جورج الياس
المكان: نهاريا- اوتيل كارلتون-الطابق الرابع-غرفة رقم 414
الزمان: 1-9-1982 أي منذ 25 سنة بالتمام والكمال !
منذ 9125 يوما! وعلى هذه الكرسي بالذات التي اجلس عليها الآن! وامام هذه الطاولة التي اكتب من على متنها! جلس الشيخ بشير الجميل " الرئيس اللبناني المنتخب" امام رئيس الحكومة الإسرائيلية آنذاك مناحيم بيغن ، وكان اللقاء العاصف، والحوار الاخير، قبل اغتيال الحلم واستشهاد الامل! وضياع الفرصة التاريخية لقيامة لبنان!!
تريثت قليلا قبيل الجلوس على تلك الكرسي" الذي ما زال محفوظا وبحالة جيدة- وربما سيباع بالمزاد العلني-" ثم انتابني شعور هز اركان جسدي ! بعثر افكاري، حطم فؤادي..!
لكنه ما لبث ان تحول الى شعور من نوع آخر! كأنه تيار كهربائي تغلغل في عروقي! نفحات من الفخر والمجد! وشحنات من العزة والشهامة! وذبذبات من الكرامة والعنفوان! تسري في الروح، تصعق الجسد، فتخال ان هالة البشير تلف المكان! وتملأه بأريج الصدق والحرية!
شخصيته الكاريزمية، صوته الهادر، نظراته المتوقدة، إيماءاته المعبرة، قامته الفتية، وجهه المميز، حضوره المسيطر، وغيابه الحاضر دائما!... كل ذلك اجتمع في غفلة من الزمن ضمن ارجاء تلك الغرفة المجللة بطيف البشير!!
في مثل هذا اليوم سطر الشيخ بشير مواقف قلما اتخذها زعيم آخر! وامام من؟ امام مناحيم بيغن الذي يلقب "بالرجل الحديدي" لتصلب مواقفه وعناده وقوة شكيمته، حتى ان احد الصحافيين الإسرائيليين قال ان بيغن وبعد عدة لقاءات مع بشير الجميل همس لاحد مستشاريه: ان الجلوس بمواجهة ستالين او تشرشل او موسوليني لأهون بكثير من مواجهة هذا الشاب الطموح المدعو بشير الجميل!!
اما ما دار من نقاش حاد في ذلك اليوم، فما زال في ارشيف العديد من الصحف والاذاعات، وقد نشر في عدة كتب ومؤلفات، واهمها كتاب " اسرار الحرب اللبنانية" لمؤلفه الفرنسي آلان مينارغ، اضافة الى ما ذكره اشهرالكتاب والمحللين الاسرائيليين، امثال زئيف شيف و ايهود يعاري و شيمون شيفر وغيرهم... وكلهم اجمعوا لا بل اعترفوا بمواقف بشير وجرأته وشجاعته ولباقته وسعة اطلاعه ومصداقيته وذكائه الحاد وسرعة بديهته واناقته وتهذيبه وحسن تصرفه في مختلف المواقف...
وعلى سبيل المثال، وردا على سؤال طرحه بيغن بغرور وكبرياء ان لم نقل بعنجهية واستعلاء! اجابه البشير بصراحته المعهودة: نحن لم نقاتل ونقدم مئات الشهداء لنختار من سيحكمنا! انتم ام السوريين! اريد ان احكم نفسي!
وفي نفس الجلسة عندما طالب بيغن باقامة علاقات كاملة ومفتوحة، حتى تفضي الى معاهدة سلام وباسرع وقت ممكن ( وهنا بدأ الخلاف) لم يرفض بشير الفكرة! لكنه اراد ان يبقي التحالف على اساس رسمي وعملي ، الى ان تتهيأ الظروف لعقد اتفاقية سلام كامل وشامل ، والى حين الأخذ برأي النصف الآخر من اللبنانيين!! وحينها قال ايضا: في القريب العاجل سوف ابعث برئيس حكومتي المسلم ليفاوضكم!!
هذا غيض من فيض من مواقف الرجال ،التي يحتاجها لبنان اليوم وكل يوم !
كم نحن بحاجة الى منقذ ومخلص في هذه المحنة؟!
كم نحن بحاجة الى رئيس مثل بشير الجميل في هذه الظروف؟!
وكما قالت السيدة صولانج الجميل بالامس القريب: ان الشعب اللبناني وبعد 25 سنة، لم ينس بشير الجميل يوما واحدا! اما اميل لحود فسينساه الشعب والتاريخ بعد 25 ساعة من نهاية حكمه!!
حقا ان الشعب يقرر والتاريخ يحكم!
يحكم من هو خالد خلود الأرز في عمق الزمن!!
ومن هو عابر عبور الغيمة في سماء تموز!!
فتحية الى روحك الطاهرة ايها البشير..
تحية الى التراب الذي حضن هامتك..
تحية الى الاشجار التي تظلل طيفك ..
تحية الى النعش الذي حوى عظام العظام!
وتحية الى الضريح الذي يرشح بزيت الكرامة! وميرون العنفوان!!
كاتب ومحلل سياسي
المكان: نهاريا- اوتيل كارلتون-الطابق الرابع-غرفة رقم 414
الزمان: 1-9-1982 أي منذ 25 سنة بالتمام والكمال !
منذ 9125 يوما! وعلى هذه الكرسي بالذات التي اجلس عليها الآن! وامام هذه الطاولة التي اكتب من على متنها! جلس الشيخ بشير الجميل " الرئيس اللبناني المنتخب" امام رئيس الحكومة الإسرائيلية آنذاك مناحيم بيغن ، وكان اللقاء العاصف، والحوار الاخير، قبل اغتيال الحلم واستشهاد الامل! وضياع الفرصة التاريخية لقيامة لبنان!!
تريثت قليلا قبيل الجلوس على تلك الكرسي" الذي ما زال محفوظا وبحالة جيدة- وربما سيباع بالمزاد العلني-" ثم انتابني شعور هز اركان جسدي ! بعثر افكاري، حطم فؤادي..!
لكنه ما لبث ان تحول الى شعور من نوع آخر! كأنه تيار كهربائي تغلغل في عروقي! نفحات من الفخر والمجد! وشحنات من العزة والشهامة! وذبذبات من الكرامة والعنفوان! تسري في الروح، تصعق الجسد، فتخال ان هالة البشير تلف المكان! وتملأه بأريج الصدق والحرية!
شخصيته الكاريزمية، صوته الهادر، نظراته المتوقدة، إيماءاته المعبرة، قامته الفتية، وجهه المميز، حضوره المسيطر، وغيابه الحاضر دائما!... كل ذلك اجتمع في غفلة من الزمن ضمن ارجاء تلك الغرفة المجللة بطيف البشير!!
في مثل هذا اليوم سطر الشيخ بشير مواقف قلما اتخذها زعيم آخر! وامام من؟ امام مناحيم بيغن الذي يلقب "بالرجل الحديدي" لتصلب مواقفه وعناده وقوة شكيمته، حتى ان احد الصحافيين الإسرائيليين قال ان بيغن وبعد عدة لقاءات مع بشير الجميل همس لاحد مستشاريه: ان الجلوس بمواجهة ستالين او تشرشل او موسوليني لأهون بكثير من مواجهة هذا الشاب الطموح المدعو بشير الجميل!!
اما ما دار من نقاش حاد في ذلك اليوم، فما زال في ارشيف العديد من الصحف والاذاعات، وقد نشر في عدة كتب ومؤلفات، واهمها كتاب " اسرار الحرب اللبنانية" لمؤلفه الفرنسي آلان مينارغ، اضافة الى ما ذكره اشهرالكتاب والمحللين الاسرائيليين، امثال زئيف شيف و ايهود يعاري و شيمون شيفر وغيرهم... وكلهم اجمعوا لا بل اعترفوا بمواقف بشير وجرأته وشجاعته ولباقته وسعة اطلاعه ومصداقيته وذكائه الحاد وسرعة بديهته واناقته وتهذيبه وحسن تصرفه في مختلف المواقف...
وعلى سبيل المثال، وردا على سؤال طرحه بيغن بغرور وكبرياء ان لم نقل بعنجهية واستعلاء! اجابه البشير بصراحته المعهودة: نحن لم نقاتل ونقدم مئات الشهداء لنختار من سيحكمنا! انتم ام السوريين! اريد ان احكم نفسي!
وفي نفس الجلسة عندما طالب بيغن باقامة علاقات كاملة ومفتوحة، حتى تفضي الى معاهدة سلام وباسرع وقت ممكن ( وهنا بدأ الخلاف) لم يرفض بشير الفكرة! لكنه اراد ان يبقي التحالف على اساس رسمي وعملي ، الى ان تتهيأ الظروف لعقد اتفاقية سلام كامل وشامل ، والى حين الأخذ برأي النصف الآخر من اللبنانيين!! وحينها قال ايضا: في القريب العاجل سوف ابعث برئيس حكومتي المسلم ليفاوضكم!!
هذا غيض من فيض من مواقف الرجال ،التي يحتاجها لبنان اليوم وكل يوم !
كم نحن بحاجة الى منقذ ومخلص في هذه المحنة؟!
كم نحن بحاجة الى رئيس مثل بشير الجميل في هذه الظروف؟!
وكما قالت السيدة صولانج الجميل بالامس القريب: ان الشعب اللبناني وبعد 25 سنة، لم ينس بشير الجميل يوما واحدا! اما اميل لحود فسينساه الشعب والتاريخ بعد 25 ساعة من نهاية حكمه!!
حقا ان الشعب يقرر والتاريخ يحكم!
يحكم من هو خالد خلود الأرز في عمق الزمن!!
ومن هو عابر عبور الغيمة في سماء تموز!!
فتحية الى روحك الطاهرة ايها البشير..
تحية الى التراب الذي حضن هامتك..
تحية الى الاشجار التي تظلل طيفك ..
تحية الى النعش الذي حوى عظام العظام!
وتحية الى الضريح الذي يرشح بزيت الكرامة! وميرون العنفوان!!
كاتب ومحلل سياسي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق