نبيل عودة
مؤتمر "انا مش خادم " من يخدم ؟
تمخض جبل "اللجنة لمناهضة الخدمة المدنية" ، بكل تشكيلتها من الاسماء الواسعة الشاملة والهئات الداعمة ، فولد الجبل فأرا. ربما قبل اوانه حتى.
يوم السبت (2007 – 10 - 27 ) عقد في قاعة مسرح الميدان المؤتمر القطري لمناهضة الخدمة المدنية ، تحت شعار مضحك مبكي " انا مش خادم".
توقعت ان يحضر المؤتمر القطري آلاف من الشباب ، فماكنة التضليل للأحزاب ما تزال تعمل حتى وهي مقعدة من الأمراض الفكرية والسياسية المستعصية .
المعروف ان قاعة مسرح الميدان لا تتسع لأكثر من 280 مقعد ، وكانت ثلث المقاعد فارغة مثل الخطابات التي القيت ، أي ان المؤتمر القطري لم يتجاوز عدد الحضور اليه ال 200 شخص ، وبعضهم جاء ليفحص الوضع ، ولكننا لن نتباخل على "الفأر المسكين" ببعض الاضافات .
وراء المؤتمر وقفت " بقامة شامخة " كل الأحزاب والتنظيمات الشبابية الحزبية ، وبالطبع "لجنة المتابعة العربية العليا" ،وهيئات مختلفة ، ولكن شباب شعبنا اجتازوا أهم امتحان سياسي بأن أثبتوا انهم أكثر وعيا ممن يفترض انهم قادته ، وعبروا عن موقفهم الواضح برفض المشاركة في شعوذة سياسية تحت مسميات قومية وهوية وخلط الحابل بالنابل.
اعرف اسماء شباب من تنظيم الشبيبة الشيوعية ومن بيوت وطنية ، انضموا للخدمة المدنية ، وبعضهم ، بالطريق للانضمام ، وكنت قد التقيت قبل اسبوع مع اكثر من 60 شاب وصبية ، مليئين بالحياة والحيوية وحب العطاء لمجتمعهم وأهلهم ، وبدون ان يصرخوا في قاعة مسرح الميدان المغلقة ، هم على استعداد ليكونوا خداما لشعبهم ، اذا كان هذا التعبير يعني خدمة ابناء قومي وبلدي ومجتمعي وأهلي . لذلك يستعدون بحماس للانضمام للخدمة المدنية ، وهم الفوج الأول ووراءة يجري تحضير فوج آخر .. وعدد المسجلين اليوم ، عدا الذين انضموا ، أكبر من عدد المشاركين في المؤتمر القطري الفاشل من ناحية الحضور والخطابات . والملفت للنظر ان الحملة التي تريد الأحزاب المريضة اشعالها ، خبت نارها قبل الانطلاقة الأولى.
لا أكتب لأسخر من أحد . من حق كل انسان ان يفكر ويقرر بدون تحريض غوغائي الموقف الذي يراه سليما وصحيحا.ان لجنة المتابعة العربية العليا ترتكب نفس حماقة أحزابنا التي امتنعت عن المشاركة أو التأثير على صياغة موضوع الخدمة المدنية ، وهي ضرورة اجتماعية لمجتمعنا ولكل مجتمع بشري ، ونحن لن نكون شواذ التاريخ في هذا المجال.
ان الخطأ الأساسي هو خطأ من يدعون انهم قادة هذا الشعب ، ويغيبون عن واقعه ، لأشغالهم "الملحة" في العواصم العربية والاوروبية وفنادق القدس وبناء مسقبلهم المادي ومستقبل ابنائهم.
لا تنسوا انكم انتم الذين أقسمتم يمين الولاء لدولة اسرائيل والحفاظ على أمنها وقوانينها . فبأي حق تقفون اليوم ضد مشروع شرع قانونيا ؟ لو شككت ان المشروع يعني دعم الجهود العسكرية لاستمرار الاحتلال للضفة الغربية وضرب غزة، او لدعم الجهد العسكري لضرب سوريا أو لبنان ، لكنت أكبر المعارضين واشدهم هجوما. لو كان نصف ما تقولونه حقيقة من أن الخدمة شكل من اشكال الخدمة العسكرية ، او مرحلة أولى في اتجاهها لاختلفت حساباتي . لسنا نحن من يرفض الخدمة العسكرية ، انما السلطة غير معنية بنا ، وهو منطق صحيح ، اذا لا يمكن لأي فلسطيني مواطن في اسرائيل ان يقاتل شعبه ، وحتى بغض النظر عن مصداقية شعبنا التي نؤمن بها جميعا. ان اشكالية دولتي تحارب شعبي هي اشكالية لا يمكن الا لغبي تجاهلها ، ولا أعتقد ان السلطة ( التي ننتقدها صبحا ومساء على سياسة التمييز وعدم المساواة) بمثل هذا الغباء.
أقول ان مشروع الخدمة المدنية يحتاج الى تفكير عميق وبدون مواقف مسبقة ومتشنجة. الرفض الغوغائي يجعلكم ، ايها المعارضون بدون تفكير ، تلهثون بدون اتجاه واضح ومحدد، وتضربون ضرب عشواء كما فعلتم بمؤتمركم الفاشل رغم تجند كل الأحزاب ومنظماتها الشبابية.
السيد شوقي خطيب الذي أكن له احتراما خاصا ، أخطأ بموقفه ، وناقض نفسه حين حث على نشر روح العطاء . اليست روح العطاء هي الخدمة المدنية أيضا ؟ وهل روح العطاء تعني أيضا ان المتطوع اصبح خادما؟ وهل وصول متطوعين للمساعدة ، باطار الخدمة المدنية الى المدارس في يافة الناصرة ، بلد شوقي خطيب ، وفي شؤون مختلفة تتعلق بالسلطة المحلية في يافة الناصرة أيضا، يعني انهم خداما ؟ أو يعني انهم يساهمون بالجهد العسكري لقمع شعبنا الفلسطيني ؟؟
ان لجنة المتابعة العربية العليا هي لجنة مأزومة كما يعرف أفضل مني المهندس شوقي خطيب الذي يكرر كل فترة انه سيستقيل يأسا من امكانية اصلاحها. وواضح ان أزمتها هي من أزمة تركيبتها ، أي الأحزاب العربية. ولكن هناك جانب آخر لأزمتها وهو كون أكثرية رؤساء السلطات المحلية العربية انتخبوا على اساس عائلي ، هذا الأمر فكك ترابطنا الاجتماعي ، وأصبح ابن العائلة المهزو مة في الانتخابات لا يدفع ضرائب السلطة المحلية على اعتبار ان الدفع يدعم ابن العائلة المنافسة ويجعله ينجح في ادارة المجلس ، وهذه الظاهرة انسحبت على الأحزاب ، هزيمة حزبي تجعلني امتنع عن دفع التزاماتي المالية للسلطة المحلية حتى لا اساهم في نجاح الحزب المنافس وادفعه للفشل لعل وعسى تكون الدورة القادمة من نصيبنا.
هذه العقلية للأسف بدات تسود مجتمعنا وسياستنا ، أـيضا في موضوع الخدمة المدنية ، والمنافسة بين الأحزاب هي تصعيد ومزايدات ، أو بكلمة واحدة : تهريج!!
اذن هل بالصدفة تفشي الفساد في السلطات المحلية العربية ؟ كيف نثق بقيادات بعضها فاسد ؟
اني أدعي ، وأصر ، ان مشروع الخدمة المدنية يحتاج الى رؤية سياسية عربية مغايرة . ما هو قائم اليوم من تنظيمات سياسية حزبية ،وبعضها أحزاب وهمية .. قد استنفذت نفسها ، ليس تنظيميا فقط ، انما سياسيا واجتماعيا وفكريا وثقافيا.
ان شعار المؤتمر " انا مش خادم" هو نتاج العقل السياسي المريض ، وهو نتاج الرؤية الاجتماعية المختلة ، وهو نتاج الثقافة الضحلة ، وهو نتاج الوهم بان لندن " ما زالت مربط خيلنا".
عندما يتوجه أصحاب هذا الشعار لطبيب عربي او يهودي لا فرق ، فهل يتوقعون سماع جملة مشابهة " انا مش خادم"؟ وعندما تتوجه الى موظف مسؤول باي مكتب كان لحل اشكاليات واجهتك فهل تقبل ان تسمع : " انا مش خادم"؟ لماذا تحصلون اذن على خدمات صحية شبه مجانية هي من الأرقى في العالم؟ لماذا لكم حق في مخصصات الأطفال والشيخوخة والعجز اذا حصل والتقاعد ؟ لماذا يحق لابنائكم التعليم المجاني حتى انتهاء الثانوية؟لماذا لكم الحق في خدمات المياه وشبكات الطرق ومختلف البنى التحتية ؟ هل تدفعون مقابلها ومقابل صيانتها ،كاملا من جيوبكم؟ ايضا يستطيعون ان يقولوا لنا : " نحن لسنا خدامكم" .
هل تقولون اذن انكم تريدون مجتمعا اشبه بحارة " كل مين ايدو الو " ؟
هل كان الاف الشباب المتطوعين في مخيمات العمل التطوعية ، بعد انتصار الجبهة في الناصرة ،والتي كانت أشبة باسبوع أفراح وعمل من القلب ، ثم انتقلت لسائر البلدات العربية ، ويندفع اليها الشباب بجماس : فهل تقولون لهم " انتم خدام " ؟!
المشكلة ليست في مشروع الخدمة المدنية ، المشكلة في السياسة العربية في اسرائيل ، لا بد من اعدة صياغة خطابنا السياسي بما يتلائم مع واقعنا المتحول والمتغير باستمرار . لا أحد ينفي الاشكاليات الكبيرة في مجتمعنا بعلاقتنا مع السلطة ، ولكني لا ارى ان "قادة" هذا الشعب يتحملون مسؤولية رسم سياسة تستجيب لتطلعاته واندماجه في الواقع السياسي والتأثير عليه . ربما انتم مرتاحون لوضعكم . لا تعانون مما تعاني منه الجماهير . مستقبلكم مضمون وتقاعدكم مضمون. ان كل ما يقلقكم هو ايجاد مراوح هوائية لدفع شعبنا الى محاربتها ، حتى يظل بحاجة اليكم والى عنترياتكم السياسية .
على شعبنا ، الفلسطينيون مواطني اسرائيل ، ليس فلسطينيو الداخل وليس عرب الداخل وليس عرب ال48 .. هذه تعابير للهرب من الواقع السياسي وتعريفة الصحيح، ولاستمرار المهاترات السياسية والقومجية.عليهم ان يستثمروا ظروفهم ، وما يوفره لهم نظام حكم دمقراطي ليبرالي ، رغم كل عيوبه ، لما فيه مصلحة شعبنا، هنا في اسرائيل ، اذا أحسن استغلالها، من أجل تحقيق المساواة الكاملة في الحقوق ، ومن أجل شعبنا في المناطق الفلسطينية بهدف انجاز حلمه القومي باقامة دولته المستقلة.وهذا يقتضي تغييرا جذريا للفكر ( او اللا فكر) السياسي الذي تنهجه الأحزاب ضد مصلحة جماهيرها. كفى من ممارسة هذه السياسة السيئة التي لم تقدنا الا الى المآسي . وقد يكون مشروع الخدمة المدنية رافعة لاعادة بعض الحيوية الاجتماعية والثقافية الى مجتمعنا ، وعلامة في الطريق لصياغة خطاب ونهج سياسي جديد ، غير مهادن امام السلطة ، ولكنه يعرف كيف يجند المجتمع اليهودي أيضا الى جانب مطالبنا العادلة ، وتعلمنا تجاربنا السياسية في الماضي ( الغاء الحكم العسكري بدعم الأكثرية اليهودية والغاء التمييز في مخصصات الأطفال العرب بأكثرية يهودية أيضا ) ، وتجارب شعوب أخرى عانت أضعاف ما نعانيه ( جنوب افريقيا مثلا ) انه ممكن..
نبيل عودة – كاتب، ناقد واعلامي – الناصرة
nabiloudeh@gmail.com
مؤتمر "انا مش خادم " من يخدم ؟
تمخض جبل "اللجنة لمناهضة الخدمة المدنية" ، بكل تشكيلتها من الاسماء الواسعة الشاملة والهئات الداعمة ، فولد الجبل فأرا. ربما قبل اوانه حتى.
يوم السبت (2007 – 10 - 27 ) عقد في قاعة مسرح الميدان المؤتمر القطري لمناهضة الخدمة المدنية ، تحت شعار مضحك مبكي " انا مش خادم".
توقعت ان يحضر المؤتمر القطري آلاف من الشباب ، فماكنة التضليل للأحزاب ما تزال تعمل حتى وهي مقعدة من الأمراض الفكرية والسياسية المستعصية .
المعروف ان قاعة مسرح الميدان لا تتسع لأكثر من 280 مقعد ، وكانت ثلث المقاعد فارغة مثل الخطابات التي القيت ، أي ان المؤتمر القطري لم يتجاوز عدد الحضور اليه ال 200 شخص ، وبعضهم جاء ليفحص الوضع ، ولكننا لن نتباخل على "الفأر المسكين" ببعض الاضافات .
وراء المؤتمر وقفت " بقامة شامخة " كل الأحزاب والتنظيمات الشبابية الحزبية ، وبالطبع "لجنة المتابعة العربية العليا" ،وهيئات مختلفة ، ولكن شباب شعبنا اجتازوا أهم امتحان سياسي بأن أثبتوا انهم أكثر وعيا ممن يفترض انهم قادته ، وعبروا عن موقفهم الواضح برفض المشاركة في شعوذة سياسية تحت مسميات قومية وهوية وخلط الحابل بالنابل.
اعرف اسماء شباب من تنظيم الشبيبة الشيوعية ومن بيوت وطنية ، انضموا للخدمة المدنية ، وبعضهم ، بالطريق للانضمام ، وكنت قد التقيت قبل اسبوع مع اكثر من 60 شاب وصبية ، مليئين بالحياة والحيوية وحب العطاء لمجتمعهم وأهلهم ، وبدون ان يصرخوا في قاعة مسرح الميدان المغلقة ، هم على استعداد ليكونوا خداما لشعبهم ، اذا كان هذا التعبير يعني خدمة ابناء قومي وبلدي ومجتمعي وأهلي . لذلك يستعدون بحماس للانضمام للخدمة المدنية ، وهم الفوج الأول ووراءة يجري تحضير فوج آخر .. وعدد المسجلين اليوم ، عدا الذين انضموا ، أكبر من عدد المشاركين في المؤتمر القطري الفاشل من ناحية الحضور والخطابات . والملفت للنظر ان الحملة التي تريد الأحزاب المريضة اشعالها ، خبت نارها قبل الانطلاقة الأولى.
لا أكتب لأسخر من أحد . من حق كل انسان ان يفكر ويقرر بدون تحريض غوغائي الموقف الذي يراه سليما وصحيحا.ان لجنة المتابعة العربية العليا ترتكب نفس حماقة أحزابنا التي امتنعت عن المشاركة أو التأثير على صياغة موضوع الخدمة المدنية ، وهي ضرورة اجتماعية لمجتمعنا ولكل مجتمع بشري ، ونحن لن نكون شواذ التاريخ في هذا المجال.
ان الخطأ الأساسي هو خطأ من يدعون انهم قادة هذا الشعب ، ويغيبون عن واقعه ، لأشغالهم "الملحة" في العواصم العربية والاوروبية وفنادق القدس وبناء مسقبلهم المادي ومستقبل ابنائهم.
لا تنسوا انكم انتم الذين أقسمتم يمين الولاء لدولة اسرائيل والحفاظ على أمنها وقوانينها . فبأي حق تقفون اليوم ضد مشروع شرع قانونيا ؟ لو شككت ان المشروع يعني دعم الجهود العسكرية لاستمرار الاحتلال للضفة الغربية وضرب غزة، او لدعم الجهد العسكري لضرب سوريا أو لبنان ، لكنت أكبر المعارضين واشدهم هجوما. لو كان نصف ما تقولونه حقيقة من أن الخدمة شكل من اشكال الخدمة العسكرية ، او مرحلة أولى في اتجاهها لاختلفت حساباتي . لسنا نحن من يرفض الخدمة العسكرية ، انما السلطة غير معنية بنا ، وهو منطق صحيح ، اذا لا يمكن لأي فلسطيني مواطن في اسرائيل ان يقاتل شعبه ، وحتى بغض النظر عن مصداقية شعبنا التي نؤمن بها جميعا. ان اشكالية دولتي تحارب شعبي هي اشكالية لا يمكن الا لغبي تجاهلها ، ولا أعتقد ان السلطة ( التي ننتقدها صبحا ومساء على سياسة التمييز وعدم المساواة) بمثل هذا الغباء.
أقول ان مشروع الخدمة المدنية يحتاج الى تفكير عميق وبدون مواقف مسبقة ومتشنجة. الرفض الغوغائي يجعلكم ، ايها المعارضون بدون تفكير ، تلهثون بدون اتجاه واضح ومحدد، وتضربون ضرب عشواء كما فعلتم بمؤتمركم الفاشل رغم تجند كل الأحزاب ومنظماتها الشبابية.
السيد شوقي خطيب الذي أكن له احتراما خاصا ، أخطأ بموقفه ، وناقض نفسه حين حث على نشر روح العطاء . اليست روح العطاء هي الخدمة المدنية أيضا ؟ وهل روح العطاء تعني أيضا ان المتطوع اصبح خادما؟ وهل وصول متطوعين للمساعدة ، باطار الخدمة المدنية الى المدارس في يافة الناصرة ، بلد شوقي خطيب ، وفي شؤون مختلفة تتعلق بالسلطة المحلية في يافة الناصرة أيضا، يعني انهم خداما ؟ أو يعني انهم يساهمون بالجهد العسكري لقمع شعبنا الفلسطيني ؟؟
ان لجنة المتابعة العربية العليا هي لجنة مأزومة كما يعرف أفضل مني المهندس شوقي خطيب الذي يكرر كل فترة انه سيستقيل يأسا من امكانية اصلاحها. وواضح ان أزمتها هي من أزمة تركيبتها ، أي الأحزاب العربية. ولكن هناك جانب آخر لأزمتها وهو كون أكثرية رؤساء السلطات المحلية العربية انتخبوا على اساس عائلي ، هذا الأمر فكك ترابطنا الاجتماعي ، وأصبح ابن العائلة المهزو مة في الانتخابات لا يدفع ضرائب السلطة المحلية على اعتبار ان الدفع يدعم ابن العائلة المنافسة ويجعله ينجح في ادارة المجلس ، وهذه الظاهرة انسحبت على الأحزاب ، هزيمة حزبي تجعلني امتنع عن دفع التزاماتي المالية للسلطة المحلية حتى لا اساهم في نجاح الحزب المنافس وادفعه للفشل لعل وعسى تكون الدورة القادمة من نصيبنا.
هذه العقلية للأسف بدات تسود مجتمعنا وسياستنا ، أـيضا في موضوع الخدمة المدنية ، والمنافسة بين الأحزاب هي تصعيد ومزايدات ، أو بكلمة واحدة : تهريج!!
اذن هل بالصدفة تفشي الفساد في السلطات المحلية العربية ؟ كيف نثق بقيادات بعضها فاسد ؟
اني أدعي ، وأصر ، ان مشروع الخدمة المدنية يحتاج الى رؤية سياسية عربية مغايرة . ما هو قائم اليوم من تنظيمات سياسية حزبية ،وبعضها أحزاب وهمية .. قد استنفذت نفسها ، ليس تنظيميا فقط ، انما سياسيا واجتماعيا وفكريا وثقافيا.
ان شعار المؤتمر " انا مش خادم" هو نتاج العقل السياسي المريض ، وهو نتاج الرؤية الاجتماعية المختلة ، وهو نتاج الثقافة الضحلة ، وهو نتاج الوهم بان لندن " ما زالت مربط خيلنا".
عندما يتوجه أصحاب هذا الشعار لطبيب عربي او يهودي لا فرق ، فهل يتوقعون سماع جملة مشابهة " انا مش خادم"؟ وعندما تتوجه الى موظف مسؤول باي مكتب كان لحل اشكاليات واجهتك فهل تقبل ان تسمع : " انا مش خادم"؟ لماذا تحصلون اذن على خدمات صحية شبه مجانية هي من الأرقى في العالم؟ لماذا لكم حق في مخصصات الأطفال والشيخوخة والعجز اذا حصل والتقاعد ؟ لماذا يحق لابنائكم التعليم المجاني حتى انتهاء الثانوية؟لماذا لكم الحق في خدمات المياه وشبكات الطرق ومختلف البنى التحتية ؟ هل تدفعون مقابلها ومقابل صيانتها ،كاملا من جيوبكم؟ ايضا يستطيعون ان يقولوا لنا : " نحن لسنا خدامكم" .
هل تقولون اذن انكم تريدون مجتمعا اشبه بحارة " كل مين ايدو الو " ؟
هل كان الاف الشباب المتطوعين في مخيمات العمل التطوعية ، بعد انتصار الجبهة في الناصرة ،والتي كانت أشبة باسبوع أفراح وعمل من القلب ، ثم انتقلت لسائر البلدات العربية ، ويندفع اليها الشباب بجماس : فهل تقولون لهم " انتم خدام " ؟!
المشكلة ليست في مشروع الخدمة المدنية ، المشكلة في السياسة العربية في اسرائيل ، لا بد من اعدة صياغة خطابنا السياسي بما يتلائم مع واقعنا المتحول والمتغير باستمرار . لا أحد ينفي الاشكاليات الكبيرة في مجتمعنا بعلاقتنا مع السلطة ، ولكني لا ارى ان "قادة" هذا الشعب يتحملون مسؤولية رسم سياسة تستجيب لتطلعاته واندماجه في الواقع السياسي والتأثير عليه . ربما انتم مرتاحون لوضعكم . لا تعانون مما تعاني منه الجماهير . مستقبلكم مضمون وتقاعدكم مضمون. ان كل ما يقلقكم هو ايجاد مراوح هوائية لدفع شعبنا الى محاربتها ، حتى يظل بحاجة اليكم والى عنترياتكم السياسية .
على شعبنا ، الفلسطينيون مواطني اسرائيل ، ليس فلسطينيو الداخل وليس عرب الداخل وليس عرب ال48 .. هذه تعابير للهرب من الواقع السياسي وتعريفة الصحيح، ولاستمرار المهاترات السياسية والقومجية.عليهم ان يستثمروا ظروفهم ، وما يوفره لهم نظام حكم دمقراطي ليبرالي ، رغم كل عيوبه ، لما فيه مصلحة شعبنا، هنا في اسرائيل ، اذا أحسن استغلالها، من أجل تحقيق المساواة الكاملة في الحقوق ، ومن أجل شعبنا في المناطق الفلسطينية بهدف انجاز حلمه القومي باقامة دولته المستقلة.وهذا يقتضي تغييرا جذريا للفكر ( او اللا فكر) السياسي الذي تنهجه الأحزاب ضد مصلحة جماهيرها. كفى من ممارسة هذه السياسة السيئة التي لم تقدنا الا الى المآسي . وقد يكون مشروع الخدمة المدنية رافعة لاعادة بعض الحيوية الاجتماعية والثقافية الى مجتمعنا ، وعلامة في الطريق لصياغة خطاب ونهج سياسي جديد ، غير مهادن امام السلطة ، ولكنه يعرف كيف يجند المجتمع اليهودي أيضا الى جانب مطالبنا العادلة ، وتعلمنا تجاربنا السياسية في الماضي ( الغاء الحكم العسكري بدعم الأكثرية اليهودية والغاء التمييز في مخصصات الأطفال العرب بأكثرية يهودية أيضا ) ، وتجارب شعوب أخرى عانت أضعاف ما نعانيه ( جنوب افريقيا مثلا ) انه ممكن..
نبيل عودة – كاتب، ناقد واعلامي – الناصرة
nabiloudeh@gmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق