الأحد، ديسمبر 06، 2009

لماذا؟

راسم عبيدات

.......هذه الكلمة في الساحتين الفلسطينية والعربية،نقولها عشرات بل مئات المرات حول واقعنا الفلسطيني والعربي يومياً،فعلى سبيل المثال لا الحصر لماذا نقتتل على سلطة وهمية؟،ولماذا لم ينجز ملف المصالحة الوطنية؟،ولماذا تركنا أسرانا في السجون،والبعض منهم مر عليه في سجون الاحتلال أكثر من ربع قرن،ولماذا ثورة قدمت كل هذه التضحيات لم تنتصر ولم تحقق أهدافها؟،ولماذا نستأسد على بعضنا البعض لأتفه الأسباب؟،ولماذا نعطل الفكر والعقل،ونؤمن بالغيبات والأساطير والشعوذة؟،ولماذا نتعامل مع الإشاعة على أنها حقيقة؟،ولماذا ندعي الورع والتقوى والتسامح،ونحن أبعد ما نكون عنها بسنة ضوئية؟،ولماذا نكفر أو نخون بعضنا البعض لمجرد خلاف في الرأي أو وجهة نظر؟،ولماذا نؤله القادة والزعماء؟،ولماذا الكل عندما يورث الرئيس والملك والأمير وأمين عام التنظيم والحزب؟،ولماذا نمارس النفاق والدجل الإجتماعي؟،ولماذا نحن خبراء في النقد والتجريح؟،ولماذا نجيد البكاء والتشكي والتذمر؟،ولماذا نحن خبراء في الجناس والطباق والسجع والبلاغة؟،وسلحفائيون في الإبداع والإنتاج والفعل،بل لا ننتج لا فكر ولا ثقافة ولا فن ولا حضارة ولا علوم؟،ولماذا تقتتل على متر من الأرض أو اعطاء حق أولوية في السير،أو لمجرد نظرة أو كلمة غير لائقة؟،ولماذا نصر على إلقاء القمامة في الشوارع وبالقرب من الحاويات وليس بداخلها؟،ولماذا نخشى قول الحقائق،رغم أننا من أكثر المرددين لقول الرسول محمد(صلعم)"أعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر" ولماذا معظم رجال الدين ودور الإفتاء والمثقفين عندنا،خدم عند السلاطين وأصحاب السمو والجلالة والفخامة،يسبحون بحمد أموالهم ويباركون سياساتهم ويمجدون بطولاتهم وانتصاراتهم الكاذبة،ويضرعون الى الله العلي القدير أن يحفظهم ويسدد خطاهم وأن يمد في أعمارهم وتحكمهم وتجبرهم في رقاب الشعب الغلبان،وأن يكثر من نسلهم وذريتهم،وهم يعلمون أنهم يظلمون ويبطشون وغير مؤتمنين،لا على مصالح الشعب ولا مصالح الأمة؟ولماذا عندنا المعارضة في أغلبها وبكل ألوان طيفها مخصية،ولا تريد أن تدفع ثمن معارضتها دماً وسجون وجوع ونفي،ولماذا عندنا المعارضة الحقيقية،مصيرها القبر أو السجن أو الجوع والنفي؟،ولماذا نقلب الحق باطل والباطل حق في القضاء العشائري؟،ولماذا نمارس عكس ما نقوله أو ندعو له أو نؤمن به،فلا نتورع عن سرقة التيار الكهربائي أو الغش في الامتحان أو البضاعة،أو بيع بضاعة أو شحنة دواء فاسدتين؟،ولماذا دائماً نفلسف الأمور،ونختلق الحجج والذرائع لأخطائنا ونكره الاعتذار أو الاعتراف بالخطأ،ونتعامل مع الأمور والوقائع على قاعدة ما يقوله المأثور الشعبي" عنزة ولو طارت"؟،ولماذا نصر على عدم سيادة القانون ومحاسبة الخارجين عليه،ونعتمد سياسة"الطبطبة؟؟،ولماذا عندنا الفساد والفاسدين ينمون ويكبرون،بل ويمأسسون ويهيكلون هذا الفساد،حتى غدا"زلمه الآمرين الحاكمين،ومن يتعرض لهم بالقول أو التشكيك أو الطعن في ذمتهم المالية أو مسلكياتهم الاجتماعية،فكأنما كفر أو شتم الذات الإلهية؟،ورغم كل ذلك نصر على أن من يقوم بذلك-أي الفساد- بكل أشكاله،هم كائنات وهمية قادمة من كواكب أخرى،أما الذين يتكرشون ويمتلكون الملايين وعشرات العقارات وأساطيل السيارات،فهذا لم يجنوه من الفساد والرشوات والسرقات وبيع الضمير،بل من عرق جبينهم ومن فضل ربهم؟،ولماذا نصر على أن فنجان القهوة هو الحل السحري لكل مشاكلنا صغرت أو كبرت،ولماذا نغصب أو نقتتل لمجرد خلاف في الرأي أو خطأ بسيط،ولا نغضب أو نستنفر لضياع أرض وعرض؟،ولماذا النظر إلى أنفسنا وذاتنا بدونية والتغني بالأعداء إنجازاتهم وقدراتهم؟،ولماذا نصر على دخول موسوعة "دينيس للأرقام القياسية من باب الطبايخ والولائم،أكبر قالب حلاوة أو كيك أو صدر كنافة أو هريسة أو غيرها،ولا ندخلها من باب الاختراعات والاكتشافات؟،ولماذا أمة اقرأ لا تقرأ؟،ولماذا نصر على تعميم ثقافة الجهل والتخلف،ولماذا نتبع سياسة "الطبطبطة" وجعل النار تحت الرماد؟،ولماذا نتصرف كالنعامة،نضع رؤوسنا في الرمال وعوراتنا مكشوفة للعلأ والملأ؟،ولماذا ندعي أننا أهل القيم والأخلاق،وممارساتنا وأفعالنا وخروج شبابنا كالقطعان في الشوارع لا يتركون أنثى صغرت أو كبرت من تعليقاتهم وبذاءاتهم،وحتى التحرش بهن في الشوارع والساحات العامة؟،ولماذا نصر على النظر والتعامل مع المرأة من زاوية مفاتنها وفرجها؟،ولا ننظر إليها على أنها نصف المجتمع ،وعلى أنها قادرة على الإنتاج والإبداع في الكثير من الميادين والمجالات؟،ولماذا رجال الدين والمشايخ ودور الإفتاء عندنا شغلهم الشاغل وهمهم الوحيد، فقط الفتاوي حول أحدث الطرق لالتهام النساء وإصدار فتاوي تشرع ذلك،مثل زواج المسيار أو المتعة أو السفر والسياحي وغير ذلك؟،ولماذا نصر على تصوير هزائمنا على أنها انتصارات،ونجند لذلك الفضائيات لعرض تلك الانتصارات والبطولات الكاذبة والمزيفة؟،ولماذا تثقل أكتاف وصدور عساكرنا بالنياشين والرتب والأوسمة،دون معارك أو بطولات أو انتصارات؟،لماذا أجهزة أمننا تعد وتحصي على المواطن حتى أنفاسه،وتتدخل في أدق خصوصياته؟،ولماذا نخصي خيار المقاومة،ونصر على سجن وقتل من ينادي به أو يدعو اليه؟،ولماذا لا نعترف بالفشل أو الهزيمة?.

اذا أصبحنا أمة لماذا،وأصبحنا أمة خارج التاريخ العاقل،وأصبحنا أمة تجنر التاريخ وتعيش على الأمجاد والبطولات الغابرة،أصبحنا أمة متلقية للفعل ولا نساهم في الفعل،وما زلنا نجتر التاريخ والماضي،ولا نستفيد منه من أجل الحاضر والمستقبل،فدائماً نقول بأننا أمة السيف أصدق أنباء من الكتب،وأمة ولقد ذكرتك والرماح مني نواهل،وأمة ولنا أيام غر طوال عصينا الملك فيها أن ندينا،وأمة من دانت له امبرطوريات الفرس والرومان،ومن هزمت جحافل هولاكو وجنكيزخان،ومن هزمت الصليبين وحررت القدس،ومن سيرت جيوشها لنصرة امرأة مظلومة،أما اليوم فغير قادرين على تسير جيوش لا للتحرير ولا للدفاع عن الأوطان،فجيوشنا تعيش كالمخاصي وأسلحتنا تتكدس بالمليارات وتصدأ من عدم الاستعمال،وعواصمنا تغتصب علناً وجهراً في بغداد والقدس،وأقصانا مهدد بالاستيلاء عليه ومنع الأذان من مآذنه،بل ومساجدنا تمنع من بناء المآذن لها في أوروبا،ونحن ليس فقط لا ننصرها بل نسهل ونشارك في اغتصابها،وكأننا ننتقم من ذاتنا ،لتبرير عجزنا وعدم قدرتنا على الفعل.

وأمة لماذا هذه المهزومة من الداخل،والتي قادتها يستدخلون الهزائم ويصورنها على أنها انتصارات،بحاجة إلى ثورة اجتماعية شاملة،ثورة تطال كل المفاهيم والبرامج بدءاً من السياسة وانتهاء بالمعرفة والعلم والتعليم،والتي تضرب الوطن في صميم وحدته،ثورة تعيد للقومية العربية عزتها وكرامتها،ثورة تعلن أن هزائمنا وانكساراتنا السياسية والعسكرية طارئة ومؤقتة،ثورة تعلن أن الإرادة هي أملنا،والتاريخ أثبت أن الشعوب التي تمتلك الإرادة لا ولن تهزم،وحزب الله والثورة الفلسطينية والمقاومة العراقية،يثبتون ذلك ويؤكدون على حتمية انتصار الشعوب ودحر الغزاة والمحتلين.

ليست هناك تعليقات: