الأحد، مارس 01، 2009

الرسوم القضائية : خيار الدولة أم خيار ماقبل القبيلة ؟

محمود الزهيري

في مصر المأزومة بالفساد والإستبداد , تتوالي المصائب والكوارث علي مجتمعها المأزوم في كل يوم يتم حسابه بالزيادة من عمر النظام الحاكم الذي إختزل كافة السلطات في إرادته المنفردة , ولا عجب أن يتدخل في إنهاء أزمة الطالبة آلاء التي هزت عرش وزارة التربية والتعليم من المصحح لموضوع التعبير الذي خرجت به عن المألوف والمعهود , إلي وزير التربية والتعليم إلي مجلس الوزراء , ليكون رأس النظام هو صاحب القرار في إنهاء أزمة التلميذة آلاء .
وتتوالي الأزمات والنكبات يومياً ليتم تكريس نظام الجباية الغير دستوري والغير قانوني , والفارض سطوته علي المجتمع المصري المتحول إلي خادم للدولة المصرية , لتصير الدولة والمجتمع في نهاية الأمر خادمين للنظام الحاكم .
وآخر هذه النكبات والمصائب , مصيبة زيادة الرسوم القضائية علي المجتمع المصري المقهور بالفقر والغلاء والمرض , والمأزوم في حياته كلها , بداية من سكناه , لأسلوب حياته ومعيشته , وعمله ووسائل مواصلاته , حتي في مرضه وعلاجه , والمهموم لما بعد وفاته , أو إنتحاراته .
فكانت تلك الزيادة البشعة والفظيعة في نسبة الرسوم القضائية الخاصة بالدعاوي القضائية التي يرفعها أبناء المجتمع المصري أمام المحاكم , وكأن الدولة المصرية ترغب بإرادتها المنفردة المأمورة بإرادة النظام الحاكم , وتنسحب من ساحة العدالة تاركة أمر العدل وحقوق المواطنين وواجباتهم أمام دولة العدالة التي أصبحت إفتراضية بالقوانين الإستثنائية والطوارئ ومحاكم أمن الدولة العليا والعادية , بل والتفكير في المحاكم الخاصة الإستثنائية.
الرسوم القضائية التي تريد أن تقرها الدولة المصرية بإرادة النظام الحاكم , تعتبر إنسحاباً من ساحة عدالة الدولة , إلي عدالة أخري , مناطها المجالس العرفية , التي سيلجأ إليها الغالبية من أبناء المجتمع المصري تاركة أمر الحقوق والواجبات وتنفيذ طريقة الحصول علي الحقوق المتنازع عليها إلي تلك المجالس , والتي حتماً ستكون لها ميليشيات عسكرية تجبر بموجبها الخارجين عن إرادة تلك المجالس ليكونوا طائعين لها بموجب تلك الميليشيات التي ستأخذ شكلاً عسكرياً مسلحاً خارجاً عن إطار الدولة , ليشكل هو دولة أخري أو دول أخري داخل حيز الدولة .
أو أن أصحاب الحقوق من الضعفاء والمأزومين والغير قادرين علي مسايرة الدولة في طلباتها النقدية في سدادهم مقابل هذه الرسوم , وبسبب عجزهم عن مسايرة المجالس العرفية في تكاليفها النقدية الأخري , وميليشاتها العسكرية المسلحة , فماذا يفعل هؤلاء الفقراء والمعدمين ؟!
أو بمعني آخر سيلجأ البعض إلي أعمال البلطجة والإرهاب للحصول علي حقوقه الضائعة أو المتنازع عليها , ليتحول المجتمع إلي ماقبل مرحلة القبيلة , حيث تسود روح الغابة ليأكل القوي الضعيف , لأن مفهوم القبيلة حسب هذا التصور الإجتماعي أصبح أرقي من دولة الجباية والإستغلال , حال كون شيخ القبيلة يضمن الأمن ويحافظ علي الحقوق والحرمات الإجتماعية , ودوره القضائي داخل إطار القبيلة ومع القبائل الأخري له فاعلية ومنجز في حل كافة هذه القضايا .

وإذا كان قانون الغابة هو الذي يكاد يكون علي حافة التطبيق الكامل في مواد قانونه ونصوصه المفعل معظمها في المجتمع المصري , فكيف بإقرار وتفعيل نصوص قانون زيادة الرسوم القضائية ؟
إن حق التقاضي مكفول لكل إنسان يستظل بالسماء المصرية , وتطأ أقدامه الأرض المصرية , أياً كان هذا الإنسان , مثلنا في ذلك مثل كافة الدول أعضاء الجماعة الدولية التي تكفل حق التقاضي في صورة تقترب إلي حد المجانية في اللجوء للقضاء والحصول علي الحقوق التي لايمكن أن تضيع في مجتمعات بنيت منظوماتها السياسية والإجتماعية علي الديمقراطية والحريات وإحترام حقوق الإنسان , بل وتقديسه في أحيان كثيرة .
والدستور المصري المغيبة نصوصه عن الواقع المأزوم بالفسادات والإستبداد تذهب مادتيه 68 , 69 إلي أن:
المادة (68)التقاضي حق مصون ومكفول للناس كافة، ولكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعى، وتكفل الدولة تقريب جهات القضاء من المتقاضين وسرعة الفصل فى القضايا. ويحظر النص فى القوانين على تحصين أي عمل أو قرار ادارى من رقابة القضاء.
المادة (69)
حق الدفاع أصالة أو بالوكالة مكفول . ويكفل القانون لغير القادرين ماليا وسائل الالتجاء إلى القضاء والدفاع عن حقوقهم .
أما أن تتحول الدولة إلي دولة جباية بإرادة النظام الحاكم , لتقتات علي فقر الفقراء وأزمات المأزومين حتي من خلال البحث عن الحقوق بموجب العدالة المفقودة , وكما أشاع البعض من أن الغرض من زيادة الرسوم القضائية هو لتدبير الموارد القضائية لسد عجز تدابير تلك الموارد للنيابة العامة والقضاة والمستشارين ورؤساء الحاكم , وهذا مانرفضه , بل ونطالب بإستقلال الموارد المالية ليستقل مرفق العدل بموارده وبسلطته بعيداً عن السلطة السياسية , وليكون وزير العدل وزيراً لشئون المحاكم , وليس تابعاً في قراراته إلي السلطة السياسية التي يأتمر بأوامرها وينتهي بنواهيها , والتي تمتلك حق تعيينه وسلطة إقالته للتقاعد !!
اللجوء للتقاضي يجب أن يكون متاحاً للجميع , وفي أحوال كثيرة يتوجب أن يكون بلا رسوم علي الإطلاق , وإلا فالكارثة ستكتمل حلقاتها ويصبح المجتمع المصري قاب قوسين أو أدني من الإنفجار الذي ستعجل به مأساة تغييب العدالة باهظة التكاليف .
وفي هذه اللحظة الفارقة سيكون خيار ماقبل القبيلة هو الأقرب للتطبيق , ليس من خيار الدولة المنهارة , ولكن من خيار القبيلة !!

mahmoudelzohery@yahoo.com


ليست هناك تعليقات: