جودت هوشيار
لعل احدى السمات البارزة لتخلف مجتمع ما ، هى الأنغماس اللامجدى فى الحديث عن نظرية المؤامرة ،عند تعرضه لأية محنة او نكسة كبيرة ، بدلا من تقصى الأسباب الحقيقية التى تقف وراء هذه المحنة او تلك الأنتكاسة ، فالقوى الخارجية ( ألأمبريالية والصهيونية فى معظم الأحيان ، والماسونية احيانا ) ، هى المسؤولة دائما عن كل ما يحدث للبلدان النامية من هزائم وازمات ومشاكل ، وليس القصور الذاتى و التفكير المتخلف وسؤ الأدارة والفساد بكافة اشكاله والوانه .والشعوب العربية تحديدا اكثر الشعوب ايمانا بنظرية المؤامرة وترجيحا لها عند وقوع اى حادث جلل او انقلاب عسكرى او هزيمة عسكرية او دبلوماسية ، سواء فى الداخل او الخارج .
وحسب نظرية المؤامرة فأن المخابرات الأسرائيلية ( الموساد ) كانت على علم بعمليات الحادى عشر من ايلول 2001 لذا قامت بتحذير اليهود مسبقا والطلب منهم مغادرة ناطحتى السحاب التوأم فى نيويورك . والمخابرات الأنكلو –اميركية ، هى التى تقف وراء العمليات الأرهابية فى مترو لندن ، والمخابرات البريطانية هى التى دبرت عملية قتل الأميرة ديانا لكى لا ينتسب احد الشبان العرب المسلمين الى العائلة البريطانية المالكة ، وحرب تحرير العراق مؤامرة انكلو –امريكية لأفشال مشروع النهوض القومى العربى الشامل بقيادة القائد الضرورة هدام العراق. واخيرا وليس اخرا ، فأن السبب الرئيس لما شهده العراق خلال السنوات الست الماضية من محن وازمات وكوارث ، لا يرجع الى الصراع الشرس على السلطة و النفوذ و المكاسب والمغانم بين الأحزاب الحاكمة ، وانما - كما يرى قطاع من الرأى العام العراقى الى مؤامرات الأحتلال الأميركى ،وفى رأى قطاع اخر الى مؤامرة صهيونية لأنهاك العراق وتقسيمه الى دويلات صغيرة ، تطبيقا للحلم الصهيونى بتأسيس دولة أسرائيل الكبرى من النيل الى الفرات .
ولكن نظرية المؤامرة – رغم كونها السلاح المفضل للحركات الدينية فى العالم الأسلامى - غريبة عن التراث الأسلامى عموما و عن التراث العربى على وجه الخصوص ، حيث انها – اى نظرية المؤامرة – ظهرت فى اوروبا فى القرن الثانى عشر ثم امتدت الى اميركا فى ما بعد . وقد رافقت الأحداث التأريخية العظيمة ، وهى نظرية عديمة الضرر فى معظم الأحيان، لانها لا اساس لها ، ولكن عندما يؤول الحكم الى من يؤمنون بهذه النظرية ( هتلر ، ستالين ، صدام حسين )، فأنها تكون وبالا على شعوبهم و تؤدى الى الأضطهاد الواسع والقمع الوحشى لمئات الألوف واحيانا لملايين البشر ( اعتقالات وتعذيب فى معتقلات وسجون رهيبة لمجرد الشك فى ولائهم للسلطة ، تطهير عرقى ، محارق الغاز ، مقابر جماعية ، اغتيالات لشخصيات المعارضة ....الخ ).
وثمة فرق بين نظرية المؤامرة الكبرى والمؤامرة الصغرى ، فالمؤامرة الصغرى تلك التى يحوكها الجار او احد الأقارب ، كما يمكن ان تكون سياسية او عسكرية عندما تؤدى الى انقلاب عسكرى فى بلد ما : و كذلك المؤمرات الصغيرة و راء الكواليس التى تحوكها الأحزاب الحاكمة فى عراق اليوم ضد بعضها البعض من اجل تعزيز مواقعها فى السلطة و الأستحواذ على أكبر حصة من الغنائم و الأسلاب .
اما المؤامرة الكبرى ، فهى تلك التى تحيكها منظمة سرية او شريحة اجتماعية او دولة من اجل السيطرة على العالم . انها نظرية اوروبية خالصة ولا توجد فى الثقافات الأخرى، تجاهلها الأسلام وتقبلتها اوروبا واميريكا .
ويقول مدير معهد دراسات الشرق الأوسط فى فيلادلفيا ،مستشار البيت الأبيض والكونغرس الأميركى دانيل بيبس ، و يعد احد ابرز الباحثين الأميركيين فى الأسلام فى كتابه " المؤامرة "ان اول منظمة سرية كانت تهدف الى السيطرة على العالم هى منظمة " فرسان المعبد "التى تأسست فى القدس فى القرن الثانى عشر . وفى عام 1340 تم منع المنظمة من قبل فرنسا ، ولكن البعض يعتقد ان " الماسونية " احياء لتلك المنظمة .ونظرية المؤامرة اليهودية من اجل السيطرة على العالم كانت سببا لأفتعال اعمال القتل والنهب والسلب فى رينو ومن ثم فى روسيا القيصرية و ظهور كتب فى الغرب من قبيل " بروتوكولات حكماء صهيون " لذا ليس من المستغرب – والكلام ما يزال لدانيل بيبس – ان يلقى هذا الكتاب نجاحا كبيرا فى البلدان العربية ، التى ترفض وجود دولة اسرائيل وهو –اى الكتاب – اصبح فى الماضى والحاضر اساسا للسياسة المعادية للسامية .
وبقدر تعلق الأمر ببريطانيا ، فأن هذه النظرية انتشرت مع اتساع الأمبراطورية البريطانية فى القرن التاسع عشر وكذلك فى اميركا مع تزايد نفوذها وقوتها كدولة عظمى فى القرن العشرين . واذا تسلط دكتاتور يؤمن بهذه النظرية على دولة كبرى فأنه يجلب لشعبه الكوارث و المصائب كما فعل هتلر فى المانيا وستالين فى الأتحاد السوفييتى ( السابق) ، الأول كان متحمسا لنظرية المؤامرة اليهودية الكبرى اما الثانى فأن مؤامرات المنظمات السرية لم تكن تبرح خياله المريض ، وكانت نتيجة ذلك نشوب الحرب العالمية الثانية : أكثر الحروب دموية فى التأريخ واضطهاد ملايين الناس الأبرياء فى جميع انحاء اوروبا .
كاتب من كردستان العراق
الأحد، ديسمبر 13، 2009
نظرية أوروبية الجذور ، يعشقها العرب
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق