السيد محمد علي الحسيني
لم تکن فکرة تأسيس المجلس الإسلامي العربي في لبنان، بفکرة طارئة أو عرضية تتعلق بظروف ومناخات سياسية وفکرية مرحلية أو آنية, و لا کانت تجسيداً لطروحات فوقية وافتعالية تفرض قسراً على الواقع، وإنما کانت أساساً حاجة ملحة وحيوية بالغة الأهمية لحرکة الواقع وتفاعلاتها وتداخلاتها وتداعياتها المختلفة, ولاسيما وأن بلدان الوطن العربي بشکل خاص، وبلدان العالم الإسلامي بشکل عام، مقبلة على أوضاع سياسية ـ اقتصادية ـ أمنية بالغة الدقة والتعقيد تتعلق بشکل مباشر بالتغيير الحاصل في معادلة توازن القوى على الصعيد الدولي خصوصاً وإننا نشهد ثمة تراجعا للدور الأمريکي وبروز محاور دولية جديدة جميعها تسعى بصورة أو بأخرى لإيجاد مواطئ أقدام لها في البلدان العربية والإسلامية.
إن إعادة صياغة معادلات توازن القوى ومناطق النفوذ بين الأقطاب الدولية المتنفذة، سيکون لها تأثيرات مباشرة وغير مباشرة على منطقتنا, وسيتجلى ذلك التأثير بالسعي لإحداث نوع من التغيير او شيء يشبه ذلك أو يقرب منه"کخلخلة الأوضاع الأمنية أو السياسية والاقتصادية" بقصد إضعاف أطراف وتقوية أخرى, من أجل أهداف محددة سلفاً، ومن هنا فإننا شهدنا ونشهد الحرکة الدؤوبة لأطراف إقليمية (إيران و ترکيا مثلاً) من أجل التناغم والانسجام مع حرکة الواقع الجديد مثلما أن أطرافاً دولية نافذة قد أوجدت لها مناطق نفوذ جديدة في دول المنطقة من خلال التداخل الاقتصادي وتوظيف رؤوس الأموال والعلاقات السياسية والعسکرية المتقدمة نسبياً، في ظل هذه الظروف الإستثنائية، تبادرت إلى أذهاننا أطروحة المجلس الإسلامي العربي في لبنان, ولاسيما وقد رأينا سعياً محموماً لتوظيف مشکلة الأقليات العرقية والدينية والطائفية من أجل خدمة الاهداف المرسومة, وقد کان توظيف الشيعة العرب بشکل سياسي ـ عقائدي ضمن برنامج محدد الأبعاد والنتائج والاهداف، من أهم الأسباب المباشرة التي دعتنا للتسريع بطرح أطروحة المجلس وصياغة نظريته الفکرية ـ السياسية لکي تستوعب حرکة القوى المضادة على صعيد الشيعة العرب وإجهاضها قبل أن تبلغ مرحلة اللاعودة لا سمح الله تعالى, وقطعاً لم يکن دربنا مفروشاً بالورود والرياحين, بل وحتى لم تکن هنالك أرض منبسطة أمامنا لکي نتحرك عليها بسهولة, وإما کانت المهمة والواجب الملقى على عاتقنا صعباً ومعقداً بمستوى الظروف والمناخات التي ولد وترعرع فيها، لکننا ورغم ذلك ومع کل ذلك الکمّ الکبير من المشکلات والصعوبات التي واجهتنا، فقد صممنا على المضي قدماً لتحقيق حلمنا في إيجاد مرجعية سياسية رشيدة للشيعة العرب تکون بمستوى وحجم التحديات المطروحة في الساحة وتکون بمثابة قبس ومنار لإرشاد وتوعية الشيعة العرب من المخاطر والتحديات المختلفة التي تواجههم أو تنتظر مواجهتهم من جانب أعدائهم أو الذين يتربصون بهم شرا. وقد طرحنا رؤيتنا والخطوط العامة لأفکارنا بشأن المهمة والوظيفة المصيرية الحاسمة الملقاة على عاتقنا, وأهمها أننا سعينا لعملية فكّ ارتباط"فکري ـ عقائدي"مابين جماهير الشيعة العرب من جانب، وبين تلك الأطراف الأجنبية التي تسعى لاستغلالهم وتوظيفهم کلبنة أو آجر لبناء حائط أو أساس مصالحهم الآنية أو المستقبلية في المنطقة حيث بيّنا أنه من الضروري جداً أن يتنبه الشيعة العرب إلى أن هناك عملية خلط مشبوهة ومقصودة بين الشيعة کقضية طائفية من جهة, و بين أوطانهم ونظمهم السياسية من جهة أخرى، أي بکلام آخر خلق هُوة بين الشيعة العرب وأوطانهم وشعوبهم من أجل النفوذ من خلال ذلك لأهدافهم المرسومة. وهذا لايعني بالمرة من أننا نقف کمجرّد بيدق لتأييد ومساندة النظم السياسية في البلدان العربية وعدم الاکتراث بمشاکل وأزمات مطروحة على الساحة تنتظر الحلّ والمعالجة، إذ أن سياسة المجلس الإسلامي العربي تقوم أساساً على أن يکون للظالم خصماً وللمظلوم عوناً وبالطرق الحضارية والسلمية المتبعة وفق الأعراف الدولية خصوصاً وأننا نملك العديد من قنوات الحوار والتواصل مع مختلف الدول العربية, و بإمکاننا على أساس ذلك من مشاورتهم وطرح وجهات نظرنا بخصوص المشاکل التي تحدث من أجل الالتفاف على أية ثغرة قد يسعى الاعداء للنفوذ من خلالها ,والنقطة الجوهرية والأساسية التي نطلب من الشيعة العرب وضعها أمام أنظارهم، هو عدم تجاهلهم لکونهم جزءاً لا يتجزأ من النسيج السياسي والاجتماعي لأوطانهم, وإنه مهما حدث أو جرى من مشاکل وأزمات، فإن ذلك لايعطي مبرراً للتخلي عن الهوية الوطنية مثلما لايعني أنهم قد صاروا خارج أسوار وحدود أوطانهم.
وهناك نقطة جوهرية وحساسة أخرى في طرحنا لأنفسنا کمرجعية سياسية للشيعة العرب، إذ نعتقد بأن نظرية ولاية الفقيه بما طرحته وتطرحه من آراء و مفاهيم بالغة الخطورة في تأثيرها السلبي على ذهنية وتفکير وقناعات الشيعة العرب واستغلالها للاستئثار بالطروحات السياسية في مواجهة المراجع الشيعة الذين ينأى غالبيتهم بأنفسم جانباً من التصدي للمسائل السياسية، وإننا في الوقت الذي وجدنا أن نظام ولاية الفقيه يدسّ السمّ بالعسل ويسعى لاستغلال طيبة وتلقائية الشيعة العرب من أجل مآرب مشبوهة لاعلاقة لها بالمذهب ودعائمه الاساسية بأي شکل من الأشکال، فقد رأينا بأنه من واجبنا التصديّ لهذه الطروح الخاطئة, والتي فيها الکثير من الالتباسات والإشکاليات المختلفة کي لاتخلو الساحة لهذا النظام وينفذ مايريد ويرجو، ومن هنا أخذنا على عاتقنا مهمة المرجعية السياسية للشيعة العرب لنقف نداً وغريماً لنظام ولاية الفقيه بمختلف مفاصله ومرافقه و مبادئه وطروحاته. وقد شعرنا ومنذ بداية الطريق، أن هذا النظام بمختلف أساليبه و إمکانياته يقف بوجه مشروعنا, ويحاول بطريقة أو بأخرى ممارسة ضغوطات مختلفة ضدّنا على أمل أن نتخلى عن مبادئنا وأفکارنا وطروحاتنا، لکننا ومع تزايد الضغوط وزيادة الصعوبات والمشاکل التي تقف حجر عثرة بوجه تطوير مشروعنا الاستراتيجي هذا ودفعه للأمام، فقد صممنا على المضيّ قدماً بمشروعنا وقبول المنازلة حتى نهاية المطاف إيماناً منّا بقدرات أمتنا العربية وإمکانياتها في مواجهة المشاکل والأزمات والتحدّيات والتصدّي لها بالشکل المطلوب.
*المرجع السياسي لشيعة العرب.
www.arabicmajlis.org
الاثنين، ديسمبر 28، 2009
المرجعية السياسية للشيعة العرب..لماذا؟
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق