فمزقت أرضنا بهتاناً وزوراً من أجل ظلم وزور مصلحة أشد، هو بناء وطنناً قومياً لليهود في فلسطين على حساب الأراضي والحقوق الفلسطينية.
بالتالي كانت الحاجة بأن يكون هناك أساطير دوماً، لأنه ضرورتهم ملحة كأي شيء ضروري، ولأنهم لا يستكينون أمام ضعف الإمكانيات ولا خذلان الجهات المسببة في الأزمة الفلسطينية،... فبفعل هذا الظلم أراد الشعب الفلسطيني أن يدافع عن حقه وعرضه وهويته وكينونته، فكانت ثوراته المستمرة ضد الاستعمار، وثوراته ضد المخططات الصهيونية منها: ثورة الـ20، و الـ29 و الـ36 ثم انطلاقة ثورة ألأول من فاتح عام 65، وانتفاضة الحجارة الفلسطينية عام 87، ثم انتفاضة الأقصى الأولى عام 98، وانتفاضة الأقصى الحالية التي تفجرت شراراتها قبل عام 2000م بشهرين على ألأقل، هذه الانتفاضات الشعبية الجماهيرية المتواصلة ، هي رأسمالنا الأساسي كما قال عنها الرمز "أبو عمار"، منذ فجر التاريخ المعاصر أثبت أن الشعب الفلسطيني صاحب تجربة وتخضرم في صنع الانتفاضات ولن يقبل الظلم مهما كانت قسوته أو مصدره، يقبل التحدي ويفتخر بصناعته للمقاومة لا يأبه الحصار ولا الفقر ولا الموت من أجل الحفاظ على كرامته وحريته ونيل استقلاله،...
وقد شاء القدر أن يرزق الشعب الفلسطيني بشخصيات قيادية وثورية قادت المشاريع النضالية بحنكة عسكرية، وبتميز سياسي من الطراز الأول، مما ساعدته في الهبات والانتفاضات الجماهيرية الرافضة للاستعمار والاحتلال على مر التاريخ. لقد أتسم النصف الأخير من القرن المنصرم، أسواء أحواله اتجاه القضية الفلسطينية، بدءاً من حرب عام 48 وقيام دولة إسرائيل وهزيمة الجيوش العربية، ومن ثم هزيمة عام 67 واحتلال ما تبقى من الأراضي الفلسطينية "الضفة والقطاع " وأجزاء من الأراضي العربية، وعدوان 56م وحرب 73م وصولاً إلى معارك جرش وعجلون عام 71م ثم انتقال قيادة الثورة ونقلها العسكري إلى لبنان،... وفيها قال الشهيد القائد ياسر عرفات مقولته الشهيرة "يا ساريا الجبل ... الجبل ......، وتلاها إعلان الدولة الفلسطينية على أي جزء يتم تحريره عندما صعد الشهيد ياسر عرفات منبر ألأمم المتحدة عام 74م مروراً بالصمود في لبنان وحرب المخيمات الأولى والثانية، فاستمرت الثورة شموخاً ثم حصار بيروت ومنه إلى طرابلس ثم تونس، فحمام الشط ومحاولة القضاء على قائد المسيرة " أبو عمار" ثم أوسلو والعودة للوطن إلى كامب ديفيد ثم معركة المقاطعة في رام الله، وحصار الرئيس الذي يحتذي بصموده اليوم وبشجاعته وصبره داخل المقاطعة أمام جبروت الاحتلال.
هذا الصمود الذي اشتدت ذروته عندما حوصر قائد مسيرتنا لأكثر من 80 يوماً في لبنان وأتبعها بأخرى في المقاطعة منذ عام 2002-2004م، فخرجت الجماهير الفلسطينية من كل حدب وصوب لتعلن تضامنها مع قائد مسيرتها، ولتآزره وتثني على صموده الذي تحاكها كل البشر بأسمى معاني الشموخ والكبرياء وفي تحديه لآلة الصهيونية التي أخذت تهدم الجدران عليه، وبقيت كوفيته رمزاً ولم تسقط.
كان على ثقة تامة بشعبه فنعته """ بشعــــــب الجـــــبارين""" لأنه لا يمكن أن يستكين أو يقبل بالجبروت مهما كانت قسوته، وكما رددتها سيدي الشهيد لجماهير شعبنا "حتى يرفع شبل أو زهرة علم فلسطين خفاقاً فوق أسوار القدس وكنائس القدس، عاصمة دولتنا الفلسطينية المستقلة"، لاشك ترجلت ولم تسقط كوفيتك، ترجلت وسيسعى شعبك يذكُرك رمزاً عصياً رغم المحاولات لمحو ذكراك وأسمك وإمبراطوريتك العملاقة ومشروعنا الذي هو حلمك كما حلم وأمنية كل طفل فلسطيني يخرج إلى النور، نحو إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف.
عملت سيدي الرئيس الشهيد على إرساء دعائم الوحدة الوطنية الفلسطينية التي نستشعر بأهميتها في هذه اللحظات التاريخية والمصيرية من تاريخ شعبنا نحو تحقيق أمالك التي وضعتنا على أبوابها.، وإرساء دعائم الشرعية الفلسطينية ودعائم الدولة الفلسطينية العتيدة وإرساء روح التماسك بالحقوق وعدم التنازل عنها تحت أقسى الظروف، فطرحت الوحدة على أرض المعركة والبنادق ... كل البنادق نحو العدو بعيداً عن سفك الدماء الفلسطينية، كنت حريصاً على زج كافة القوى بالمعركة الطويلة القاسية ولذلك حُرم الدم الفلسطيني فكان من حميم أولوياتك وقناعاتك الذي عملت إسرائيل على تغذيتها والتلاعب على تناقضاتها في اتجاه الحرب الأهلية وانتهاك حُرمة الدم، لذلك كان الهدف أن يشطب أسمك من السجل الفلسطيني إلا أنهم اكتشفوا أنهم على خطأ كبير، بعد أن استوعبوا أن الرموز التاريخية لا تشطب حتى الموت الذي هو حق على كل كائن بشري يبقى أسمها من التاريخ.
هذا الرصيد الفلسطيني المتواصل والمحفز المليء بالشجاعة والبطولة والصمود الأسطوري رفع الإدراك الإنساني بالحقيقة الفلسطينية وبالحقوق الفلسطينية إلى مستوى أعلى من الاستيعاب والنضج، والذي أظهره الرئيس عرفات بحيث يطمئن بوعي شعبنا الفلسطيني وحيوية قواه السياسية وإخلاص أبنائه وحرصهم على الارتقاء بالأداء لجعل هذه الدولة ملاذاً لكل الفلسطينيون، ونموذجاً يحتذي به للتقدم والحرية والعدالة والمساواة والديمقراطية ... دولة القانون والمؤسسات .. والعلم، ... فمن سيشك بعد ذلك أن دولتنا لن تقوم يوماً، وياسر الصغير يولد من أزرار ياسر الكبير هاتفاً """ حـــتى الـــــقدس - حـــتى الـــــقدس """ شهداء بالملايين، فمن سيشك أن عهد الفلسطينيون قد ولى وانتهى بلا رجعة بفعل سياسة حماس القائمة على النيل والشطب، منتهجة أسلوب "من ليس معنا فهو ضدنا" ومن يشك بأن البندقية والمقاومة العتيدة العنيدة على عدوها ستنحرف كما هي منحرفة على يد حفنة، بدلاً من أن تثور على عدوها المحتل، ... بدلاً من أن تثور على أبناء جلدتها وتصوب نحو رموز المقاومة ويمارس بحقهم أشد أنواع الظلم والقهر والتعذيب والاعتقال والإقصاء والمنع.
تبقى كلماتك سيدي الشهيد الرئيس : " إلى القدس بالملايين ....... ويا جبل ما يهزك ريح " عصية على أبناء وطنك وعلى أبناء الفتح الميامين، ... ولينتبه ويفوق من أصيب بغفلة عن مصالح شعبنا وحقوق شعبنا قبل أن يجرفهم الطوفان ويأخذ في طريقه الأخضر واليابس ونحن نقول لهم مرة ثانية هذا """ شعــــــب الجـــــبارين""" ويا جبل ما يهزك ريح، ... لقد قتل هذا الشعب يوم تقسيم وطنه بقرار دولي وتشريده وحرمانه من حق تقرير المصير، وقتل مرة ثانية يوم أن قامت حركة حماس بتقسيمه بفعل انقلابها المشين على شريكتها في حكومة الوحدة الوطنية "فتح"، مما أدت إلى تداعيات سلبية وأفرزت مآسي بحق الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة.
استبدلتم الأمانة وحلم الشهيد ياسر عرفات وأمله في أن نصل نحو الهدف نحو بناء دولتنا وعاصمتها القدس وعودة ألاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم إلى ديارهم وهي الأمانة في أعناق القيادة الفلسطينية التاريخية ومؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية واللجنة التنفيذية والمجلس الوطني والمجلس المركزي ومؤسسات حركة فتح "اللجنة المركزية والمجلس الثوري"، فكم كان يردد العهد هو العهد والقسم هو القسم، وأول العهد النهوض بحركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية ونفض الغبار المتراكم عن أداء بعض أطرها، وحشد الدعم والتأييد العالمي لصالح قضيتنا بقيادته الشرعية ورئيسها المنتخب السيد الرئيس محمود عباس "أبو مازن"، الذي قادر على مواصلة المسيرة وتحقيق حلم السيد الشهيد في إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على التراب الوطني والنهوض باقتصادنا ومؤسساتنا الاجتماعية المنهارة . كاتب وباحث وفلسطيني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق