راسم عبيدات
... كنت أعتقد كغيري من أبناء الشعب الفلسطيني المغلوبين على أمرهم، وكذلك كل أبناء الحركة الأسيرة الفلسطينية، أنه لن يقدم أي طرف او جهة فلسطينية على توقيع أي اتفاق مع الإسرائيليين مهما كان شكله ونوعه، ويتم فيه القفز عن قضية الأسرى، وخصوصاً أن هذا الجيش من الأسرى دفع سنوات من عمره في سبيل القضية الوطنية والتحرر من الاحتلال، وبالتالي هذا الملف بالضرورة أن يكون في سلم الأولويات في أية اتفاقيات مغلا الإسرائيليين، ولكن اكتشفنا لاحقاً، أن هذا الاتفاق، أي اتفاق أوسلو لم يرد فيه ذكر لإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين،وترك هذا الملف لحسن النوايا الإسرائيلية، ورأينا كيف بلغت درجة الاستخفاف الإسرائيلي بنا ، وخصوصاً في عهد نتنياهو، عندما كان يجري الاتفاق على إطلاق سراح دفعة من الأسرى الفلسطينيين، فعدا عن أن الحكومة الإسرائيلية وأجهزتها الأمنية تحدد عدد الأسرى المنوى الإفراج عنهم ، ومدة محكومياتهم ونوع تهمهم ومناطقهم .. الخ ، فإننا نكتشف عند الإفراج عنهم أن الجزء الأكبر من المفرج عنهم، هم من الفلسطينيين الذي دخلوا مناطق 48 والقدس بدون تصاريح، وعدد من المحكومين بتهم جنائية، والأمر لم يقف عند هذا الحد، بل ان العقلية الإسرائيلية التي تتعاطى مع الأمور بمنطق القوة والغطرسة والعنجهية، تماماً كما تعاطت معنا في قضية الأرض وفرضت اشتراطاتها واملاءاتها، بتقسيمها للأراضي الفلسطينية إلى مناطق (ا)، وهي الخاضعة للسيطرة الفلسطينية الكاملة، والتي لا تتجاوز 18% من مساحة الضفة الغربية، ومناطق ( ب )، والخاضعة للسيطرة الأمنية الإسرائيلية والسيطرة المدنية الفلسطينية، وهي لا تتجاوز 24% من مساحة الضفة الغربية، ومناطق(س) وهي باقي أراضي الضفة الغربية، وهي خاضعة للسيطرة الإسرائيلية الكاملة، ناهيك عن أن القدس والكتل الإستيطانية الكبرى مؤجلة إلى مرحلة ما يسمى بالحل النهائي، وعلى هذا النهج جرى تقسيم أبناء الحركة الأسيرة الفلسطينية، بداية أسرى منظمة التحرير وأسرى الحركة الإسلامية، أسرى منظمة التحرير خاضعون لحسن النوايا الإسرائيلية، وأسرى الحركة الإسلامية غير خاضعين لها، ومن ثم أسرى الثمانية وأربعين والقدس، لا تشملهم حسن النوايا الإسرائيلية بالمطلق ولا يحق للطرف الفلسطيني التحدث باسمهم أو حتى طرح قضيتهم، وأسرى أيدهم "ملطخة بالدماء" وأسرى أيدهم غير ملطخة بالدماء وهكذا، وبالتالي آلت أوضاع الحركة الأسيرة الفلسطينية إلى درجة غاية في السوء والصعوبة ، وأوجد أوسلو حالة من عدم الثقة بل وحتى الكفر، بكل ألوان الطيف السياسي الفلسطيني وتحديداً من هم مسؤولين عن هذا الاتفاق وهذا الملف، وأصبحت السلطة تحاول أن تكفر عن خطاياها تجاه الحركة الأسيرة، من خلال صرف مخصصات للأسرى ودفع مخصصات " الكانتينا "، ولكن هذه الخطوة لم تبدل في العلاقة شيء، فالمنظمات الأسيرة والتي كانت قلاع وحصون ومدارس وجامعات ويحسب لها العدو ألف حساب، ويعتبرها خطوط نضالية متقدمة، تراجع دورها بشكل كبير، وأصابها الكثير من الترهل وعلى كل المستويات تنظيمياً وفكرياً وثقافياً واعتقالياً .
وبعدها جرت في النهر مياه كثيرة، حيث اندلعت الانتفاضة الثانية رداً على العنجهية والغطرسة الإسرائيليتين وعدم تنفيذها لأي من الاستحقاقات المترتبة عليها، حيث دفن شارون اتفاق أوسلو بدباباته التي حاصرت الرئيس الراحل أبو عمار حتى اغتياله واستشهاده مسموماً، وارتفعت اعداد الأسرى الفلسطينيين بشكل قياسي ،حتى وصلت أكثر من أحد عشر ألف أسير، والأمور لم تقف عند حد ذلك ، بل عمد الاحتلال إلى لاعتقال واختطاف رموز وقادة سياسيين ونواب ووزراء جرى انتخاباهم بطريقة ديمقراطية طالما طالب الإسرائيليين والأمريكان، الشعب الفلسطيني بها ، ولكون هذه الديمقراطية لم تأتي وفق مقاساتهم ورغباتهم، جرى معاقبة الشعب الفلسطيني وحصاره وتجويعه على هذا الخيار، وأعتقل نوابه ووزرائه واختطف قادته السياسيين، واليوم يجري حديث عن مؤتمر لحل القضية الفلسطينية ، فعدا عن حالة الانقسام الحادة التي تعصف بالواقع الفلسطيني وضعف الموقف الفلسطيني، وعدم وضوح أهداف المؤتمر ومرجعياته ، فإن من الواضح أن أوضاع وملف الأسرى الفلسطينيين ، سيكون على نحو أسوء ما حدث في أوسلو، فنحن لم نلمس من الطرف الفلسطيني الذاهب للمؤتمر، أي إصرار أو اشتراطات على الأقل ،بأن حضور المؤتمر رهن بإطلاق سراح قادة الشعب الفلسطيني ونوابه ووزرائه، فهؤلاء القادة لهم دور ووزن لا يستهان به في القرار والرؤية الفلسطينية، بل هم مقررون اساسيون في الشأن الفلسطيني من سعدات والبرغوثي وحسن يوسف والدويك وغيرهم، ناهيك عن أن أكثر من مئة أسير قضو من سنين عمرهم وزهرات شبابهم أرقاماً فلكية قياساً لعمر الإنسان في السجون والمعتقلات الإسرائيلية، لو قضاها أي معتقل إسرائيلي أو غربي في أي من السجون العربية، لقامت الدنيا وما قعدت، ولتدخل قادة ووزراء ونواب ومنظمات حقوق إنسان للمطالبة بإطلاق سراحه واعتبار ذلك لا سامية وعنصرية وخرق لحقوق الإنسان وغيرها من الاسطوانة المشروخة، أما نحن الفلسطينيون فعدا عن كل الإجحاف بحقوقنا، فإنه يفترض بنا ان يكون لدينا احتراماً لذاتنا ولقادتنا ولمناضلينا، وأن يكون لدينا الإصرار على إطلاق سراح أسرانا القادة وممن قضوا سنوات طوية في السجون الإسرائيلية قبل المشاركة في المؤتمر ، وعلى أن يكون هناك ليس إصرار بل تمترس ، بأن يكون هناك جداول زمنية محددة ، لإطلاق سراح كل الأسرى الفلسطينيين ، بعيداً عن أية اشتراطات إسرائيلية، وفي المقدمة منهم أسرى الثمانية وأربعين والقدس، والأسرى الذين تقول عنهم إسرائيل، أن أيديهم ملطخة بالدماء الإسرائيلية، واعطوني أو دلوني على أي قائد أو حتى ضبط إسرائيلي، لم تتلطخ يداه بالدم الفلسطيني أو حتى لم يرتكب مجازر بحق أهلنا وشعبنا الفلسطيني، ومن هنا فإن ما حدث في أوسلو يجب أن لا يتكرر بالمطلق في المؤتمر المزمع عقده في الخريف القادم في أنابوليس، فحقوق الشعب ومصير أسراه، يجب أن لا تترك لحسن النوايا الإسرائيلية، والتي حتى اللحظة لم تخرج أي أسير من الأسرى الذين قضوا عشرين عاماً فما فوق، ونحن نقول للطرف الفلسطيني الذاهب إلى أنابوليس، رغم أن هذا المؤتمر هو مصلحة أمريكية بالأساس، ولكن على الذاهبين أن يدركوا جيداً ، أنه وحسب ما يقول المأثور الشعبي " إللي بيجرب المجرب عقله مخرب " ، والشعب لن يرحم من يقبل بترك هذا الملف الحساس والهام لشعبنا لحسن النوايا الإسرائيلية التي خبرناها جيداً .
القدس – فلسطين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق