راسم عبيدات
....... يعد إنتخاب عبدالله غول، أحد قادة حزب التنمية والعدالة الإجتماعية التركي، حدثاً تاريخياً بكل المعايير والمقياس، وإنعطافة حادة في المجتمع التركي، قد تترك أثارها بعيداً وعميقاً، ليس على تركيا وحدها، بل ربما تداعياتها وتأثيراتها ستطال كامل المنطقة فلأول مرة يصل إلى الرئاسة التركية، الدولة العلمانية التي أرسى دعائمها كمال أتاتورك، بعد سقوط الخلافة العثمانية عام 1923 ، رئيساً ذو أصول إسلامية، يتبنى أفكاراً ومبادىء تتعارض مع علمانية الدولة، ورغم أن غول في اداء قسم الرئاسة قال ، " أقسم امام الشعب التركي العظيم، أن أكون مخلصاً للديمقراطية وللجمهورية العلمانية "، إلا أن غول يحمل مشروعاً فيه الكثير من التغيرات الثقافية والسياسية والتربوية، والتي ستثير نقاشاً وجدلاً في المجتمع التركي، وستعيد طرح السؤال من جديد داخل تركيا عن ديمقراطية العلمانيين في تقبل التيار الإسلامي كأحد مكونات الحياة في البلاد، وكذلك مدى أهلية المعسكر الغربي لإحترام الهوية الثقافية لشعوب الشرق ، ولعل المسألة الأهم لأمريكيا ودول الغرب ، بعد تولي منصب الرئاسة التركية من رئيس ذو أصول وأفكار إسلامية، هي علاقات تركيا الإقليمية وسياساتها في المنطقة، وليس حجاب سيدة القصر الأولى، والذي قيل ان غول فشل في نيل الثقة جولتين بسببه، كون ذلك يتعارض مع مبادىء الدستور التركي، فالغرب والأمريكيان بالتحديد يقيسون الأمور من زاوية مصالحهم ويرسمون سياساتهم بناء على ذلك، وهم ينظرون إلى تولي غول الرئاسة التركية كتيار إسلامي معتدل وكذلك النجاحات التي يحققها نفس التيار في المغرب، وتنامي قوة تيار الأخوان المسلمين في مصر، وما حدث في فلسطين من وصول حماس للسلطة ،وما يجري من تطورات وتغيرات في لبنان،على أنها تغيرات هامة وجوهرية في المنطقة والمجتمعين العربي والإسلامي، حيث أن هناك حديث وتقارير غربية، تقول بأن الفوضى والصراعات في منطقة الشرق الأوسط والحضارة الإسلامية، قد تتسبب في إندلاع حرب عالمية ثالثة، وهذا بحد ذاته يعكس حقداً دفينياً ونوايا إستعمارية وعنصرية تجاه المنطقة، حيث أن ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من حصار وقتل وإذلال، وكذلك ما يجري في العراق وأفغنستان ولبنان يندرج في هذا السياق، وإذا ما أراد غول أن يحدث إستدارة في علاقات تركيا الخارجية، وإجراء عملية أسلمه في المجتمع التركي، فإنه من الوارد جداً أن يتم إستحضار ما جرى في الجزائر إلى شوارع أنقرة ، حيث عمد الجيش إلى الإنقلاب على نتائج العملية الديمقراطية، ومنع بالقوة جبهة الإنقاذ الإسلامية من تولى مقاليد الحكم ، وأغرقت الجزائر في حرب داخلية طاحنة، والتوجس والتخوف الأمريكي من غول قائم، كونه كان مسؤول العلاقات الخارجية التركية، وفي عهده ، وتحديدا بعد الغزو الأمريكي للعراق، مارست تركيا سياسات تميزت بالإستقلال النسبي عن السياسات الأمريكية والأطلسية في المنطقة، كما أن هويتها الثقافية مكنتها من التعبير عن تفاعلات الشارع التركي مع القضيتين العراقية والفلسطينية، وكذلك مد جسور الثقة مع كل من سوريا وإيران، وهناك توجس وتخوف آخر ليس عند الأمريكان والغرب وحدهم، بل عند العسكر والقوى العلمانية داخل تركيا نفسها ، وهو أن غول ذو الفكر الإسلامي، هناك مخاطر من أن يقوم بفرض رؤيته وفكره وثقافته على المجتمع التركي، فالرئيس وحسب الدستور التركي، يتمتع بصلاحيات واسعة، ومدة بقاءه في سدة الحكم هي سبع سنوات، ويستمر في ممارسة دوره وصلاحياته، وبغض النظر عن الحكومات تذهب وتجيء مع نهاية فترة ولايتها، والرئيس أيضاً له حق تثبيت التعينات وحجبها ، وكذلك تعيين رؤساء الجامعات، وبالتالي هذا يمهد لتشريع وفرض سياسة الحجاب على الجامعات – اللباس الشرعي - ، وأيضاً تتخوف المؤسسة العسكرية من تعزيز دور الدين في السياسة والحياة العامة، وهناك مسألة أخرى وهي حجاب زوجة الرئيس، والذي يعني أنها ستظهر محجبة في المناسبات العامة والقصر، وهنا تصبح المسألة أبعد من كونها غطاء للرأس وحرية شخصية، لكي تصبح نهجاً ورؤيا وثقافة، يتم تسييدها في المجتمع، حيث أن الظهور بغطاء الرأس في المناسبات العامة، يحرمه القانون والبرلمان والقصر الجمهوري للشخصيات العامة، ورغم ان حزب العدالة والتنمية الإجتماعية ،نجح في القيام بإصلاحات إجتماعية وسياسية حسب ما نصت عليه إتفاقية " كوبنهاجن " من أجل عضوية الإتحاد الأوروبي، إلا أن ما يهم أمريكيا وأوروبا الغربية بالأساس، هي السياسة الخارجية لغول، وتحديداً شكل وطبيعة العلاقة التركية مع دول الجوار، سوريا وإيران والعراق، والعلاقة التركية مع ما يسمى بالمؤسسات الدولية، وهي الخاضعة بالأساس للسيطرة الأمريكية مثل صندوق النقد والبنك الدوليين، ومدى الثبات والإستقرار في العلاقة مع إسرائيل وأمريكيا وأوروبا، ورغم ان حزب العدالة والتنمية يحافظ على علاقات جيدة مع المؤسسة العسكرية والقوى العلمانية منذ عام 2002، إلا أن ما سيبدو علية المشهد التركي، سيكون رهناً بالوضع الداخلي التركي والتطورات الإقليمية والدولية،مثلاً هل ستسلم القوى العلمانية والمؤسسة العسكرية بنتائج العملية الديمقراطية، أم ستستحضر " الأصابع الخفية" المثال والنموذج الجزائري إلى شوارع أنقرة ؟، وكذلك الردود الأمريكية والأوروبية على ما جرى في تركيا، هل تتقبل أمريكيا وأوروبا وصول قوى الإسلام السياسي إلى السلطة ؟، أم ستدفع بالمؤسسة العسكرية والقوى العلمانية إلى الإنقلاب على هذه القوى، وخصوصاً أن هذه القوى تحقق نجاحات ملموسة في العديد من الدول العربية والإسلامية ؟، وهل هذه القوى مستعدة للإعتراف بالمصالح الأمريكية والإحتفاظ بعلاقات وطيدة مع واشنطن وأوروبا الغربية ؟، وهل سيحاول غول تطبيق مشروعه الذي فيه الكثير من التغيرات الإجتماعية والثقافية والفكرية وحتى السياسية على المجتمع التركي ؟، وهل غول سيعمل على أسلمة المجتمع التركي ،أم سيحترم علمانية الدولة ويبقي على فصل الدين عن الدولة؟وهل ستصل الأمور إلى حد الصدام بين المؤسسة العسكرية والقوى العلمانية من جهة، وبين غول والقوى والأحزاب الأسلامية من جهة أخرى إرتباطاً بالجغرافيا والمصالح البعيدة، لهذا البلد الهام سياسياً وإقتصادياً وإستراتيجياً لتصل حد المواجهة والإحتراب الداخلي، وإستحضار النموذج الجزائري، أم أن النموذج التركي سيثبت قدرته على الإستمرار من خلال الآليات الديمقراطية والدستورية .
إن ما سيبدو عليه المدى الأبعد للمشهد التركي، رهن بالتطورات الإقليمية والدولية، وقدرة القوى العلمانية والإسلامية التركية على ضبط إيقاعاتها وخلافاتها على قاعدة وحدة المجتمع التركي الداخلية وفق قواسم مشتركة، وبما لا يدفع نحو تطور وتصاعد الخلافات بينهما ، وبما يمهد لإنقسام مجتمعي، يدخل البلاد في أتون الصراع والإحتراب الداخلي خدمة " لأجندات " وأولويات غير تركية .
القدس – فلسطين
....... يعد إنتخاب عبدالله غول، أحد قادة حزب التنمية والعدالة الإجتماعية التركي، حدثاً تاريخياً بكل المعايير والمقياس، وإنعطافة حادة في المجتمع التركي، قد تترك أثارها بعيداً وعميقاً، ليس على تركيا وحدها، بل ربما تداعياتها وتأثيراتها ستطال كامل المنطقة فلأول مرة يصل إلى الرئاسة التركية، الدولة العلمانية التي أرسى دعائمها كمال أتاتورك، بعد سقوط الخلافة العثمانية عام 1923 ، رئيساً ذو أصول إسلامية، يتبنى أفكاراً ومبادىء تتعارض مع علمانية الدولة، ورغم أن غول في اداء قسم الرئاسة قال ، " أقسم امام الشعب التركي العظيم، أن أكون مخلصاً للديمقراطية وللجمهورية العلمانية "، إلا أن غول يحمل مشروعاً فيه الكثير من التغيرات الثقافية والسياسية والتربوية، والتي ستثير نقاشاً وجدلاً في المجتمع التركي، وستعيد طرح السؤال من جديد داخل تركيا عن ديمقراطية العلمانيين في تقبل التيار الإسلامي كأحد مكونات الحياة في البلاد، وكذلك مدى أهلية المعسكر الغربي لإحترام الهوية الثقافية لشعوب الشرق ، ولعل المسألة الأهم لأمريكيا ودول الغرب ، بعد تولي منصب الرئاسة التركية من رئيس ذو أصول وأفكار إسلامية، هي علاقات تركيا الإقليمية وسياساتها في المنطقة، وليس حجاب سيدة القصر الأولى، والذي قيل ان غول فشل في نيل الثقة جولتين بسببه، كون ذلك يتعارض مع مبادىء الدستور التركي، فالغرب والأمريكيان بالتحديد يقيسون الأمور من زاوية مصالحهم ويرسمون سياساتهم بناء على ذلك، وهم ينظرون إلى تولي غول الرئاسة التركية كتيار إسلامي معتدل وكذلك النجاحات التي يحققها نفس التيار في المغرب، وتنامي قوة تيار الأخوان المسلمين في مصر، وما حدث في فلسطين من وصول حماس للسلطة ،وما يجري من تطورات وتغيرات في لبنان،على أنها تغيرات هامة وجوهرية في المنطقة والمجتمعين العربي والإسلامي، حيث أن هناك حديث وتقارير غربية، تقول بأن الفوضى والصراعات في منطقة الشرق الأوسط والحضارة الإسلامية، قد تتسبب في إندلاع حرب عالمية ثالثة، وهذا بحد ذاته يعكس حقداً دفينياً ونوايا إستعمارية وعنصرية تجاه المنطقة، حيث أن ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من حصار وقتل وإذلال، وكذلك ما يجري في العراق وأفغنستان ولبنان يندرج في هذا السياق، وإذا ما أراد غول أن يحدث إستدارة في علاقات تركيا الخارجية، وإجراء عملية أسلمه في المجتمع التركي، فإنه من الوارد جداً أن يتم إستحضار ما جرى في الجزائر إلى شوارع أنقرة ، حيث عمد الجيش إلى الإنقلاب على نتائج العملية الديمقراطية، ومنع بالقوة جبهة الإنقاذ الإسلامية من تولى مقاليد الحكم ، وأغرقت الجزائر في حرب داخلية طاحنة، والتوجس والتخوف الأمريكي من غول قائم، كونه كان مسؤول العلاقات الخارجية التركية، وفي عهده ، وتحديدا بعد الغزو الأمريكي للعراق، مارست تركيا سياسات تميزت بالإستقلال النسبي عن السياسات الأمريكية والأطلسية في المنطقة، كما أن هويتها الثقافية مكنتها من التعبير عن تفاعلات الشارع التركي مع القضيتين العراقية والفلسطينية، وكذلك مد جسور الثقة مع كل من سوريا وإيران، وهناك توجس وتخوف آخر ليس عند الأمريكان والغرب وحدهم، بل عند العسكر والقوى العلمانية داخل تركيا نفسها ، وهو أن غول ذو الفكر الإسلامي، هناك مخاطر من أن يقوم بفرض رؤيته وفكره وثقافته على المجتمع التركي، فالرئيس وحسب الدستور التركي، يتمتع بصلاحيات واسعة، ومدة بقاءه في سدة الحكم هي سبع سنوات، ويستمر في ممارسة دوره وصلاحياته، وبغض النظر عن الحكومات تذهب وتجيء مع نهاية فترة ولايتها، والرئيس أيضاً له حق تثبيت التعينات وحجبها ، وكذلك تعيين رؤساء الجامعات، وبالتالي هذا يمهد لتشريع وفرض سياسة الحجاب على الجامعات – اللباس الشرعي - ، وأيضاً تتخوف المؤسسة العسكرية من تعزيز دور الدين في السياسة والحياة العامة، وهناك مسألة أخرى وهي حجاب زوجة الرئيس، والذي يعني أنها ستظهر محجبة في المناسبات العامة والقصر، وهنا تصبح المسألة أبعد من كونها غطاء للرأس وحرية شخصية، لكي تصبح نهجاً ورؤيا وثقافة، يتم تسييدها في المجتمع، حيث أن الظهور بغطاء الرأس في المناسبات العامة، يحرمه القانون والبرلمان والقصر الجمهوري للشخصيات العامة، ورغم ان حزب العدالة والتنمية الإجتماعية ،نجح في القيام بإصلاحات إجتماعية وسياسية حسب ما نصت عليه إتفاقية " كوبنهاجن " من أجل عضوية الإتحاد الأوروبي، إلا أن ما يهم أمريكيا وأوروبا الغربية بالأساس، هي السياسة الخارجية لغول، وتحديداً شكل وطبيعة العلاقة التركية مع دول الجوار، سوريا وإيران والعراق، والعلاقة التركية مع ما يسمى بالمؤسسات الدولية، وهي الخاضعة بالأساس للسيطرة الأمريكية مثل صندوق النقد والبنك الدوليين، ومدى الثبات والإستقرار في العلاقة مع إسرائيل وأمريكيا وأوروبا، ورغم ان حزب العدالة والتنمية يحافظ على علاقات جيدة مع المؤسسة العسكرية والقوى العلمانية منذ عام 2002، إلا أن ما سيبدو علية المشهد التركي، سيكون رهناً بالوضع الداخلي التركي والتطورات الإقليمية والدولية،مثلاً هل ستسلم القوى العلمانية والمؤسسة العسكرية بنتائج العملية الديمقراطية، أم ستستحضر " الأصابع الخفية" المثال والنموذج الجزائري إلى شوارع أنقرة ؟، وكذلك الردود الأمريكية والأوروبية على ما جرى في تركيا، هل تتقبل أمريكيا وأوروبا وصول قوى الإسلام السياسي إلى السلطة ؟، أم ستدفع بالمؤسسة العسكرية والقوى العلمانية إلى الإنقلاب على هذه القوى، وخصوصاً أن هذه القوى تحقق نجاحات ملموسة في العديد من الدول العربية والإسلامية ؟، وهل هذه القوى مستعدة للإعتراف بالمصالح الأمريكية والإحتفاظ بعلاقات وطيدة مع واشنطن وأوروبا الغربية ؟، وهل سيحاول غول تطبيق مشروعه الذي فيه الكثير من التغيرات الإجتماعية والثقافية والفكرية وحتى السياسية على المجتمع التركي ؟، وهل غول سيعمل على أسلمة المجتمع التركي ،أم سيحترم علمانية الدولة ويبقي على فصل الدين عن الدولة؟وهل ستصل الأمور إلى حد الصدام بين المؤسسة العسكرية والقوى العلمانية من جهة، وبين غول والقوى والأحزاب الأسلامية من جهة أخرى إرتباطاً بالجغرافيا والمصالح البعيدة، لهذا البلد الهام سياسياً وإقتصادياً وإستراتيجياً لتصل حد المواجهة والإحتراب الداخلي، وإستحضار النموذج الجزائري، أم أن النموذج التركي سيثبت قدرته على الإستمرار من خلال الآليات الديمقراطية والدستورية .
إن ما سيبدو عليه المدى الأبعد للمشهد التركي، رهن بالتطورات الإقليمية والدولية، وقدرة القوى العلمانية والإسلامية التركية على ضبط إيقاعاتها وخلافاتها على قاعدة وحدة المجتمع التركي الداخلية وفق قواسم مشتركة، وبما لا يدفع نحو تطور وتصاعد الخلافات بينهما ، وبما يمهد لإنقسام مجتمعي، يدخل البلاد في أتون الصراع والإحتراب الداخلي خدمة " لأجندات " وأولويات غير تركية .
القدس – فلسطين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق