محمد الفلسطيني
سميح المدهون ثقافة ينقلها الأجيال وأسم يردده الأطفال، فلا يكاد يمضي يوماً إلا وأن تطلعنا وسائل الإعلام بخبراً حول سميح، الذي له ما له وعليه ماعليه ، بفعل سلوكيات ارتبطت باسم هذا الرجل وحصل عليها إجماع لكل من يملك ذرة من قيم الإنسانية أو ذرة من ضمير حي بوزن ريشة من خير، فالكثير يقتدون برمزيته النضالية باعتبارها درباً من دروب الجهاد والمقاومة، وفي الاتجاه الثاني يعتبرونه أميراً من أمراء الفتنة والقتال، وسامحوني في هذا الحكم فهي طبيعتنا نحن بني البشر، حتى لو كنا منزلين من عند الله، فلن يكتب لنا الرضا عند الجميع وسوف يقال عنا الكثير والكثير، وكما يقال أن رضا الناس غاية لا تدرك .
لم يكن مشهد الأمس عابراً، عندما شاهدت أطفالاً صغاراً لا يتجاوزون السابعة ربيعاً وهم يرتدون قلادة وعليها صورة سميح المدهون، فانتابني الشغف لمعرف الثقافة والدافع، بل هذا الفخر والعزة إن صح التعبير التي دفعت بهذا الجيل من الأطفال بعمر الزهور لأن يبحثوا ويشتروا تلك القلادة التي تحمل صورة سميح المدهون، مدركين حجم التحدي... فتوقفت وسألتهم ماذا يعني لكم سميح المدهون؟ فأجابوني دون تردد، إنه فارس الشمال وقاهر الأعداء، ونريد أن نغيظ بها من يكره سميح بالإشارة إلى التنفيذية!!! عرفت أن أطفالنا يقدسون أبطالهم وهو ما دعاني لتناول حادثة الصف الابتدائي في مدرسة شهداء الشيخ رضوان الابتدائية، قبل أيام معدودة، عندما سأل المدرس تلاميذه سؤالاً مفاده : "من منكم يحب سميح المدهون ؟ فالذي يحبه يرفع يده عاليا؟ ..
فما كان من الطلاب الأطفال إلا التعبير العفوي عن ما يجول في قلوبهم ، فرفع معظمهم يده عالياً. سميح المدهون كان في نظرهم بمثابة الحالة الصادمة للوعي الجماعي والتي سترسخ وستستمر كصدمة وكحالة رمزية ليعرف الفلسطيني صورته التي تتبلور عند هؤلاء الأطفال الأبرياء الذين لم يعرفوا سميحاً كما عرفوه قبل أن يتم إعدامه ليصبح أسماً لامعاً بعد أن تم تضخيم صورته بشكل عفوي وبصورة هائلة في الخامس عشر من يونيو من هذا العام 2007م الموافق 1507 هـ ، وقتله بتلك الطريقة البشعة من تمثيل وتنكيل وسحل لجثته وسط الطريق و أمام أعين الناس و الأطفال المارة, ليكون عبرة ..
وليكتمل المشهد عندما عرضت صور إعدامه على شاشات التلفاز، وأثير المذياع، مما أثار سخط المواطنين تاركاً انعكاساتِ مرفوضة دينياً ووطنياً حول الطريقة والكيفية التي اعدم بها.فالله رءوف بعباده ودعانا بان نحسن في القصاص والقتل وإكرام الميت من خلال دفنه، ولم يبيح لنا التمثيل بالموتى والتشويه بالجثث دون سبب شرعي لأنه يتنافى مع القيم الإسلامية والمعايير الأخلاقية، وتدعيماً للحديث فقد قال رسولنا الكريم (صلم) " فإن قتلتم فأحسنوا القتلة "حتى لا يكون إزهاقً للنفس والروح التي أبيح دمها أثناء الحرب، وهي تنطبق على سائر المخلوقات. هكذا عشقوا الأطفال سميحً بعد أن أخذ التحدي فصولاً ومناحي، فتلك الفتاة التي ترتدي سترة وعليها صورة سميح المدهون وأخذت تطوف بشوارع غزة، ..
كما و تلك الصور التي تلصق على أبواب المنازل والشرفات أو المحلات، والملصقات التي أجبرت عناصر حماس على اقتحام الحرم الجامعي في الأزهر، ومدارس أخرى التي أصبحت مزاراً وساحات اعتراك وجدل بسبب صور وأسم سميح المدهون، من عقاب وفرض غرامة مالية على من يتحدى ذلك، حتى ألأعراس التي تنادي باسم سميح، وكاد لا يكتمل عرس إلا بحضور والدة سميح أو ذويه، التي تثير مشاعر وعواطف الجموع حين تتحدث إليهم الحاجة أم سميح المدهون مباشرة عبر الهاتف، مما تخلق أجواءً من الحماسية والبكاء، ويتم عرض النشيد الذي يهتف باسم سميح يرافقها هتافات وشعارات مثل: 'تحيا فتح'، 'موجك هدار يا ياسر، خلفك زلزال سميته سميح المدهون'، 'يا سميح ارتاح ارتاح إحنا ورآك بنكمل الكفاح، 'يا أم الشهيد زغردي كل الشباب ولآدك'...، المشهد لن ينتهي والملاحقة باقية لسميح حتى في مماته، ولكن بضرب جديد وهو تحطيم قبره وكسر الشواهد ونبشه و...الخ من قبل إنسان تجرد من كل القيم الإنسانية فتجرأ على التسلل كاللص الخائن إلى المقبرة، وبيده معول يحطم به قبراً لإنسان مسلم له من الباع في المقاومة.. ، لكن هي هات لهذا التحدي والعناد ...
فيكفي أن هناك من يحاول استفزاز من قتله بمجرد أغنية أو صورة أو شعار ، وكم هو لامع أن يكون مجرد اسمك أو صورتك مستفزاً لهذا الحد لتبقى هذه الظاهرة كنف التحدي. !!! أمام هذه المشاهد لم يكُن التحدي عند ألأطفال عفوياً، رغم صغر عمرهم لأنهم أدركوا ماذا يعني لهم صورة سميح المدهون ، وكأنهم يتحدثون عن زعيم وطني أمثال الشهداء ياسر عرفات أو جمال عبد الناصر أو الشيخ عبد العزيز الرنتيسي، بالتالي لم أستغرب عندما حدثني أحد أعضاء الجهاد الإسلامي أنه قراء الفاتحة على قبر سميح، لأنه يعرف سميح في صورته الطاهرة والشريفة ومقارعته للاحتلال الصهيوني، بغض النظر عما حدث في الآونة الأخيرة من عوامل طارئة جرت على الساحة الداخلية الفلسطينية.
فلا يخفى على احد أن سميح المدهون مثل أحد أبرز قادة كتائب شهداء الأقصى في شمال قطاع غزة, وله من الباع في المقاومة،و يعتبر المطلوب رقم (1) لدى قوات الاحتلال في الشمال, وقد جرت عدة محاولات فاشلة لتصفيته, لكن ملائكة الرحمن كانت تحرسه فينجوا ولكن بإصابات، لأنه يملك العزيمة و الإرادة و القدرة على التحمل في خوض المعارك والحروب.
كان من حفظة كتاب الله، ومؤمناً بقدره، صبوراً بما أبتلي، ففاز برزق الله بعد عشر سنوات من العجز ليرزق بولدٍ ، بسبب ما تعرض له من تنكيل في زنازين الاحتلال أثناء اعتقاله لأربع مرات امضي خلالها خمس سنوات في السجون الإسرائيلية، ... و قلعة الشمال تشهد بتصديه للأجتياحات الصهيونية، وقد ساهم في عدة عمليات بطولية، أذكر منها الهجوم على معبر إيرز ، حيث تمكن من تجنيد أفراد قوى ألأمن الوطني في هذه العملية لتسهيل مهمة الأبطال الاستشهاديين، الذين اشتبكوا مع الاحتلال، أثناء عبور حجاج بيت الله الحرام، قبل عامين ونصف على الأقل، وقد أستشهد في الهجوم مقاومين من شهداء الأقصى وتم اعتقال أكثر من عشرين عسكرياً من أفراد الأمن الوطني. وفي هذا المقام أقول أن ما حدث جريمة بما تحمله الكلمة من معاني بغض النظر عن شخصية سميح المدهون أو غيره، فقد رحل الرجل وهو الآن في دار الحق، بينما نحن في دار الباطل، بل لأن المحك يمثل اعتداء على حرمات المسلمين ومقابرهم، وإنسانيتهم، ويمثل اعتداء على كل قيم الخير في الشخصية الفلسطينية المسلمة المناضلة .ومن فعل هذا الفعل المعيب لم يقتل سميح فسميح قد مات والشاة لا يضيرها سلخها بعد ذبحها ،...
فما حدث هو قتل للدين و قتل للأخلاق والقيم، وقتل للتسامح والعفو والصفح ولإرادة الفلسطينية، وقتل لوالدة سميح المدهون، وإخوته، وزوجته، دون اعتبار لأبنه اليتيم، الذي ُأصِّر جميعاً على تحميله ما لا يطيقه أعتا الرجال، وهو يكبر يوماً بعد يوم وصورة مقتل أبيه ماثلةً أمام عينيه ، ثم لا نكتفي بذلك بل نضيف لها صورة قبره المحطم وشهادات اللعنة التي يقترفها الحاقدين. واختتم حديثي لكل من تسول له وحاول المساس بقبور الموتى المخلدين بهذا الحديث الشريف لعلهم يتعظوا ويتوبوا عن فعلتهم الخسيسة والدنيئة / حيث يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أبو هريرة وصححه الإمام مسلم في صحيحه " لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه حتى تخلص إلى جلده خير من أن يجلس على قبر" ، فإن كان هذا بال الجالس على القبر فما بالكم بمن يحطمه .ويبقى أسم سميح هاجساً وكابوساً يلاحق عناصر حماس حتى بعد مماته ليولد سميح المدهون من جديد في تحدي أخر، ويبقى أسم سميح شعلة منار يدخل كل بيت وشارع وحارة ليعشقه كل فلسطيني .
رحم الله الشهيد الخالد وأسكنه فسيح جناته
المجد والخلود لشهدائنا الأبرارالشفاء العاجل للجرحىوالمعاقين
الحرية للأسرى ألأبطالال
تحية كل التحية للحاجة أم سميح وإخوان سميح ولزوجته وأبنه، وكل أصدقاء سميح.
وكل عام وأنتم بخير
صحفي وباحث فلسطيني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق