راسم عبيدات
....الأسير محمد الريماوي"أبو أماني" واحد من الذين شاركوا في عملية اغتيال الوزير المتطرف"زئيفي"،جرى اعتقاله في القدس،بعد يومين من اغتيال الوزير الإسرائيلي المتطرف وصاحب مشروع الترحيل"الترنسفير" للعرب الفلسطينيين،وقد تعرض هذا الأسير الأردني الجنسية من أصل فلسطيني إلى عملية تعذيب قاسية في مراكز التحقيق الإسرائيلية،وقد حرصت إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية وبأوامر مباشرة من أجهزة مخابراتها على عزله في أقسام العزل في السجون الإسرائيلية المختلفة،وكما في التحقيق فقد تعرض الى عملية تنكيل وقمع منظمة من قبل ادارة مصلحة السجون الإسرائيلية،كانتقام منه لدوره في عملية اغتيال "زئيفي"،ولصلابته وعناده ومواقفه الحازمة والصارمة فيما يخص الأسرى وحقوقهم ومطالبهم.
وأبو أماني والذي كان لي شرف التعرف عليه في سجن عسقلان عام/ 2006 والسكن معه في غرفة واحدة رقم 26، تكتشف أن هذا الإنسان الثائر والذي بقدر ما يختزن حباً لشعبه ووطنه،يختزن حقداً على من يقمعون ويضطهدون شعبه ويحتلون أرضه،وأبو أماني كان يقضي وقته في السجن وفق الحديث النبوي الشريف "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبد الدهر ولآخرتك كأنك تعيش غداً" فهو لا يترك أي دقيقة من وقته تذهب سداً،فتراه دائم الحركة بين هذا الرفيق يستحثه على القراءة والمطالعة أو التحضير لجلسة تنظيمية أو ثقافية،أو ذاك الرفيق والطلب منه الصحو مبكراً،أو يذهب لزيارة الغرف من أجل التفاعل مع الأسرى الآخرين من الفصائل الوطنية والإسلامية،وهو مولع جداً بالثقافة،ولدية قناعة تامة بمقولة الراحل الكاتب المصري الكبير يوسف ادريس عن كتب الشهيد غسان كنفاني "أقرؤها مرتين مرة لتعرفوا أنكم موتى بلا قبور، قبور الثقافة بلا ثورة،والثورة بلا ثقافة"،وتطبيقاً لتك المقولة كنت تجده ينهك ويجهد نفسه في المطالعة والقراءة واعطاء الجلسات الثقافية والتنظيمية وغيرها،وأيضاً العمل على اكتساب المزيد من المعارف والخبرات والتجارب في مختلف الميادين،بدءاً من العمل التنظيمي وانتهاءاً بالفكر والاقتصاد،وما كان يميز هذا الرفيق غيرته الشديدة على الحزب والرفاق والتواضع والبساطة،وكم كنت أقول لو توفر لدينا مئة كادر من طراز هذا الرفيق،لشكلوا معاول بناء ونهوض في أوضاع الجبهة الشعبية في كل المجالات،وما شدني لهذا الرفيق أنه من الكادرات القليلة التي لا تجامل في العمل الحزبي أو التنظيمي،أو تغلب الجانب الشخصي والقبلي والجهوي على المفاهيم الحزبية والتنظيمية،ورغم حدية مزاجه وعصبيته الزائدة أحياناً،لكنه على المستوى الرفاقي ولاعتقالي،يشعرك بدفء عالي في العلاقة.
وقد استطاع هذا الرفيق أن يشكل مثالاً ونموذجاً لرفاقه الأسرى وكل أبناء الحركة الأسيرة على مستوى التعامل والعلاقات وفرض الاحترام على الآخرين،كما أنه لم يستنكف عن أي عمل أو مهمة يكلف بها من قبل رفاقه،وكان في أغلب الأوقات على رأس الهرم القيادي لمنظمات الجبهة الشعبية في السجون،وهذا جعله محط استهداف ادارات السجون الإسرائيلية وأجهزة مخابراتها،وبالتالي حرصت على أن تبقيه في حالة من عدم الاستقرار والتنقل الدائمين بين زنازين وأقسام عزل سجونها المختلفة،وأكثر من مرة تعرض أبو أماني للقمع والتنكيل بسبب مواقفه ودوره التعبوي والتحريضي.
وأبو أماني قبل ما يقارب السنة أو أكثر عانى من مرض غامض،بحيث كان يخرج من فمه دم عند السعال،وراجع إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية وطبيب المعتقل أكثر من مرة،ولكن دون جدوى،فأطباء السجون هم جزء من أدوات القمع وينفذون سياسة منظمة ومبرمجة بحق الأسرى الفلسطينيين،وفي الكثير من الأحيان يساومون الأسير بين العلاج أو التعامل مع مخابرات ادارة السجون،ويتعمدون المماطلة والتسويف والإهمال لأطول فترة ممكنة، ولا يقدمون للأسير العلاج المطلوب،بل وكأنهم يتلذذون بالآم أسرانا،ويتركون حالة الأسيرة الطبية تتفاقم إلى أبعد حد ممكن،حتى يصبح علاج الحالة صعباً أو ميئوسا منه وخصوصاً إذا ما كان الأسير محكوم بالسجن لمدة طويلة،وخطورة حالة الأسير أبو اماني،وتهديد المعتقلين بأخذ خطوات نضالية احتجاجية،اذا ما استمرت إدارة مصلحة السجون في المماطلة والتسويف،بعدم تقديم العلاج له ونقله للمستشفى،ومنذ أكثر من ثلاثة شهور جرى نقل أبو اماني إلى مستشفى سجن الرملة،وحتى اللحظة لم يجري أي تشخيص دقيق لحالته،ووضعه الصحي يتدهور بشكل كبير ومتسارع،فتارة يقولون أنه قد يكون مصاباً بالسرطان وأخرى بالسل،وتارة أخرى يرجحون مرضاً في المعدة،وفي هذا السياق تقول ابنته زكية الريماوي،والتي زارته قبل خمسة أيام في مستشفى سجن الرملة في حديث "لإذاعة صوت الشعب:"نحن في المنزل قلقون عليه،ووضعه الصحي صعب جداً،ويعاني من إهمال طبي فظيع،هو متواجد الآن في سجن الرملة،لكن سيتم نقله الى مكان ثان،الرعاية الصحية فيه أسوء والإهمال الطبي أكثر وضوحاً"مضيفة:دخلت عليه بالأمس مرتدية كمامة،وتحدثت معه من خلف عوازل زجاجية،وكان موقفاً صعباً على كلينا،وأثناء حديثي خرجت من فمه بعض التقيحات مما أخافني كثيراً"
حالة الأسير الريماوي،مثالاً صارخاً على ما يعانيه أسرانا من إهمال طبي متعمد،فمستشفى سجن الرملة لا يوجد فيه سوى أربعين سريراً محجوزة لأسرى يعانون من أمراضاً مزمنة،وهناك عشرة أسرة أخرى لأسرى يخضعون للعلاج ويغادرون،فعدد الأسرة والتجهيزات والخدمات الطبية غير كافية،ولا تصل إلى الحد الأدنى،وإدارة السجون،تواصل تعنتها وترفض إدخال أطباء من الخارج لفحص الأسرى،فمنظمة أطباء بلا حدود أبدت استعدادها للدخول إلى السجن ومعاينة حالة الأسير الريماوي،ولكن إدارة مصلحة السجون رفضت ذلك الطلب،وإزاء ذلك لا بد من البحث عن وسائل وآليات تلزم إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية بالسماح بإدخال أطباء من الخارج لمعاينة الأسرى المرضى،ويجب التركيز على ضرورة انتزاع قرار دولي بالسماح للأطباء الأجانب من المنظمات الطبية الدولية بالدخول إلى سجون الاحتلال ومعاينة الأسرى الفلسطينيين،وهذا يحتاج إلى حملة شعبية قوية،حملة توقف عمليات القتل والموت البطيء والمتعمد،نتيجة الأهمال الطبي بحق أسرانا،فأكثر من 197 أسيراً فلسطينياً منذ عام 67 وحتى اللحظة استشهدوا جراء سياسة الإهمال الطبية تلك والحبل على الجرار.
ولتكن هناك حملة شعبية قوية،تضغط على إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية لإنقاذ حياة الأسير الريماي،هذا الأسير الذي جاد بروحه وعمره ودمه من أجل الوطن،وليكن الريماوي وغيره من الأسرى المرضى في مقدمة الأسرى المطلوب تحررهم من سجون الاحتلال في صفقة التبادل،ولتعمل المنظمات الشعبية والنقابات المهنية والمؤسسات الحقوقية والانسانية والبرلمان في الأردن للضغط على الحكومة الأردنية،من أجل مطالبة إسرائيل بإطلاق سراح هذا المناضل الذي يحمل الجنسية الأردنية.
الاثنين، ديسمبر 28، 2009
سياسة الإهمال الطبي قي السجون: الأسير محمد الريماوي نموذجاً
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق