د. فايز أبو شمالة
الشعب الفلسطيني ملَّ لعبة الفشل، فبعد عشرات السنين من الفشل في ساحات الوغى، وبعد ثمانية عشر عاماً من فشل المفاوضات، تتحرك القيادة ذاتها لملء الفراغ الناجم عن الفشل، وتقرر العودة إلى ما قبل ثمانية عشر عاماً من الفشل، واللجوء إلى الأمم المتحدة؟
فيا أيها القادة الذين لم يحققوا نصراً من خلال الحرب على إسرائيل، ولا نصراً من خلال التفاوض معها، إن كنتم في ريب من أمر الشعب الفلسطيني فلماذا تصرون على قيادته، والسيطرة على قراره السياسي، ولاسيما بعد أن أحرقتم السنوات الثمانية عشرة من عمر القضية في مفاوضات عبثية؟ وهدرتم التضحيات، دون حماية الأرض التي تسربت لليهود. فهل تحلمون بأن يفوضكم الشعب ثمانية عشر عاماً أخرى، لتعرضون قضيته على أبواب الأمم المتحدة، وتنتظرون؟.
ويا أيها القادة الأزليون، لماذا تتسللون من شباك اللجنة المركزية بعد أن أطاح بكم الشعب، وأخرجكم من الباب العريض للانتخابات الديمقراطية؟ لماذا تتحايلون على الواقع؟ وتنفخون من أموال المانحين في جثة هذا المجلس المركزي المحنط، بالله عليكم؛ من أين استمد هذا المجلس المركزي صلاحياته، ومتى ألبستم هذا المهلهل العباءة؟ وكيف أجلستموه في الصدر؟ ليصدق نفسه ويقول: أنا مفوض من المجلس الوطني! ليبدأ السؤال المشروع، أي شعب هو الذي فوّض المجلس الوطني ـ وأنا أحد أعضاء المجلس الوطني ـ ومن الذي منحه الثقة وقد بللت فراشه ليالي أوسلو، وتآكلت صلاحيته! أم أنكم يا قادة بالتقادم قد دسستم الملح في الرحم الفلسطيني، وجعلتموه عاقراً لا يلد غير مجالسكم.
فشلتم يا من قدتم العمل السياسي الفلسطيني عشرات السنين، فشلتم، فاحترموا أنفسكم، وانظروا في المرآة، دققوا في ملامحكم، لقد شاب الفشل فوق رؤوسكم، أما كفاكم تسخيفا لإرادة شعب يخجل أمام الشعوب العربية أن تكونوا ثمار تضحياته، كفاكم تفنناً في امتطاء صهوة الشعب بعد التنسيق مع إسرائيل، كفاكم؛ فالقضية ليست شعارات تعلقونها، ولا ابتداع مواقف، والقضية ليست جملاً فصيحة ترددونها أمام الفضائيات، القضية الفلسطينية حق وباطل، نجاح وفشل، صواب وخطأ، نصر وهزيمة، فهل انتصرتم عسكرياً وسياسياً على إسرائيل؟ أم أنكم المهزومون؟ وتشهد مدينة القدس التي تهودت على مرأى من عيونكم، ويشهد عشرة ألاف أسير ما زالوا في السجون من ثلاثين سنة، ويشهد عدد المستوطنين اليهود الذي تضاعف ثلاث مرات في الضفة الغربية، وتشهد هذه الحواجز، وهذا الانقسام، وهذا الحصار، وهذا العار، أما تكفي هذه الشواهد لانصرافكم، اتركوا شعبنا يشق طريقه بدمه، وجراحه، فلم نعد نطيقكم يا ديوك القضية الفلسطينية، لقد احتضنت دجاجة الشعب بيضكم أربعة وأربعين عاماً، ولم تفقس منه بيضة واحدة، لقد تأكد للناس فساد بيضكم يا ديوك القضية!
**
حاربتْ "حماسُ" فأوجعتْ
عندما انطلقت حركة حماس قبل اثنين وعشرين عاماً كانت الأرض الفلسطينية قد تشبعت بالتنظيمات المسلحة، وبحركات التحرر، لقد سبقها كثيرون، وتغطت سماء فلسطين بأسماء قادة عمل سياسي فلسطيني لسنوات خلت، وكان على حماس أن تتميز وسط الجماهير وإلا انقرضت، وكان عليها أن تزاحم من خلال سلامة النهج وإلا انصهرت، وكان عليها أن تفرض نفسها بقوة العمل، وصدق العطاء، وإلا تبخرت وذابت في التراب.
عندما انطلقت حماس كان عليها أن تضيف شيئاً جديداً للمقاومة، كان عليها أن تضرب عدوها بقوةً، وعندما ضربت حماس أوجعت. وكانت صفعاتها على خد اليهود قاسية، طفح معها الإسرائيلي الدم، وخجل من نفسه، وانحطت كرامته التي تباهى فيها سنوات، لقد أعطت حماس النموذج الأمثل في التضحية، وتقدم الشهداء يبتسمون، وهم يعاودون تصدير الخوف الذي زرعه اليهود في شوارع وحواري وأحياء المدن والمخيمات الفلسطينية، لقد عاود الشهداء تصنيع الرعب الذي أرهب فيه اليهود العرب لسنوات.
قد يقول أنصار خط التفاوض: أنت تؤيد الإرهاب والتفجيرات التي جرّت على القضية الفلسطينية كراهية العالم، لأقول: إن مجموع ما قتل من أطفالنا عشرات أضعاف ما قتل من أطفال اليهود، وأن مجموع ما قتل من نسائنا عشرات أضعاف ما قتل من نساء اليهود، ومجموع ما قتل من مدنيي المجتمع الفلسطيني عشرات أضعاف مجموع ما قتل من اليهود، وكل العالم يعرف أن لليهود سلاحاً لا مثيل له في الشرق، وقوة نار وتدقيق وتصويب وتصنت ورؤية ليلية ومعدات عسكرية متطورة بنسبة لا تقاس مع تلك التي في حوزة المقاومة، ومع ذلك، فإن الإعلام الغربي الزائف يصف عمل المقاومة الفلسطينية بالإرهاب، ويسمي الإرهاب اليهودي دفاعاً عن النفس. ليظهر للقاصي والداني؛ أن المسالة ليس بنوع العمل، أو براءة الضحايا، وإنما بطريقة تسويق العمل داخل المجتمع الدولي، أي أنه "شطاره هرج" كما يقول العرب. أو فن الكذب، أو التقاء المصالح العدوانية.
من بداية انتفاضة الأقصى ردد المتظاهرون في جنازة الشهداء جملة: الانتقام الانتقام يا كتائب القسام، وكأن الشعب الفلسطيني بايع حركة حماس قائدة لمسيرته الجهادية، وكان لزاماً على كتائب القسام أن تشفى غليل قوم مستضعفين، وأن تستجيب لنداء الشارع، وأن تنفذ أولى عملياتها الاستشهادية داخل التجمعات اليهودية، لتنطلق زغاريد الأمل في كل حارة وشارع وبيت وزقاق في فلسطين، لتسمع جملة "عملية في إسرائيل" تتردد أصداؤها بين سماء فلسطين وأرض العرب، وسط أهازيج الناس الذي قهرهم الموت الإسرائيلي، ليصير حجم الفرح مع كل عملية استشهادية معادلاً موضوعياً لمساحة الحقد في القلوب النازفة.
ومع ذلك، ورغم كل التقدير لحركة حماس حارسة ثوابتنا الوطنية؛ فإن مسيرتها لم تخل من بعض الملاحظات السلبية، ولاسيما أن قادتها بشر يمشون على الأرض، ويعملون، ومن يعمل يخطئ ويصيب، ويعدل من خطواته شريطة ألا تتوه عينه عن الهدف البعيد الذي انطلق لأجله، فيكبر على الصغائر التي تعترض مسيرته، ويصغر أمام الناس الذين يعبر عن طموحاتهم وأحلامهم، وهنا أسجل على حركة حماس؛ فشلها في تحقيق المصالحة الفلسطينية، وأسجل على حركة حماس محاكاتها لمن سبقها في الانتقاء الوظيفي، واقتصار المسئولية عن الشئون الحياتية للناس على عناصر حماس، ورؤيتها لكل الأشياء بعيون حماسية.
fshamala@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق