محمد داود
في حالة من النفور والهستيريا والتخبط التي انتابت أفراد القوة التنفيذية، التي باشرت بالاعتداء على المواطنين أصحاب البسطات من شيوخ ونساء ورجال الذين لا يأبهون البنادق ولا لضربات الهروات المؤلمة، همهم الوحيد أن يوفروا لقمة العيش لأطفالهم ولأبنائهم، بشرف وكرامة بعد أن أصبحت عصية عليهم في زمن التضحية ودفع الثمن وسيل الدماء.
كان المشهد مؤلماً ومحزناً، فبعد أن سمعت إطلاق الرصاص بجوار منزلنا هممت لمعرفة دواعيه وأسبابه، فوجدت المواطنين يتذمرون ويشتكون إلى الله في قطع أرزاقهم بعد أن حوربت مرات ومرات، وكأن المشهد فيلم "يهود وعرب" المواطنين ثائرين ومتذمرين وأمامهم وحدات من أفراد القوة التنفيذية في حالة استنفار تضرب وتداهم وتعتقل ما يحلوا لها.
وسط صرخات النساء والشباب التي تعلوها الهتافات "قطعتم أرزاقنا وقطع الأرزاق من قطع الأعناق، وغداَ ستقطعون عنا الهواء"، لحظات هي حتى أخرستهم أزيز الرصاص في الهواء ألذي أعقبه هجوم من أفراد القوة التنفيذية وباشروا بالضرب المبرح بالهروات على رؤوس المواطنين والأمهات والبائعين، كانت القسوة بعينها واشتدت بعد أن أقدم أحد المواطنين المتذمرين بالتعبير عن غضبه، لكن سرعان ما أوقفته الرصاصة التي سددت له في ركبتهِ، لينضم بذلك إلى جيش المعاقين، بالإضافة لبعض الإصابات الأخرى المتفاوتة في صفوف الأمهات. أردت أن أقطع الطريق، فإذا بجهاز الموبايل يدق أجراسه، رفعت الجهاز لأجيب على المتصل، فإذا بأحد أفراد هذه القوة يداهمني وأخذ يدفعني وسرعان ما أحاطوني وأخذوا يدفعونني صوب الجيب العسكري بعد أن سرقوا مني جهاز الموبايل حتى حذائي فقدته، أرادوا قدر المستطاع إظهار قوتهم على مواطن أعزل لا يمللك ولم يفعل إلا أنه كان شاهداً على جريمتهم، في خطوة منهم لإرهاب المواطنين الذين ينظرون بغضب وحقد، بفعل إجراءاتهم التعسفية، والقمعية، ...
وقفت ولم أحتمل الظلم فصرخت لهم وللجميع "أين ضميركم أين الرحمة والإنسانية منكم"، وهل يحض الإسلام على تلك ألأفعال، "فالإسلام منكم براء" . لم يحتملوا هذه الشعارات التي كانت كالسهام تقذف في صدورهم، فقاموا بدفعي اتجاه الجيب بالقوة، مستعينين بذلك بالعصي وأعقاب البنادق والتلويح بها للأعلى، في هذه اللحظة الصعبة تذكرت لحظة أشد منها قد مرت علي في العام 1/1/1990م عندما أجهزت علي تلك القوة الإسرائيلية قرب سوق فراس وانهالوا علي بالضرب المبرح والقفز على صدري بعد أن طارحوني أرضاً فتهشمت ريش عظام صدري، وكدت أفارق الحياة لو تدخل عناية الله. صعدت للجيب بعد أن وجدت فيه الحماية من استخدام الهروات، لكنني لم أسلم من سائق الجيب الذي أخذ بتوجيه الضربات بأعقاب بندقيته التي طالت زميلي، لم أكف عن دعواتي إلى ربي بالرحمة والصبر، زميلي " الأنقر" هو الأخر كان يناشدهم بأنه مريض ويعاني من مرض السكر، لكن صرخات "أسكت" كانت أقوى من أمنيته، دون أي اهتمام لخطورة مرضه، حيث يعاني من مرض السكر وربما يفقد حياته، بل كانت القسوة لا يتصورها بشر، بعد أن أعتدي عليه في ذلك الجيب بأعقاب البنادق وقد تأذى في صدرهِ.
سارع الجيب متوجهاً إلى مقر الجوازات والمعروف سابقاً "بمدينة عرفات للشرطة" كان الهدف توجيه أقصى العقوبات علينا والتهمة أنني بصدد الإجابة على هاتفي النقال "الموبايل"، بينما زميلي الأنقر كانت تهمته وفق التحقيق الذي أجري معه أنه يرتدي شورت إسلامي أسفل الركبة، وهو ما لا يعجب القوة التنفيذية. وصلنا الجوازات حيث أدخلنا لغرفة معينة ومن ثم تم استدعائنا في غرفة كان يجلس فيها عدد من الضباط ومنهم من يحمل رتبة عقيد وآخرون يلبسون الزي المدني وكانوا يجلسون على الكراسي، وأحدهم خلف المكتب، ومن سؤ الحظ أني لا أعرف أحداً منهم لعله يكون عامل إسعاف لي، بعد أن سمعت أنباء مخيفة تمارس بحق كل من يختطف أو يعتقل.
سألني : أين بطاقتك؟ أجبت لا أحملها ولماذا لا تحملها؟ أجبت نحن في أمن وأمان ولم أذهب بعيداً عن منزلي سألني مرة ثانية ها أنا أحمل هوية وبطاقة ضابط، ورفعها إلى أعلى حتى أشاهدها. أجبت حينما أصبح موظفاً أو ضابطاً مثلاك أعدك بأني سأحملها. صرخ الحراس من حوله تكلم بأدب واحترام يا ولد . صمتت أسمك رباعي ؟ أجبت له أين تسكن ؟ أجبت له كم عمرك؟ أجبت له لماذا كنت تقوم بتصوير أفراد حفظ النظام والأمن وهم يؤدون مهماتهم؟ أجبت لم أصور أحداً والجوال أمامك يمكنك التحري. فقام أحد المتواجدين بالتحري وفحص الجهاز من أي صور فيديو أو فوتغرافي، لكنهم لم يجدوا أي شيئاً يثبت ليدحض بذلك إدعائهم، فنظروا لبعضهم على استحياء من ذلك، وتبعوا التحقيق مع زميلي "الأنقر" رغم براءتي التي كشفت زيفهم وخزيهم، إلا أنهم أصروا على معاقبتنا، فقال الضابط "خذوهم وفطروهم"، تساءلت في مخيلتي هل يعني بذلك تعذيبنا وأهانتنا ؟ قادونا أفراد الحراسات نحو غرفة لا تليق ببشر أن يجلس بها، وتذمرت وقلت لهم هل تجلسون بها في حال لو طلب منكم، لم يجيبوا وقالوا لنبحث تعالوا على الغرفة هذه، جلسنا على أحد ألأسرة أنا وزميلي، ومرة أخرى تعود مراسيم التحقيق وكأننا أجرمنا بحق شعبنا!!!!!!
أستوعب الحراس الأمر وبحمد الله رزقنا بأخوين يخشون ربهم وتجاوبوا معنا، الأمر الذي خدمنا من شر اعتداء أخر، والدي الذي وصله نباء اعتقالي وخطفي فتحرى على الفور ... وجاء لمقر الجوازات بعد سلسة اتصالات أستقبلها جهاز الموبايل الذي كان بحوزتهم، وقد أخبروني عن كل متصل، وقد صدق قول العامة أن المعرفة تخدم، والواسطة أفضل من قنطار نقود، حيث ساعدت المقولة بعد مساعدة أحد أفراد الحي الذي يعمل في حركة حماس والشرطة، حيث كان بالصدفة يمر من هناك، وقد أخبرته بحيثيات الموضوع فاستجاب لنا، لا سيما بعد مشاهدته لوالدي، فقال له سيخرجون بعد إتمام الإجراءات. فتساءلت ما هي الإجراءات، وهل أنا بمذنب لهذه الدرجة؟ قال لا إنه إجراء روتيني وسنمزق الورقة بعد ذلك.
سألتهم تمزقونها !! إذن ما الفائدة من جدوتها؟ لحظات ودخل المسئول وعدد من عناصر القوة التنفيذية وقالوا لنا تعالوا ووقعوا هنا، قرأت نص الورقة وقد حفظتها لأني تمعنت في نصها حرفاً " أتعهد أنا الأخ محمد ........ داود، بعدم تواجدي في أماكن الأحداث والعنف والأعمال المخلة بالنظام العام . أسمك وتوقيعك . رفضت التوقيع على هذه الورقة وقد حذرت زميلي قبلها بدقائق منها، لكن زميلي سرعان ما وقع وغادر المكان، خرجوا من الغرفة وقالوا حبس أربعة أيام للتحقيق ومن ثم ستة أشهر، تفهمت أن الهدف إخافتي وتحطيم معنوياتي. ذهب الأخ الوسيط إلى أبي وقال له أبنك لا يريد التوقيع والجميع وقع هنا وغادر إلى بيته، سارع أبي وقال لي وقع يا بني حتى نروح، قلت له لماذا يا أبي، هل ترضى بأن يزج أسمي وأسمك على ورقة تملاءها شعارات العنف والأعمال المخلة بالنظام، قال لا، فقال لي وقع يا أبني نريد أن نذهب سالمين غانمين، فاستجبت لمطلبه ولو أمرني بالاستشهاد. اللهم إني بلغت الهم فأشهد
كاتب وباحث فلسطيني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق