محمد داود
ما أن أخذت الأنباء التي كشفت عنها وسائل الإعلام الإسرائيلية والدولية، بأن مصر تقوم ببناء جدار من الفولاذ الحديدي على حدودها مع قطاع غزة؛ في خطوة منها لوضع نهاية حازمة لمسألة التهريب عبر الأنفاق؛ حتى أصيبت القيادة المسيطرة في قطاع غزة بالقلق وخيبة الأمل؛ فسارعت إلى عقد الجلسات التشاورية الداخلية وبين الكتل البرلمانية لبحث السبل الكفيلة لمحاربة الجدار وأخذت تكيل سيل من الاتهامات لمصر، بينما أخذ التجار والمستنفعين إلى رفع أسعار السلع واحتكارها. فمصر من حقها الطبيعي أن تحمي حدودها وأن تحفظ أمنها ومواطنيها من أية مخاطر, في أي جهة كانت بما فيها حدودها مع الكيان الصهيوني وتنحي في هذه الحالة وغيرها العواطف.
فبعد أن انتهى الهجوم الإسرائيلي الكاسح على قطاع غزة قبل عام والتي تعرف بعملية "الرصاص المصبوب" وقعت وزيرة الخارجية الأمريكية رايس مع وزيرة خارجية إسرائيل ليفني على اتفاق مشترك يعرف بالعابر للقارات أعطى لإسرائيل الضوء الأخضر بأن تمنع أي صفقة تهريب للعتاد والسلاح إلى قطاع غزة، وقد أقرت خطة لمكافحة هذا التهريب، الذي يسمح لإسرائيل أن تفتش السفن المبحرة واعتراضها في عرض البحر المتوسط حتى خارج المياه الإقليمية؛ كما منح الاتفاق إسرائيل بمهاجمة أي دولة عربية أو إسلامية تهرب العتاد لقطاع غزة، وقد شاهدنا تدمير القافلة المحملة بالعتاد في السودان وأخرى في عرض البحر الأحمر، والقرصنة على السفينة في عرض البحر المتوسط قبل شهر، وغداً سنكتشف المزيد من المفاجآت التي أقرها اتفاق رايس ليفني.
أما الشقيقة مصر فهي لن تتخلي عن مسئولياتها نحو تأمين كافة الاحتياجات الأساسية لأهالي غزة بإعتبارها العمق الاستراتيجي للقضية الفلسطينية، إذ بذلت جهداً مستفيضاً وما زالت تعمل من أجل رأب الصدع الفلسطيني وإنجاح المصالحة الفلسطينية التي خلصت إلى ضرورة توقيع الأطراف الفلسطينية على ورقة المصالحة التي صنعتها، كمخرج وحيد يمكن من خلاله إنقاذ المشروع الوطني الفلسطيني التي وقع بها النظام السياسي الفلسطيني برمته نتيجة الصراع السياسي الدائر على السلطة. وتقدم أيضاً الورقة المصرية مخرجاً يسمح بفتح المعابر وفكفكة الحصار وتشكيل حكومة وفاق وطني.
أما بخصوص الأنفاق التي استغلها التجار من منظور ربحي ومادي وليس وطني لكسر الحصار؛ يحقق المهربون والقائمون علي هذه الأنفاق السرية مكاسب خيالية تقدر في الشهر بمئات الألوف من الدولارات, دفعت تلك الأرقام الخيالية معظم شباب غزة للعمل في أعمال التهريب عبر الأنفاق, فقاموا بتهريب البضائع الفاسدة والعقاقير والمخدرات التي أفسدت أبناء الشعب الفلسطيني، وسقط خلالها عشرات الضحايا نتيجة انهيار الأنفاق عليهم وآخرين تعرضوا إلى النصب والمصادرة.
إننا لايمكن أن نعتبر الأنفاق هي الشريان الوحيد الأبدي في حياتنا والاعتماد عليها كسبيل دون البحث عن خيار أخر أو التسليم به كخيار جيوسياسي وحيد طوال الدهر. فمن حقنا أن يبقى لنا حدود مفتوحة مع العالم ومن حقنا استيراد و تصدير البضائع من وإلى قطاع غزة متى وكيف نشاء، ومن حقنا أن يخرج طلابنا ومرضانا ومسافرينا بحُرية وكرامة وهو حق وطني وقانوني وإنساني مشروع ومكفول محلياً وإقليمياً ودولياً .
لذلك نرى باب المصالحة والتوقيع على الورقة المصرية هي أقل جهداً وتكلفة وأكثر أمناً من سياسة الانغلاق و البحث عن الأنفاق التي تعتبر عالمياً طرق غير مشروعة ومجحفة دفعتنا إسرائيل نحوه.
كاتب وباحث
الأربعاء، ديسمبر 23، 2009
كيف يمكن التغلب على الجدار الفولاذي مع مصر.؟
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
هناك تعليقان (2):
الجدار الفولاذي او جدار الموت:ما الهدف من بناء الجدار؟ يرى اهل غزة بما فيهم حماس انه عقاب على الصمود الفلسطيني ومحاولة للضغط للتوقيع على الورقة المصرية للمصالحة. ويرى المصريون انهم من حقهم حماية اراضيهم وشعبهم من اي خطر. والرأي عندي أن بناء الجدار مقدمة للحل الدائم والذي سيوقع عليه لاحقا بالتوافق مع روح المصالحات السائرة في المنطقة؛ ولتضمن به مصر عدم عودة السلاح للاخوان المسلمين من غزة بعد المصالحة وفتح المعابر التي تنهي الحاجة للانفاق اي عدم شرعية الانفاق. والامر الثاني هو الخوف من اغراق السوق المصرية بالمواد المهربة وضرب الاقتصاد المصري كما كان عليه الحال قبل 1967اي بالاحتلال الاسرائيلي الذي أعاد للاقتصاد المصري هيبته بعد توقف التهريب وكل مصري يعلم ذلك تماما؛ اي ان التحامل على مصر مبالغ فيه والايام القادمة تكشف ذلك. أبو سامي
مهما كان الخلاف لا يمكن تجويع شعب تحت اي زريعه كان ... الانفاق وجودها بين مصر و فلسطين هي العار الحقيقي لمصر وليس لاحد اخر اما الجدار فهو الخيانه العظمى بحق شعب اراد الحريه وليس الاستعباد....
إرسال تعليق