د. فايز أبو شمالة
لم تنتابني لحظة شك بأن العدو سيهزم، وأن الضحى الذي يطل على غزة تحت القصف سيشهد على ليل الطغاة، ولم أتشكك في لحظة أن إرادة البقاء في الإنسان ستصمد أمام شهوة القتل، كنت واثقاً من غزة، وكنت مقتنعاً؛ أن ليس أمامها إلا الانتصار، فلا طريق آخر لغزة، وقد حسبت أن للعدو الإسرائيلي طريقين؛ الأول: أن يكتفي بالقصف الجوى المكثف، وأن يبالغ في التصفية اليومية للرجال، وقد تعايشت غزة مع هذا الشكل من العدوان، والطريق الثاني: أن يحتل غزة بالقوة العسكرية، وما يعنيه ذلك من تكلفة بشرية، ومواجهات، وما يستغرقه ذلك من زمن لا يتوفر للغاصب، ولكن العدو الإسرائيلي عمد إلى طريق آخر، فقد اختار أن يدمر غزة، وأن يوجعها بلا مواجهات، ودون احتلالها. وهذا بحد ذاته شهادة ميلاد للمقاومة الفلسطينية التي حيرت أعداءها، وأعلنت عن زمن غزة الجديد.
والجديد؛ أن غزة ما عادت تخشى قوة الدولة العبرية، ولا عادت تخاف تقدم دبابات الجيش الإسرائيلي، وقد اختبرت ميدانياً قدرتها وإرادتها، والجديد؛ أن قادة العدو الإسرائيلي الذين ما انفكوا يهددون، ويتوعدون، ويحشدون القوات على غزة، قد يئسوا، وبلعوا ألسنتهم، وما عاد في جعبتهم من سحر يخيف غزة، فلم نعد نسمع تلك التهديدات، ولا الوعيد بتدمير غزة. والجديد؛ أن قادة الكيان الصهيوني الذي حرصوا على تسويق أنفسهم للعالم بأنهم رجال سلام، وأنهم يحاربون الإرهاب، قد تكشفت حقيقتهم أمام أسوار غزة، وعرف العالم حقيقة المجتمع الإسرائيلي الذي لا يضم إلا القتلة، ولا مكان له إلا قفص الاتهام بجرائم الحرب كما أظهر ذلك تقرير "غولدستون". والجديد؛ توقف المفاوضات العبثية التي شكلت غطاء سياسياً للمستوطنين، وللقتلة، ولقادة الكيان كي يواصلوا خديعة الشعوب العربية، والجديد؛ أن فكرة تصفية المقاومة الفلسطينية بالقوة، والسيطرة العسكرية على غزة قد انتهت إلى الأبد، وصارت المقاومة الفلسطينية نداً للدولة العبرية. والجديد؛ انتهاء التهديد الإسرائيلي باستعادة الأسير الإسرائيلي "شاليط" بالقوة، والبدء بمفاوضات جادة لإطلاق سراحه. والجديد؛ أن كل أولئك الذين حلموا بعودة السيد عباس رئيساً على غزة قد أدركوا أن غزة صارت نجمة في السماء تهدهد قلب العائدين، ومن أراد العودة إلى غزة عليه أن يكون قمراً يضيء درب المقاومة.
عبر اليوم الأول للحرب وسط دوي القذائف الصهيونية بين أيدي المواطنين، وعبر اليوم الثاني والعشرين دون أن تتوقف القدرة الفلسطينية على ضرب عمق الكيان الصهيوني، وهذا ما يعزز القناعة لدى كل عاقل بأن غزة لن تهرب من قدرها الذي اختاره الله لها.
fshamala@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق