حسام الدجني
طالعتنا صحيفة هآرتس العبرية قبل يومين بخبر مفاده ان السلطات المصرية تستعد لبناء جدار فولاذي بعمق 30 متراً تحت الأرض للحد من عمليات التهريب المستمرة بين قطاع غزة المحاصر وجمهورية مصر العربية.
عند التدقيق فيما ينشره الاعلام الغربي عموماً، والاعلام الاسرائيلي على وجه الخصوص، نرى انسجاماً واضحاً وملموساً في كلا الاعلامين في تحقيق هدف واحد وهو ضرب العلاقات العربية والاسلامية بعضها ببعض، عبر اشاعة أخبار تضليلية لا أساس لها من الصحة، ترغب من خلال نشرها صناعة ارباك وأزمات جديدة، لتفاقم الأزمات الموجودة أصلاً في منظومة العلاقات الدولية وخصوصاً بين أقطار الدول العربية والاسلامية.
عند العودة الى موضوع الجدار الفولاذي والتي تتمنى اسرائيل أن يتم تشييده، وتضغط على الولايات المتحدة بشكل دائم من أجل تمويل المشروع سواء كان فولاذياً أو عبر بناء قناة مائية على محور فيلادلفي، أو غير ذلك يطرح تساؤلاً لماذا لم تقم اسرائيل ببناء الجدار الفولاذي او القناة المائية وهي كانت مسيطرة على محور فيلادلفي لأكثر من ثلاثين عاماً والتهريب كان مستمرا حينها؟
الجواب واضح وهو أن اسرائيل تريد اقحام النظام الرسمي العربي في صراعات جانبية وانقسامات جديدة، ويرغب في حرف البوصلة عند فصائل المقاومة الفلسطينية عبر صناعة أزمة بين مصر وبين قطاع غزة، تستفيد منها اسرائيل عبر استنزاف طاقات وقدرات الطرفين.
وتهدف اسرائيل من وراء تسريب هذا الخبر توتير أجواء المصالحة الفلسطينية والتي ترعاها الشقيقة مصر، من خلال ترهيب الأطراف المعنية وخصوصاً حركة المقاومة الاسلامية "حماس" والتي لديها بعض التحفظات على ورقة المصالحة الفلسطينية، بأن مصر تستيطيع انهاء ظاهرة الأنفاق خلال مدة قصيرة، فالأنفاق هي المتنفس الحصري والوحيد لسكان قطاع غزة بعد فرض اسرائيل حصاراً اقتصادياً شاملاً على قطاع غزة منذ ثلاث سنوات.
ولكن هل من الممكن أن تقوم مصر بهكذا خطوة؟
في يناير من العام 2008 وعندما دخل الغزيون الحدود المصرية، كانت ردة فعل الرئيس المصري محمد حسني مبارك لقوات الامن المصرية: "اتركوهم يدخلوا ليأكلوا وليشتروا الاغذية ثم يعودوا (الى غزة) طالما انهم لا يحملون اسلحة".
هذا الموقف الشجاع للرئيس المصري لم يكن عفوي، فالرئيس المصري استند على طبيعة العلاقات المصرية الفلسطينية وخصوصاً مع قطاع غزة، فمصر ترى في قطاع غزة عمقاً استراتيجياً لأمنها القومي، وليس في مصلحة مصر (بغض النظر من يحكم قطاع غزة) أن تكون غزة منطقة صراع، فاستقرار القطاع من استقرار محافظة شمال سيناء، إضافة الى العلاقات التاريخية التي تربط غزة بمصر، والتي روى الجيش المصري ثرى قطاعنا الحبيب في العديد من المعارك والحروب مع الاحتلال الاسرائيلي، اضف الى ذلك النظرة الانسانية الى واقع الأمور في قطاع غزة، وخصوصاً بعد الحرب الاخيرة، كذلك البعد الاقتصادي والتي يستفيد منه النظام المصري، لأن غزة اكبر سوق استهلاكية في الشرق الاوسط.
لا يوجد عاقل في الدنيا قد يمتلك قرار بناء جدار فولاذي بين غزة ومصر الا العدو الصهيوني فمصر دولة لها كبريائها ولا تسمح لاسرائيل او الولايات المتحدة باللعب في الساحة المصرية، طالما بقي الحصار ستبقى شرايين الحياة المصرية تضخ في قطاع غزة.
ينبغي على الجميع عدم التساوق مع الاعلام الغربي او الاسرائيلي، وينبغي على الحكومة المصرية النفي القاطع والعاجل لأي اراجيف او اكاذيب يبثها الاعلام الاسرائيلي فوراً، مع ضرورة العمل مع كل الاطراف على رفع الحصار عن غزة.
كاتب وباحث فلسطيني
ossam555@hotmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق