محمد داود
الألعاب النارية والمفرقعات هي من أكثر الظواهر المنتشرة في مجتمعنا الفلسطيني، وتهدد صحة أفراده وتستنزف أمواله، لا سيما وأنه يعاني من حصار اقتصادي خانق وظروف معيشية صعبة للغاية، فرغم التهديدات والتحذيرات من خطورة وتداعيات هذه ألألعاب إلآ أن بيعها لا يزال مباحاً ومنتشراً بلا حساب أو رقيب لدرجة أنها أصبحت تباع داخل المدارس، وتطلق داخل قاعات الدراسة وفي فناء المدرسة، لدرجة أنها أصبحت تنافس السلع الأخرى من مأكولات ومشروبات ، وبات التسابق على إطلاقها في أي مكان وللصغار والكبار،.
بعد أن كان استخدامها مقصوراً على الاحتفالات والأعياد أو في احتفالات الزواج وبعض المناسبات الأخرى ... وتعرف المفرقعات أنها عبارة عن عبوات محكمة بغلاف من الأوراق الكرتونية والبلاستيكية ومعبأة بمواد متفجرة خطيرة، وتأخذ المفرقعات ألواناً وأحجاماً وأسعاراً وأشكالاً مختلفة فمنها الدائرية ومنها المثلثة والأسطوانية وينبعث منها شرارة نارية وأصوات مدوية، وإفرازات دخانية مشتعلة. تؤدي لنشوب الحرائق، نتيجة اتحاد ثلاثة عناصر هي : المادة القابلة للإشعال والحرارة الكافية والهواء ولكون هذه العناصر متوفرة في المفرقعات فان استخدامها يعرض النفس والممتلكات والآخرين لخطر الحرائق.
فهي تبدأ كتسلية وقد تنتهي لا قدر الله وشاء بتشوه وإعاقة دائمتين أو على الأقل بافتعال مشكلة مع طرف ثاني، وللأسف فإن الكثير من مستشفياتنا لا يسعها إلا أن تستقبل الكثير من الحالات نتيجة سوء استخدام هذه الألعاب وخطورتها، والتي قد تفقد الطفل نعمة البصر لتنقلب هذه المتعة إلى حزن ومأساة متسببة في حدوث تشوه في الجسد أو إعاقة للعين، وقد أفادت معلومات إحصائية قدرت حول عدد الحالات التي أعلنت عنها وزارة الصحة في العام المنصرم والتي تجاوزت أكثر من 1500 إصابة جميعهم من ألأطفال، بينما على الصعيد الدولي فلا تخلوا وسائل الإعلام من خلو أخبارها من تلو نبأ حريق شب أو انفجار، بفعل هذه الألعاب مخلفة ورائها ضحايا وأضرار. ورغم أن استيراد هذه المفرقعات وبيعها وتداولها واستخدامها ممنوع صرحاً بحكم القانون العام، إلا أنها موجودة وتباع في الأسواق بغزارة، في ظل غياب كامل لهذا القانون الضابط بل وبتشجيع من السلطة الحاكمة بهدف جبي الضرائب والجمارك التي تعيد عليها بالربح والفائدة من تداولها "استيرادها وبيعها"، الأمر الذي يستوجب بان تقوم وزارة الصحة بحملة إرشاد للمواطنين وتعريفهم بمخاطر هذه المفرقعات وتداعياتها ومحاولة الحد من وجودها من خلال تنظيم ورش عمل واللقاءات ونشرها عبر وسائل الإعلام المختلفة، وإتاحة المجال لأصوات الأطباء ونشر تصريحاتهم في الصحف والإذاعة والتلفاز حول هذه الآفة، أو من خلال الإذاعة المدرسية، وبأساليبها المختلفة في طريقة العرض، بمساعدة المحيط الاجتماعي والأُسريّ لهم.
والعمل على محاسبة ألأطفال وتوعيتهم على كيفية إنفاق النقود التي تعطى لهم ومراقبة مشترياتهم بشكل تام، وما يثير التعجب أن الشباب والآباء بل وبعض الشيوخ للأسف يقومون بإطلاقها كيفما اتفق دونما مراعاة للوقت والجار وتواجد الناس بل منهم من يشتري لأبنائه تلك الألعاب وهو غافل عن خطورتها بل وقد يشعل فتيلها لأبنائه بنفسه لإشباع رغباته من أجل الشعور بالبهجة والسرور للحظة نظراً لما تحدثها من أصوات جذابة وألوان خيالية فاتنة قد تثير انتباه الآخرين، ...
غير مدركين لما تخلفه من أضرار في الممتلكات جراء ما تسببه من حرائق، وتلوث ضوضائي وكيميائي وفيزيائي للبيئة نتيجة ما تفرزه من رائحة كريهة تمس البيئة وتلحق الأذى بصحة الإنسان، الحيوان، الطيور، والنبات، بسبب الرماد الناتج عن عملية الاحتراق مما يضر بالجلد والعين، فيصاب عين الطفل مباشرة بحروق في الجفن والملتحمة وتمزق في الجفن أو دخول أجسام غريبة في العين أو انفصال في الشبكية وربما يؤدي الأمر إلى فقدان كلي للعين.
أنها عادة سلوكية سيئة تلحق الأذى بالآخرين وتعكر حياتهم مما تقوض راحة الناس وسكينتهم وتثير الرعب والفوضى والشغب في الطرقات والأسواق، والأماكن العامة والمزدحمة، فتؤدي إلى ترهيب الآمنين والنائمين الذين يستيقظون على أصوات هذه المفرقعات التي تسبب لهم حالة من الهلع والخوف والانزعاج وبالتالي تترك آثاراً نفسية عليهم، كما أنها تولد العنف والعدوان في طريقة استخدامها، وتترك تأثيرات سلبية من الناحية العضوية والنفسية تنعكس على تصرفات الإنسان وسلوكه، وتضعف أداءه وكفاءته وتصيبه بالتوتر والكآبة، كما يعد سببا في إضعاف مناعة الأطفال، ويعزز إصابتهم بأمراض الحساسية ويضعف قدراتهم على التعليم والاستيعاب، حيث تحدث مضاعفات على طبلة الأذن وبالتالي تسبب خللاً وظيفياً في عمل المخ، مما تترك مآسي وأحزانً تبقى جروحها وندباتها مؤثرة في النفس والمال طوال الدهر.
لذلك لابد من محاسبة المحلات التي تبيعها وكذلك من يقومون بجلبها وبيعها للأطفال والشباب، الذين لا يعنيهم سواء الكسب المادي دون التفكير في الضرر الذي قد ينتج من جراء ذلك على المجتمع والأفراد وهي مسئولية الشرطة وقوى ألأمن والجهات المختصة الأخرى، وهو ما يدعونا للتساؤل كغيري عن تواجد هذه المفرقعات في وطننا، وهل أصبحت فعلاً للتسلية؟ وهل تكون التسلية على أعصاب الناس من مصلين وكبار سن ومرضى وحتى جالسين في منازلهم اعتيادياً أو مارين بالشوارع بل وصل الحد بإلقاء المفرقعات أثناء صلاة التراويح،...
أستحلفكم أما يكفي استفزازات الاحتلال وحالة الرعب التي يسببها لنا ولأطفالنا؟أنني على استغراب من هذا الصمت عن هذه المعضلة الكبرى التي غزت بلادنا وكأنها من تنقصنا، وأتساءل: من المسؤول تحديداً عن إدخال هذه الحمولات وأطنان المفرقعات ...؟ ، التي تنخر جيوب الناس وصحتهم وعقولهم ومهما يكن فالمسؤولية الأولى تقع عليهم، أي على الأسرة، فالمستورد لو لم يجد من يشتري فلن يستوردها من الأساس ولتراكمت لديه وخسر وما استطاع إحضارها مرة أخرى لكن هؤلاء البائعون الذين للأسف همهم الربح والكسب دون مراعاة لمعايير الإسلامية سواء كان "حلالً أم حرامً".أين حق المسلم على المسلم؟ أين الابتعاد عن الإسراف والتبذير؟ أين الابتعاد عن الشبهات، وخلق القلاقل وإرهاب الآمنين؟
أما تستحوذ فتوى ؟فالإسلام جاء ليحقق سلامة الإنسان المعنوية والحسية والمادية فكل ما من شأنه أن يوقع الضرر بالآخرين حرمه الإسلام بل يحرم دواعيه كما أنها إضاعة للوقت فيما لا ينفع بدلا من الانشغال بما يجلب المعرفة والتعلم والاستفادة.
وأخيراً : المطلوب من أولياء الأمور أن يتابعوا أبناءهم ومنعهم من تداول هذه الآفة "الألعاب النارية والمفرقعات" أو التعامل بها و وتوعيتهم بما ينجم عنها من حروق وإصابات قد تؤدي إلى الوفاة كونها غير آمنة تماماً، جديراً بالذكر أن مشافي غزة تشتكي في هذا الشهر الفضيل من حجم المعاناة التي تتلقاها أقسامها في عدد الحالات وحجم الضرر نتيجة هذه المفرقعات النارية، في ظل نقص شديد في المعدات والأدوات والأدوية الطبية.
كاتب وباحث فلسطيني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق