مأمون شحادة
wonpalestine@yahoo.com
تبدو الفرصة الآن أكثر من متاحة لروسيا بعد الأزمة المالية التي اجتاحت العالم فهي الأقل تأثراً من غيرها، واقتصادها معافى بالمقارنة مع أقوى الاقتصادات الأوربية، ولكي تقوم روسيا بدور اقتصادي وريادي في إفريقيا والشرق الأوسط، يجب عليها تغيير سياساتها الاقتصادية تجاه المنطقة، فروسيا لا تقوم بتمويل مشاريع استثمارية في المنطقة، وهذا لا شك يقلل من تأثيرها السياسي، ويعرقل دورها وثقلها في حل الأزمات في المنطقة، وفي المحصلة يجعل من روسيا منعزلة أو معزولة الأمر الذي تسعى له الولايات المتحدة والغرب عموماً... لذلك تسعى روسيا لتلعب دوراً مؤثراً وإحراز تقدم ملموس في التسويات السلمية في قضايا الشرق الأوسط وإفريقيا التي تضم الثقل العربي، هنا توقف الكاتب الدكتور هاشم حسين بابكر من المركز العالمي للدراسات الإفريقية في وصفه الصعود الروسي نحو القمة في اشارة الى اعادة النجم الروسي الى سماء المنطقة.
الامر الذي حدا بروسيا الى تغير سياستها تجاه العالم الخارجي وفق سياسة خارجية ترنو الى مستقبل روسي مشرق انتهجها فلاديمير بوتين، مدركا ان فترة الركود الروسي خلال التسعينيات يجب اعادة صياغتها وفق المصلحة الروسية لاعادة الثقل الروسي، حيث اشار بوتين الى هذا خلال كلمته امام مؤتمر " روسيا الموحدة " على ضرورة الشروع في تطبيق الخطط الاستراتيجية للنهوض بروسيا داخليا وخارجيا فيما يسمى بـ " خطة بوتين "، وقد جاء هذا ايضا على لسان الرئيس الروسي ميدفيدف داعيا الى تحويل روسيا الى قوة عالمية على اسس جديدة وجوهرية "، وهذا ما أكّـده ميخائيل دميترييف، مدير الهيئة الفدرالية الرّوسية للتعاون التِّـقني "أن موسكو تسعى في الآونة الأخيرة إلى تطوير التّـعاون العسكري والتِّقني مع الدّول العربية ودخول أسواق جديدة، مُذكِّـرا بتوقيع عقود ضخْـمة" فيما رأت لور دلكور، مديرة البحوث في "معهد البحوث الدولية والإستراتيجية" الفرنسي في تعليق لسويس أنفو،" ان الاهتمام الروسي المُـتزايد بالمنطقة، هو أن موسكو لا تسعى فقط إلى استعادة موقِـعها السياسي والعسكري في المنطقة، وإنما أيضا إلى توسيع علاقاتها الاقتصادية للَـعِـب دورا أكبر في قِـطاع النفط والغاز الذي أدركت أهميته، خلال أزمة الغاز مع أوكرانيا والبلدان الأوروبية خلال فصل الشتاء. " ما يعني ان روسيا تسعى ومنذ مطلع عام 2000 الى احداث علاقات سياسية، واقتصادية، وثقافية، اقليميا وعالميا، وخصوصا مع جمهورية الجزائر، وسوريا، ، والامارات العربية المتحدة، وتركيا على اعتبار انها دول ذات اهمية كبيرة في اطار المنطقة و نقاط استراتيجية وجيوسياسية مهمة ، حيث سعت روسيا الى احداث علاقات مع الدول الاربعة لتعزير اواصر الثقة على الرغم ان روسيا تقيم علاقات اكثر تعاقدا مع غيرها من الدول، ولكن السؤال هنا لماذا تسعى روسيا الى تعزيز علاقتها مع تلك الدول الاربعة ؟ .
من ذلك سوف نسعى الى تفصيل العلاقة ما بين روسيا وبين الدول الاربعة سابقة الذكر لمعرفة بدايات الخيوط الاولى التي تحيك بساط البريسترويكا الروسية البوتينية الجديدة من اجل النهوض من تحت الركام .
الجزائر
تسعى روسيا الى توثيق التعاون بينها وبين الجزائر على اعتبار ان الجزائر شريك مهم لروسيا في شمال افريقيا ومنطقة البحر الابيض المتوسط، على اعتبار انهما الاكثر تصديرا للغاز الى الاتحاد الاوروبي، حيث تم عقد الكثير من الاتفاقيات السياسية ، والاقتصادية، والثقافية بينهما، تمثل ذلك في فوز شركة السكك الحديدية الروسية بعقد انشاء خطوط حديدية في الجزائر، و قيام شركة " روس نفط" بالتعاون مع شركة " ستروي ترانس غاز" اكتشاف حقلين للنفط وحقلين للغاز في الجزائر بمحتوى 3.5 مليون طن سنويا، ونية البلدين لاعداد منظمة تكتل روسي جزائري لصناعة الغاز " اوبك غاز" على غرار اوبك العالمية، حيث لاقى هذا ترحيباً من فنزويلا وايران على اعتبار ان روسيا والجزائر اهم مصدرين للغاز الى اوروبا، وايضا عقد اتفاقية التنقيب عن احتياطات الهيدوليك في جوف الارض الجزائرية، كذلك اعلان المدير العام لمصنع السفن العالمية" سيفرنايا فيرت" في سان بطرس بيرغ السيد انديه موميتشيف ان روسيا ستنفذ التزامها والعمل على تصنيع غواصتين وتحديث سفينتين صاروخيتين صغيرتين تابعتين للقوات البحرية الجزائرية حتى عام 2009 ، هذا يترافق مع صفقات السلاح الموقعة بين روسيا والجزائر بقيمة 4.7 مليار دولار، فقد بينت المؤشرات ان الجزائر تحتل المرتبة الثانية بين بلدان العالم المستوردة للاسلحة الروسية، هذا بالاضافة الى عمليات شطب الديون المستحقة لروسيا وتحويلها الى استثمارات جزائرية روسية، فيما ذكر رئيس مجلس الدوما الروسي يوريس عزيزلوف ان التعاون العسكري التقني بين البلدين يساهم بالقسط الاكبر في النمو المطرد للتبادل التجاري فقد تجاوز حجم التبادل التجاري بين البلدين مليار دولار في اواخر العام 2007، اضافة الى التعاون الاقتصادي العالي المستويات المبني على استراتيجية الشراكة في العام 2001 والتي مثلت الطريق لتوقيع اتفاقية التعاون الفضائي وتوقيع اتفاقية التعاون في الطاقة النووية السلمية، الامر الذي جعل من روسيا تطلق في المدار الصناعي" القمر الصناعي الجزائري( السات – 1 ) " في شهر نوفمبر 2002 .
سوريا
روسيا تسعى الى نقل الكلام من النظرية الى التطبيق من خلال استغلالها الارث التراكمي التعاوني القديم ما بين سوريا وروسيا على اعتبار ان سوريا دولة وسيطة في المنطقة ولها تأثير مباشر اقليمي ودولي ومنطقة تقاطع مصالح ضمن حدود المنطقة وفق رؤية جيوسياسية لروسيا لانها تمتلك قيمة استراتيجية باعتبارها مفتاح الحرب والسلام في الشرق الاوسط، وتلعب دورا مهما في التسوية السياسية، ما يعني ان سوريا مفتاح بوابة الشرق العربي، وكما قال الكثير من الساسة الروس وصفهم لسوريا انها " قلب العالم العربي وطموح روسيا نحو توسيع العلاقات " ، وهذا ايضا ما فعلته سوريا، حيث انها كلما حاولت روسيا اعادة تعريف نفسها كلما استغلت سوريا هذا الخطاب "التعريفي" الجديد لانها مصممة على اللعب ضمن المعادلة الدولية انطلاقا من الانطلاقة الروسية، فيما رحبت سوريا بان تعيد روسيا لعب دوراً مهماً في المنطقة، موقعة في ذلك اتفاقيات سياسية، واقتصادية، وثقافية، و علمية، وحربية، وتجارية، من العيار الثقيل، فقد تم توقيع صفقات السلاح، والتعاون العسكري، وتزويد دمشق بمعلومات استخباراتية فضائية عن التحركات الاسرائيلية، متزامناً مع سعي سوري لبناء انظمة الدفاع الجوي، حيث اعلن الاميرال فلاديمير ماسورين قائد البحرية الروسية عزم روسيا اقامة قواعد حربية لها في سوريا " في منطقتي اللاذقية وطرطوس" لتعزيز الثقة المتبادلة بين الأسطولين الروسي والسوري، اما على الجانب الاقتصادي فقد تم في عام 2005 – 2006 توقيع اتفاقية اقتصادية تجسدت بفتح العديد من المصانع المشتركة، اضافة الى مجلس لحماية رجال الاعمال السوريين ومنع الازدواج الضريبي مترافقاً مع منظومة امنية لحماية التعاون الاقتصادي السوري الروسي، حيث بلغ معدل التبادل التجاري بين البلدين في عام 2007 ما يزيد عن مليار دولار، بالاضافة الى شطب 10 مليار دولار من ديون سوريا، وتزويد سوريا بالنتجات النفطية بنسبة 57% من نسبة الصادرات الروسية، وعثرت شركة "تاتنفت" الرّوسية في الفترة الأخيرة على ثلاثة حقولٍ نفطية في سوريا، اضافة الى ذلك فقد قامت شركة "سترويس رايس" الروسية على مد انابيب الغاز على طريق الاردن لتصل الى مضختي غاز تدمر، اضافة الى ازدياد الشركات السياحية بين روسيا وسوريا .
تركيا
تسعى روسيا الى توثيق التعاون مع تركيا لانها تلعب دورا هاما في المنطقة على اعتبار انها الجسر الواصل ما بين الشرق والغرب فهي تجسد ثلاثة دوائر جغرافية، الدائرة الاوروبية، والدائرة العربية، والدائرة الاسيوية الوسطى، وكذلك لان تركيا عضو في حلف شمال الاطلسى وهي تسعى الى صياغة تكتل استراتيجي ما بينها وبين سوريا والعراق وايران من الجهة الاخرى، اما على الجانب التعاقدي فقد وقعت روسيا معها الكثير من العقود كاتفاقية التعاون بين الجانبين" الاوراسية "في العام 2001 واتفاقية التعاون العسكري في العام 2002 هذا اضافة الى معرض الاسلحة العسكري الذي اقيم في نيسان 2009 لعرض الاسلحة الروسية في معرض "ايديف 2009 "، وتوقيع اتفاقية دخول السلع الروسية الى تركيا في العام 2005 واتفافية تعزيز وتطوير التعاون في مجالات الغاز والنفط والطاقة في العام 2009 وايضا توقيع اتفاقيتين لمد خط النفط "سامسون - جيحان" وبناء أول محطة كهرذرية على الأراضي التركية من قبل الخبراء الروس مترافقا مع اتفاقية الانذار السريع عن الحوادث النووية وكذلك اتفاقية استكشاف واستخدام الفضاء الكوني، بالاضافة الى التعاقدات المبرمة ما بين الجانبين بتجارة المواد الاولية وغير الاولية في مجال تجارة الطاقة الكهربائية، وايضا ابرام العديد من الاتفاقيات التجارية حتى وصل معدل التبادل التجاري الى اكثر من 33 مليار دولار عام 2008 ، حيث ان تركيا تشغل المرتبة الخامسة تجاريا وتحتل المرتبة الثالثة من حيث مشتريات الغاز، ويعمل في روسيا اكثر من 150 شركة تركية، بالاضافة الى اتفاقيات التعاون البحري من خلال بناء السفن التجارية للجانب التركي.
التبادلات ما بين الجانبين لم تتوقف عند هذا الحد، بل اصبحت تاخذ ابعادا مستقبلية في ارساء الاستقرار ضمن المنطقة، من خلال الدور الروسي في حل نزاع قره باغ الجبلية بين اذربيجان وارمينيا مع احتمال ارسال قوات حفظ سلام روسية بينهما، وهناك ايضا علاقة في التصور الروسي التركي في لعب دور الجسر الواصل بين العالم الاسلامي والغربي للدخول كشريك في ادارة المنطقة اقتصاديا وسياسيا، الذي تجسد واقعيا باتفاق روسي تركي على مد وانشاء مشروع خط انابيب الغاز المسمى " السيال الازرق – 2 "، والتعاون بين البلدين في مجال الطاقة، ونيتهما في استثمار حقول النفط العراقية، هذا يأخذنا الى "نقطة مهمة" هو الصراع الروسي الامريكي على غاز اذربيجان ضمن خط انابيب" باكو"، حيث ان الرؤية الروسية تتوافق مع الرؤية التركية في انشاء اتحاد لمصدري الغاز من اجل المحافظة على سعره عالميا وهذ يشمل " الجزائر والامارات العربية ايضا"، الامر الذي جعل من البلدين جادين في حل مشكلة قره باغ الجبلية المتنازع عليها من قبل الاذريين والارمن، ما يعني ان لتركيا وروسيا نظرة فاحصة تجاه المنطقة من اجل اعادة الصياغة التعريفية " في كافة المجالات الحياتية" ما بينهما و بين المنطقة العربية .
الامارات
تسعى روسيا الى توثيق التعاون، السياسي، والاقتصادي، والثقافي مع الامارات العربية المتحدة، في الوقت الذي اعتبر فيه السيد فلاديمير كيدروف ، رئيس شبكة المراسلين بتلفزيون "روسيا اليوم" إن دولة الإمارات العربية المتحدة تمثل ظاهرة فريدة على خريطة العالم العربي وخريطة العالم عموما، كونها مركزا نفطيا كبيرا ومركزا تجاريا عالميا ومركزا سياحيا دوليا، منوها إلى أهمية الدور السياسي الذي تلعبه الإمارات على صعيد العالمين العربي والإسلامي، وقيمتها الإستراتيجية والجيوسياسية على الصعيد الدولي والعالمي .
اضافة الى ما قاله السيد فلاديمير كيدروف فان الامارات تضم بين ثناياها اكبر جالية روسية في منطقة الخليج، بالاضافة الى بناء اول كنيسة ارثوذكسية في امارة الشارقة لترتادها تلك الجالية .
فيما اعتبر الدكتور يوري زينين الخبير في امور الشرق الاوسط أن روسيا الاتحادية مؤهلة للمساهمة بفاعلية في تنفيذ المشاريع التكاملية بين دول مجلس التعاون الخليجي بمشاركة القطاعين العام والخاص في إطار تنويع الاقتصاد والإنتاج في البلدان الخليجية .
واضاف ايضا : إنه بوسع روسيا والإمارات تنفيذ مشاريع كبيرة بتوظيف التكنولوجيا والمبتكرات الحديثة الروسية في استخراج النفط وتكريره وفي إدارة الثروة المائية وصناعة الطاقة الذرية والفضاء الخارجي، داعيا إلى تنفيذ مشاريع لإقامة البنية التحتية واستثمار الثروات الطبيعية في الإمارات ودول مجلس التعاون الخليجي بحكم ما تتمتع به بلاده من قدرات إنتاجية وتكنولوجيات جاهزة وخبرة واقعية في تعاونها مع شركائها من البلدان العربية على النحو الذي نفذته موسكو في العهد السوفيتي في مصر وسورية والجزائر والعراق .
حيث انه يوجد في الامارات العربية 500 شركة روسية بكلفة إجمالية قدرها 35 مليار دولار و 200 شركة روسية اماراتية و 80 شركة روسية في مناطق حرة، وقد تصدرت الإمارات البلدان الأعضاء من حيث عدد المشاريع،حيث بلغت 124 مشروعا. اضافة الى ذلك فوز شركة النفط الروسية وريثة وزارة النفط زمن الاتحاد السوفيتي بابرام عقد في عام 2000 لانشاء مصفاة تكرير النفط في امارة الفجيرة بطاقة انتاجية تبلغ مليوني طن سنويا، اضافة الى بناء أكبر مشروع عقاري روسي تنفذه شركة من دبي بقيمة 11 مليار دولار على مشارف روسيا تحت اسم مدينة «دوموديدوفو» .
الاهتمام الروسي في تقوية العلاقات بينها و بين الامارات يحمل في طياته العديد من الطموحات المستقبلية لروسيا، الذي تجسد في اقامة علاقات تقنية وعسكرية مع الامارات، من خلال اقامة معرض الصناعات العسكرية في ابو ظبي( ايدكس 2009) بالتعاون مع سبع شركات روسية للصناعات الحربية، والقيام بدورات لتبادل الخبرات العسكرية، حيث ان الامارات عازمة على نشر منظومة اقمار صناعية خاصة بالاتصال العسكري السري، وهي مؤلفة من قمرين صناعيين، سيتم اطلاق احدهما الى الفضاء بواسطة الصاروخ الروسي" بروتون- أم " .
التعاون بين البلدين لم يتوقف عند هذا الحد انما كان هناك غزل سياسي من جهة الامارات في تعزيز التعاون بينهما في الكثير من المجالات، تمثل في دعوة الامارات الى تحرك روسي اكبر في المنطقة، الامر الذي شجع روسيا اكثر على اقامة المؤتمر الدولي حول النزاع الفلسطيني الاسرائيلي، ما جعل روسيا تلعبُ دورا دبلوماسيا، وتكتيكيا من خلال العلاقات والمجالات الاقتصادية والسياسية و التجارية، مثل الطاقة النووية السلمية، والاستثمار في قطاع الغاز والبتروكيماويات، والسعي لانشاء طريق النقل الدولي السريع " الشمالي- الجنوبي" الموقع بين روسيا وايران والهند، و احتمال دخول الامارات العربية الى هذا الطريق .
سؤال يجب ان يطرح على الساحة الروسية بعد كل هذا التواجد، ما مدى نجاح بريسترويكا روسيا الجديدة بعلاقة التنافر ما بينها وبين امريكا من جهة، وروسيا وامريكا وتنظيم القاعدة من جهة اخرى ؟ .
ان العلاقة ما بين روسيا وامريكا تتمحور ضمن الصراع المتبلور على نار هادئة فيما بينهما على منطقة الشرق الاوسط ، وقد لوحظ ذلك بحلول عام 2000 مع انطلاق الرؤية" البوتينية" الروسية باتجاه منطقة الشرق الاوسط ساعيا الى محو فترة الترهل الروسي خلال التسعينيات وانفراد امريكا على المستوى الدولي وخاصة منطقة الشرق الاوسط، ما يعني ان روسيا مصممة على المضي في ارساء علاقاتها اقليميا ودوليا، ما يعني انطلاق مرحلة الصراع "على نار هادئة" و من "وراء الستارة" ما بين امريكا و روسيا وريثة سياسة الاتحاد السوفيتي ولكن بايديولوجيا جديدة، حيث وصف بوتين امريكا بـ( الصديق الذئب)، الامر الذي يجعل من الطرف الامريكي يدرس كل الامكانيات لصد هذا التقدم الروسي، وخصوصا في البلدان الاربعة سابقة الذكر .
اما العلاقة ما بين روسيا وامريكا وتنظيم القاعدة" المجاهدون الافغان"، من حيث ايام الحرب الباردة ودخولا في المرحلة الجديدة، فالعلاقة طردية فيما بينهما، حيث ان المجاهدين الافغان لعبوا دورا مهما في اختتام المشهد الاخير لتلك الحرب من خلال مقارعة الاتحاد السوفيتي وبدعم امريكي مع بعض الدول الاقليمية، الذي ادى فيما بعد الى انتهاء هذه الحرب المبنية على الايديولوجية القديمة بهزيمة الاتحاد السوفيتي تاركا الباب مشرعا امام الولايات المتحدة لتلعب على القطب الاوحد معلنة في ذلك النظام العالمي الجديد مترافقا مع مقولات هانتنغتون وفوكاياما فيما يسمى بنهاية التاريخ وصراع الحضارات.
اما من حيث المرحلة الحالية، وانقلاب معادلة الماضي فان صديق الامس عدو اليوم ، حيث ان تنظيم القاعدة ، تخطى الحدود الاقليمية لافغانستان، ليس ضد خصم واحد وانما ضد خصمين، خصم علني هو الولايات المتحدة ، وخصم مستهدف من وراء الستارة هو الاتحاد الروسي، ولكن ليس على المشهد الاخير كما في الحرب الباردة، انما "على" المشهد الاول للمرحلة الحالية، الذي يعني ان تنظيم القاعدة اتخذ طريقا لقلب معادلة الماضي باتجاه معادلة جديدة، عدو الامس عدو اليوم وصديق الامس عدو اليوم، فالعلاقة ما بين القاعدة والروس تزداد سوءا يوما بعد يوم، فقد ذكرت العديد من الوكلات الاخبارية "ان رئيس اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب في روسيا الكسندر بورتنيكوف اتهم المخابرات الجورجية بمساعدة عناصر "القاعدة" في نقل مجاهدين إلى جمهورية الشيشان، وتهريب السلاح إلى داغستان، وفي سبتمبر 2009 قالت قوات الأمن الروسية انها قتلت زعيم تنظيم القاعدة في الشيشان( من اصل جزائري) و ثانيًا في داغستان بشمال القوقاز، فيما ذكر الجهاز الأمني في طاجيكستان إن المحكمة العليا أصدرت حكمًا بالسجن لفترات طويلة على أربعة أدينوا بالانتماء الى القاعدة في أول محاكمة لهم في البلاد، اضافة الى ان المحكمة العليا في روسيا اعتبرت ان تنظيم القاعدة ، تنظيم ارهابي، ما ادى الى تعميق الخلاف ما بين القاعدة وروسيا " وريثة الاتحاد السوفيتي" ونقل المعركة معها ليس على ارض الاتحاد الروسي فقط، وانما على خارج اراضيها ( صراع من وراء الستارة).
في الاونة الاخيرة لاحظنا ان تنظيم القاعدة يحاول ان يمد جذوره الى الدول الاربعة سابقة الذكر( الجزائر، سوريا، تركيا، الامارات)، فهل القاعدة تستهدف في ذلك روسيا؟، وهل تستطيع القاعدة الوصول الى الدول الاربعة سابقة الذكر؟ حيث انها استطاعت الوصول والاستفحال في الجزائر فيما يسمى بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي، حيث تم توجيه ضربات موجعة للجزائر بعد ان اوشكت الحرب الداخلية ان تضع اوزارها، ولكنها في الوقت نفسه تواجه صعوبات في الاستفحال في بقية الدول رغم انتقال فكرها السلفي الجهادي هناك، حيث انه في سوريا تم تنفيذ هجوم انتحاري في اعنف انفجار تشهده سوريا في سبتمبر 2008 تحت ما يسمى " الجماعة السلفية" راح ضحيته 17 شخصا والذي يحمل في خفاياه بصمات تنظيم القاعدة، هذا ينقلنا الى تركيا التي القي القبض فيها على خلية لتنظيم القاعدة حاولت تنفيذ عمليات تفجيرية داخل تركيا في اكتوبر 2009 تستهدف المرافق الاقتصادية والحيوية ، وعلى الجانب الاخر ذكرت العديد من الوكلات الاخبارية ان الإمارات فككت شبكة لـ"القاعدة" أرادت تفجير "برج دبي"" و استهداف قيادات عليا في الأسرتين الحاكمتين في إمارتي أبوظبي ودبي علاوة على محاولة تفجير بعض الأهداف الاقتصادية البارزة، مما يؤدي إلى إلحاق خسائر كبيرة في سمعة البلاد كمركز مالي عالمي"، فهل يستطيع تنظيم القاعدة اختراق تلك الدول كما اخترق الجزائر؟، ولكن هناك سؤال اخر، ونحن نعرف ان تلك البلدان مليئة بالمصالح الامريكية، خصوصا تركيا والجزائر والامارات العربية، فهل تلك الضربات والاختراقات موجهة الى روسيا ام الى امريكا ام الاثنين معا، ام انه غير ذلك؟ فيما يدل على ان معادلة الصراع فيما بينهما مليئة بما هو جديد ومستقبلي .
ما يعني ان لعبة تقمص الادوار تحاك من وراء ستار ظلمة حرب المصالح، وكأن تلك الترويكا( القاعدة و امريكا وروسيا) تتعارك من امام وخلف الستارة للسيطرة على المنطقة، ولكن هل هي مقدمة لحرب باردة جديدة؟ فعدو الامس عدو اليوم ولكن بايديولوجيا جديدة، حيث ان روسيا وريثة السياسة السوفيتية وليست وريثة الايديولوجيا، والولايات المتحدة بشعارها الراسمالي، هي وريثة المنطقة ولكن بشعار "النظام العالمي الجديد"، واما القاعدة فقد خرجت عن نطاقها الحدودي (افغانستان) ، واصبحت عابرة للحدود الاقليمية والدولية ... ولكن !! الصراع ما بين تلك الترويكا يسودها الكثير من علامات التعجب ويتخللها اسئلة كثيرة، حيث ذكر العديد من المحللين والمراقبين السياسيين ان روسيا وريثة الاتحاد السوفيتي تلعب اللعبة التي لعبتها امريكا سابقا مع " المجاهدين الافغان" من خلال تقديم اسلحة لتنظيم القاعدة و طالبان في افغانستان على اعتبار ان افغانستان مستنقع يصعب الخروج منه وللروس خبرة في ذلك المستنقع، و على الجهة الاخرى ذكرت العديد من الوكلات الاخبارية "ان الكسندر بورتنيكوف رئيس اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب في روسيا اتهم المخابرات الجورجية بمساعدة عناصر "القاعدة" في نقل مجاهدين إلى جمهورية الشيشان، وتهريب السلاح إلى داغستان، في الوقت الذي نحن نعرف فيه ولاء جورجيا للولايات المتحدة الامريكية- هنا يدخل التناقض - مترافقاً مع سؤال مفتوح وعصي على الاجابة،... من يحارب من ؟ .
ان البريسترويكا الروسية الجديدة تحمل في طياتها سيناريوهات بوتينية ترنو الى اخراج روسيا من تحت الركام لتشكل ثقلا اقليميا ودوليا، مستبدلا البريسترويكا القديمة ببريسترويكا النهوض ( التقدم والاستفحال ) لتأخذ معناها الحقيقي في اعادة البناء على اعتبار ان البريسترويكا القديمة كانت تمر في مرحلة سكرة الموت، اما الجديدة فهي مغايرة وفق مفهوم جديد يرافقه سطوع للنجم الروسي ،،، فهل تصدق تنبؤات نائب رئيس الدوما ميخائيل بورياف بظهور امبراطورية روسية ثالثة؟، ما يعني انهيار تنبؤات فوكوياما وهنتغتون بنهاية التاريخ ان صدقت تلك التنبؤات، ولكن هناك عدة عقبات جمة تقف في طريق تقدمها المستقبلي، مواجهة في ذلك عدة اطراف تريد المحافظة على مصالحها واجندتها الداخلية والخارجية، ما يعني ان هناك صراعا على نار هادئة يقف امام تقدم الحلم الروسي، فاتحا المجال امام سؤال جوهري: وفق ما ذكر اعلاه، هل هي مقدمة لانطلاق الحرب الباردة الثانية ؟، وهل تستطيع روسيا وفق البريسترويكا الجديدة سحب البساط من تحت الولايات المتحدة الامريكية ؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق