د. فايز أبو شمالة
ما يثير الانتباه في المفاوضات الدائرة حول صفقة تبادل الأسرى الفلسطينيين مقابل الأسير الإسرائيلي هو الندية، وصراع الإرادات، وكأن المفاوضات امتداد للحرب التي تدور على غزة، وكأن الصمود الفلسطيني فوق أرض غزة صار فزعاً إسرائيلياً، ووجعاً يلزم الدولة العبرية أن تدفع الثمن، والإقرار بالواقع الجديد، فما عادت غزة أرضاً مستباحة، ولا عادت شوارعها مرصوفة كي تجري فيها العربات الإسرائيلية المصفحة بسلام، ولا عاد مكبر الصوت الإسرائيلي يجمع رجال غزة في الساحات العامة، كي يتلقوا الصفعات المهينة قبل الانصراف، غزة اليوم إرادة إنسان يتحدى غطرسة القوة، وغزة تملي شروطها على أصعب حكومة يمينية إسرائيلية دينية متطرفة، لم يخطر في بال قادتها يوماً أن يتراجعوا عن عقيدتهم العدوانية لحظة أمام حفنة من الفتية المقاتلين في غزة.
إنها الندية التي تليق بالمهمة التي قام فيها الأسرى الفلسطينيون، فهم لم يزج بهم في السجون الإسرائيلية لأنهم سرقوا الدجاج، أو تسلقوا السياج، أو لأنهم شربوا الخمر، وتاجروا بالمخدرات، إنهم أندادٌ للجنود الإسرائيليين، بل هم أكثر منهم انتماءً، وعطاءً، لذا كان من العار أن يخرجوا عن طريق التوسل والرجاء، وكأنهم صبية ضلوا الطريق، وتاهوا في التفكير، وكأنهم مخطئون اقترفوا الرذيلة، ويطلبون الصفح والغفران من سجانهم، الذي سيبدو رحيماً عليهم، وهم يعتذرون أمامه عن مشاركتهم في جريمة المقاومة التي يعاقب عليها القانون الإسرائيلي. إنها الندية في تحرير الأسرى بمقابل، فإن كانت يد أسرانا مطهمة بالدم الإسرائيلي فإن يد الجندي الإسرائيلي تقطر من دم الطفولة، وإن كان أسرانا محاربين فإن ندّهم في التبادل قد تم أسره من داخل الدبابة، إنها النديّة التي تليق بعودة الأسرى، وتشرّف سيرتهم، وتجعلهم أنداءً بعد أن صاروا أنداداً.
إنها الندية في تحرير الأسرى، والتي لها ما بعدها حين ينمو نعناع الكرامة على السطوح، ويعطي للحرية مذاق القرنفل، ورائحة البراري، ويضع على رأس الأسرى تاجاً من الريحان الأخضر، وإنها الندية التي تدق الطبول من نبض هذا الإنسان الفلسطيني الجديد الذي تدرب في عتم الليل، لتشهد لهم ساحات الوغى، بأنه ما فلّ، وما ذلّ، وما خانَ، وما خنعَ، وهو يملي إرادة الأسرى على آسريهم، وينثر شمس الحرية في ممرات السجون، ويهمس في أذن كل عربي فلسطيني: لم تخدش المفاوضات الأسوار الحصينة، ولم تفتح القبلات على خد الأعداء قفلاً مغلقاً، وإنما هي النار التي تذيب الجدران، وتصهر القضبان، وتمزّق الأشواك، وتذيب الأسلاك، وترسم قوس قزحٍ على جبين فلسطين.
fshamala@yahoo.com
الخميس، ديسمبر 24، 2009
النديّة للأسرى، والحرية لشاليط
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق