محمد داود
منذ أن تصاعدت موجة الفوضى الأمنية التي عمت الأراضي الفلسطينية عقب الانتخابات التشريعية الثانية عام 2006، أخذت تزداد الجرائم؛ فكانت أروعها تلك الجريمة التي يندى لها الجبين، وشكلت سابقة تاريخية خطيرة في ثورة الشعب الفلسطيني المقاوم؛ عندما استفاق سكان قطاع غزة على واقعة مفجعة وبشعة وكأنها كابوس ذهب ضحيته أطفال أبرياء في عمر الزهور، سقطوا بين مخالب ذئاب بشرية، فسرقت منهم أحلام الطفولة، وحولتهم إلى جثث وغيبتهم عن عالمنا، إنهم: "أسامة واحمد وإسلام بعلوشة" أطفال ثلاثة لم تتجاوز أعمارهم التسع سنوات....، فارقوا أحضان عائلاتهم بين عشية وضحاها على يد مجرمين، انتزعوا البسمة من شفاههم، وحولوا حياة العائلة إلى جحيم لا يطاق. عندما قرروا هؤلاء الجلادون على أن يكتموا صوت الطفولة فسارعوا إلى تنفيذ مهمتهم الدنيئة؛ الخبيثة؛ الشنعاء؛ قادمون من أقاصي بؤرهم ومستنقعاتهم الموبوءة محملين بالحقد والموت إلى حي الرمال الهادئ مستهدفين عائلة العقيد بهاء بعلوشة المسالمة؛ المنكوبة؛ التي يقطنها هؤلاء الأبرياء الذين أدوا أطفاله نداء الله في طلب العلم حيث باغتتهم تلك الوحش البشرية السفاحة لتطلق نار حقدها ولتسفك دماءهم التي صعدت إلى بارئها لتشكو هذا الظلم الفادح الذي لم تشهده البشرية طيلة تاريخها؛ فتخطف حياة طفولتهم .
وهكذا ارتكب الوحوش الكاسرة جريمة العصر ضد الطفولة السعيدة بعد أن أخذوا يطلقون زخات الرصاص من أسلحتهم الأوتوماتيكية على تلك السيارة المارة التي كانت تقل الأطفال الثلاثة المتجهين إلى مدارسهم طلباً للعلم؛ فسقطوا مضرجين بدمائهم الطاهرة الزكية التي أصبغت ملابسهم المدرسية فاختلطت بحقائبهم المدرسية ودفاترهم وكتبهم وأقلامهم التي شهدت عليهم أن المجرمين حقاً كانوا يهدفون إلى تغيير فطرة وخلق الله الذي فطر بها هذه الأجساد الملائكية الغضة الرقيقة .. بذلك سجل الحدث تجاوزاً لكل أنماط الجرائم التي شهدها المجتمع الفلسطيني على يد الاحتلال الصهيوني، لأنها وقعت في ظل سيادة فصائلية ودينية وصراع بدء يتضح معالمه على تولي قيادة السلطة الفلسطينية وصلاحية كل طرف؛ فعم الفساد والتناحر وأصبح الطهر جريمة وصفاء الحق ضباباً كثيفاً.
إن من حقنا نحن الفلسطينيين بل وسائر البشر في هذا العالم الصغير أن يتساءل إلى أية سلالة من البشر يتبع هؤلاء القتلة؟، هل هم من آكلي لحوم البشر؟... حقاً إنهم مجموعات الخوارج الذين كفروا كل المسلمين؟، نتساءل من جديد ما هي الكتب التي قرءوها، والتفسيرات التي اعتمدوا عليها، ومن الذين حرضوهم وأوعزوا لهم بأن يرتكبوا جريمتهم البشعة، هل لديهم قرآن غير قرآننا، وحديث للنبي غير أحاديثنا، وأية أفكار شيطانية دخلت إلى عقولهم فدمرت ضمائرهم، وصاروا يحللون ما حرّم الله، ويستبيحون دماء الأبرياء بوحشية نادرة؟! فأي دين وأية شريعة تبيح لهم ارتكاب هذه الجرائم، ... وهل توجد معارضه أو جماعات تختلف مع نظام أية دولة في العالم تقوم بقتل الأطفال والشباب والمناضلين وتنتقم عبر وسائلها هنا وهناك لتعبر عن رفضها ...!
إن القرآن الكريم حرم قتل النفس ونهى عن قتل الأطفال لأي سبب كان وجاء في سورة الإسراء "ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطأ كبيراً" (آية 17) كما قال الله في محكم كتابه العزيز : بسم الله الرحمن الرحيم( إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا وتقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم ) "الآيه 33 من سورة المائدة". والآن وبعد جريمة قتل أطفال بعلوشة الثلاثة؛ ومضي ثلاثة أعوام دون القبض على المجرمين ... هذه الجريمة التي تتمتع بكل مواصفات الجريمة المنظمة من خلال توقيتها الزمني وعدد المشاركين بها وموقعها والكيفية التي حدثت بها؛ إنما تدل على تورط جهات متنفذة فيها لتكشف أن المجتمع الفلسطيني يعيش في طور انهيار حقيقي، ومفجع، بعد أن اختفت المروءة وتلاشت الإنسانية وبرز التوحش والدموية المفرطة بهذا الحد والجرأة؛ فالحقوا الهزيمة والإساءة بالإسلام الحنيف وبمقاومة شعبنا التاريخية لأنها مثلت واحدة من أبشع الحوادث التي وقعت في الأراضي الفلسطينية يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي.
وأخيراًَ لم يبقى لنا إلا أن نسأل أين دور رجال الدين والفصائل الفلسطينية الصامتة على هذه الجريمة وجرائم أخرى ترتكب؟ وأين دور الأجهزة الأمنية والشرطية؟.. هل غزة كبيرة لهذه الحد حتى يختفي بها المجرمون؟ وأين تلاشت صيحات السياسيين الانتهازيين الذين يهتفون بكرة وأصيلا بأمن البلد وسلامة أهله وكل يوم تطالعنا وسائل الإعلام بجريمة تقشعر منها الأبدان! بينما الواقع يؤكد أن المجتمع الفلسطيني يعيش في بيت مفكك مخرب بالكامل لايحتكم على موقف سياسي موحد، ولا معيشة كريمة وحرة، فكل ما صنعوه أنهم ألهبوا الساحة الفلسطينية بسجالاتهم العقيمة الخاوية وملئوا قلب الشعب الفلسطيني قهراً وزرعوا الفرقة والتناحر نتيجة صراعاتهم الشخصية والحزبية والفكرية وعلى حصصِ ومناصبٍ هي كسرابٍ بقيعة يحسبه الظمآن ماء.
كاتب وباحث
السبت، ديسمبر 12، 2009
وحشيتهم برزت يوم أن قتلوا أطفال بعلوشة
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق