الجمعة، ديسمبر 04، 2009

من الخليل حتى لبنان

د. فايز أبو شمالة
ماذا يعني للسلطة الفلسطينية مقتل الشاب "وسيم مسودة" من الخليل في 26/11 ؟ هل ارتقى شهيداً، أم هو إرهابي حاول طعن مستوطن من "كريات أربع"، وحاول تخريب مشروع السلام؟ القناة الإسرائيلية الثانية عرضت شريط فيدو لعدة ثواني، ماتت معه النخوة الفلسطينية عدة مرات تحت عجلات الاستيطان الإسرائيلي، ودُهِست كرامة كل العرب، ليعفر الدم الطاهر في وجه السلطة الفلسطينية، التي ما زالت تأمل بالسلام العادل مع المستوطنين، وما زالت تصر على منع المقاومة حتى ولو كانت بحجر!.
قد يقول البعض: هذا هو ديدن اليهود في إسرائيل، وهذا هو أسلوبهم في القتل من اللحظة التي وطأت أقدامهم أرض فلسطين، وهذا كلام صحيح، ولكن في الفترة الأخيرة مال المجتمع الإسرائيلي إلى التطرف بالمقدار ذاته الذي مال فيه العرب إلى العجز، وسلمت فيه السلطة الفلسطينية ببقاء الدولة العبرية، واختارت المفاوضات طريقاً وحيداً لدرء خطر المستوطنين، وهذا ما أدركه اليهود، فصار الأكثر تشدداً في إسرائيل هو الأقرب إلى القيادة، ويكفي شاهداً حديث الوزيرة "ليمور لفنات" من حزب "الليكود" وهجومها المباشر على الرئيس الأمريكي "أوباما" ووصفه بالرهيب. تصريح أحرج "نتانياهو" وحاول تداركه بكياسة دبلوماسية من خلال التنكر لأقوال وزيرة التعليم الإسرائيلي الحالية.
لقد اعترفت وزيرة التعليم الإسرائيلي السابقة "شولاميت ألوني": بأن أيدي قادة إسرائيل ملطخة بالدم الفلسطيني، وأن الإسرائيليين شريرون، وما نفعله من شر يفوق ما فعله الآخرون بنا، وأن اليسار لم يعد موجوداً في إسرائيل. فإذا كان المقصود باليسار؛ تلك الأحزاب التي اغتصبت فلسطين، واحتلت الضفة الغربية وضمت القدس، والجولان السورية. فماذا ينتظر العرب مع أحزاب اليمين المتطرف التي تسيطر على حياة إسرائيل؟
لقد انطلق غول التطرف في إسرائيل بعد أن اطمئن اليهودي على ما اغتصب، وخلت الساحة من احتمال أي مواجهة عربية، بل تجاوز التطرف مرحلة الحذر والخشية، فهذا "براك" وزير الأمن الإسرائيلي، وزعيم حزب العمل اليساري، يقول في يوم الأربعاء الموافق 25/11 من هذا العام: إذا تعرضنا إلى هجوم من لبنان، فلن يقف الرد على هدف واحد، وإنما سندمر أهدافاً كثيرة في لبنان، سندمر البنية التحتية لكل لبنان. هذه التصريحات الهجومية للوزير "براك" والتي يعبر فيها علناً عن النية في تدمير دولة عربية ما كانت لتصدر لو توفر الحد الأدنى من التماسك العربي، أو الاستعداد لمواجهة التضخم العسكري الإسرائيلي، أو حتى التلويح برفض العرب لهذا الوجود اليهودي الغاصب لأرض فلسطين.
**
يرتجف قلبي، وتنخلع روحي

كلما ذكر اسم كريم يونس، أو علي المسلماني، أو علاء البازيان، أو مخلص برغال، أو وليد دقة، أو سامي يونس ابن الثمانين عاماً، وآخرون ما زالوا خلف الأسوار، ترتجف لذكرهم روحي، وينخلع قلبي، وتند من صدري تنهيدة عميقة، يا للهول؛ ما أخنع العرب! وما أذلهم! وهم يتركون أولادهم في السجون الإسرائيلية عشرات السنين! وذلك لأنهم من القدس، أو لأنهم من عرب إسرائيل! يا لهول قيادة توقع اتفاقية أوسلو، وتحرر ألاف الأسرى من ذوي الأحكام الخفيفة، وتترك فحول السجناء تقضم القضبان، يا لهول قيادة تحرر عشرات السجناء من ذوي الأحكام العالية بالرجاء، والتوسل للإسرائيليين، وتتخلى عن سجناء القدس، وعن فلسطيني 48، وكأن من واجبات ابن القدس أن يهادن دولة إسرائيل، ومن واجبات ابن يافا "حافظ نمر قندس" أن ينسى فلسطين، فقد صار إسرائيلياً، لتحلم القيادة الفلسطينية بدولة باللون الأزرق، وبالبطاقة الصفراء، والبساط الأحمر، ويلوموا في سرهم أولئك الذين صدقوا الكذبة، وآمنوا بالثورة، وصاروا فدائيين، وحاربوا إسرائيل التي نحرص على سلامتها بكل السبل.
يا للهول؛ منذ تلك الليالي الحالكة التي التقيت بهم في سجن نفحة الصحراوي، وسجن عسقلان وحتى يومنا هذا وهم في السجون، مر شهر رمضان، وجاء العيد، وعاد شهر رمضان عشرين مرة، وجاء العيد خمسين مرة، وجاء شتاء، وارتجف مساء، وتساقط مطر، واحترق الزمن، وانهارت إمبراطوريات، وتبدلت الساعة، وانحرفت البوصلة، واستقامت الدنيا، وهم في غرفة السجن ينتظرون لحظة الفرج. يا للهول؛ مللت السجن سنة 1994 بعد عشر سنوات، وتركتهم خلفي ينتظرون، ومللت الحياة خارج السجن حتى عفتها، وهم ما زالوا خلف القضبان ينتظرون، فمن أي طينة أنتم أيها السجناء؟ أي غيمة أمطرتكم؟ وأي ريح رمت بكم في طريق الثورة؟ من أين أنتم يا سجناء القدس، ويا فلسطيني 48، أحقاً أنتم عرب وفلسطينيون؟ وإن كنتم كذلك، فكيف يصير للفلسطينيين رئيس، ورئيس وزراء، ووزارة أسرى، ولجان تنسيق، ورتب عسكرية حتى درجة لواء، وكيف يكون في الدنيا صليب أحمر، وهلال أحمر، وشفق عربي أزرق، وأنتم تغرقون في بنفسج اللحظة الحزينة، وأنتم تسبحون في اللون البني بعد أن غادر الفضي بلاد العرب؟. من أي طينة أنتم يا رجالاً حشركم اليهود في زجاجة حقد فصّلها على مقاسكم، يحركها كل صباح ليتأكد من بقائكم تتحركون، ويغلقها عليكم عند المساء وهو يقول للعرب، هذا جزاء من يحارب دولة إسرائيل؟.
يا حركة حماس، إليك راية خضراء بحجم العالم العربي لو نجحت في تحريرهم، وفي تحرير الأسيرة قاهرة السعدي التي أودعت زوجها السجن مدى الحياة، وودعت أطفالها، ومشت بخطوات واثقة لتقضى حكمها المؤبد في السجون الإسرائيلية، إنها تنتظر، وإنهم ينتظرون، وإننا ننتظر والشوق نسائم حرية.
**

ثلاجات غزة طفحت باللحوم

من أين أتيت بكل هذه الأضاحي، يا غزة؟ وكيف نجحت في ملء ثلاجات الناس بلحوم العجول والغنم؟ إذ لم يبق بيت واحد في غزة لم تطفح حلله لحماً طرياً، ولم يبق بيت لم يغرق بدهن عشرة ألاف رأس عجل ذبحت في أيام العيد، وفاحت رائحتها من شوارع قطاع غزة، بما يعادل كيلو ونصف لحمة للفرد الواحد، وزع بعضها من خلال الأونروا، والجمعيات الخيرية، والحركات الإسلامية، والمؤسسات الإنسانية.
البعض حاول أن يصور العيد في غزة عكس ذلك، ولا أعرف أهدافهم، وقد لا يرضيهم وصفي الدقيق لحالة الشبع في غزة، وازدحام نواصي الشوارع بدخان شواء اللحوم، وقد يقول آخرون: أن حديثك هذا متشبع بالمبالغة، وفيه تحريض على عدم تقديم المساعدات لغزة! وهذا كلام غير صحيح، لأن المساعدات العربية والإسلامية التي تتدفق على غزة لم يكن هدفها كسر الحصار فحسب، وإنما هدفت إلى تعزيز صمود غزة، والشد على يدها المقاومة لإسرائيل، والجميع يعرف أن حصار غزة فرض عليها لأنها اختارت المقاومة، ولولا المقاومة التي تمثل إرادة العرب والمسلمين لما تدفقت على غزة هذه المساعدات، ولو خنعت غزة لجاعت. لذلك يجب الاعتراف بأن بركات عيد الأضحى قد فاضت على غزة حتى امتلأت ثلاجات فقرائها باللحوم، لأن غزة قاومت! ومن لا يصدق، ليسأل الناس: هل أنتم بحاجة إلى مزيد من اللحوم، أم أصابت التخمة ثلاجاتكم؟
سألت وزير الاقتصاد المهندس زياد الظاظا: عن إمكانية فرض ضريبة على البضائع المهربة من الأنفاق، ولاسيما أن سعر السولار والبنزين قد اقترب من شيكل، وبعض السلع صار سعرها أقل بكثير مما كان عليه قبل الحصار، وعلى سبيل المثال وصل سعر كيلو السمك الطازج إلى خمسة عشر شيكلاً. قال نائب رئيس مجلس الوزراء: نحن نشجع التجار على كسر الحصار، وتوفير ما يحتاجه الناس في قطاع غزة بطريقتهم الخاصة، بما في ذلك حفر الأنفاق، ولا نفرض عليهم أي ضرائب، ولا غضاضة لدى حركة حماس أن يصير مواطنو غزة أثرياء من وراء عملهم في الأنفاق، فالمال الذي يكسبه تجار الأنفاق في غزة يظل في الوطن، ويعاود دورته المالية داخل قطاع غزة. أما حركة حماس فلا علاقة لها بعمل الأنفاق الذي يعتبر إبداعاً إنسانياً، أو إرادة فلسطينية في كسر الحصار، ومن لا يعجبه ذلك، ليعتبر الأنفاق إبداعاً فردياً عزز لدى أهل غزة إرادة الصمود والمقاومة.
fshamala@yahoo.com

ليست هناك تعليقات: