عطا مناع
غزة في خطر، إنها منطقة منكوبة، مستهدفة ومجوعة ومذبوحة من الوريد إلى الوريد، غزة محاصرة منتهكة مستباحة منبوذة مستعبدة، غزة تقاد إلى المذبح تحت أعين وبصر الأصدقاء والأعداء في توافق دولي وعربي وفلسطيني لم يشهد له التاريخ البشري مثيلا، توافق يمهد للمجزرة الأسطورة، التصفية الجسدية للشعب الذي لا حول له ولا قوة إلا ما تبقى لدية من إيمان بحتمية الوصول إلى الحقوق الوطنية، وبان المقاومة حق لأنها سمة من سمات البشرية في الدفاع عن وجودها أمام محاولات التصفية المتلاحقة من قبل عدو لا يرحم ويفتقر إلى أخلاقيات الصراع التي من المفترض أن تتجسد خلال الصراعات العسكرية.
غزة في خطر، والدولة العبرية تستفرد بها، لقد أخذت الضوء الأخضر لارتكاب المذبحة، تلك المذبحة التي ستحظى بتأييد الكثيرين من أبناء جلدتها الذين أرهقهم نضالها وصمودها وبسالة أبناءها، لقد أسقطت غزة ورقة التوت وكشفت عن العورات التي استأنست للمحتل، وبدأت تبحث عن الخلاص الذاتي لتتسابق على رضا الدولة العبرية، ولتخفي عجزها وتبعيتها خلف ما يسمى بالواقعية ومبادرات الاستجداء التي رفضت إسرائيليا قبل أن يجف حبرها، متناسية أن فلسطين هي الحصن الأخير والدرع المتين أمام محاولات الاختراق التي لا تنتهي للسيطرة على الوطن العربي، أو بشكل أدق على المواطن العربي الذي لا زال يعتبر إسرائيل دولة عدوة، لا أمان لها حتى مع الدول العربية التي وقعت اتفاقية سلام معها وما الشبكات الجاسوسية التي ضبطت في مصر لجمع معلومات استخباراتية ومحاولة نشرة الفوضى الاقتصادية والأمراض إلا بعض ما تقوم بها الدولة العبرية.
من يعتقد أن غزة في خطر لان حركة حماس تسطر عليها فهو مخطئ، وابسط دليل على ذلك قول رئيس وزراء دولة الاحتلال الأسبق اسحق رابين في انتفاضة الشعب الفلسطيني الأولى(أتمنى أن اصحوا من النوم لأجد غزة غارقة في البحر)، لقد قال رابين هذا الكلام عن معرفة ودراية بواقع غزة وقدراتها الكفاحية، والحديث هنا يشمل كافة فصائل المقاومة الفلسطينية وفي مقدمتها حركتي فتح وحماس، لان عمليات الاغتيال التي نفذتها طائرات الاحتلال لم تستثني أحدا وبالتالي تستخدم دولة الاحتلال الحالة الخلافية الفلسطينية للانقضاض على قطاع غزة في الوقت التي تنفذ عمليات الاغتيال والاعتقال بحق أبناء كتائب شهداء الأقصى، فلا يمر يوم إلا وتنفذ قوات الاحتلال عمليات مداهمة واعتقال بحق العشرات من أبناء المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية.
بعض الحالمين يعتقدون أن القضاء على حركة حماس من خلال عملية عسكرية واسعة تنفذها دولة الاحتلال الإسرائيلي سيتم بدون انعكاسات إستراتيجية على بقية الشعب الفلسطيني في الضفة والشتات، وعلى مجمل القضية الفلسطينية، لدرجة أن البعض يعتقد أن الاحتلال سيقدم خدمة لمناهضي حماس مما يعكس ضحالة وضبابية لدى بعض السياسيين الفلسطينيين والعرب، حيث أن تداعيات القضاء على حماس سيعاني منها الشعب الفلسطيني والمنطقة لعدة عقود قادمة لان البدائل ستكون خطيرة ومدمرة، ولان حماس ليست فتح الإسلام في مخيم نهر البارد ولا تعمل بشكل نخبوي، إن لحركة حماس قاعدة جماهيرية عريضة سواء تكفل استمرارية الحركة واتخاذ أشكال تتلاءم مع الواقع، وبالتالي لا يمكن التعاطي بطريقة ميكانيكية مع الواقع الجديد في قطاع غزة.
إن دولة الاحتلال ومن خلال اولمرت وتسيبي لفني وزيرة الخارجية الإسرائيلية، تحاول وضع شروط على الرئيس عباس لاستمرار اللقاءات بين اولمرت وعباس بعدم إجراء حوار مع حماس وذهبوا إلى القول بوضع قطاع غزة تحت وصاية دولة أجنبية، مما يؤكد المخطط التصفوي المعد لقطاع غزة وخاصة بعد قصف موقع زكيم العسكري من فبل سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي وألوية الناصر صلاح الدين، وما لتلك العملية من تداعيات أمنية عبر عنها الدولة العبرية بخطط عسكرية عدوانية على القطاع بعد الأعياد اليهودية، ناهيك عن تشديد الحصار ألتجويعي على القطاع، وكل تلك الخطوات تأتي في ظل التحضيرات المتسارعة لمؤتمر الخريف الذي دعا إلية الرئيس الأمريكي جورج بوش.
وفي ظل استمرار الأزمة الفلسطينية بين رام لله وغزة، ستعمل دولة الاحتلال وبكل ما أوتيت من قوة على إضعاف حركة حماس كمقدمة لتعزيز الانفصال بين الضفة الغربية وقطاع غزة، مما يؤكد الحقيقة التي تقول أن الخلاص الفلسطيني لن يتم إلا بالحوار بين غزة والضفة، وان قوة غزة من قوة الضفة الغربية والشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية، ولكي تبقى فلسطين حرة عربية يجب الدفاع عن غزة لتبقى حرة عربية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق